عنوان الكتاب وغلافه يقولان كثيرا مما جاء في
المعلومات الغزيرة جدا التي ضمتها دفتاه.
فوق العنوان الرئيسي وهو (امبراطورية الشر
الجديدة) رسم ليد تمسك أصابعها بالكرة الارضية وحول رسغها يلتف العلم
الامريكي. أما باطن اليد فعليه نجمة داود شعار دولة اسرائيل. وفي أعلى
الغلاف (الارهاب الدولي ضد الاسلام).
المؤلف عبد الحي زلوم الأردني الفلسطيني الأصل
الذي درس في الولايات المتحدة ووصف بأنه "تعايش" مع المجتمع الامريكي
قرابة نصف قرن يلخص ما يعتبره مشكلة العرب والمسلمين بل العالم مع
الولايات المتحدة بقوله "ان المشكلة لا تكمن بين المسلمين والمسيحيين
واليهود بل تكمن في القلة الذين اختطفوا أمريكا ويحاولون الآن اختطاف
العالم بأسره من خلال عولمتهم."
يضيف الكاتب بلهجة حادة تتكرر عند حديثه عن
السياسات الامريكية الحالية:
" ما من شك في ان المسلمين لا مشكلة لديهم مع
الخيرة من المسيحيين واليهود لكن مشكلتهم تكمن في الأشرار الذين أعلوا
من شأن الرأسمالية ليجعلوها دينا لا أخلاقيا يتعارض بشكل جذري مع كل
الأديان."
يحفل الكتاب بصورة غير عادية بحشد هائل من
المعلومات التي يوردها المؤلف منسوبة الى أصحابها ومصادرها. لكن
الاستنتاجات ..على صحتها او عدم صحتها.. هي غالبا للمؤلف نفسه وهي
حاضرة جاهزة دون عناء ويؤتى بالمعلومات الغزيرة دعما لها. ثم ان الكتاب
يتحدث عن كل شيء من السياسة الى الاقتصاد والتاريخ والاجتماع والدين.
و في فصل عن الاسلام وإساءة فهمه جهلا أو تعمدا
في الولايات المتحدة خاصة بعد تفجيرات 11 سبتمبر ايلول 2001 في نيويورك
واشنطن قال زلوم "ان على الأمريكيين ان يتوقفوا عن قبول دور الجماهير
الجاهلة التي تصنع لها آراؤها كما يقول والتر ليبمان أحد أبرز رموز
النخبة في المؤسسة الخفية...هذه "الجماهير الجاهلة" ليست سوى أرقام
بالنسبة لوول ستريت (شارع المال في نيويورك) يمكن تقليص حجمها اوزيادته
او تعديله او التلاعب به.
"وهم يوضعون في صفوف كالماشية ليساقوا الى مسلخ
الحرب من اجل قضية لا أخلاقية ولا انسانية. ولو علمت هذه الجماهير
الجاهلة الأسباب الحقيقية وراء حروب وول ستريت لكان صفهم وصف المسلمين
صفا واحدا. كما ينبغي ايضا على النخبة من المسلمين ان يتذكروا جيدا ان
مالكي النظام الجديد لم يكن لهم ولن يكون لهم اصدقاء دائمون على
الاطلاق بل ان لهم مصالح دائمة."
في الكتاب الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات
والنشر في 432 صفحة تعريف بالمؤلف جاء فيه أنه "تخرج في الهندسة وادارة
الأعمال والادارة العليا من جامعات تكساس .. لويزيانا .. كاليفورنيا
وهارفارد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. وقد
قيض الله له الفرصة ليتعايش مع المجتمع الامريكي في قرابة نصف القرن
الماضي والتي تقارب ربع عمر الجمهورية الامريكية".
كما عمل زلوم مستشارا في معهد البترول الفرنسي
الحكومي لمنطقة الشرق الاوسط وقضى فترات عديدة في اوروبا "وساهم في
مشروع تصاميم اول مشروع للتحطيم الهيدروجيني للبترول ومشتقاته في
الولايات المتحدة وعمل مديرا لعمليات ذلك المشروع كما ساهم في تأسيس
ثلاث شركات نفط وطنية عربية اثنتان منها من دول اوبك."
