الذهب الأخضر ..بين تدهور التربة والتنمية المستدامة

 

شبكة النبأ: يعد القطاع الزراعي من القطاعات الرئيسة في العديد من دول العالم، وذلك لارتباطه المباشر في الحياة العامة لذا فقد اصبح الاهتمام بهذا القطاع من اولويات العديد من الجهات والمؤسسات الدولية، خصوصا وان التقارير والدراسات العلمية تشير الى ان القطاع الزراعي اليوم يعاني الكثير من المشكلات الخطيرة ولأسباب مختلفة منها الإهمال واتساع رقعة المخاطر البيئية وتغيرات المناخ وازدياد معدلات النمو السكاني حيث تقدِّر التنبؤات بزيادة نمو السكان في المناطق التي تعتمد اعتماداً كبيراً على قطاع الزارعة (المحاصيل والثروة الحيوانية والغابات ومصايد الأسماك) والتي ستحدث بها معدلات مرتفعة لانعدام الأمن الغذائي، يضاف الى ذلك المشكلات السياسية والمنافسة على الموارد الطبيعية، مثل الأرض والمياه والمحيطات التي تزداد حدة، والزراعة وكما تشير المصادر هي عملية إنتاج الغذاء، العلف والألياف وسلع أخرى عن طريق التربية النظامية للنبات والحيوان.

وفي هذا الشأن قالت مسؤولة كبيرة بالأمم المتحدة إن تكون الطبقة السطحية من التربة الزراعية بعمق ثلاثة سنتيمترات يستغرق ألف عام وإنه إذا استمرت المعدلات الحالية لتدهور التربة فإن هذه الطبقة قد تتلاشى خلال 60 عاما. وقالت ماريا هيلينا سيميدو المسؤولة في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إن حوالي ثلث مساحة التربة في العالم قد تآكل.

ومن بين أسباب هلاك التربة أساليب الزراعة التي لا تراعي ترشيد استخدام المواد الكيماوية وإزالة الغابات التي تزيد من تجريف التربة وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض. وقال خبراء إنه غالبا ما يتجاهل صناع السياسة الأرض التي نعيش عليها. وقالت سيميدو وهي نائب المدير العام للموارد الزراعية في منظمة الأغذية والزراعة "التربة هي أساس الحياة. و"95 بالمئة من طعامنا يأتي من التربة." بحسب رويترز.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة إنه إذا لم تطبق أساليب جديدة فإن رقعة الأراضي القابلة للزراعة والقادرة على الانتاجية في عام 2025 ستنخفض الى ربع المساحة المنزرعة التي كانت في عام 1960 بسبب تزايد السكان وتدهور التربة. وقالت سيميدو "ربما كانت الزراعة العضوية ليست هي الحل الوحيد لكنها افضل خيار منفرد يمكنني ان افكر فيه".

الأراضي في الصين

على صعيد متصل ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن أكثر من 40 في المئة من مساحات الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد تعاني من تدهور التربة مما يؤثر على توفير الغذاء لأكبر عدد من السكان في العالم. وقالت الوكالة في تقرير مستشهدة ببيانات من وزارة الزراعة إن التربة السوداء الغنية في إقليم هيلونغجيانغ بشمال البلاد الذي يمثل جزءا من سلة الخبز للبلاد تعاني من التدهور والانحسار بينما تعاني الاراضي الزراعية في الجنوب من ارتفاع نسبة الحموضة.

وتشمل مظاهر التدهور إجهاد التربة مع تراجع نسبة الخصوبة والتجريف وتغيرات في نسب الحموضة وتأثير التغيرات المناخية وأيضا الأضرار الناتجة عن الملوثات. ويزداد قلق بكين بشدة بشأن امدادات الغذاء بعد سنوات من اتجاه البلاد للتصنيع بوتيرة سريعة وما ترتب على ذلك من تلوث على نطاق واسع للمسطحات المائية والاراضي المنزرعة. بحسب رويترز.

وأعدت الحكومة بالفعل خططا لمعالجة تلوث التربة التي تؤثر على نحو 3.3 مليون هكتار من الأراضي لتأمين الغذاء لنحو 1.4 مليار شخص. وقالت شينخوا إن وزارة الزراعة تهدف لتوفير 53 مليون هكتار من الاراضي الزراعية بحلول عام 2020 للتصدي لأي موجات جفاف او فيضانات.

