رغم الفرحة الكبرى التي عمت نفوس
العراقيين إثر سقوط النظام الصدامي
المشبوه في نيسان 2003م ورغم مكسب الحرية ـ
الجزئية التي حصلوا عليها إثر ذلك لكن
الأمور لم تسير بوتائر إيجابية سريعة
فبسبب تخلخل المعادلة السياسية في
تأجيل موضوع محاكمة رموز وأزلام
النظام السابق إلى أجل غير مسمى بدأ أعداء
العراق يتحركون لمحاولة تعكير الأجواء العراقية الجديدة وبصورة مركّزة
على العاصمة بغداد أكثر من غيرها عبر عمليات التفجيرات
الإرهابية وملحقاتها المستهدفة حياة المواطنين
ومصالح الوطن وإرباك الأوضاع مما قد
ينذر بقدوم المجهول السلبي فبسبب في محاولة
تضييع الهوية العراقية الأصيلة التي كان يستهدفها النظام السابق أثناء
قيام حكمه والمتمثلة بجزئية تفضيل المواطن العربي على المواطن العراقي
في طريقة التعامل من قبل الدولة الصدامية إلى التعويض عن أعداد
العراقيين الأصلاء المهاجرين والمهجرين من العراق بعرب مستعربين وأجانب
بلدان شرقي آسيا الذين عوملوا باهتمام كبير دون أي وازع موضوعي أو
سياسي عقلاني.
فطيلة فترة ناهزت الستة أشهر لم يعرف الرأي
العام تماماً أين يختبئ رأس النظام السابق صدام ويتساءل الناس لماذا لم
يُلقى القبض عليه حتى الآن وهو في بلد لا يحتفظ فيه بأي رصيد من
التأييد؟ وماذا يمكن أن يعنيه ذلك على مدى الفترة السياسية القادمة
وتشير التقارير الصحفية الجديدة الباحثة في موضوع الانهيار السريع
لنظام صدام إلى حقيقة أن القوة العسكرية لم تكن وحدها العامل الحاسم في
تلك المعركة فقد خاضت المخابرات البريطانية والأمريكية معاً جانباً
كبيراً منها لتفكيك أجهزة النظام والإطلاع أكثر على أسراره ودوائره
التي كانت تبدو إلى الرأي العام الشعبي العراقي وكأنها دوائر مغلقة من
الداخل ويمكن وبحسب تحديد بعض التقارير الصحفية أن عملية شراء الذمم
وممارسة أعمال الابتزاز كانا ضمن الوسائل المتبعة للإطاحة السريعة
بكيان النظام السابق.
إلا أن المشهد اليوم لا يستبعد الوضع العراقي
القادم من المخاطر المحتملة والمفتوحة الاتجاهات ففي الوقت الذي تبدو
فيه أزمات العراق مستمرة نتيجة نشاط العناصر المرتزقة سواء العراقية أو
العربية المقرر بها الجاهلة معرفة من هو صدام؟ وما هو نظامه؟ فلقد
أوقعتهم الدعاية المضللة للنظام في شبائك التآمر الصدامي على كل ما هو
عراقي حقيقي أصيل.
إن الشعب العراقي يعاني من الشعور بالخوف مما قد
يحدث بما هو خارج الحسبان ولعل التهديد الأمني أن بعبارة أدق عدم
السيطرة الأمنية على الداخل العراقي قد زاد الطين بلة إضافة لتوالي
الأحداث الدولية المستحدثة من أمور تتحدث (بالفم العريض) بن زيادة
المحاورة السياسية التي ؟؟ فرض نفسه على الواقع العراقي المر بأي طريقة
من الطرق ولعل هذا ما دعا مؤتمر الدول الإسلامية المعقود حالياً في
ماليزيا إلى إصدار دعوة لواشنطن كي تلتزم ببرنامج زمني محدد للانسحاب
من العراق وإيجاد البديل العسكري الآخر الذي تشرف عليه الأمم المتحدة.
من المؤكد أن صورة العراق الذي يحكمه الآن مجلس
الحكم الانتقالي العراقي بالتنسيق مع الحاكم الأمريكي المدني (باول
برايمر) قد تحسنت أمام أنظار العالم إذ سيقام افتتاح 29 سفارة عراقية
في بلدان أجنبية متنوعة قريباً إذ بات كل شيء وشيكاً بحسب ما صرح بذلك
حديثاً (هيوشارد رذيباري) وزير الخارجية العراقي الحالي.
ووحدة العراق الاجتماعية والجغرافية اليوم هي في
محل اهتمام كل العراقيين السياسيين المشاركون في سلطة الحكم المؤقت أو
المنسقة معها، إلا أن ما يخشى منه أن فرق الإرهاب التابعة لأولاد صدام
لم تنته بعد وما هذه العمليات في الابتزاز والغش والقتل والتفجير
والإرهاب المتكررة بمعدل يومي تقريباً داخل العراق إلا مؤشرات سلبية
ونذيرة شؤم على مستقبل العراق ولعل في اتجاه الأنظار أن يكون لهيئة
الأمم المتحدة دور محوري لحل أو المساهمة في حل المشاكل التي يعاني
منها المجتمع العراقي الآن في ظل غياب أو بمعنى أصح تغييب الحالة
الأمنية التي لم تكن متوقعة أن تستمر على قول هذه المدة الزمنية.
وما ينبغي الانتباه منه كثيراً هو المطالبات
الآنية غير العقلانية القائلة بضرورة انسحاب القوات الأجنبية من العراق
وهذا بفضل أن لا يكون قبل إيجاد البديل العسكري النزيه بعد أن استقوى
أزلام النظام السابق المسلحون بالسلاح الخفيف والمنقول الذي حصلوا عليه
من الحكومة الصدامية اللاشرعية التي كانت قائمة بقوة الإرهاب في
العراق.
إن ردع المجرمين والمخربين وقطاع الطرق وبقايا
مرتزقة النظام الصدامي هي مطالب حق ممكن أن تكون أكثر مضاءً في تصفية
الجيوب الصدامية قبل أن يدق ناقوس الخطر على العراق إذ لابد من وضع
نهاية لكل من تسوّل له نفسه ويقف اليوم موقف المعادي للعراق
والعراقيين. |