إعادة بناء النفوس في العراق هي مهمة الساعة
وهذه الإعادة لا تتم إلا بمد الجسور الحقيقية معها التي تحترم نسبة
وعيها – بصورة عامة – بقدر ما ينبغي أن تعطف على ما تغررت به في تشكيل
بعض آرائها وحتى تسمى الأشياء بمسمياتها فلا ينبغي الاعتقاد بأن عصابة
الحكم الصدامي البائد كانت تتمتع بأي نسبة من الإخلاص للمجتمع العراقي
وللوطن العراقي بطبيعة الحال.
وإنطلاقاً من هذه الحقيقة ينبغي إحاطة أي إنجاز
تحقق للعراق (إن وجد) قامت به السلطة كأن تكون قد حسنت تبليط شارع
بغداد فإن ذلك كان الحكم السابق يخفي وراءه غاية ذاتية تصب في صالح
مسار سيارات أفراد العصابة عليه وهكذا فلكي لا ينسى شعب العراق موديل (صدام)
الذي بنى قصراً في كل محافظة في العراق بمساحة حي بأكمله ووضعت الطرق
المؤدية إليها تحت حراسات مشددة باستثناء العاصمة بغداد التي شيد فيها
عشرة قصور إضافة إلى قصور أبنائه وبناته حيث كان مهووساً ليعوض عن
طفولته الأولى البائسة التي قضاها مع أمه في رحلة زيجاتها الفاشلة. وأن
عهود العمر عند صدام في صباه وشبابه هي محط شكوك فيما يتعلق بأخلاقياته
كما يعرف ذلك المجتمع العراقي برمته وهذا ما ينبغي أن يكون دافعاً إلى
إبعاد صفة أي نسبة من السوية في تركيبته الشخصية المشبوهة سياسياً بعد
أن أتحذو عن سابق إصرار لمعاداة الشعب العراقي في ماضيه وحاضره
ومستقبله ونكل بخيرة أبنائه لأسباب غير واضحة حيث فرض ظاهرة التهيب
بطشه العشوائي حتى بأقرب الناس إليه من أفراد العصابة السياسية المحاطة
به.
وموضوع السياسة في العراق لمعرفة حقبة حكم صدام
لا ينبغي أن تكون مثاراً للجدل فإن شيوع حكم اللاقانون المشفوع بفروض
القمع (كيفما اتفق) بحق السياسيين واللاسياسيين على حد سواء كانت ظاهرة
يعيشها المجتمع العراقي على مضض.
لقد حاول صدام وعصابته جر ما تبقى من المعارضة
العراقية بعد أن أباد عشرات المئات منهم داخل السجون العلنية والسرية
في العراق وذلك بأسلوب إقامة حوار ومشاركة المعارضة بالحكم وكرر ذلك
أكثر من مرة لكن الوعي المعارض كان أكبر من تلك الفخاخ التي كان صدام
ينصبها للمعارضة وبالذات المؤثرة منها التي كان لها آنذاك تواجد داخل
العراق.
واليوم فإن التشويش الذي أصاب الرأي العام
العربي في بعض مفاصله المؤيدة – دون علم أو دراية – لسياسة صدام
الإرهابية المخزية ينبغي أن لا تمر مرور الكرام ولعل الاهتمام بتاريخ
العراقي المعاصر هو اليوم مهمة وطنية إضافية يفضل أن لا تهمل وأن الشعب
العراقي برمته مدعوا للارتقاء بمستوى الوعي السياسي لديه إلى درجة
توجيه أصابع الاتهام وعدم رفعها عن حكم صدام ورموزه من أفراد عصابته
الذين أذاقوا شعب العراق الأمرين.
وأنه لأمر مفرح حقاً أن يتداول العراقيون بعملة
محلية خالية من وجه صدام الصلف كبداية حسنة للدخول إلى مشروع بدء نقل
السلطة للعراقيين في أسرع وقت يمكن عملياً. إذ من المناسب جداً مواجهة
الهجمات المسلحة التي يقوم بها مرتزقة النظام السابق والمرتزقة
المحسوبون على صف العروبة والعروبة فهم براءة وذلك بالمثل ولكن يتربص
ملائم يستطاع منه صدهم قبل شروعهم بأي عملية لذلك فإن أول الطريق
الممكن الاعتماد عليه بهذا الصدد أن يشرع مجلس الحكم الانتقالي بالضغط
الحواري على قوى التحالف الأنكلو – الأمريكية كي تجيز له بالبدء
بمحاكمة رموز النظام السابق الملقى القبض عليهم وأن تطارد العناصر
الشريرة المعروفة لدى الشعب العراقي والذي ما يزالون يسرحون ويمرحون
داخل العراق دون رقيب أو حسيب حقيقي ضدهم فبذاك سيمكن سد الطريق على أي
فتنة محتملة.
