حين كان صدام التكريتي حاكماً على العراق كانت
الدعاية لصالحه تجري على المستويات الاجتماعية في بعض البلدان العربية
بهدوء عجيب (وكم.. وكم) من الأعراب الجهلة حاولوا فرض آرائهم لصالحه
مستندين إلى ما كانوا يسمعوه من فقرات خطاباته الكاذبة حول العرب
والأمة العربية ومبادئ العروبة أساساً للتقييم. أما الشعب العراقي الذي
أصبحت عدة ملايين منه وصل عددهم لزهاء ثلث مجموع سكان العراق فتلك
مسألة كان فيها وجهة نظر!
أنه لشيء إيجابي فعلاً أن استمرت جموع ملايين
العراقيين الموزعين على بلدان العالم في منافيهم بها باقون على الإعراب
عن الإدانة الدائمة لصدام شخصاً ولعصابته حكومة ولمرتزقته مأجورين
أوغاد إلا أن ما يؤسف له أن الخوف من الملاحقة الصدامية كان قد جعل
العديد من المواطنين يتخذون موقف الحياد من الصراع الدائر داخل وخارج
العراق بين حكم صدام الإرهابي المعتدي والمجتمع العراقي المظلوم
المعتدى عليه. وكان المبرر الموضوعي لهذه الظاهرة المنتشرة بين مواطني
المنفى أكثر جلاءً مما هو حال الداخل حيث كان نفاق المنافقين نتيجة
الضغط المخابراتي الشديد المراقبة على أحوال المواطنين ما جعل غالبية
المواطنين يتقون شر ذلك النظام فأيدوه بالكلام في حين كانوا ينبذونه في
دواخل نفوسهم اتقاءً من التنكيل المحتمل إن يلحق بهم في أي لحظة.
إلا أن هذه الموقف السلبي للعديد من المواطنين
قد شجع الحكم الصدامي على المضي باقتراف جرائمه وتجاوزاته على عموم
أفراد العراق بعد أن لمس النظام أن تحولاً في الموقف الشعبي العراقي
حيال مسألة الحكم الصدامي قد طفت على السطح السياسي لصالحه من حيث
الظاهرة لكن ما كان يعتمل في نفوس العراقيين مستمراً لإيجاد منفذ يبدي
موقفهم منه في أول ظرف مؤآت حتى إذا جاء يوم 9 نيسان 2003م الماضي
وانهزم نظام صدام عن الأخطار بكل ملايينه..
عصابته وما كانوا يحملوه من مبادئ فريقه عن
الحرية والعدالة وإلى آخر القائمة من مسميات سياسية فارغة كان النظام
الصدامي يعتمدها في إعلاناته الدعائية التي كان بعض الأخوة العرب في
البلاد العربية قد انقسموا في الرأي والتقييم بين مصدق ولا مصدق لها
وبحسب درجة الوعي عند هؤلاء أو أولئك.
إلا أن المفاجأة كان أكبر حين تم ظهور ما يمكن
تسميته بـ(لوبي صدامي إعلامي) في معظم البلدان العربية على غرار (اللوبي
الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة الأمريكية) وأول ما لوحظ على اللوبي
الإعلامي الموظف لصالح نظام صدام السابق هو أنه لوبي يريد أن يتكلم
ويوصل أفكاره الجهنمية المغايرة للحقائق التاريخية لا أن يسمع أي شيء
يحاول أن يمس ذلك النظام إلا أن ما لوحظ أن اللوبي الصدامي وقع في خطأ
بدأ متعمداً حين صرح أكثر من متفوه فيه أن كل الحكام العرب هم من شاكلة
صدام فلماذا يدان صدام وحكمه ولا يدان حاكم عربي آخر وحكمه وكان هذا من
باب التنويه من قبل اللوبي الصدامي فيما إذا صدقت أخبار الجرائم
الواقعة في العراق والتي تم كشف النقاب عنها بعيد سقوط بغداد.
إن حملة إعلامية مركزة قد شنت على الحكم
الانتقالي العراقي رغم أنه حكم مؤقت تنتهي مهمة أداؤه بانتهاء المرحلة
الانتقالية ولا يوجد بديل عنه في ظل بلد بظروف العراق الآنية حيث ألغيت
مؤسساته الرسمية بقرار من قوات المحتلين الأنكلو – أمريكيين لكن
الإعلام العربي السلبي لا يريد أن يفهم ذلك وهذا ما جعل الحوار في
التعقيبات الإعلامية على اللوبي الإعلامي الصدامي أمراً عسيراً بعض
الشيء بسبب غياب المنابر العربية الديمقراطية تماماً في عموم المنطقة
العربية.