أفريقيا والثورة الزراعية

من جانب اخر يحتاج القطاع الزراعي في أفريقيا جنوب الصحراء إلى حصد ثمار التكنولوجيا الحيوية بهدف تحقيق تنمية مستدامة، وفقا لدراسة بحثية جديدة. وأوضح القائمون على الدراسة أن جهات التمويل التجارية كانت تتجاهل في الغالب هذه المحاصيل لأن سوقها محدود. ولم تتمكن أفريقيا من الاستفادة من الثورة الخضراء السابقة التي عززت من إنتاج الأغذية في العديد من الدول الآسيوية ودول أمريكا اللاتينية.

وقال التقرير الذي نشرته مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية بعنوان "تجربة: المحاصيل المعدلة وراثيا في أفريقيا" إن "تزايد الإنتاجية الزراعية وتعديل النشاط الزراعي ليتكيف مع التغير المناخي يمثل عنصرا مركزيا لآفاق التنمية في افريقيا". وأضاف ، وأنه "في بعض الحالات فإن التكنولوجيا الحيوية وخاصة التعديل الوراثي تمنح مزايا في مقابل التوجهات التقليدية لتربية النباتات". لكن القارة الأفريقية واجهت خطر عدم الاستفادة من الابتكارات التي وفرتها الثورة الخضراء في القرن الحادي والعشرين، تماما كما حدث في القرن السابق.

وقال روب بايلي مدير أبحاث الطاقة والبيئة والموارد لدى تشاتام هاوس وأحد المشرفين على الدارسة إنه "إذا نظرت إلى ما حدث في أمريكا اللاتينية وآسيا في النصف الثاني من القرن العشرين بالنسبة للثورة الخضراء، فقد كانت هناك سلسلة من التكنولوجيات وأصناف هجين جديدة عالية الإنتاجية للقمح والأرز والذرة ومنصات الري الجديدة". وأضاف بأن هذا كان بمثابة "طفرة للنمو في مجال التنمية" لأنها حققت زيادة كبيرة في المحاصيل والإنتاجية الزراعية سمحت بتراجع أسعار الغذاء وتعزيز الأمن الغذائي وتنوع في النشاط الاقتصادي في قطاعات عديدة".

لكنه نبه إلى "أننا الآن نواجه موقفا تحتاج أفريقيا فيه إلى طفرة في النمو في قطاعها الزراعي، لأنه بشكل رئيس القطاع الذي يعمل فيه الأشخاص الأكثر فقرا، ويمثل هذا القطاع حصة كبيرة من إجمالي الناتج المحلي في أفريقيا". وتابع "لكننا في سباق مع الزمن لأن التغير المناخي يكتسب زخما لأن التوقعات تشير إلى أن ذلك سيكون له تأثير عميق جدا على الإنتاجية الزراعية".

وقال إن "التحدي الأساسي الذي تواجهه الزراعة في أفريقيا هو أن قدرا كبيرا من الأمن الغذائي وسبل العيش للناس يعتمد على هذه المحاصيل التي يطلق عليها المحاصيل اليتيمية مثل الكسافا والسرغوم، والتي ليس لها سوق تجارية كبيرة كما هو الحال في الذرة أو القمح، ولذا فإنها ليست جذابة لباحثين كبار في القطاع الخاص". ورأى أنه لهذا السبب فإن "أول شيء يجب على أفريقيا فعله جذب وتوفير أموال من القطاع العام توجه للأبحاث في هذه الأنواع من التكنولوجيا". بحسب بي بي سي.

وقال إن "التكنولوجيا الحيوية يمكن أن تكون مفيدة هناك (في أفريقيا) لأنه تمنح مربي النباتات الفرصة لاستحداث جينات أو خصائص مختلفة عن جينات هذه الأنواع". لكنه استطرد بأن هناك مصاعب في تنفيذ هذا الأمر لأن العديد من حكومات الدول الأفريقية جنوب الصحراء لديهم موارد محدودة وقدرات علمية محدودة، وهناك مخاطر تنطوي على مجرد تبني نماذج طورت لمحاصيل الأغذية الغربية. وقال إن "المشكلة في هذه الأنواع من النماذج هي أنها لا تعالج احتياجات المزارعين"، وأنه يجب على الحكومات فهم احتياجات المزارعين وإشراكهم في العملية التكنولوجية حتى يتمكنوا على الأرجح من استخدام هذه النماذج وتبنيها حينما تصبح جاهزة.

