بعد اربعة اشهر من الصدمة يبدو ان قارة آسيا
تجاوزت محنة وباء الالتهاب الرئوي اللانمطي. فقد تبين ان المخاوف من
حصول كارثة عالمية على غرار انفلونزا العام 1918 كان مبالغ فيها الا ان
الوباء ترك ندبا عميقة على الصعد السياسية والنفسية والاقتصادية.
وتتنفس المنطقة حاليا الصعداء ويمكن ان نلمس
عودة التفاؤل في الشوارع حيث باتت الوجوه تظهر مجددا دون الاقنعة التي
كانت مؤشرا على الهلع.
وباعلانها الاسبوع الماضي عن اقتراب نهاية
الوباء اغلقت منظمة الصحة العالمية اقله موقتا صفحة بدات اواخر شباط/فبراير
الماضي مع طبيب من اقليم كانتون في جنوب الصين. وفي غضون ايام توفي ليو
جيانلون في الرابع من اذار/مارس من دون معرفة ما اصابه ناقلا العدوى
لعدد من نزلاء فندق متروبول ونقل الطبيب المصاب الوباء الى هونغ كونغ
محطة النقل الجوي باتجاه اسيا واوروبا واميركا الشمالية.
واتخذت الازمة ابعادا كبيرة نظرا للطابع المعدي
والفيروسي للمرض الجديد وكذلك بسبب جهل الاطباء والعلماء وردود الفعل
الاولية السيئة للسلطات السياسية والصحية.
ولو حددت خصائص الفيروس (لم يعلم احد في البدء
انه كان فيروسا) بشكل افضل لكان تم اتخاذ اجراءات مبكرة للقضاء على
انتشاره باتجاه 30 بلدا وخصوصا في اسيا متسببا بوفاة حوالى 800 شخص من
اصل 8 الاف اصابة.
وفي الدول التي انتقلت اليها العدوى كانت الردود
خجولة ومتاخرة من جانب السلطات التي بدا على غرار هونغ كونغ انها تسعى
في وقت اولي الى التقليل من حجم اثاره. ويشكل الثاني من نيسان/ابريل
موعدا حاسما في يقظة الضمير العالمي ومحاربة الوباء.
ونظرا لتزايد اعداد الاصابات يوميا وبداية مرحلة
من الهلع على الصعيد العالمي وبمواجهة انتقادات وجهت الى طريقة
معالجتها للامر اصدرت منظمة الصحة العالمية وللمرة الاولى في تاريخها
تعليمات تنصح بعدم السفر الى هونغ كونغ واقليم كانتون الصيني المجاور
وهما من اكثر المناطق المصابة بالوباء.
وسرعان ما ظهرت نتائج هذا القرار الذي تلته
قرارات اخرى شملت الصين وسنغافورة وتورنتو وتايوان.
وتلقت السياحة وحركة السفر التي تعاني من مصاعب
قبل انتشار الوباء ضربة موجعة. وفي ذروة الازمة اقدمت شركة "كاثي
باسيفيك" من هونغ كونغ للطيران على خفض عدد رحلاتها الى اكثر من النصف
بعد تقلص نشاطها بحوالى 60%.
واليوم ايضا ما زالت الشركات تحمل الوباء
مسؤولية النتائج السيئة للاشهر الماضية في حين اعرب اقتصاديون عن
اعتقادهم بان الفيروس سيؤدي الى تراجع النمو بمعدل نقطة واحدة في منطقة
شرق اسيا.
والنتيجة الواضحة لبيان منظمة الصحة العالمية
كانت تراجع السلطات السياسية الصينية التي ارغمت على الانضمام الى صفوف
الاسرة الدولية.
وفي وقت اولي نفت بكين ان يكون المرض انطلق في
جنوب البلاد ومنعت منظمة الصحة العالمية من اجراء تحقيقات كما انها
كذبت ان يكون الوباء يشكل مشكلة في البر الصيني. وبمواجهة الادانة
الدولية اضطرت الصين الى الاعتراف بانها كتمت المعلومات وانتهت بنشر
الارقام الحقيقية عن الوباء كما انها اقالت عددا من المسؤولين عن
الفضيحة.
وكان البلد الاكثر سكانا في الكرة الارضية على
حافة مواجهة وباء خطر فقد توفي 343 صينيا من اصل 780 في العالم كما
اصيب 5300 من اصل 8400 مريض في العالم.
كما ان عدم الثقة الناجمة عن سياسات المسؤولين
الصينيين كانت كبيرة حتى ان الكثيرين وبينهم منظمة الصحة العالمية
يستمرون في ابداء الشكوك عندما تظهر الارقام تدنيا في اعداد المصابين
من 250 شخص يوميا في نيسان/ابريل الى اقل من عشرة اشخاص بعد شهر واحد.
وقد اظهرت محاربة الوباء نجاحها وشيئا فشيئا
رفعت التحذيرات الموجهة الى المسافرين الى هونغ كونغ وكندا وسنغفورة.
