اللاجئون في الأردن .. جدول زمني بشري للأزمة الإقليمية

 

شبكة النبأ: يرزح الأردن تحت وطأة ضغوطات ناجمة عن استضافة أكثر من 600,000 لاجئ سوري على أرضه في الوقت الذي يحذر فيه مسؤولون حكوميون ووكالات إغاثة من تضاؤل الموارد والقدرة على الاستجابة للاحتياجات المتزايدة. بحسب شبكة الانباء الانسانية ايرين.

مع ذلك، لا يشكل السوريون الفارون من الصراع الحالي سوى جزءاً صغيراً من اللاجئين في البلاد. فعلى مدار عقود، فتحت المملكة الصغيرة، التي لا يتجاوز عدد سكانها الأصليين بضعة ملايين، أبوابها للأسر النازحة من سوريا وفلسطين والعراق.

حرب عام 1948 بين العرب وإسرائيل

يشير الإسرائيليون إلى أحداث مايو 1948 على أنها "حرب الاستقلال" الخاصة بهم، بينما يصفها الفلسطينيون بأنها نكبة. في غضون بضعة أسابيع، شن مقاتلون يهود سلسلة من الهجمات واقتطعوا دولة يهودية، وأجبر العنف أكثر من 700,000 فلسطيني على الفرار من ديارهم، من بينهم حوالي 100,000 عبروا نهر الأردن على الفور.

حرب الأيام الست في عام 1967

خلال الفترة من 5 إلى 10 يونيو 1967، خاضت إسرائيل حرباً ضد الدول العربية المجاورة لها، وهي مصر والأردن وسوريا، واستولت على شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان من تلك البلدان على التوالي. وقد نزح مئات الآلاف من المدنيين واللاجئين منذ عام 1948 للمرة الثانية وأُجبروا على الفرار. وفر أكثر من 300,000 شخص من الضفة الغربية إلى الأردن.

مذبحة حماة في عام 1982

فرض الرئيس السوري حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي بشار الأسد، حصاراً على مدينة حماة لسحق انتفاضة جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من أن الأرقام الموثوقة محدودة، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 20,000 شخص لقوا مصرعهم وهرب الآلاف إلى الدول المجاورة، بما فيها الأردن.

غزو العراق في عام 2003

أدى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين وحزب البعث إلى فرار مئات الآلاف من الأشخاص جراء العنف. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 400,000 عراقي نزحوا إلى خارج البلاد، وتقول مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن عدد اللاجئين المسجلين حالياً في الأردن يبلغ 48,600 شخص.

الحرب السورية في عام 2011

في مارس 2011، تم سحق الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في مدينة درعا التي تقع في جنوب سوريا بعنف شديد، مما فجر تمرداً على نطاق أوسع. وفي حين أن الانتفاضة كانت سلمية في البداية، فقد تحولت إلى مقاومة مسلحة في غضون عام واحد، وتطورت الأزمة إلى حرب أهلية مريرة ومستمرة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 100,000 سوري قد قُتلوا منذ عام 2011، وارتفع الآن عدد اللاجئين إلى أكثر من مليوني شخص. ويوجد أكثر من 600,000 لاجئ سوري مسجل في الأردن.

ذهبت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) إلى عمّان لقضاء بعض الوقت مع هذه الفسيفساء الغنية من الناس، لفهم الشعور بالاستقرار المؤقت، ومعرفة المزيد عن تجارب اللاجئين ودوافعهم، وكذلك آمالهم للمستقبل. وقد اخترنا أن نروي خمس قصص لأجيال مختلفة من اللاجئين، وذلك بهدف إظهار كيف تأثروا بالبلد المضيف، وساعدوا في تشكيله على حد سواء.