الرياضيات وتغيرات المناخ

في السياق ذاته يطور باحثون نماذج رياضية تهدف إلى التعرف على المادة الوراثية التي من الممكن أن تساعد في تحسين قدرة المحاصيل الغذائية على تحمل التغيرات المناخية. فهناك آثار مثل الجفاف والآفات والأمراض الزراعية تضرب المحاصيل وتضر بالأمن الغذائي العالمي. ويأمل العلماء في التوصل إلى نماذج من شأنها الإسراع في عملية التعرف على السمات، مثل مقاومة الجفاف، مما يسمح للمزارعين بزراعة محاصيل مقاومة للتغيرات المناخية.

وتجدر الإشارة إلى أن المساحات الجافة تمثل 40 في المئة من الغطاء الأرضي ويقطنها أكثر من 2.5 مليار نسمة. وانعقدت ورشة عمل بالمغرب ضمت علماء رياضيات وعلماء في المحاصيل الزراعية بغية مناقشة الطرق التي يمكن من خلالها تطبيق الرياضيات في الإسراع من وتيرة البحث في قاعدة بيانات السمات الوراثية النباتية (بنوك الجينات) لاكتشاف السمات المقاومة للتغير المناخي بين العينات الموجودة.

وتتضمن خصائص التربة بالمناطق الجافة ندرة المياه باستمرار، وموجات الجفاف المتكررة، وانحلال التربة ، وغيرها من الخصائص التي من المتوقع أن تزداد سؤءًا نتيجة التغير المناخي. ويقول خبراء إن هناك حاجة ماسة إلى جيل جديد من المحاصيل الزراعية التي تظهر قدرة أكبر على مقاومة الحرارة والجفاف تلبية لاحتياجات الأمن الغذائي في المستقبل. وقال عبد الله باري، الباحث في المركز الدولي لأبحاث الزراعة في المناطق الجافة ومقره سوريا :"نرى انتشار الأمراض في الوقت الحالي على نطاق أوسع من ذي قبل. كما أصبحت مشكلات النبات ذات الصلة بالحرارة منتشرة إلى حدٍ كبير أيضًا أكثر مما كانت عليه في الماضي."

وجدير بالذكر أن هناك 1700 بنك للجينات الزراعية على مستوى العالم تضم سبعة ملايين عينة – وهي مورد هائل يستخدمه العلماء للانتهاء من مهمة الوصول إلى السمات الوراثية التي يسعى إليها البحث – وهو ما يجعل تلك المهمة كالبحث عن إبرة في كومة قش. وأضاف باري أن تطوير تلك النماذج الرياضية من شأنه أن يساعد على تركيز البحث على "استهداف (العينات) مع احتمالية كبيرة لاكتشاف تلك السمات وتقليل الوقت المستغرق في عملية البحث." وأوضح أن فريق أكاردا كان يعكف على تطوير أسلوب يستخدم في صياغة "نظام حساب تعليمي" لجمع البيانات الضرورية التي تسمح للمزارعين "بالتركيز على السمات المطلوبة مثل مقاومة الآفات والأمراض والجفاف والحرارة.

وكان على المزارعين، بدون هذا النموذج الرياضي، الاعتماد على الطرق التقليدية التي تستهلك الكثير من الوقت، وهي طريقة "المحاولة والخطأ"، التي تتطلب تهجين نباتات وإخضاع السلالة المستنبتة للظروف المتوقع أن تواجهها في الحقل أثناء التغيرات الجوية القاسية. بعدها يأتي اختيار النباتات التي أظهرت قدرة أكبر على التكيف مع الظروف الجوية القاسية والاحتفاظ بها في شكل مخزون من البذور في حين تستبعد تلك السلالة التي لم تتمكن من التكيف مع الظروف في أغلب الأحيان أو عدم الاحتفاظ بها في مخزون البذور. وفي تلك الحالة، يضطر المزارع إلى تكرار العملية مرة ثانية.

وبالفعل، أثبت النموذج الرياضي، الذي أطلق عليه العلماء استراتيجية التحديد الدقيق للخلية المتكاثرة (فيجز)، نجاحا في عدة تجارب. وقال باحثون إن ذلك الأسلوب تعرف على المصادر الأولى على الإطلاق لمقاومة أكثر الأنماط الحيوية فتكا بآفة المن التي تصيب القمح الروسي، وهي من أكثر الآفات التي تسبب خسائر فادحة في العائدات. وفي الوقت الحالي، يركز البحث على عدد من المحاصيل الزراعية الغذائية التي تزرع في المناطق الجافة مثل العدس والحمص والفول والقمح والشعير. بحسب بي بي سي.

