اكتشفت في كربلاء المقدسة المقبرة الجماعية الاربعون
في سلسلة مقابر نظام صدام حسين الجماعية التي عثر عليها هناك في احد
البساتين القريبة من مقام الامام المهدي القريب من مديرية امن المحافظة
السابقة.
وقد جرى الكشف عن المقبرة الجديدة عن طريق افادات
شهود عيان اوضحوا انه كان من الصعب تحديد مكان المقبرة بعد هذه المدة
الطويلة نظرا لتوسيع الشوارع القريبة من البساتين.
واوضح مهند الكناني رئيس لجنة مراقبة حقوق الانسان
في محافظة كربلاء ان هذه المقبرة ليست الاخيرة نظرا لورود معلومات عن
وجود خمس مقابر جماعية اخرى يجري التحري عنها في ضوء استبيان المعلومات
الكاملة من خلال شهود عيان.
يذكر أن بعد الإطاحة بنظام صدام اكتشف الكثير من
المقابر الجماعية في أنحاء العراق بعضها من قبل ضباط الاستخبارات
الخاصة بصدام منها المقبرة التي تمتد على مساحة 40 فداناً بالقرب من
الزبير ضمن حقل بيرجيسيا النفطي المملوك لشركة نفط الجنوب، وتشير
السجلات الحكومية الى ان هذه المقبرة تضم رفات ألفي جندي مجهولي الهوية
من ضحايا الحرب الايرانية ـ العراقية، و480 ايرانياً و114 كويتياً من
ضحايا الغزو العراقي للكويت عام 1990، اضافة الى أكثر من ثلاثة آلاف
شخص أعدمتهم أجهزة الأمن الصدامية ابان قمع انتفاضة الجنوب عام 1991،
وقد انتشلت السلطات العراقية هذه الجثث بصورة سرية ووضعتها في مكان
مجهول.
وقد أدت الأمطار وعوامل الزمن الى إخفاء معالم
القبور في بعض مناطق المقبرة وسوّتها بالأرض وأدت الى محو الأرقام
المحفورة على علامات معدنية صغيرة كانت توضع على القبور.
وقد شاعت انباء المقبرة عقب سقوط نظام صدام.. ويخشى
الحامد ـ ضابط الاستخبارات السابق ـ ان يكون بعض اللصوص قد سرقوا
مخلفات من الجثث لبيعها للعائلات الايرانية التي تتوق للحصول على أي
رفات من أبنائها لدفنه، ويقول ان هناك منزلاً في البصرة تجري فيه
عمليات البيع.
ويرى الدكتور غانم النجار المستشار الكويتي لمنظمة
العفو الدولية ان «من الصعب معرفة مدى صدقية ضابط سابق في المخابرات».
وبالنسبة للضابط الحامد، فإنه يخشى البوح بكل ما يعرفه لأنه قد يعرّض
نفسه للمساءلة القانونية. ومع ذلك، فإنه لا يعتقد بإمكانية التعرف الى
هويات الراقدين في المقبرة بسبب عوامل الزمن وبسبب عمليات السرقة
والتخريب التي تعرضت لها المقبرة. ويعتقد انه دون فحوص تجريها مختبرات
غربية متقدمة، فإن هوية هؤلاء الناس ستظل مجهولة.
ومع مرور الايام تظهر الكثير من الوقائع المفونة
والمقابر الجماعية السرية التي لازال عددها مجهولا ويتكاثر يوما بعد
يوم.
فقد ارسل ضابط استخبارات عراقي سابق برتبة مقدم
رسالة بيد احد الاشخاص الى وزارة حقوق الانسان في حكومة الاقليم الكردي
ذيلها بتوقيعه دون ذكر اسمه، حدد فيها موقع احدى المقابر الجماعية التي
ضمت رفات عشرات الضحايا من الرجال والنساء والاطفال الاكراد في احدى
مناطق جنوب العراق، وبالفعل ارسلت الوزارة بعثة الى المكان المحدد
واكتشفت المقبرة الجماعية. واعتبر الكثيرون ان هذه الرسالة تشكل بادرة
خير قد تشجع الاخرين على اماطة اللثام عن العديد من الجرائم الوحشية
التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع صدام حسين طوال فترة حكمه في العراق.
