يبدو أن العراقيين رغم مأساتهم الكبرى قد أصبحوا
موضوعاً للأحاديث والتعليقات لدى الغير من أجل قضاء الوقت أو سد الفراغ
العقلي وميتة الضمير لدى العديد من هواة اللغو الإعلامي حتى باتت قضية
الشعب العراقي بعد زوال النظام الصدامي المشبوه وكأنها قضية أولئك
العروبيون المزيفون الذين يحاولون الادعاء لدرجة التبجح وكأن ما جرى في
العراق على عهد ذلك النظام الإرهابي كان أمراً طبيعياً تحت حجة ظالمة
تقول أن كل الأنظمة العربية هي على شاكلة نظام صدام وأن الاختلاف هو في
بعض الديكورات وتكويناتها.
ولعل في مثل هذا الطرح الآنف هو محاولة لخلط
الأوراق السياسية في الواقع العربي وعلى خلفية خبيثة تهدف إلى إعادة
الاعتبار للإرهاب الصدامي وحكم عصابته التي أذاقت الشعب العراقي
الويلات التي فاقت كل حدود. وأن هؤلاء العروبيون المزيفون قد وصلت لهم
صفة (الصلف) والخيال المريض على التركيز على واقع الذي يسمونه
بـ(الاحتلال الأمريكي) بدلاً من (الاحتلال الأنكلو – أمريكي) وعدم
الدقة لإنهاء الناس بالكلام عن من هم المحتلون الحقيقيون هل هم
الإنكليز أم الأمريكان أم كليهما معاً! ولك ذلك التركيز للقصد منه
تنقية صفحات النظام الصدامي السوداء من عار جرائمه بحق الإنسانية في
العراق.
إن مشاكل أهل العراق الحالية الذين يعانون الجوع
والحرمان ونقص الغذاء وفقدان الدواء وانعدام الأمن هي بالتأكيد أكبر من
أن توصف وإذا كانت المقابر الجماعية التي تم اكتشافها حتى تعد بالعشرات
أو المئات لمواطنين عراقيين أبرياء، فإن استطلاع رأي عموم العراقيين
الذي لم يتم حتى الآن للإجابة عن سؤال من مجموعة أسئلة ملحة إذ يقول
هذا السؤال: ما العمل الآن لمواجهة قانونية تجيز محاكمة أزلام النظام
السابق الذين نفذوا عمليات الاغتيال الجماعي للعراقيين دون أي محاكمات
قانونية هو ما ينتظر الإجابة.
ومع أن بعض المعلومات شبه المؤكدة تبين أن أجهزة
مخابرات النظام الصدامي متورطة حتى النخاع في معاداة المجتمع العراقي
بشكل عشوائي ودون أي مسوغ متعارف عليه لدى المجتمعات الإنسانية فإن ما
يفوت أعداء العراق أنهم بتأييدهم لنظام صدام وانتهاجاته الإرهابية
يوقعون على صك قطيعة الشعب العراقي لهم الذي يعرف جيداً من هم أصدقاءه
ومن هم أعداؤه في الداخل العراقي وخارجه.
إن الشأن العراقي حساس في الساحة الإقليمية
والدولية وأن من يتقرب إليه إيجاباً أو سلباً سيكون تحت أنظار الرأي
العام العراقي أولاً والعربي ثانياً والدولي ثالثاً.
والعراق المبتلى الآن الطامح إلى جدولة تواجد
قوات الاحتلال الأنكلو – أمريكي على أراضيه والإتيان بالبديل العسكري
الدولي المؤقت بحسب ما أقر ذلك مؤخراً مجلس الأمن الدولي وحتى انبثاق
الدولة العراقية الدستورية خلال الفترة القريبة القادمة التي يتوقع أن
تنضج ظروفها خلال سنة تقريباً على ابعد حال هي مسألة تحظى بنفس توجه
الاحتلال الأنكلو – أمريكي ذاته إذا أن فرصة ترتيب البيت العراقي أولى
بأهله أن يرتبوه.