وكان باري وزملاؤه قد نشروا ورقة بحثية العام الماضي بعنوان "نظام فيجز يتعرف على السمات الوراثية المقاومة للجفاف في عينات الفول". وقال باري إنه "من خلال النتائج التي توصلنا إليها حتى الآن، تلقينا العديد من الطلبات من مزارعين." وأضاف: "نعمل الآن مع عدد منهم من أجل تطوير المزيد من البيانات الوراثية."

بييمونته الايطالية

الى جانب ذلك تنتشر حقول الأرز في مساحات شاسعة في فيرتشيلي بمنطقة بييمونته شمال إيطاليا حيث ينتج أفضل أرز في العالم ما يثير حتى اهتمام الصينيين. ومع حوالى 16 مليار قنطار سنويا اي 20 % مما تنتجه بلدان مثل فيتنام او بورما حيث الحصاد يحصل مرتين سنويا، وتحتل ايطاليا صدارة الدول الاوروبية المنتجة للارز بحسب ارقام رسمية. ومركز هذه الزراعة يقع في منطقة بييمونته مع اراض مزروعة تبلغ مساحتها 116 الف هكتار خصوصا في محيط مدينة فيرتشيلي حيث يزرع ثلث المحاصيل الوطنية من الارز.

وتتولى "بورصة للارز" يومي الثلاثاء والجمعة في هذه المدينة التي تعد حوالى 50 الف نسمة تحديد الاسعار (بمعدل 1200 يورو للطن وصولا الى 1450 يورو للارز من نوع "اربوريو"، مقابل 435 يورو للارز "العادي" بحسب البنك الدولي). وفي 2007، منحت اوروبا الارز المصدر من منطقتي بييلا وفيرتشيلي صفة "التسمية المحددة المصدر" شأنه في ذلك شأن اجبان الموازيلا ولحم الهام من منطقة بارما.

ويفاخر ساندرو غويريني واشقاؤه الثلاثة بحقول الارز التي ورثوها عن اجدادهم والبالغة مساحتها 80 هكتارا مؤكدين انهم ينتجون "افخر انواع الارز". وللاستجابة مع ازدياد الطلب وتطوير انتاجهم، اضطر الاخوة الاربعة للتكيف اذ باتوا يحولون ويسوقون بأنفسهم 60 % من انتاجهم (من اصل 4 قنطارات سنويا). ويقول ساندرو ان "ارضا زراعية مثل تلك التي نملكها كانت في زمن اهلي توفر عملا لوالدي وعمي. اليوم، مع تنظيمنا الجديد، باتت هذه الزراعة توفر عملا لاربعة اشخاص".

ويقوم اثنان من الاشقاء بتحضير رقائق الارز ودقيق الارز (المستخدم كثيرا من جانب الاشخاص الذين يتبعون حمية غذائية لانقاص وزنهم)، بالإضافة الى اطباق ريزوتو جاهزة للاستهلاك. ويعرف كريستيان فيراريس جيدا هذه الاراضي الزراعية بحقولها للارز البالغة مساحتها 250 الف هكتار في سهل بو الخصب، اذ انه يجتازها على متن دراجته الهوائية لكونه يعمل دليلا سياحيا في المنطقة.

ويوضح فيراريس ان "الاراضي الزراعية مسطحة والتربة طينية، ما يسمح للماء بالبقاء على السطح"، مشيرا الى ان المياه تستخدم ايضا كـ"غطاء حراري" كي يبقى الارز على الحرارة نفسها، وهذه نقطة ايجابية تسجل لصالح هذه المنطقة ذي المناخ القاري. وبعد ادخالها عن طريق رهبان في القرن الثاني عشر كانوا مكلفين باستصلاح هذه الاراضي غير الصالحة والمشجرة والتي كانت ينتشر فيها وباء الملاريا، استفادت زراعة الارز من وصول اقنية الري والتي رسم تصميمها الرسام المبدع ليوناردو دافينشي، ثم من المكننة.

ويوضح المرشد انه "حتى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان يأتي اشخاص من جنوب ايطاليا، بشكل خاص من النساء اللواتي كن يعشن ظروف حياة قاسية، للعمل هنا". ويشير كريستيان الى ان الزراعة لا تزال اليوم اساسية لهذه الاراضي. ويمثل الارز، اكثر الحبوب استهلاكا في العالم، اساس الاطباق التي يعدها دافيد بوناتو الطاهي في مطعم ماسيمو في ترينو.

