العراق الذي كان يمثل البلد النموذجي الأول في
الحضارات القديمة لم تستطع المحن الكبرى التي ألمت به أن تمحو ذلك
الأمل الشرعي كي يعود العراق نموذجياً بين بلدان العالم المعاصر لذلك
فإن شخصيات وطنية مستقلة وأحزاب وطنية علمانية وإسلامية ما تزال تضع
ذلك الأمل لتقدم وازدهار البلاد ضمن أولويات عملها السياسي والنضالي
على الأقل افتراضاً.
لعل في ضمان تأمين الحالة الأمنية والمعاشية
والسيادة للعراق هي الخطوط الرئيسية الكفيلة أن تكون منطلقاً ناجحاً
للانتقال بحال العراق من بلد مضطرب إلى بلد آمن ومستقر وطبيعي. ولو تم
الخوض بقليل من التفصيل لتبيان شيء من أنباء تخص الوضع الأمني داخل
العراق من منطلق مقاربة الفكرة فإن المدنيون في العراق هم الذين
يتحملون العبأ الأعظم من عمليات الإرهابية الحادثة بمعدل يومي تقريباً
في العراق في هذه الفترة الحرجة من تاريخه إذ يموت الأفراد بالآحاد
وأحياناً بالعشرات جراء التفجيرات اللامسؤولة التي تستهدف أساساً إشاعة
الرعب بين صفوف المواطنين. وأما ما يلحق بالأجانب من قوى التحالف فهم
المستهدفون اضطراراً فرسالة العنف التي يريد الإرهابيون إيصالها للشعب
العراقي هي أن يتقبل استعادة صدام وعصابته إلى دست الحكم مرة أخرى وليس
هناك شيء أخر وبديهي جداً فإن أضرار التفجيرات التي تتناقلها وكالات
الأنباء العالمية الحادثة ببغداد بصورة مركزة بحكم كونها العاصمة فهذا
ما يفسر هذا المعنى.
إن المنطقة الجغرافية التي تحدث فيها التفجيرات
وعمليات تخريب البنية الأساسية هي الآن إضافة لبغداد محافظة الأنباء
ومحافظة ديالى ومحافظة المسماة – صلاح الدين التي تقع فيها مدينة تكريت
المشؤومة الاسم على سماع العراقيين، وتوضح التقارير الصحفية المنقولة
من العراق أن لتنظيم القاعدة المشبوه دور خطير في المشاركة الإرهابية
مع عناصر النظام البائد في محاولة يائسة لإعادة عجلة التاريخ إلى
الوراء داخل العراق وتشير الدلائل المستندة لتشابه وقائع ومواد
العمليات المستعملة في العمليات الإرهابية نوع السلاح، طرق التفجير،
إلى أن وراء تلك العمليات جهة واحدة أو أكثر ولكنها تنسق توقيت تفجير
عملياتها الإرهابية لتجعل المجتمع العراقي في حالة يأس والرضوخ المعنوي
لأي تطور سلبي في الوضع العراقي يأتي لصالح صدام وفريقه الإجرامي إلا
أنه من المتوقع أن أساليب الأخير سوف لن تؤدي لأي نتيجة لصالحه أو
لصالح مصير عصابته.
ومع الإقرار أن الإرهابيين الصداميين وتوابعهم
الملتحقين بهم على (اتفاق الارتزاق) ليسو بمقدروهم إعادة الكرة لاستلام
السلطة مجدداً في العراق نظراً لفارق الإمكانات العسكرية ومقتضياتها
بين الجانبين قوى التحالف من جهة المحتلة العراق مؤقتاً والقوى
الصدامية الظلامية التي تبغي استعادة مواقعها الإجرامية داخل هيكل
الدولة العراقية الجديدة التي بدأت بوادر ظهورها يستكمل خطوطها، ولعل
ما يفوت قوى الإرهاب الصدامي داخل العراق أن ما يشكلوه من قوة لا يهدد
الوجود الأجنبي الحالي في العراق بل يهدد من الناحية الرئيسية وجود
الإنسان العراقي وحاضره ومستقبله.