ومن أجل تلافي بعض المخاطر المحيطة بالحياة
الاجتماعية داخل العراق كشف وزير الصحة العراقي الدكتور جعفر عباس
مؤخراً النقاب عن وجود (72) إصابة بمرض المناعة المكتسب (الإيدز) في
العراق مؤكداً: (أن جميع هذه الإصابات تخضع لمراقبة طبية صارمة) ونفى
الوزير بشكل قاطع وجود أية إصابات بمرض (SARS) الذي انتشر في بعض بلدان
جنوب شرقي آسيا خلال الفترة الماضية ومن المؤكد فإن هذه الإصابات التي
أكدتها الجهات الصحية العراقية هي من نتائج ظاهرة الفساد التي طالت بعض
العراقيين والعراقيات إبان خطة الفساد والإفساد التي اعتمدها النظام
الصدامي ضد المجتمع العراقي.
وفي تقرير لـ(منظمة الشفافية الدولية) قال
رئيسها بيتر ايغن: (أن مؤشر الفساد لسنة 2003م أظهر أن (70%) من الدول
التي شملها الاستطلاع سجلت أقل من خمس درجات من أصل عشرة... وجاءت
الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أكبر اقتصاد في العالم في المرتبة
(18) من حيث انتشار الفساد وسجلت (7.5 درجة) من عشرة كما أيرلندا فيما
جاءت بريطانيا في المرتبة (11) وسجلت 8.7) درجات، في حين جاء العراق في
المرتبة (113) بـ(2.2 درجة) من عشرة ويشير الرقم الأخير فيما يخص
الفساد أن العراق مازال بخير رغم كل خطة إفساد المجتمع العراقي التي
اعتمدها النظام الصدامي السابق كما مر التنويه له.
إن افتعال الاتهامات الوهمية ضد الشعب العراقي
بطريقة وبأخرى هي نوع من الدعاية السلبية التي ستؤول إلى الفشل لأنها
دعاية تساوي بين الشعب المظلوم في العراق الذي تحاول القوى المعادية
لقضية المعاصرة الآن أن تظهره وكأنه يستحق ما أصابه من مظالم إذ يلاحظ
أن بعض تلك القوى تحاول دق أسفين بين السنة والشيعة بحيث تظهر السنة
وكأنهم مقاومون للاحتلال بينما الشيعة يؤيدون الاحتلال بوقت تشير فيه
كل تصريحات أقطاب الاحتلال في الدولتين بريطانيا وأمريكا بأن الاحتلال
الذي أفرزه شن الحرب البريطانية – الأمريكية على العراق هي مسألة مؤقتة.
وإن ما يجري الآن في العراق وما جرى من عمليات
نهب وتجاوزات إرهابية مازالت تهز العاصمة العراقية بغداد أكثر من غيرها
بحكم تواجد قيادات القوى السياسية المحلية أو الأجنبية المتواجدة في
العراق، وهناك من يعمل حالياً على إعادة الأوضاع العراقية بكل جوانبها
إلى حالتها الطبيعية وتساهم بذلك دول أخرى فقد جرى مؤخراً اتفاق تعاون
بين المتحف العراقي ومتحف اللوفر الفرنسي وقعته كل من الهيئة العامة
للآثار والتراث إحدى دوائر وزارة الثقافة العراقية والملحقية الثقافية
الفرنسية ببغداد ومن النشاطات التي ستعقب هذا الاتفاق التعريف العالمي
بما حدث للعراق من سرقات آثاره أثناء انفلات الظروف التي صاحبت شن
الحرب الأخيرة وضرورة اليقظة لإعادة الآثار المسروقة إلى العراق في حين
صادرت الشركة الإيطالية قبل أيام مقتنيات أثرية يعتقد أنها سرقت من
المتحف العراقي ببغداد وتجري الآن اتصالات لتحديد هوية تلك الآثار التي
هي عبارة عن (33) لوحة عليها نقوش يعود تاريخها إلى حضارة بلاد
الرافدين وفارس قبل أكثر من (3 آلاف سنة) وتشرف الأمم المتحدة على رد
الآثار العراقية المسروقة بقرار سابق اتخذته بهذا الشأن.
وأي استطلاع للوقوف على آراء المجتمع العراقي
حول ظروفه ومشاكله وحقوقه تمثل أساساً يمكن الاعتماد عليه مع الأخذ
بعين الاعتبار أن العراق (وطناً وإنساناً وتراثاً وتاريخاً) مستهدف منذ
فجر التاريخ وحتى الآن. |