ويلفت الطاهي الى ان "الارز يتطلب عملا مضنيا. انه حقا تقليد قديم جدا. انه يمثل مصدر غنانا هنا"، مفاخرا بأن منطقته "تعتبر الاكثر امتيازا" في هذا المجال. ويحقق الارز الايطالي نجاحا عالميا اذ انه بات يباع في روسيا (3077 طنا في 2013 بارتفاع 47 % خلال عام)، وفي تركيا (47411 طنا بارتفاع 139 %) وحتى في الصين (25 طنا، لا احصائيات متوافرة). ويقول ساندرو غويريني ان الارز الايطالي "اصبح منتجا فاخرا بالنسبة للذين لديهم القدرة لشرائه". بحسب فرانس برس.

ويضيف كريستيان فيراريس ان "عددا لا بأس به من الصينيين يمكنهم شراء الارز الايطالي من الناحية الاقتصادية، فهم باتوا اكثر ميلا لشراء الانواع الايطالية بالمقارنة مع الارز المنتج في البلدان المجاورة" للصين. لكن هل سيطيح الارز يوما باطباق الـ"باستا" الشهيرة على موائد الايطاليين؟ "قد يكون ذلك جيدا فيما لو حصل، لكننا ايطاليون" بحسب الطاهي بوناتو.

الخوخ البري

من جهة اخرى أعلن العلماء ان نتائج تحليل عينات عتيقة محفوظة جيدا من نواة ثمار الخوخ (الدراق) تشير الى ان استئناس هذه الفاكهة الحلوة المذاق واستزراعها من الحالة البرية يرجع الى 7500 عام على الاقل في وادي نهر يانجتسي بالصين. وتشير الدراسة الى ان الخوخ كان من بين أوائل أشجار الفاكهة التي يجري استئناسها خلال المراحلة المبكرة من معرفة المجتمعات البشرية لعلوم البستنة.

وقال يونفاي جينج من معهد جيجيانج الاقليمي للتراث والآثار في هانجو بالصين وهو يشير الى ان بلاده لاتزال تحتل الريادة في العالم في مجال انتاج الخوخ "هناك تاريخ طويل في الصين لاستزراع الخوخ." وعقد الباحثون مقارنة بين أنوية الخوخ المستخرجة من ستة مواقع بالصين تشمل فترة تمتد الى خمسة آلاف عام. واوضحت نتائج تحليل حجم انوية الخوخ من كل موقع على حدة ان حجم حبات الخوخ كان يكبر بصورة مطردة مع مرور الزمن في وادي يانجتسي مما يظهر ان الناس هناك قد استأنسوا هذه الفاكهة.

وربما استغرق الأمر ما يصل الى ثلاثة آلاف عام قبل ان تبدو ثمار الخوخ المستزرعة مماثلة لشكلها الحالي. وقال الباحثون إن أنوية الخوخ -التي لا يمكن تمييزها عن الأنوية التي نراها اليوم- يرجع تاريخها الى 4300 الى 5300 عام. وقال جاري كروفورد استاذ السلالات البشرية بجامعة تورونتو مسيساوجا الذي شارك في هذه الدراسة التي نشرت نتائجها دورية (بلوس وان) إن هناك عدة اسباب جعلت من شجرة الخوخ الارجح في الاستزراع من الحالة البرية. بحسب رويترز.

فهي الأسرع نضجا نسبيا -إذ تنتج الثمار خلال عامين او ثلاثة فقط - كما انها تستجيب لتجارب التربية من اجل الحصول على ثمار أكبر حجما وأكثر حلاوة الى جانب صفات أخرى. وقال كروفورد "إنها غنية بفيتامينات (ا) و(ج) وبكل ثمرة كمية لا بأس بها من السعرات الحرارية. والنكهة رائعة." واوضحت دراسات اجريت بالاستعانة بالكربون المشع لتحديد عمر أنوية الخوخ انها انفصلت عن اسلافها البرية منذ 7500 عام وتطورت الثمار الى حجمها الكبير الحالي بعد ان كانت صغيرة ذات قشرة لحمية رقيقة. وقال كروفورد إن الاسلاف البرية للخوخ يبدو انها اندثرت.