يتمتع غالبية الفلسطينيين الذين يعيشون في الأردن والذين يبلغ عددهم أكثر من مليوني نسمة بنوع من الجنسية الأردنية، ولكن نوع جواز السفر الذي يحصلون عليه - اعتماداً على زمن وصولهم ومكان قدومهم - يوفر لهم حقوقاً مختلفة. في حين يتمتع بعض الفلسطينيين بحق الوصول الكامل إلى العمل والتملك والتعليم الحكومي وخدمات الرعاية الصحية، يحتاج آخرون للحصول على تصاريح للعمل ودفع رسوم أعلى للدراسة في المدارس الحكومية.وقالت ريم أبو حسان، وزيرة التنمية الاجتماعية في الأردن أن "بعض المهن مفتوحة للأردنيين فقط. مع ذلك، هناك بعض المهن التي تعطى الأولوية على غيرها... إن معدل البطالة [في المخيمات الفلسطينية] مرتفع، ولكن معدل البطالة في المجتمع الأردني مرتفع أيضاً".

على النقيض من ذلك، لا يحمل العراقيون الذين يعيشون في الأردن جوازات سفر أردنية، وباعتبارهم لاجئين، لا يمكنهم الحصول على تصاريح إقامة تسمح لهم بالعمل، ما لم يدفعوا مبلغاً من المال مقابل ذلك. وهناك تصور سائد بأن العراقيين في الأردن هم أصحاب أعمال أثرياء، إلا أن الواقع غير ذلك. ففي حين أن بعضهم من المهاجرين الاقتصاديين المستقلين مالياً، إلا أن العديد منهم يفتقر إلى فرص العمل ويعتمد إلى حد كبير على المساعدات ودعم المجتمع المحلي. كما يكافح اللاجئون السوريون في الأردن ويواجهون قيوداً على الحركة والعمل، مثل العراقيين، مما يؤدي إلى صعوبات اقتصادية. وقد ذكرت مسرة سراس، رئيسة برنامج اللاجئين في رابطة المرأة السورية في عمّان، أن الكثير من الشباب السوريين الذين وصلوا منذ عام 2011 يتسربون من المدارس في وقت مبكر للعمل في السوق السوداء حتى يتمكنوا من إعالة أسرهم.

وفضلاً عن أن هذا يخلق قوة عمل موازية وغير منظمة تنتهك القانون الدولي وتزعج الأردنيين الذين يحتاجون إلى وظائف أيضاً، فإنه يحرم الشباب السوري من التعليم أيضاً. وفي هذا الصدد، تشير تقديرات منظمة كير الدولية غير الحكومية إلى أن ما يقرب من 60,000 طفل ينشطون في سوق الأردن، وقد تضاعف هذا الرقم منذ بدء الأزمة السورية في عام 2011. وهناك أيضاً موضوعات توحد الموجات المختلفة من اللاجئين؛ حيث ينتظر الكثيرون إعادة توطينهم في بلد ثالث، وخاصة العراقيون. مع ذلك، فإنهم في كثير من الأحيان ينتظرون لعدة سنوات. ووفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن أقل من واحد بالمائة من اللاجئين في جميع أنحاء العالم يتم توطينهم في بلد ثالث، وحتى أولئك يتم انتقاؤهم على أساس ظروفهم الاستثنائية. مع ذلك، يتفق الجميع على أن حياتهم في الأردن أفضل من العودة إلى بلدانهم الأصلية، وقد أصبح معظمهم يعتبر المملكة الأردنية في جميع الأحوال وطناً لهم.

