انطلق تلامذة الصف الخامس في «مدرسة الهجرة
الابتدائية» الواقعة في منطقة راقية في بغداد بالهتاف عند دخول معاونة
مدير المدرسة «عاش الرئيس صدام حسين»، لكنهم توقفوا قبل أن يكملوا
عبارتهم فيما أخفض العديد منهم نظراتهم صوب الأرض.
قالت إنعام موسى الناقد معاونة المدير بفرح واضح
على قسماتها: «الأشياء تغيرت بشكل كامل. كل الأطفال عادوا إلى المدرسة
وكل المعلمين الذين كانوا هنا منذ خمس وعشرين سنة قد عادوا أيضا».
وحينما فتحت المدرسة أبوابها في الاول من الشهر
الحالي ظل مئات من الآباء والأمهات ينتظرون خروج أطفالهم لاقتيادهم إلى
بيوتهم خوفا عليهم من مخاطر كثيرة. لكن الآن لم يعد يأتي إلى بوابة
المدرسة سوى القليل من الآباء.
وليلة الجمعة الماضية رفعت السلطات الأميركية حظر
التجول عن بغداد حيث قالت أمس: إن الحياة رجعت إلى طبيعتها في العاصمة.
ويوم السبت الماضي عبّر الكثير من العراقيين في العاصمة عن موافقتهم
على هذا الاستنتاج، وقدموا الكثير من الأدلة لصالح قرار رفع حظر التجول،
فالشوارع أصبحت غاصة بالناس الذين يخرجون للتسوق ولقاء الأصدقاء،
وأصبحت المقاهي مزدحمة بروادها. ويمكن مشاهدة العوائل وهي تتمشى للنزهة
في الوقت الذي أغلق الباعة المتجولون الحركة فوق أرصفة الشوارع.
وقال مدير أحدى وكالات السفر إنه أصبح مشغولا جدا
ولأول مرة منذ أكثر من عقد، في العمل خصوصا لإجراء الحجوزات لآلاف
الناس الذي يريدون قضاء عطلهم في المناطق الكردية الواقعة في شمال
العراق حيث منِع العراقيون من السفر إلى هناك منذ عام 1991. وقال
المدير أحمد عبد الحميد: «الناس يشعرون أنهم أحرار في السفر وهم يريدون
أن يذهبوا إلى تلك المناطق لأن هناك مشاهد خلابة تنتظرهم ولأنها نظيفة
وآمنة».
أما خارج مركز الجوازات فكان هناك يوم السبت الماضي
عشرات من العراقيين ينتظرون لملء استمارات للسفر. كانت روضة جاسم علي
تقف تحت شجرة خارج المكتب تحمل بكل فخر في يدها أوراق السماح بالسفر
صادرة عن إدارة قوات التحالف، ومكتوب عليها بالعربية والإنجليزية. فهي
لم تغادر يوما العراق من قبل «لكنني الآن سأذهب لزيارة عمي في الأردن»
قالت ذلك مع ابتسامة.
وفي مصرف الرافدين الحكومي جلس المحاسب حسين سلمان
على كيس معبئٍ بمبلغ 8 ملايين دينار عراقي (4000 دولار) وكان ينتظر
وضعها في حسابه، وهذا أمر لم يكن يتصور حدوثه قبل الحرب. قال معلقا: «إنه
أكثر أمنا الآن استخدام البنك، لأن هناك استقرارا أكثر». وأحد أسباب
الاستقرار هو دبابة «إم 10 أبرامز» الواقفة بالقرب من البوابة الأمامية
للمصرف والموجهة مدفعها نحو الطريق. وداخل المصرف كان ما يقرب من 30
شخصا بانتظار قدوم أحد المحاسبين. قال سلمان: «لم يكن هذا البنك مزدحما
قط قبل الحرب. إذ لم يكن يأتي إلى هنا أي شخص تقريبا».
مع ذلك ليس الكل متفائلا ومنبسطا مع الوضع الحالي
فهناك مشاكل أمنية ما زالت عالقة، وكل يوم تقع هجمات من كل نوع وهي
غالبا ما تسفر عن وقوع قتلى. وما زال الجميع يقولون إنهم لا يشعرون
أحيانا بالأمان على الرغم «من أن الأوضاع راحت تتحسن من يوم إلى آخر»
حسبما قال علي الشريف مدير مطعم «السائح»، حيث جلست هناك ست فتيات
جامعيات يأكلن ساندويتشات كباب، وقلن إنها المرة الأولى التي يخرجن
فيها معا منذ الحرب. وقالت رنا البيضاني، 22 سنة: «الحياة بدأت تعود
إلى وضعها الطبيعي. إنه شيء رائع أن نتمكن من الخروج ثانية».
وقبل الحرب كانت الفتيات يخشين المجيء إلى هذا
المطعم لسبب آخر لأنه المكان المفضل لعدي صدام حسين المعروف عنه انه
كان يلاحق الفتيات الجذابات اللواتي يصادفهن ويأخذهن إلى قصره.
لكن سهى نزار، 20 سنة، كانت تفكر بالعنف الذي اندلع
في المدينة منذ الحرب لا القيادة السابقة، وأشارت إلى «أننا ما زلنا
نخاف قليلا».
وقال مدير المطعم إن زبائنه ظلوا لعدة شهور بعد
الحرب من الرجال لكن منذ بداية هذا الشهر «بدأنا نشاهد العوائل بالعودة
إلى المطعم. والآن نحن لدينا غرفة واحدة فقط للرجال».
ويوم السبت الماضي تم إجراء سبع محاكمات في محكمة
المدينة واشتملت الجلسات على النظر في جرائم تتعلق اثنتان منها بسرقة
سيارات واثنتان بالقتل وواحدة بالاختطاف وواحدة بحيازة سلاح بطريقة غير
شرعية واثنتان باعتداءات وأخرى بحيازة سلع مسروقة.
وبدا القاضي المساعد فاروق بسام مسرورا لتمكنه
وزملاؤه من إصدار أحكام بدون تدخل الدولة. وقال إنه «في السابق كانت
المحاكمة عبارة عن مهزلة» فإذا جاء متهم إلى المحكمة وهو صديق لأحد
أعضاء الحكومة «فإن شخصا من النظام سيأتي ويخبرك بأن من الأفضل ألا
تصدر حكما على ذلك المتهم». وأشار القاضي بسام إلى طرد أربعة قضاة في
الأسبوع الماضي لأنهم خدموا كقضاة في محاكم الأمن الخاصة التي كانت
تحكم على المعتقلين السياسيين.
وبدأ يوسف عبود، 43 سنة، صاحب محل للحلوى بالتحدث
لبعض زبائنه عما حل به أيام الحكم السابق، حيث كان ضباط الأمن لا يكفون
عن القدوم إلى دكانه من وقت إلى آخر ليحققوا حول عماله ولإجباره على
طرد أي منهم إن كان قادما من جنوب العراق. وقال شاكيا: «ذات مرة طردوا
كل عمالي، وكان علي أن أغلق المحل» أما الآن «فلا يحصل مثل هذا الشيء.
نحن بحاجة إلى أمن أكثر لكننا متحررون من الضغط الآن». |