العراق اليوم أمسى يدعو دول عديدة إلى مساعدته
لتمويل مشروعاته الملحة القائمة كمشروع الكهرباء وغيره وهذا لا ينبغي
أن يكون على حساب استمرار الوضع الأمني المضطرب خصوصاً وأن الأبناء
العالمية تؤكد أن لأعضاء تنظيم القاعدة المشبوه دولياً أيدي في عمليات
الإرهاب داخل العراق وإن الإسراع بتشكيل قوة عسكرية متعددة الجنسيات
للتواجد في العراق هي مسألة ملحة وتقتضي الإسراع بعد لمس الجميع أنه لا
يكاد يمر يوم دون وقوع عملية إرهابية داخل العراق يقوم بها أعداؤه وما
يزيد التشجيع لدى هؤلاء الإرهابيين على الاستمرار في غي اقتراف جرائمهم
بحق أهل العراق أن صدام ما زال مختبئاً في مكان لا يعقل أن يكون غير
معروف لدى المواطنين العراقيين إلا أن صعودهم جرائم التفجيرات ضد قوى
التحالف الأنلكو – أمريكية ورموز المعارضة العراقية والمنشآت الرسمية
بآن واحد ربما جعل المواطنين الذي يعرفون مكان صدام لا يدلون عليه
تحسباً من أن يعود إلى السلطة ثانية بطريقة وبأخرى ويتم الحساب العسير
مع أولئك المواطنين في حالة فشل أو إنفضاح أخبارهم عن مكانه الحالي.
صحيح أن موضوع استرجاع الأمن والاستقرار يبدو
معقداً للغاية الآن لكن في المضي المؤكد على السير نحو الديمقراطية وحل
المشاكل الاقتصادية درجة درجة لا يتنافس مع الإسراع باتخاذ إجراءات
صارمة وسريعة لعل إنزال العقاب الشديد ببعض رموز عناصر السلطة السابقة
ممن اقترفوا جرائم بحق الشعب العراقي هو أفضل مدخل سياسي للحد ممن تسول
لهم أنفسهم للإساءة لأرواح المواطنين العراقيين الشرفاء.
إن العراقيون يأملون أن تكون حكومتهم المشكلة
تحت رعاية مجلس الحكم الانتقالي أن تمارس صلاحياتها بكل شكيمة وقانونية
وبذاك سيتواشج الوعي السياسي العراقي مع الأحداث التي تمر بها البلاد
إذا أن أقصى ما يخشاه مواطنو العراق أن تكون كفة امتلاك السلاح القاتل
بيد الإرهابيين الصداميين أكثر مما في أيدي القوات العراقية الموالية
للحكم الجديد.
لقد صرح قبل أيام وزير التجارة الأمريكي (دونالد
ايفانز) خلال زيارته للعراق (أن الولايات المتحدة لن تتراجع في حملتها
لمكافحة الإرهاب) وقصد بذلك بما يجري على أرض العراق وأفغانستان وهذا
مؤشر مشجع لمجلس الحكم الانتقالي أن يتخذوا من هذا القول دعوة للتذكير
بأن من أولويات تطبيق ذلك الإسراع بمنع الإرهابيين من القيام بعمليات
جرائمهم سواء بالتفجير أو القتل الجماعي أو الاغتيال السياسي إذ تشير
الأنباء الواردة في العراق أن كل من يلقى القبض عليه من المشتبهة بهم
باقتراف عملية رمي بالرصاص أو تفجير بناية أو مرفق عام أو شاحنة يطلق
سراحه تحت حجة عدم ثبوت الدليل ضده وإذا صحت مثل هذه الأخبار فهذا يعني
أشياء كثيرة ممكن أن تدرس احتمالاتها بأن لعبة السياسة في العراق هي
أكبر من أي تحد جار فيه. وإن أخطر ما في الوضع العراقي الراهن هو خلط
الأوراق بين معرفة أصدقاء الشعب وعدم مساندتهم وبين أعداء الشعب
والسكوت على جرائمهم التي اقترفوها بحق الناس إبان فترة حكم صدام
الظالم الذي قدم أسوأ نموذج للحكم الاستبدادي. |