الا ان الوباء لم يختف تماما وخصوصا مع عودة
الاصابات مؤخرا في تايوان وكندا في حين اعربت منظمة الصحة العالمية عن
مخاوفها ازاء ان يكون ذلك مجرد فترة خمود تليها عودة قوية للفيروس
الشتاء المقبل.
وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية الخميس ان داء
الالتهاب الرئوي الحاد (سارز) يقترب من نهايته من دون ان تستبعد احتمال
ظهوره مجددا مشيرة الى انه لم يكشف عن سره بعد.
وقال مسؤول منطقة آسيا لمكافحة المرض في المقر
الاقليمي للمنظمة في مانيلا هيتوشي اوشيتاني "بالنسبة لعدد الاصابات لم
يعد المرض في اوجه ونلمس انتهاء هذه المرحلة". واشار الى ان المنظمة
سجلت الاربعاء سبع حالات اضافية فقط واحدة في الصين واخرى في كندا
وثالثة في تايوان واربع في الولايات المتحدة.
وقال انه "تمت السيطرة" على ما يبدو على المرض
في الصين لكن لم "تتم السيطرة كليا" عليه في تايوان. واضاف اوشيتاني "علينا
ان نراقب الوضع عن قرب". وذكر ان المرض عاد الى الظهور في كندا في وقت
كانت السلطات تظن انها قضت عليه. واصاب الفيروس اكثر من 8000 شخص في
العالم وتسبب بوفاة اكثر من 700.
ووصل المرض الذي ظهر في تشرين الثاني/نوفمبر في
جنوب الصين الى اوجه خلال فصل الربيع. وانتشر في حوالى ثلاثين بلدا
وخصوصا الصين وهونغ كونغ وتايوان وسنغافورة. وانتشر باعلى نسبة في كندا
في ما يتعلق بالدول خارج آسيا. وبدأ الداء يميل الى التراجع خلال
الاسابيع الاخيرة.
على صعيد آخر اعلن رئيس قسم الامراض المعدية في
منظمة الصحة العالمية في بكين ديفيد هيمان الخميس ان وباء الالتهاب
الرئوي الحاد لا يزال يشكل سرا رغم معطيات اكثر تكاملا سلمتها الصين.
وقال في مؤتمر صحافي "لا نعرف بالتحديد مصدر الالتهاب الرئوي الحاد ولا
كيفية انتقاله الى الجنس البشري". واضاف "لا نعلم اذا كان مرضا موسميا
او اذا كان سيتراجع هذه السنة ويعود الى الظهور السنة القادمة". واشار
الى ان "هناك معلومات أكثر اليوم بشأن توعية السكان لمواجهة المرض عبر
البلاد في المدن والقرى".
وقال نائب وزير الصحة غاو كيانغ من جهته ان
النظام الصحي الصيني ليس "متينا جدا". واضاف "لسنا مستعدين بشكل كاف
للحالات الطارئة ولا نملك نظاما جيدا جدا من اجل جمع المعلومات". واضاف
ان "مهمتنا من اجل تجنب عودة الداء تبقى مهمة شاقة".
ويعتبر الالتهاب الرئوي الحاد (سارز) اول مرض
خطير ومعد يظهر في القرن الحادي والعشرين وهو وان كان لم يعم العالم
اجمع كالايدز لا يزال يشكل خطرا لا بد من التعامل معه بجدية بالغة.
فبعد ثلاثة اشهر على الانذار العالمي الذي
اطلقته منظمة الصحة العالمية يبدو ان داء السارز الذي ظهر في منتصف
تشرين الثاني/نوفمبر الماضي يتجه نحو نهايته. الا ان هذا الامر لا يسمح
باي تراخ في التعامل معه.
السبب الاول الذي يدعو الى عدم التراخي يتمثل
بعدم وجود اي لقاح للوقاية من المرض او اي علاج للشفاء منه الامر الذي
اضطر الدول الى اللجوء الى وسيلتين قديمتين انما اظهرتا فاعليتهما وهما
العزلة والحجر الصحي.
والسبب الثاني هو انه لا يزال غير معروف ما اذا
كان يمكن للسارز ان يتحول الى مرض موسمي كالرشح او الزكام فيعود الى
الظهور مجددا في الخريف المقبل.
على المدى القصير قد يؤدي التراخي الى موجة
جديدة من الاصابات كما حصل في سنغافورة وتورونتو بالاضافة الى خطر
انتشار العدوى عبر الرحلات الجوية. ويتوقف النجاح في السيطرة على الداء
على السيطرة عليه في الصين.
ولا يزال مصدر فيروس المرض مجهولا. ويقول المدير
التنفيذي للامراض المعدية في منظمة الصحة العالمية ديفيد هيمان "لا
نعرف بالتحديد مصدر السارز ولا كيفية انتقاله الى الجنس البشري".
