من بين (56 مليار دولار) الكلفة المقدرة لإعادة
بناء عراق جديد وتعويض ما خسره من الحرب الأنكلو – أمريكية التي أطاحت
بنظام الحكم الصدامي السابق في نيسان الماضي 2003م حصل العراق على (33)
مليار دولار من الدول المانحة التي اختتمت أعمال مؤتمرها الذي عقد
مؤخراً في مدريد أسبانيا وهذه أول بشارة خير نحو إعادة عمليات البناء
للعراق.
وصف مؤتمر مدريد الذي عقد اجتماعاته خلال
اليومين 23 – 24 تشرين الأول أكتوبر الجاري 2003م بأنه مؤتمر ناضج بكل
المواصيف والقياسات وبحسب أخبار محطة B.B.C فقد كانت الولايات المتحدة
الأمريكية على رأس الدول المانحة إذ ساهمت بـ(33 مليار دولار) وتلتها
بالمرتبة الثانية اليابان إذ ساهمت بـ(5 مليارات دولار) وتبرعت كل من
المملكة العربية السعودية والكويت بمبلغ (1 مليار دولار) لكل منهما
وشارك رؤساء وفود من (73) دولة و(18) منظمة عالمية إضافة لوفد عراقي
دبلوماسي رفيع مثّل حكومة مجلس الحكم الانتقالي في العراق كما ساهمت
دول أخرى أضحت معنية أكثر من غيرها بإعادة أعمار العراق.
ومن جانبه أعلن البنك الدولي عرض في اجتماع
الدول المانحة أن مساهمته في دعم عمليات إعادة بناء العراق ستصل لحدود
(5 مليارات دولار) هذا في حين كان لـ(225 شركة) أوربية وأمريكية
وعراقية حضور مؤثر في المؤتمر الذي حضره الأمين العام لهيئة الأمم
المتحدة (أنان) قد أفتتح من قبل رئيس الوزراء الأسباني خوسيه ماريا،
هذا وقد تركت آلية تقديم المساعدة للعراق الخيار بين تقديم منحها عبر
صندوق خاص سمي بـ(صندوق ضمانات المانحين) أو بصيغة ثنائية مع العراق
هذا وقد اتفق جميع الأعضاء على ضرورة تأمين الظروف الأمنية التي لا غنى
عنها لإطلاق المشاريع إلى حيز العمل تزامناً مع توافر وجود عنصر
الطمأنة للقضاء على الإرهابيين الذي يحاولون تعكير أجواء العراق عبر
عمليات التفجيرات والتخريب التي طالت وتطيل أرواح العراقيين الأبرياء
أو المعارضين عن حق ومشروعية للحكم الصدامي المقيت.
إن إعادة الحيوية للاقتصاد العراقي ودعم الحالة
المعاشية لأبناء المجتمع هي مسألة وقت والأوساط التجارية داخل السوق
العراقي مسرورون لما آل إليه مؤتمر مدريد للدول المانحة من نجاح
والعراقيون على وجه العموم متفاؤلون أن لبنة اقتصادية كبرى قد تمت من
مكاسب مؤتمر المانحين وأكيد فإن الأزمات الماثلة الآن على الساحة
العراقية سوف تتلاشى حتماً بسبب أن تمويل إعادة العراق إلى جادة الدول
الخالية من أي مشاكل معيقة مسألة تؤثر على الوضع الأمني وكفيلة بأن
تحاصر كل الحالات السلبية الناتجة عن فلتان الأوضاع الأمنية القائمة
الآن في العراق.
ومعلوم تماماً أن هناك تجاوزات اقتصادية تجري في
العراق من مثيل تخريب أنابيب النفط نتيجة لتفجيرها سواء من قبل أعداء
الشعب العراقي الإرهابيين أو سواء من قبل مهربي النفط إلى خارج العراق
إذ تشير المعلومات الوثيقة أن محكمة عراقية قد شرعت بجلساتها مؤخراً
لمحاكمة مواطنين عراقيين وعرب وأجانب يقومون ضمن فريق عصابة مهمتها بيع
النفط من العراق إلى جهات خارجية وبأثمان رمزية من هؤلاء المهربين
للنفط العراقي مواطنان من جمهورية أوكرانيا يمتثلون الآن أمام المحكمة
العراقية الآنفة.