قدامى النازحين

أبو محمد البالغ من العمر 60 عاماً يقف خارج منزله في مخيم إربد للاجئين في الأردن في نوفمبر 2014، غادر والدا أبو محمد فلسطين التاريخية في عام 1948، فراراً من عنف الحرب العربية-الإسرائيلية التي يطلق عليها معظم اللاجئين مسمى النكبة، وانتقلوا أولاً إلى لبنان ثم إلى سوريا قبل أن يستقروا في الأردن. ولد أبو محمد في عام 1954 في مخيم إربد للاجئين في شمال الأردن، الذي يبعد حوالي 85 كيلومتراً شمال عمّان. وعندما كان أبو محمد في السابعة من عمره، تم نقلهم إلى مخيم يتكون من خيام في منطقة جبلية تسمى التل وبدأ الناس يشيدون المزيد من المباني الدائمة، مما أدى إلى تكوين ما أصبح الآن منطقة حضرية ذات كثافة سكانية عالية. "في البداية، كان المخيم مكوناً من الخيام فقط، ثم بدأ الناس تدريجياً يبنون المنازل من الطين،" كما تذكر الرجل البالغ من العمر 60 عاماً. وأضاف: "كان الناس يبدؤون بغرفة واحدة أو غرفتين. كانت معاناة كبيرة حقاً في البداية. لم يكن هناك ماء أو كهرباء. وعندما كانت الأمطار تهطل، كان المخيم يغرق في الوحل، وتنهار الجدران الضعيفة في المنازل في بعض الأحيان".

يتذكر أبو محمد النضال من أجل الموارد الأساسية أثناء طفولته. وروى كيف كانت أمه وأخواته الأكبر سناً يمشين لمسافة ثلاثة كيلومترات إلى صنبور عمومي ثم يحملن براميل المياه التي يزن كل منها 20 كيلوغراماً على رؤوسهن. ويقول أن أسوأ ذكرياته كانت رؤية الرجال والنساء يتقاتلون على الغذاء الذي توزعه وكالات الإغاثة. ولا يزال مخيم إربد قائماً اليوم، على الرغم من أن عقوداً من البناء حولته إلى الكتلة الخرسانية الحضرية القائمة اليوم، وهو الآن موطن لأكثر من 25,000 لاجئ مسجل. ويقول أبو محمد، الذي لا يزال يعيش في المخيم، أنه أصبح بمثابة وطنه: "أنا شخصياً أحب العيش في المخيم لأنني تعودت على ذلك. ولا أرغب في العيش خارجه". وفي حين ركز والداه على الاحتياجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، يرى الأب لستة أبناء أن الشيء الأكثر أهمية اليوم هو التعليم. وقال أنه باع بعض الأراضي في المخيم بشكل غير رسمي لدفع رسوم المدارس من أجل إعطاء أبنائه فرصة الحصول على التعليم، بينما لم يحصل هو أو زوجته، التي كانت نازحة داخلياً في عام 1967، سوى على قدر ضئيل من التعليم الرسمي. وأضاف: "آمل أن يعيشوا حياة أفضل من حياتنا ويكون مستقبلهم أفضل من مستقبلنا أيضاً". وحتى الآن، تؤتي تضحياتهم ثمارها، فقد أصبح عبد الرحمن، نجل أبو محمد البالغ من العمر 18 عاماً، الآن طالباً في السنة النهائية من المرحلة الثانوية، ويخطط لدراسة الإدارة في الجامعة في العام المقبل. كما أصبح الابن البكر للزوجين، محمد، محاسباً وانتقل للعمل في المملكة العربية السعودية.

من جانبها، قالت أم محمد أن "الأمهات الفلسطينيات يتحملن عبئاً أثقل لأن لديهن رسالة في هذه الحياة. أهم شيء بالنسبة لنا هو تعليم أطفالنا ... لا أتوقع أن تكون حياة الشخص غير المتعلم كحياة المتعلم". وعلى الرغم من أن الأسرة مستقرة في الأردن ولديها جنسية وجوازات سفر أردنية، إلا أنها لا تزال تشعر بالخسارة عندما تتحدث عن فلسطين." هناك [في فلسطين التاريخية]، إذا أعطوني فقط خيمة، سأشعر بأنني أعيش في بلدي، وسوف أكون أسعد رجل،" كما قال أبو محمد.