وحول كيفية التعرف على هوية الضحايا الاكراد من بين
العدد الكبير من الضحايا الذين دفنهم النظام في تلك المقابر الجماعية،
قال صلاح رشيد وزير حقوق الانسان في حكومة الاتحاد الوطني الكردستاني:
«بالاضافة الى العلامات المألوفة مثل الشماغ الاسود المنقط الذي
يستعمله الكردي كربطة رأس، نجد في جيوب بعضهم هويات شخصية، خاصة ان
كثيرين منهم كانوا يعدمون جماعيا ولم يكن رجال النظام يأبهون بدفنهم
حسب الاصول بل يلقونهم في حفر كبيرة ثم يهيلون عليهم التراب، بالاضافة
الى شواهد كثيرة على قيام النظام السابق بدفن الالاف منهم احياء، بدليل
ان جثثا استخرجت من تلك المقابر ليس فيها ما يدل على القتل بالرصاص.
وهناك طريقة اخرى للتعرف على هوياتهم وهي الساعات اليدوية التي
يحملونها وهي في الغالب تكون من موديلات اعوام الثمانينات، او من
الاحذية المطاطية التي يستخدمها الاكراد بكثرة في المناطق الجبلية
والريفية بكردستان ولا ينتعلها سكان الجنوب او الوسط في العراق،
بالاضافة الى بعض المعاطف او السترات التي نعرفها من موديلاتها ونوعية
خياطتها».
وقال رشيد ان وزارته حصلت على موافقة حكومة الاقليم
لتخصيص عدة دونمات من الاراضي بالقرب من مدينة كركوك وبالتحديد في
المنطقة الممتدة بين مرتفعات باني مقان وقرة هنجير لانشاء اكبر مقبرة
في العراق تضم رفات عشرات الالاف من ضحايا عمليات الانفال الذين تقدر
اعدادهم حسب الاحصاءات الرسمية باكثر من 180 الفا من الرجال والنساء
والاطفال الاكراد بعد ان يتم جمع تلك الرفات من المناطق المختلفة ويعاد
دفنها في المقبرة، مضيفا ان نصبا ضخما ايضا يقام في مدخل المقبرة
تخليدا لهؤلاء الضحايا الى جانب بناء متحف كبير على غرار متحف (الهولوكوست)
ونصب ضحايا هيروشيما ونصب حلبجة الذي يخلد بدوره ضحايا الضربة
الكيمياوية لسكان هذه المدينة في 16 مارس (اذار) عام 1988.
واشار وزير حقوق الانسان في حكومة طالباني الى ان
وزارته والبعثات الخاصة التي ترسلها لفتح المقابر الجماعية في جنوب
العراق تعاني من جملة من المشاكل عند اكتشاف اية مقبرة في مناطق العراق
المختلفة، خاصة عبث السكان المحليين بهذه المقابر، حيث هناك من فقد احد
افراد اسرته فيأتي وينبش بين رفات الضحايا عله يستدل عليه وهذه طريقة
غير علمية وغير سليمة وتؤدي الى فقدان الكثير من الادلة والشواهد التي
يفترض توثيقها لدى المنظمات المعنية بحقوق الانسان وجرائم الحرب
الدولية، وناشد السكان بالتريث عند اكتشاف اية مقبرة لحين وصول الفرق
والبعثات الخاصة بهذا الامر.
وحول ما اذا كانت وزارته تلقى دعما من ادارة
التحالف بهذا الشأن ، قال رشيد: هناك تنسيق جيد بيننا وبين قوات
التحالف للحفاظ على تلك الشواهد ومنع الاقتراب من المقابر المكتشفة
لكننا اضطررنا الى تأجير عدد من العمال لحراسة تلك المقابر وعدم السماح
بالعبث بها الى حين تسليمها لجهات ومنظمات دولية مختصة التي يفترض ان
تقوم هي عن طريق خبرائها بفتح تلك المقابر، بالاضافة الى مشكلة اخرى
وهي ان هناك بعض المقابر نعرف مكانها لكنها تقع في مناطق خطرة لا
يمكننا في الوقت الحاضر الاقتراب منها، فيما هناك مقابر تقع على الحدود
مع بعض الدول المجاورة وتحديدا الحدود العراقية ـ السعودية التي
استغلها النظام السابق لدفن الاف الضحايا الكرد الذين سيقوا في
الثمانينات الى محافظة السماوة المتاخمة لتلك الحدود حيث تغطي الصحراء
اجزاء واسعة من حدودها الادارية. وهناك شهود عيان تم توثيق شهاداتهم
بافلام الفيديو كاسيت يتحدثون فيها كيف انهم رأوا مئات الشاحنات
العسكرية وهي تنقل عوائل كردية الى المناطق الصحراوية في المحافظة ثم
تعود خالية من الركاب. |