وللحقيقة والتاريخ فإن قطاع النفط في العراق شهد
طيلة فترة الحكم البائد اضطراباً شديداً استمر لزهاء 35 سنة الأخيرة
حيث كان أركان النظام السابق أول من أنتهج بيع النفط العراقي وتهريبه
إلى الخارج وقبض مبالغه لصالح جيوب قادة الحكم الذين كانت بيدهم مقاليد
الأمور الرسمية في العراق حيث اغتنت عائلة صدام بشخص المقبوران عدي
وقصي اللذان أصبحا من تجار العراق الكبار ويعقدون الصفقات التجارية
الهائلة مع الجهات الإقليمية والدولية وعلناً ولا من حسيب!
ومن باب أن الأسماء تعبر عن مسمياتها فهناك حال
جديدة بدأت تأخذ مسارها الطبيعي في العراق فشهر رمضان الذي سيحل بعد
أيام سيكون شهر للحرية الدينية التي سيمارس فيها مسلمو العراق شعائره
لأول مرة بكل حرية فهذا هو أول رمضان يحل الناس بدون (صدام الكافر)
الذي حاول في السنين الأخيرة من حكمه أن يبدو بمظهر الرجل المؤمن ولكن
تلك الحالة لم تنطلي على أحد فقط أسقط الشعب تماثيل أصنامه ببغداد ولم
يبقى إلا اليوم القريب الذي سيشهد فيه العراق والعالم إلقاء القبض عليه
لإسدال الستار الأخير تماماً على أسمه وعنوان نظامه المعادي للدين
الإسلامي والشعب المسلم في العراق. أليس هو الذي أمر بقصف أضرحة أهل
البيت (ع) في كربلاء والنجف سنة 1991م وأليس هو الذي نكل بالمؤمنين
المسلمين في العراق ومنع ممارسة الشعائر الإسلامية التي أوصى بها الله
سبحانه وتعالى أن جميع الأمور المشروعة للعراقيين في عهد صدام كانت
تواجه بمشكلات قمعية تنكر على كل العراقيين حقهم الشرعي في دينهم
الإسلامي وإيمانهم بربهم الله العزيز الكريم الذي يعود له الفضل الأول
في إزاحة النظام الصدامي المخلوع رحمة بالشعب العراقي.
واليوم لقد انتهت آفة الحكم الصدامي وغدا تفهم
الوضع العراقي الجديد وهو مقدم على مرحلة تاريخية جديدة وبالذات بعد
مؤتمر مدريد الخاص بالدول المانحة لإعادة الأعمار في العراق. أن يتم
التفكير لتهيئة مستلزمات استقرار البلاد وبناء سقف الأمن وإزالة آثار
الحرب من المهام التي لها الأولوية القصوى. وحتى لا يقال أن الخوف هو
الذي يتحكم اليوم بالمجتمع العراقي وبالذات الخوف من المستقبل المجهول
كما تحاول بعض الجهات المعادية أن تنوه لذلك وتضخم إمكانات ما يسمى (بالمقاومة
العراقية) التي هي عمليات لا تستهدف قوى الاحتلال الأنكلو أمريكية في
العراق بل تستهدف حرية وكرامة الشعب العراقي وسيادة العراق بل عبر
محاولة إعادة الحكم السابق إلى دست الحكم ليرجع العراق إلى الحكم
الاستعماري اللامباشر الذي كان سائداً خلال حقبة العراق التي بدأت منذ
سنة انقلاب 17 تموز 1968م المشبوه لما لا يخفى ذلك على أحد |