التعليم، ثم التعليم، ثم التعليم

ولد أبو خالد في مخيم عقبة جبر للاجئين في الضفة الغربية، قبل ضمه إلى إسرائيل في حرب الأيام الست عام 1967، بعد أن استولت الدولة اليهودية على مرتفعات الجولان والضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء من سوريا والأردن ومصر على التوالي. وبعد أن فر أبو خالد ووالداه من حرب الأيام الست في عام 1967، انتقلوا إلى الكرامة، وهي منطقة في غور الأردن. مكثت الأسرة هناك لمدة عام حيث كان والده يكسب رزقه من مزرعة مستأجرة غير أنهم لكنه اضطر مرة أخرى للانتقال إلى عمّان بسبب معركة الكرامة بين إسرائيل من جهة وتحالف من الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى عام 1968. وبعد وصوله إلى مخيم وادي الرمم قرب عمّان، اشترت الأسرة منزلاً (عبارة عن غرفة واحدة فقط) مقابل 256 ديناراً أردنياً، واضطرت والدته إلى بيع أساورها الذهبية لجمع هذا المبلغ.

وأقامت الأسرة المكونة من سبعة أفراد في تلك الوحدة، تحت سقف من الصفائح المعدنية وبدون حمام، حتى تمكنت من توفير ما يكفي من المال لهدم الجدران الواهية وإعادة بناء المسكن بشكل أفضل. مع ذلك، فإنه لا يزال مسكناً متواضعاً لإقامة أسرته حتى الآن. ومن أجل أن يتمكن من توفير تعليم جيد لأبنائه الخمسة، كان أبو خالد يعمل فترتين حتى ساعة متأخرة من الليل، بينما قامت زوجته أم خالد، وهي معلمة، بإعطاء دروس خصوصية بشكل غير رسمي. كما اقترضا بعض المال من العائلة والأصدقاء حتى يتمكنا من تحمل رسوم الدراسة الجامعية. وقال أبو خالد، الذي يبلغ من العمر الآن 54 عاماً: "أنا وزوجتي لدينا هدف واحد في الحياة. لم نهتم بامتلاك منزل كبير، أو شراء سيارة كبيرة أو كسب الكثير من المال. كان همنا الوحيد هو تعليم أطفالنا ... كنا نعيش في تقشف من أجل أطفالنا، حتى نتمكن من دفع نفقات تعليمهم عندما يكبرون".

وبالنسبة لأم خالد، كانت واحدة من أسعد لحظات حياتها عندما أصبح ابنها الأكبر، خالد، طبيباً. ويحمل أفراد الأسرة الآن جنسية وجوازات سفر أردنية، ولكنهم لازالوا يُعتبرون من اللاجئين الفلسطينيين، وهذا يعني أنه يحق لهم العمل، ولكنهم يقولون أنهم لا يُعاملون دائماً على قدم المساواة. وروى أبو خالد كيف أنه عندما قدم طلباً للحصول على وظيفة في قسم الصيانة التابع لسلاح الجو، رفض الضابط طلبه لأن وثائقه تشير إلى أنه من أصل فلسطيني. وأوضح قائلاً: "إنهم لا يريدون شخصاً من أصل فلسطيني. يريدون تخصيص تلك الوظائف للأردنيين من أصل أردني فقط. لقد كانت أوراقي كاملة وجاهزة ومؤهلاتي من ضمن الشروط المطلوبة، فلماذا تطردني؟ ولماذا ترفض طلبي؟" "أشعر أن حياتي معلقة، وأنا بين نارين. لا أنا في وطني ولا أستطيع العودة إلى وطني. لست مرتاحاً هنا وإذا عدت وعشت في ظل الأوضاع السائدة هناك، لن أكون مرتاحاً ولن أكون قادراً على العيش،" كما أضاف أبو خالد.