إن تركيبة العراق المعاصر مازالت متأثرة بالقوة
الغيبية الإلهية على وجه العموم مع التمسك الشديد بالأعراف العشائرية،
والتوجهات الاجتماعية الإيجابية التي بدأت توضح أن العلاقة مع قوى
التحالف هي علاقة تستند لضمان مصالح الشعب العراقي أولاً ومنح امتيازات
محددة أساسها المنافع المتبادلة بين العراق الجديد وقوى التحالف وأي
بلد أخر يسهم في إنهاض البلاد، قد يكون هناك من يبتسم لمثل هذا الكلام
لكن الحقيقة الموضوعية تقول أن قوى التحالف التي اعترفت باحتلالها
للعراق أكثر من مرة كما ورد على لسان حال قادتها الكبار وسمع بذلك كل
العالم لا يمكن أن تنكث بسهولة بعهدها حول الانسحاب في الوقت المناسب
من أرض العراق وتتأكد من انبثاق حكم عراقي دستوري بعيداً عن تنظيم
العصابات التي في شاكلة عصابة صدام الذين يشكلون الفريق الأخطر في
المؤامرة على الشعب والوطن العراقيان.
من جانبه جدد الرئيس الأمريكي جورج بوش إعلان ما
سبق أن صرح به سابقاً أن القوات العسكرية الأمريكية ستبقى داخل العراق
إلى حين انتهاء مهمتها التي تقترن بصدور الدستور العراقي الدائم الذي
بموجبه يحكم العراق وانبثاق حكومة مؤهلة للقيام بمهمة إشاعة دولة
القانون والديمقراطية الحقيقية في البلاد، وفي استطلاع حديث قام به
المركز العراقي للبحوث والدراسات الاستراتيجية وأشار إلى (أن نصف
العراقيين يريدون بقاء قوات التحالف) ووجود مثل هذا النفس عند عموم
العراقيين يقطع الطريق حتماً وبصورة لا تقبل الجدل على عودة صدام
وعصابته إلى دست الحكم العراقي مرة أخرى.
هذا ويلاحظ بعض المتابعون للوضع العراقي الراهن
أن تصريحات بعض المسؤولين العراقيين في مجلس الحكم الانتقالي العراقي
تنصب على ضرورة أن يأخذ العراقيون زمام المبادرة بالتنسيق مع قوى
التحالف كي يمنحو مسؤولية تعسفية العناصر الإرهابية بحكم كون الأخيرين
معرفون لدى جهات مجلس الحكم الانتقالي وليسوا معروفين الهوية لدى عساكر
قوى التحالف التي تعجز عن التفريق بين العراقي وغير العراقي من مرتزقة
تنظيم القاعدة وتجمعات الأعراب المغرر بهم الذين دخلوا إلى أرض العراق
في خلسة زمنية سياسية وتأكيداً لهذه الحقيقة أفاد تقرير تقويمي للجيش
الأمريكي: (أن العمليات العسكرية الأمريكية في العراق تعاني من ثغرات
خطيرة في جميع المعلومات العسكرية ومعالجتها..)
طبيعي أن توفير الحالة الأمنية للمواطنين كافة
داخل العراق يقوي الأرضية السياسية لانطلاقة أفضل لإعادة ترتيب الأوضاع
العراقية إلى أفضل ما هو موسوم في المخيلة الوطنية العراقية الحريصة
على أن يكون العراق للعراقيين، والعراقيين فقط مع الترحيب بكل من يمد
يد الصداقة للشعب العراقي ولا يأخذ من خير العراق أكثر مما يتعهد
بالتعويض عنه ضمن عملية تبادلية موضوعية بين العراق والدول الأخرى أي
على استناد المصالح المتبادلة بين الشعوب كمبدأ مقر لدى هيئة الأمم
المتحدة.
فبذاك سيكون عيش العائلة العراقية رغيداً
والسيادة الوطنية على أرض العراق مسألة لا تحتاج إلى إعادة نظر إذا ما
تصافت القلوب وتماسكت الأيدي لبناء عراق جديد بمعنى الكلمة. |