توزعت محتويات الكتاب على 18 فصلا ومن العناوين
الواضحة الدلالات في هذه الفصول مثلا (أحداث الحادي عشر من سبتمبر -
خرافة السوبرمان مقابل الدولة الاعظم - النظام العالمي الجديد
امبراطورية امريكية - السيطرة على النفط العالمي - اسرائيل حقيقة
امبريالية - ازدهار اقتصاد الكذب - الاستعمار الجديد في قناع العولمة -
امريكا من حلم الى كابوس - اختطاف الجمهورية الامريكية) - امريكا ..حصان
المرابين العالميين الجدد - اخفاق النظام الراسمالي - الاسلام والغرب -
رأسمالية الغرب - سرطان الروح - الدين الاسلامي - حقائق مقابل مغالطات).
وبين المعلومات الغزيرة التي يحفل بها الكتاب
الذي يعتبر سجلا توثيقيا مهما في مختلف المجالات يبرز الكاتب اقوالا
لشخصيات امريكية كبرى. من ذلك مثلا إعراب الرئيس الامريكي توماس جفرسون
عن خوفه من سرقة الحلم الامريكي وذلك في قول له سنة 1816 معبرا عن أمله
"اننا سنتمكن من القضاء على ارستقراطية شركاتنا المالية ووأدها في
مهدها. فقد تجرأت على تحدي حكومتنا في استعراض لقوتها واستخفافها
بقوانين دولتنا."
واورد مثلا قولا للرئيس ابراهام لينكولن (1809-
1865) جاء فيه "انني أرى في المستقبل القريب أزمة تلوح في الافق وهي
تقض مضجعي. لقد تربعت الشركات على عرش البلاد نتيجة الحرب (الاهلية)
وسيتلو ذلك عصر من الفساد في المناصب العليا وستعمل قوى المال ما في
وسعها لاطالة أمد ذلك العصر وسيادته وديمومته من خلال حرمان الآخرين
حقوقهم حتى تتركز كل الثروات في ايدي قلة قليلة ولتؤول هذه الجمهورية
الى الدمار."
لكن كثرة المعلومات والسرعة في تكديسها قد
يؤديان الى الخطأ والخطأ في الامور العامة والكبيرة ليس شأنا بسيطا.
من الأخطاء بعض ما نجده في ترجمته لقصيدة رائعة
لشاعر امريكي. قال المؤلف"لقد اختطف فعلا النظام الذي وضعه الآباء
والأجداد والمؤسسون الامريكيون وأعيدت صياغته بلغة نظام البارونات
اللصوص...وقد عبر أحد الشعراء الامريكيين الذي فضل ان يظل مجهولا عن
كيفية سرقة الحلم الامريكي." واورد زلوم نص القصيدة بالانجليزية تقابله
ترجمتها الى العربية. ومع قبول بعض التغيير في المعنى مما قد تفرضه
حاجات الترجمة احيانا فقد ورد فيها بعض ما يشكل "هفوة" ليست من هذا
القبيل. يتحدث الشاعر عن حلم جاءه في احدى الليالي. جندي من جنود
الثورة الامريكية يزوره في المنام ببندقيته القديمة ذات الزند الصواني
ليسأله أين صارت الاهداف النبيلة التي قاتل من أجلها. وقف بجانب سريره
بملابسه القذرة الممزقة و"خلع قبعته المثلثة الاطراف وقال بصوت خفيض :"
خضنا الثورة لنحمي حريتنا" وكتبنا دستورنا درعا تقينا الطغيان (لنهب
أجيالنا القادمة) هذه الشرعية في ارض الحرية وموطن الشجعان..." فلو
تساءل عما تبقى من الحقوق التي قاتل من اجلها "فماذا ترد لو...سألك من
قبره (هل مازالت هذه ارض الحرية )وموطن الشجعان."
من الأخطاء المهمة ما ورد في القول "لنهب
أجيالنا القادمة هذه الشرعية في ارض الحرية وموطن الشجعان." اما المعنى
الصحيح فهو" لنهب اجيالنا القادمة هذا الميراث." الكلمة الانجليزية هي
"ليغاسي" التي جاءت ترجمتها العربية عنده "شرعية" وهذه هي ترجمة لكلمة
"ليغاليتي" الانجليزية.
المصدر: رويترز |