عالقة بين عالمين

غادرت مسرة سراس سوريا عام 1981 قبل فترة وجيزة من ما يشار إليه الآن باسم مذبحة حماة، عندما فرض الرئيس الراحل حافظ الأسد حصاراً على مدينة حماة، وسحق انتفاضة جماعة الإخوان المسلمين وقتل عشرات الآلاف من المدنيين. كانت مسرة في الرابعة عشرة من عمرها عندما سافرت إلى عمّان مع عائلتها. ولم يسجل أفراد أسرتها أسماءهم كلاجئين، بل اعتبروا أنفسهم أسراً مهاجرة. تعمل سراس الآن كرئيسة لبرنامج اللاجئين في رابطة المرأة السورية في عمّان، التي أنشأتها هي ومجموعة من النساء الآخريات في عام 2006 لتوفير شبكة دعم محلي للأسر القادمة إلى الأردن. وتسمع سراس أثناء عملها الكثير من القصص عن الخسائر التي تكبدها السوريون، وكذلك آمالهم في العودة إلى بلادهم قريباً. وفي بعض الأحيان، كما تقول، لا تستطيع النوم ليلاً لأن المآسي التي تسمعها تؤرقها كثيراً. كما تتحمل سراس نفسها عبء الانفصال عن الوطن. فهي تحمل جواز سفر سوري، لكنها عاشت في الأردن لفترة طويلة لدرجة أنها تقول أنها تشعر بأنها غريبة في سوريا. إنها، في واقع الأمر، لا تنتمي إلى أي من البلدين.

"لقد عشنا هنا لأكثر من 25 عاماً. تزوجت هنا، وزوجي أيضاً من سوريا، وولد أطفالي ونشؤوا هنا،" كما أوضحت. "قبل عشر سنوات، عندما كانت ابنتي تبلغ من العمر 12 أو 13 عاماً، عدت إلى سوريا للمرة الأولى. وعندما ذهبت إلى هناك، شعرت بصدمة أيضاً لأن المجتمع كان غريباً علي. لم أستطع أن أجد نفسي هنا أو هناك،" كما أضافت.

وخلافاً لسراس، لم يعد زوجها، الذي يدير شركة لبيع مواد البناء، إلى سوريا منذ أكثر من ثلاثة عقود. وقالت أن "والدته وأخته كانتا تأتيان لزيارته. كان إخوته يعيشون في سوريا، ولكنهم غادروها بسبب الأزمة في عام 2012 وجاءوا للعيش في الأردن. وعندما يجلس معهم، يقول لي 'لا أستطيع الانسجام معهم [مثلما كان الحال من قبل]. فالطريقة التي يتحدثون بها مختلفة عنا وكذلك طريقة لباسهم مختلفة أيضاً عنا'". أما ابنتها، التي تبلغ من العمر الآن 22 عاماً وهي طالبة في الجامعة، فلديها شعور مختلف. وتقول سراس أن ابنتها تشعر بأنها "تنتمي" إلى سوريا منذ انتفاضة عام 2011، وبدأت تدافع عن القضية السورية لأنها تريد أن تثبت أنها سورية. "يقول أبنائي أنهم يحبون الذهاب لزيارة سوريا للقيام بالرحلات وزيارة عائلتنا، ولكنهم في النهاية يقولون لي 'أريد أن أعود إلى بلدي [الأردن] لأن هذا هو بلدي،" كما أفادت.

الغضب والخيانة

لم يكن عبد المجيد الحمداني في مكتبه في مدينة الفلوجة العراقية عندما دمرته سيارة مفخخة. كان ذلك في عام 2009، وكان بالفعل على دراية بالتهديدات بقتله، ولكن هذه القنبلة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة له حيث قرر أن يأخذ أسرته إلى بر الأمان في الأردن. ويقول الرجل البالغ من العمر 59 عاماً أنه كان مستهدفاً لأنه كان أحد زعماء مجالس الصحوات التي تتكون من رجال القبائل السنية، الذين حصلوا على تمويل من الحكومة الأمريكية لمحاربة تنظيم القاعدة في العراق في عامي 2006 و2007. وأضاف الحمداني أنه أيضاً كان يعمل لدى شركة لتوريد المؤن، مثل المواد الغذائية والأثاث والأسمنت، للقوات الأمريكية خلال احتلالها للبلاد بعد سقوط نظام صدام حسين.

