حين سقط النظام الصدامي المنبوذ من قبل شعب
العراق اتجهت الأنظار إلى أن الوضع الجديد
في العراق كفيل
بإزالة كل أثر لرموز السلطة البائدة وقواها
الإرهابية، ولاحظ المواطن كم كانت درجة
الجبن لدى الآلاف
المؤلفة من عناصر النظام السابق الذين فروا
من ساحات المواجهة العسكرية مع القوى
العسكرية القادمة بغض النظر عما تكون تمثل
تلك القوى إذ كانت عناصر تفتقر فعلاً
إلى مبدأ حقيقي واحد مم كانت تدعيه زوراً
حول مبادئ الوطن والشعب اللذان عادتهما على
أرض الواقع إذ لم تكن هناك أي سيادة للوطن
وأي احترام لحقوق الشعب العراقي ولعل
القريب مما حدث وحتى الآن أن وسائل الاعلام العربية لم تتخذ
موقفاً عادلاً تماماً يصل لدرجة الندية الجديدة ضد ممارسات
النظام السابق وتكشف حقيقته كما هي ـ دون رتوش ـ أمام الرأي العام
العربي والعالمي ولعل أقل ما يقال عن تحفظات الإعلام العربي في المسألة
العراقية أنه كان (حتى حين يطرح توثيقا تدين النظام المذكور بالصوت
والصورة) لا يدين النظام ويقدم تلك الوثائق الدافعة بصورة تتسم
بالحيادية السلبية فكأن تلك الإعلاميات تعرض أحداثاً وقعت في جمهورية
موزمبيق (مثلاً!) مما يعني أن الإعلاميات العربية ـ قد تنكّرت للشعب
العراقي الحيّ وبقيت متمسكة بالسلطة الإرهابية المهزومة بيد أنها مثلت
بذلك كونها أبواقاً هادئة تعزف على أوتار تأييد الجريمة المنظمة للدولة
الصدامية ليس تلميحاً فحسب إذ تجرأت بعض الإعلاميات العربية أحياناً
بأن سمحت لبعض الجهّال البعيد عن معرفة طبيعة النظام السابق وهويته
المشبوهة الداخلة في اللعبة السياسية أن يوصفوا النظام السابق بالوطني
والقومي وهو البعيدون عن ذلك تماماً بما لا يقبل الشك لدى العارفين
الدانين والقاصين.
ولعل انشغال قوى المعارضة العراقية مع
قوىالتحالف خلال أشهر حول ما ينبغي عمله لإعادة الأوضاع الطبيعية إلى
العراق بعد إلغاء الدولة العراقية السابقة (وزارات ودوائر ومؤسسات) قد
ساعد على ظهور فجوة استعاد من خلالها أزلام النظام السابق الأنفاس
وبدأوا... يستجمعون قواهم بمساعدة بعض المرتزقة (القابضين نقداً) أثمان
مهمة ارتزاقهم من أجل عرقلة مسيرة العراق في عهده الجديد ومن بينهم
مرتزقة من بلدان عربية قدموا إلى العراق لأداء مهمة لا تشرف أهاليهم أو
شعوبهم لكن الجهل السياسي في نفوسهم كان أكبر من القرار الذي أتخذوه
حين قرروا الدخول إلى العراق لحماية نظامه الإرهابي وبذا فإن أقل ما
يمكن قوله بحق هؤلاء بأنهم أعداء علنيون لمصالح الشعب العراقي الذي
وحده له الحق أن يقول كلمته بحق النظام البائد المتضرر منه.
يمكن القول أن قوى التحالف الأنكلو ـ الأمريكية
التي أعلنت أن تواجدها بالعراق سوف يكون مؤقتاً ومعها قوى المعارضة
العراقية التي استلمت بعض زمام الأمور عبر تشكيله مجلس الحكم الانتقالي
والوزارات التي أعلن عن بدء عملها لم تؤدي الدور في حفظ أمان البلد من
ايدي المخربين والإرهابيين المرتزقة الذين وصلت بهم الوقاحة أن يقوموا
بعمليات تفجير عشوائية لكنها مركّزة.. ضد منشآت وأناس لا دخل لها في أي
خلاف سياسي وكان وما زال المغزى واضحاً إذ أن كل ما يمد العراق بشرايين
الحياة مستهدف لدى هؤلاء المرتزقة ومع الأسف الشديد أن قوى الدولة
العراقية المؤقتة اليوم ما زالت لا تتعاطى مع قضية إرهاب هؤلاء بالدرجة
المطلوبة.
فقد تعزز الإرهاب في عهد عراق ما بعد صدام على
نحو كبير ومقلق للمجتمع العراقي وبدأت الثقة بالحكم الجديد تتأرجح
وفقاً لتحسبات بعيدة عن إمكانية تحقيق استقرار أمني في العراق خلال مدة
قصيرة... وأما رفع دعوات غربية يطلع المتابعون مثلاً أن الجنود
البريطانيين في العراق يريدون عودة سالمة إلى بلادهم تحسباً من المجهول
القادم للعراق هذا في حين شارك رئيس الوزراء البريطاني والملكة
إليزابيث الثانية مؤخراً في كاتدرائية القديس بولس في لندن في أول حقل
تأبيني يقام في بريطانيا تقديماً لذكرى ضحايا الحرب في العراق الذي بلغ
عددهم حتى الآن (51) عسكرياً بريطانياً.
أما على الصعيد المتعلق بالتواجد العسكري
الأمريكي ضمن قوى التحالف الأنكلو ـ أمريكي التي حققت مكسب إزالة نظام
صدام الإرهابي عن دست الحكم في العراق فهناك مطالب عراقية وغير عراقية
ممكن تسميتها بـ (الدولية) تطالب بجلاء القوات الأجنبية عن العراق
وإتاحة الفرصة أمام الأمم المتحدة لإدارة شؤونه لفترة محددة حتى يتم
استتباب الأوضاع الأمنية تماماً في العراق كما جاء ذلك مثلاً ضمن دعوة
عبد الواحد بتقرير الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي مؤخراً أثناء
افتتاح الاجتماع التحضيري لقمة المؤتمر الآنف المقرر أن يكون قد بدأ
الآن في العاصمة الماليزية.
وحتى لا تتلاشى فرحة المجتمع العراقي الكبرى
الذي ما زال يتمتع بمكسبها بعد زوال النظام الصدامي الخائن وتذهب آمال
العراقيين إلى أدراج الرياح المتجهة لبناء عراق جديد خالي من أي منغصات
صدامية أو شبه صدامية فإن هذه الآمال ستبقى في حالة قلق وتوتر ما لم
يتم اتخاذ إجراءات حازمة قادرة على وقف العمليات الإرهابية التي يسمع
عنها العالم كل يوم وتلك مهمة ليست صعبة إذا تظافرت الجهود الخيرة من
أجل إنقاذ الوطن العراقي منها والشعب العراقي من ويلاتها. |