المراعية للبيئة في مالي

فواكه وخضار وأعشاب طبية مزروعة من دون مبيدات وبكميات كبيرة ... هذا هو رهان عمر دياباتيه الطبيب البيطري الذي بات مزارعا معروفا بمنتجاته العضوية التي يزرعها في قطعة أرض كانت في البداية غير مؤاتية للزراعة. وتقع مزرعة دياباتيه في بلدة ساتينيبوغو التي تضم 400 نسمة على بعد حوالى 30 كيلومترا من العاصمة باماكو. ويزرع فيها منذ العام 2005 الطماطم والشمندر والخس، بالإضافة إلى فواكه ونباتات طبية. كذلك خصصت مساحة في هذه المزرعة الممتدة على هكتارين للبقر والماعز والدجاج.

ولم يكن من السهل الاستفادة من أرض قاحلة لا ينبت حتى العشب فيها والأصعب كان تفسير هذا المبدأ للمزارعين في المنطقة، على ما كشف دياباتيه. واعترف هذا الطبيب البيطري الذي درس في موسكو بين العامين 1985 و 1992 والذي يوظف خمسة مزارعين بدوام كامل "لم يكن أحد يؤمن بهذا المشروع عندما أطلقته". أما اليوم، فباتوا يقولون له إنه البستاني الوحيد الذي يمكنه القيام بذلك.

وقد أبصر هذا المشروع النور بفضل لقاء مصيري مع الكاتب والفيلسوف والمزارع الفرنسي بيير رابي الرائد في مجال الزراعة المراعية للبيئة. فبعد هذا اللقاء، قرر عمر فتح مزرعته الخاصة مع الإنتاج بطريقة مختلفة. ففي بلده البالغة مساحته مليونا و240 ألف كيلومتر مربع والذي تنتشر الصحارى على ثلثي مساحته، تقوم الزراعة بغالبيتها على المحاصيل الغذائية. وأنظمة الإنتاج الغذائي هي عموما تقليدية والمحاصيل منخفضة نسبيا.

ولا يستخدم عمر الأسمدة، في حين يستخدمها مزارعون آخرون بكميات كبيرة. وهو يريد أن تكون إنتاجيته على مدار السنة، خلافا لبعض المزارعين الذين يعتمدون نهج الأرض البور. وهو يفضل استخدام الأسمدة العضوية والطبيعية، فضلا عن روث الحيوانات. وينوع عمر مزروعاته ايضا. وقال الطبيب البيطري "لا يسمح تغيير المزروعات بالحصول على إنتاجية متنوعة فحسب، بل أيضا بإراحة الأرض من حاجات المزروعات السابقة".

ولا يستخدم عمر المبيدات الكيميائية لمكافحة الحشرات والأعشاب الضارة والطفيليات لأنها تلوث الأراضي والمياه الجوفية، مفضلا اللجوء إلى نباتات خاصة، مثل القرنفل الهندي، التي تقضي على الديدان المضرة وتبعد الحشرات. أما في ما يخص الأعشاب الضارة، فهو يتركها للمواشي التي يقوم بحثها على التناسل مع نوعيين أوروبيين يعرف أنهما لا يمرضان كثيرا. وكشف أن "هذه الأنواع الهجينة تسمح لنا بالحصول على إنتاج (حليب) أكبر. 10 إلى 15 ليترا للبقرة في اليوم الواحد، بدلا من ليترين إلى ثلاثة".

ويحصد حوالى ثلاثين سلة من الخضار والفواكه في الأسبوع الواحد، أي ما يوازي تقريبا محاصيل المزارع الكبيرة. ويبيع منتجاته العضوية لنحو 29 زبونا منتظما ويسلمهم السلات مرتين في الأسبوع، من دون وسيط بين المزارع والمستهلك. وتعد زوجته فاطوماتا هذه السلال التي تكلف 5 آلاف فرنك افريقي (7,5 يورو) ويجني منها أرباحا بنسبة 40 % في بلد لا يتعدى فيه متوسط الراتب الشهري 50 ألف فرنك افريقي (76 يورو). بحسب فرانس برس.

ويتشارك عمر دياباتيه خبرته في مجال الزراعة المراعية للبيئة مع آخرين. وهو يستقبل منذ العام 2007 متدربين في مزرعته من مالي وبلدان افريقية أخرى. ولا تلقى تعليمات عمر دياباتيه أصداء واسعة في بلده حيث لا يزال الإنتاج العضوي هامشيا، حتى لو كانت السلطات تعتزم تحويل البلاد إلى "قوة زراعية" شبه إقليمية بحلول العام 2017 وضمان الأمن الغذائي للسكان، وفق ما جاء في مستند حكومي صادر سنة 2013.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/كانون الأول/2014 - 21/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م