ويصر الحمداني على أن دوره في مجالس الصحوات لم يكن قتالياً، وأنه كان مسؤولاً عن تحسين العلاقات بين السكان المحليين والأمريكيين. وهو يشعر بالاستياء من أنه بعد خمس سنوات، لم يسمع أية أخبار عن طلبه لإعادة توطينه في بلد ثالث، وهو الولايات المتحدة، ويقول أنه يشعر بأنه "تعرض للخيانة" من قبل قوات التحالف. تعيش أسرة الحمداني في شقة صغيرة في منطقة ذات كثافة سكانية عالية على مشارف عمّان. وبوصفهم لاجئين، يحق له ولزوجته وابنيه الحصول على المأوى والغذاء والرعاية الصحية والتعليم وأوجه الدعم الأساسي الأخرى. ولكن اللاجئين مثل الحمداني لا يستطيعون عادة الحصول على تصريح عمل في الأردن، إلا إذا كانوا يعملون في وظائف لا تدخل في منافسة مع سوق العمل الأردني - وهي في العادة وظائف لا تتطلب مهارة أو تدريباً مهنياً ويرفضها الأردنيون.

ويشعر الحمداني بالاحباط لأنه لا يستطيع إعالة أسرته، حيث قال: "أنت تسير في طريق مظلم لا تعرف نهايته. ليس لدي مستقبل هنا، فالحكومة [الأردنية] بالكاد تستطيع إطعام شعبها. ونحن نعلم جميعاً أن الحكومة الأردنية تفتقر إلى الموارد". "لا أريد أن يكون ابني شخصاً عديم الفائدة لأن والده كان يعمل مع الأميركيين وتعرض للهزيمة، وجاء ليعيش في عمّان،" كما أفاد مضيفاً أنه يريد لابنيه - اللذين يبلغان من العمر 5 أعوام و16 عاماً - الحصول على تعليم أفضل من ذلك الذي تتيحه حالياً المدارس الحكومية في عمّان، وأن يذهبوا أيضاً إلى مدرسة لا يتعرضون فيها للمعاملة القاسية لأنهم عراقيين. ويحلم الحمداني بمغادرة الأردن وبدء حياة جديدة كمواطن في دولة أخرى، ويقول: "[الجنة] هي المكان الذي يمكنني أن أحصل فيه على هوية. أنا هنا لا أملك سوى هذه الورقة من الأمم المتحدة، ولكن عندما تذهب إلى بلد يحتضنك، سوف تحصل على [بطاقة] هوية، وسوف تكون على قدم المساواة مع المواطنين الآخرين".

لا تزال جريحة

لن تنسى أم الحارث أبداً اليوم الذي تم فيه القبض على زوجها. كان ذلك بعد ظهر يوم جمعة في عام 2011 وكان قد عاد لتوه من الصلاة. كان يعمل في مزرعة الكرز التي تمتلكها الأسرة في القنيطرة، وهي منطقة ريفية في منطقة عمل قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك على الحدود السورية الإسرائيلية، عندما اعتقلته قوات الأمن السورية. ثم قاموا بتفتيش منزلها وأخذ زوجها. وقالوا لها أنه لن يغيب أكثر من "ساعة واحدة"، ولكن ذلك اليوم كان آخر مرة رأته فيها. وبعد عام من الانتظار للحصول على الأخبار، أخذت أم الحارث أطفالها الأربعة إلى الصنمين على مشارف دمشق، وهي البلدة التي يعيش فيها والدها. وطوال أسبوع، كانت تسافر ذهاباً وإياباً إلى العاصمة للاستفسار عن زوجها، ولكنها لم تستطع الحصول على أي معلومات عنه.