لقد أعلن المحتلون الأنكلو – أمريكيون منذ
دخولهم العراق بأنهم محتلون لكنهم يريدون الرحيل بعد استتباب الأوضاع
الأمنية داخل العراق وأخذ زمام إدارة البلاد من قبل حكومة عراقية
منتخبة وفقاً لدستور عراقي دائم ينظم أمور الدولة والمجتمع وهذه النقطة
رغم تكرارها على برامج الإعلاميات الدولية ومنها ما تتناقله بعض
الإعلاميات العربية إلا أن اللوبي الإعلامي الصدامي لا يتكلم سوى عن
المشهد السياسي والعسكري العام في العراق وبارزاً أخبار العمليات
الإرهابية الصدامية التي تطال الأطفال والنساء والشيوخ والعناصر
العسكرية والمدنية من قوات الشرطة العراقية والأجانب وكأنها عمليات
كفاح مشروع ويتناسى اللوبي الإعلامي الصدامي أن الشعب العراقي برمته قد
كره ومقت النظام السابق ورضي بأي بديل عنه إلا أن هذا الشعور العراقي
الانفعالي الذي برز بين النفوس أثناء فترة حكم صدام قد زالت الآن وأن
العراقيين لا يرضون بأي بديل غير عراقي وطني صميم.
لا شك أن إعلاميو اللوبي الصدامي يحاولون إرضاء
صدام المختبئ على حساب إغضاب شعب العراق أملاً منهم أن في نجاح معاودة
صدام إلى الحكم ستكون هناك فائدة لهم ومخاوفهم الآن محصورة من احتمال
إلقاء القبض المحتمل جداً لشخص صدام وتصفيته أماً قتلاً مباشراً أو
بتنفيذ قتله قانوناً بواسطة محكمة قانونية عادلة.
إن حقائق جديدة تظهر بين حين وآخر عن الوضع
العراقي السابق في ظل حكم صدام الذي كانت بيده الملطختين بدماء الشعب
العراقي كل خطوط اللعبة السياسية في العراق فقد كان (صديم) وهذا هو
التصغير لاسم (صدام) الذي كان أهل الجنوب في العراق يطلقوه عليه يتصور
أن (الربط والحل) في الوضع العراقي سيبقى لصالحه والى الأبد وكثير من
المواطنين العراقيين كانوا يجادلون على صحة مثل هذا الرأي لأن اليأس من
إجراء تغيير على الحكم الصدامي وإنهاؤه كان حلماً عراقياً لا يتعدى
إطار معناه كـ(حلم).
يبدو أن إعلاميو اللوبي الصدامي المنتشرون في
بعض البلدان العربية الذين يجدوا من يؤيدهم من العرب اللاعارفين ما جرى
ويجري في العراق هم موظفون سابقون لدى الدولة العراقية السابقة، إن
هؤلاء الإعلاميون اليوم هم أساس في تسميم الرأي العام العربي ولا يدري
المجتمع العراقي كيف وبأي حق يجيز لهؤلاء الإعلاميون الأغراب عن الساحة
العراقية أن يحاولوا إقناع أي عراقي بما يريدوا تعريف صدام به بدلاً أن
تكون هذه مهمة العراقيون لهم.
إن طرح سؤال من قبيل: لماذا رفض العراقيون بقاء
صدام في الحكم وفرحوا من التخلص من عصابته، لا يمكن إلا أن يبقى معلقاً
لدى معظم الإعلاميات العربية الآن لأن مقاضاة قانونية ضد المبتعدين عن
أداء مسؤولية الإعلام الصحيح ليست واردة في المرحلة التاريخية الراهنة
لذلك فإن إعلاميو صدام مازالوا يتحججون وبدون أي حياء واصفين صدام
بـ(أنه بطل تحرير قومي) وكان يحمل مشعل الحرية في بلاده متناسين أن كل
الأحزاب العراقية كانت معارضة للحكم السابق وبغض النظر عن مدى فاعلية
أو جدية هذه الجهة المعارضة أو تلك، واليوم فإن المعركة الإعلامية التي
تلمس بأنها مستمرة قد بدأت فعلاً وأن حالة تفاهم مع إعلاميو صدام من
الأعراب أمر لا يمكن أن يحدث فقد رضي هؤلاء أن يكونوا أعواناً لصدام
وأعداء للشعب العراقي من حيث يدرون أم لا.
ولعل المواجهات الحادثة الآن داخل العراق بين
إرهابيو صدام من بعض العراقيين الساقطين سياسياً العاملين تحت أمرته
والمفعمون ببعض المرتزقة الأعراب اللامحسوبون على شعوبهم العربية حتماً
ستنتهي حتماً عاجلاً أم آجلاً وأن الصدامات العسكرية ستشهد نهاية قريبة
لها بحسب الكثير من التوقعات لدى المحللين السياسيين فرأس مال كل عراقي
غيور هو الشعب العراقي ورأس مال كل صدامي هو محاربة الشعب العراقي وتلك
هي الحقيقة غير الخافية على التاريخ. |