معضلة المالايو كتاب انتقد فيه شعب المالايو
واتهمه بالكسل، والرضا بأن تظل بلاده دولة زراعية متخلفة دون محاولة
لتطويرها للدكتور مهاتير محمد صدر في عام 1970 وقرر الحزب الحاكم في
ماليزيا، والذي يحمل اسم منظمة المالايو القومية المتحدة، منع الكتاب
من التداول نظراً للآراء العنيفة التي تضمنها، غير أن د. مهاتير سرعان
ما أقنع قادة الحزب بقدراته، وصعد نجمه في الحياة السياسية بسرعة،
وتولى رئاسة وزراء بلاده في 1981 ولمدة 22 عاماً، وأتيحت له الفرصة
كاملة ليحول أفكاره إلى واقع، بحيث أصبحت ماليزيا أحد أنجح الاقتصاديات
في جنوب آسيا والعالم الإسلامي فقد تحولت من دولة زراعية تعتمد على
إنتاج وتصدير المواد الأولية، خاصة القصدير والمطاط، إلى دولة صناعية
يساهم قطاع الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي،
وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من إجمالي الصادرات، وتنتج 80% من
السيارات التي تسير في شوارعها، وكانت النتيجة الطبيعية أن انخفضت نسبة
السكان تحت خط الفقر من 52% من إجمالي السكان في عام 1970، إلى 5% فقط
عام 2002 وأرتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولار في عام 1970
إلى 8862 دولار في عام 2002م أي أن دخل المواطن زاد لأكثر من سبعة
أمثال ما كان عليه، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3% وحسب دراسات البنك
الدولي أن ماليزيا تتمتع بأحد أفضل بيئات الاستثمار في جنوب آسيا،
والأهم من ذلك أن الحكومة الماليزية كانت لديها دائماً تصوراً ورؤية
للمستقبل كما هو الحال في السعودية هناك تصور و رؤية للمستقبل يتبناها
الإصلاحيون، يقول مهاتير محمد في آخر تقرير له عن الموازنة العامة قبل
تقاعده كرئيس للوزراء أن حكومته أدركت تماماً أهمية اعتناق قيم إيجابية
لتحقيق التقدم المنشود، ولهذا اعتنق من 22 سنة، سياسة النظر إلى الشرق،
والمقصود بها اعتناق قيم العمل في اليابان وكوريا التي تقوم أساساً على
الانضباط الشديد، والإخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار
المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم كحال معظم الأقطار العربية التي تسعى
لحذو ماليزيا، واعتبر مهاتير أن ثقافة العمل في اليابان بشكل خاص هي
الأنسب لثقافة وتكوين بلاده، فيما أعلن تكراراً لرفضه لفكرة العولمة
حسبما تقدمها أو تفسرها الولايات المتحدة ذلك لأنها ستؤدي إلى فتح
أسواق الدول النامية أمام الشركات الأمريكية العملاقة التي لا تقوى
مؤسسات الدول النامية على منافستها، وينتهي الأمر باستمرار احتكار
الشركات الكبرى، فلقد وصف مهاتير المضاربين بالبورصة بأنهم إرهابيون
اقتصاديون منتقداً كلاً من صندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية، ويرى
مهاتير أنه لا يجب أن تقبل أي أفكار أو سياسات لمجرد أنها صادرة من
الغرب، وطبق أفكاره عملياً عندما رفض تطبيق السياسات التي أوصى بها
صندوق النقد الدولي أثناء أزمة الأسواق الآسيوية التي طالت دول منطقة
جنوب آسيا بما فيها ماليزيا، وتعرضت العملة الماليزية وهي الرينجيت إلى
مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحول نقدي واسعة إلى
خارج ماليزيا، وبدأ أن النجاح الذي حققته على وشك أن يتحول إلى فشل،
وبعد بحث مستفيض للموضوع أصدر مهاتير مجموعة قرارات تهدف إلى فرض قيود
على التحويلات النقدية خاصة الحسابات التي يملكها غير المقيمين، وفرض
أسعار صرف محددة لبعض المعاملات، وهذا يخالف سياسة تعويم العملة التي
يصر عليها صندوق النقد الدولي ورغم الضغوط من الصندوق الدولي، أصر
مهاتير على سياسته التي اثبت الأيام أنها كاتن ناجحة حتى أن دولاً
كثيرة تدرسها وتحاول تكرارها، وحسب مهاتير ترفض وسائل الإعلام الغربية
الاعتراف بنجاحها، يذكر أن في ماليزيا ثلاثة مجموعات عرقية مكونة
للسكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة وهم المالايو 58% من السكان
والصينيون 24% والهنود 7% وكانت ماليزيا قد تعرضت في عام 1969 إلى
صدامات عرقية، أدرك بعدها الماليزيون أن استمرارها خسارة للجميع، ومن
ثم استطاع قادة المجموعات العرقية إيقاف هذه الصدامات بحيث لم تتكرر
بعدها إلى اليوم.
ويضم التحالف الحاكم 14 حزباً تمثل مختلف
العرقيات وهذا يعني أن المالايو قد قبلوا المشاركة السياسية في السلطة
لا الاستئثار بها وفيما قاله مهاتير أن الأمر متروك للعالم للحكم على
أفعالي.. لقد سعيت جاهداً لتنفيذ كل ما عهد به إلي كرئيس لوزراء
ماليزيا وعسى ولعل يقتدي به أمثاله. |