وتؤكد المرأة البالغة من العمر 42 عاماً أنه لم يتم توجيه اتهام رسمي لزوجها على الإطلاق، وأنها تعتقد أنه اعتقل بطريق الخطأ بدلاً من شخص آخر ولم تستطع أم الحارث البقاء مع والدها المسن الذي لم يتمكن من دعمها هي وأطفالها، فأخذت الأسرة إلى مسجد في طريقها إلى الأردن ومكثوا هناك لمدة سبعة أشهر، وبسبب الحواجز المحيطة بالمدينة والمسجد، لم يكن من السهل أن تغادره أو تحصل على الطعام، ولذلك اعتمدوا على السكان المحليين لإحضار الامدادات. "أُلقيت ست قنابل على المسجد بينما كان الناس في منطقة الصلاة،" كما ذكرت، مضيفة أنه على الرغم من أن الهجوم لم يؤدي إلى إصابة أحد في المسجد، فقد ترك أثراً عميقاً على الناس الذين كانوا يحتمون به، وخصوصاً الأطفال. كان ابنها الحارث، الذي يبلغ من العمر ست سنوات، يصلي عندما انفجرت القنابل، عن تلك الحادثة يقول: "رجعت إلى الوراء [بسبب الضوضاء]، وقد أصابت القنبلة القبة". رأت علا، أخت الحارث التي تبلغ من العمر سبع سنوات، جنازة لفتاة في عمرها في المسجد، وتسبب هذا في إصابتها بانهيار عصبي وبدأت تسعل دماً. وفي ديسمبر 2013، غادروا المسجد وعبروا الحدود إلى الأردن.

وتذكر أم الحارث أن الرحلة كانت مرهقة للغاية. "عندما وصلنا إلى مخيم الزعتري، شعرت بالإجهاد لأكثر من شهر، ولكن عندما وصلنا إلى سحاب [مدينة في شمال الأردن] شعرنا بالأمان". قررت أم الحارث مغادرة مخيم الزعتري - أكبر مخيم للاجئين السوريين في الأردن - بعد شهر واحد للعيش مع أقاربها في سحاب. وتتقاسم وأطفالها الآن شقة مع ابنة أختها وأطفالها الخمسة. ويعيش العديد من أقاربهم الآخرين في نفس المبنى، وهما تقتسمان الإيجار الشهري الذي يبلغ 180 ديناراً أردنياً (250 دولاراً)، لكنه لا يشمل تكاليف الكهرباء والمياه.

أم الحارث التي تبلغ من العمر 42 عاماً تعبث بحزام حقيبتها والتوتر باد عليها وهي تروي تفاصيل رحلتها الأخيرة من سوريا وغالباً ما تجلس النساء المقيمات في هذا المبنى في الخارج معاً لتجاذب أطراف الحديث، ولكن أم الحارث نادراً ما تنضم إليهن: "هناك مكان جميل للجلوس خارج المبنى، ولكنني لا أخرج،" كما تقول، مضيفة "حتى الآن، لا أستطيع أن أصدق أن زوجي قد فارق الحياة". وباعتبارها لاجئة، تحصل أم الحارث على بعض المساعدات الأساسية من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى، لكنها غير قادرة على العمل، وتقول أن الحياة عبارة عن صراع دائم. تحصل كل شهر على قسائم غذائية بقيمة 120 ديناراً (170 دولاراً)، لكنها تبيع نصفها لشراء مواد غير غذائية، مثل الشامبو والصابون، ودفع نفقات الحافلة المدرسية لطفليها. وفي حين أنها تحاول لملمة حياتها من جديد، لا تزال أم الحارث تأمل أن تستطيع العودة إلى بلدها ذات يوم. وتقول "إنني أفتقد الأرض التي اعتدت المشي عليها، وأفتقد زوجي. إنه كل شيء في حياتي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/كانون الأول/2014 - 21/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م