وتقول ايزابيل نوتال من منظمة الصحة العالمية
لوكالة فرانس برس ان "المعلومات غير كافية بشأن الخزانات المحتملة
للفيروس". وتضيف انه تم "تشخيص فيروس قريب من السارز لدى سنور الزبادي"
وهو نوع من "القطط" يتناوله الصينيون بكثرة في طعامهم. كما عثر على "اجسام
مضادة للفيروس لدى الكلب النهري والغرير من دون ان يؤدي ذلك الى
اكتشافات مهمة بالنسبة الى المرض".
وتضيف انه لا بد من اجراء "دراسات معمقة على
الحيوانات لمعرفة المزيد". وتشير نوتال الى انه عمليا "ليست هناك دائما
فحوصات بسيطة وسريعة يمكن الوثوق بها لاكتشاف مباشر للفيروس او الاجسام
المضادة تسمح بالقول سريعا جدا في اليومين اللذين يليان العوارض الاولى
للمرض (الحمى والسعال) ما اذا كان الشخص مصابا بالسارز ام لا". وتضيف
ان "السارز لم يتخذ منحى الانتقال الذي ينتقل بواسطته الزكام".
واعلنت منظمة الصحة العالمية ان المعدل الوسطي
للوفيات بالالتهاب الرئوي الحاد بلغ 14% وهو يرتفع الى اكثر من 50% بين
الاشخاص الذين يتجاوزون سن الخامسة والستين. اما المعدل الوسطي للوفيات
بمرض الزكام فهو ادنى بكثير. ولكنه يطال عددا اكبر من الاشخاص وبالتالي
يتسبب بعدد اكبر من الوفيات. اذ تتسبب الاصابات بالزكام العادي بوفاة
حوالى عشرين الف شخص سنويا في الولايات المتحدة وحوالى الفين في فرنسا.
ولم يثبت حتى اليوم ان هناك حاملين اصحاء
للفيروس يمكنهم ان ينقلوه الى غيرهم انما لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال
بشكل كامل.
ذلك ان هناك امورا لا تزال تحتاج الى التوضيح
ومنها اكتشاف اجسام مضادة (تنتج عن اتصال مع الفيروس) لدى مربي وبائعي
حيوانات (سنور الزبادي منها) لا يتذكرون انهم اصيبوا بمرض مماثل والعدد
الكبير من المصابين الصينيين الذين لم يكونوا على اتصال مع مريض
بالسارز.
في المقابل تبقى مسألة كون "الاشخاص الذين
يقدمون العلاج هم الضحايا الاولون للداء امرا مثيرا للقلق" على حد قول
نوتال مشددة على ضرورة اتخاذ "اجراءات وقائية مشددة جدا". ولا يبدو
الفيروس متحولا بالقدر الذي كان يخشى منه الا ان قوته لا تتدنى تدريجيا
مع الوقت.
ومن الاسئلة التي لا تزال عالقة: هل الاصابة
بالعدوى تؤدي الى ادخال اجسام مضادة تحمي الجسم من تجدد ظهور المرض؟
وما هي طرق انتقال العدوى كلها؟.
وفي اطار الوصول الى علاجات لهذا المرض الغامض
أظهرت دراسة اولية المانية ان احد المكونات الطبيعية للسوس المستخدم
لصناعة بعض السكاكر والمواد الصيدلية والادوية التقليدية الصينية
واليابانية هو في الواقع مادة مضادة للالتهابات فاعلة في مكافحة فيروس
الالتهاب الرئوي الحاد (سارز).
وجرت الدراسة في مختبر على خمسة جزيئات وتنشر
نتائجها مجلة "ذي لانست" الطبية البريطانية في عددها ليوم السبت. واوضح
باحثو المعهد الطبي لعلم الجراثيم في جامعة فرانكفورت (المانيا) ان
مادة الغليسيريزين او سكر السوس احد مكونات جذور السوس فاعلة في مكافحة
الفيروس وقد ثبت بوضوح تفوقها على الجزيئات الاخرى التي جرى اختبارها.
وقارن البروفسور ييندريش سيناتل وزملاؤه تأثير
سكر السوس بصورة خاصة بمادة الريبافيرين وهي المادة المضادة للفيروس
الشائعة الاستخدام لمعالجة المصابين بمرض سارز بالتزامن مع ادوية مضادة
للالتهابات.
وثبت بحسب الباحثين ان الغريسيريزين هي الاكثر
فاعلية بين الجزيئات التي تم اختبارها في وقف تكاثر الفيروس المسؤول عن
سارز وانتشاره. كما ان هذه المادة المستخدمة في معالجة التهاب الكبد
الناتج عن فيروس (من نوع سي وبي) ومرض الايدز وهي فاعلة في وقف تكاثر
انواع كثيرة من الفيروس.
ومن حسنات سكر السوس ان تأثيراته الجانبية
المضرة "قليلة الحدوث" وهي معروفة بشكل جيد كارتفاع ضغط الشرايين وهي
لا تحدث الا عند تناول المادة على مدى اشهر في حين انه اذا ما ثبتت
فاعليتها السريرية فسوف يكون تناولها لفترة قصيرة كافيا لمعالجة
المصابين بسارز.
المصدر: وكالات |