اخلاقيات التغيير

طريق الصالحين

 

شبكة النبأ: يسلك الانسان في حياته عددا من الطرق منها ماتخدم معاشه في الدنيا لكنها تضر بمعاده في الاخرة، ومنها ماتوازن بين هذا وذاك، ومنها مايغلب عليها تعبيد الطريق الى الاخرة، دون المرور على جسر الدنيا..

في خياراته يكون الانسان بين ثلاثة توجهات هي الافراط او التفريط او التوازن، ثالث هذه التوجهات هو المحمود في ربط الدنيا بالاخرة، وهو ما يشتمل عليه قول الامام الصادق عليه السلام مخاطبا الشيعة في رسالته الشهيرة: (وعليكم بهدى الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشّعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته، فانكم ان لم تفعلوا ذلك، لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم).

رسالة الامام الصادق هي محور فصول وابواب كتاب (نهج الشيعة.. تدبرات في رسالة الامام الصادق عليه السلام الى الشيعة) التي اشتغل عليها شرحا وتفسيرا المرجع الديني اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) والمراد بهدى الصالحين: اي سيرة وسلوك المؤمنين الثابتين على صلاتهم، فان لكل جماعة اسلوبا وطريقا يمشون فيه، وكذلك هم الصالحون واولياء الله تعالى فان لهم طريقا خاصا بهم.

الهُدَى تحمل عدة معاني: فهي النهارُ، وهي الطَّريق ، الشَّريعة { قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى } وهي الرَّشادُ، والدَّلالةُ بلُطفٍ إِلى ما يوصّل إِلى المطلوب، والطاَّعة { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ }.

وفي القران الكريم تحمل مفردة الهدى سبعة عشر معنى :

الهدى بمعنى (الثبات) : قال تعالى: ( اهدنا الصراط المستقيم) - الهدى بمعنى (البيان): قال تعالى: (أولئك على هدى من ربهم - الهدى بمعنى (الدين): قال تعالى: (إن الهدى هدى الله). - الهدى بمعنى (الإيمان): قال تعالى: (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) - الهدى بمعنى (الدعاء): قال تعالى: (ولكل قوم هاد وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) - الهدى بمعنى (الرسل والكتب) قال تعالى: (فإما يأتينكن مني هدى) - الهدى بمعنى (المعرفة): قال تعالى: ( وبالنجم هم يهتدون). - الهدى بمعنى (النبي): قال تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) - الهدى بمعنى (القرآن): قال تعال: (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) - الهدى بمعنى (التوراة): قال تعالى: ( ولقد آتينا موسى الهدى) - الهدى بمعنى (الاسترجاع) : قال تعالى: (وأولئك هم المهتدون) - الهدى بمعنى (الحجة) : قال تعالى: (لا يهدي القوم الظالمين بعد قوله تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أي لا يهديهم حجة) - الهدى بمعنى (التوحيد) ): قال تعالى: (إن نتبع الهدى معك) - الهدى بمعنى (السنة) ): قال تعالى: (فبهداهم اقتده وإنا على آثارهم مهتدون) - الهدى بمعنى (الإصلاح) ): (قال تعالى: وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) - الهدى بمعنى (الإلهام) ): قال تعالى: (أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي ألهمهم المعاش) - الهدى بمعنى (التوبة) ): قال تعالى: (إنا هدنا إليك) - الهدى بمعنى (الإرشاد) ): قال تعالى: (أن يهديني سواء السبيل).

لهؤلاء الصالحين خصائص يعرفون بها منها:

الورع والوقار:

فالورع هو: الابتعاد عن الإثم والكفّ عن الشُّبُهات والمعاصي على سبيل التَّقوى.

وهو ايضا:  الكفَّ عن الحلال المباح.

من الصفات التي ينبغي للمؤمن ان يتحلى بها ويقتدي بالصالحين فيها حسب تفسير السيد صادق الشيرازي لقول الامام الصادق عليه السلام، هي الورع عن المحرمات والالتزام بالتكاليف الشرعية..

فكما ان الكاسب يسعى دائما لتحصيل الربح وضمان الفائدة، باعتبارها جوهر عمله ولايكل عن السعي في هذا الاطار، كذلك هو الانسان الصالح، فهو يسخر جل طاقاته لنيل الورع، لذا فهو دائم الحذر من الوقوع في المحذورات.

اما الوقار في معناه اللغوي والاصطلاحي: فهو سكون النَّفس وثباتها عند الحركات التي تكون في المطَالب ، او هو التَّأنِّي في التَّوجُّه نحو المطَالب ، او هو الوَقَار هو الإمْسَاك عن فضول الكلام والعبث، وكثرة الإشارة والحركة، فيما يُسْتَغنى عن التَّحرُّك فيه، وقِلَّة الغَضَب، والإصغاء عند الاستفهام، والتَّوقُّف عن الجواب، والتَّحفُّظ من التَّسرُّع .

ويذكر السيد صادق الشيرازي ان (الوقار يختلف عن السكينة، فالوقار خاص بظاهر الانسان، والسكينة متعلقة بباطنه، ولذلك ذكر الامام هاتين الخصيصتين منفصلتين).

وحسب السيد صادق الشيرازي فان (لكل انسان وقار يناسب حالته ومنزلته الاجتماعية.. فالملوك والتجار والعبّاد والمؤمنون لهم وقار خاص بهم.. ويتجلى هذا الوقار حسب حال كل منهم وطبيعة تفكره).

ثم يذكر السيد صادق الشيرازي فارقا كبيرا وبونا شاسعا بين الوقار والتكبر، ويعترف ان التمييز بينهما امر مشكل لصعوبة التمييز بين المفاهيم، فقد ورد في سيرة رسول الله صلى الله عليه واله انه كان اذا اراد النظر لاحد، التفت بكل وجهه اليه، واذا ما اراد الاشارة لشخص فهو لايشير اليه باصبعه، وانما يشير اليه بكل يده.. وهذه من مظاهر الوقار.. هذا الوقار الذي يتمكن الانسان به من السيطرة على انفعاله الداخلي، ويمنع به ظهور هذا الانفعال للعيان، وقد ورد: (المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه).

والسكينة والحلم:

اما السكينة فتعني:  الرَّاحَةِ ، الطُّمَأْنِينَة ، الاسْتِقْرَار

والحلم هو التأنّى والسكن عند الغضب أو المكروه مع القدرة والقوّة { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }

وهو الصفح والعقل.

في شرحه وتفسيره للحلم والشخص الحليم يقول السيد صادق الشيرازي، (يقال لمن يتحمل تقلبات الظروف كالفقر والمرض وغيرها من الامور التي يعجز الانسان عن التغيير فيها صابرا، بخلاف الحليم فهو يقال لمن يصبر على التصرفات السيئة القابلة للاصلاح كصبر الانسان على سب الاخرين له).

 والخشوع والصدق:

فخَشُوعُ الطَّرْفِ : غض الطَّرْفِ، ويُصَلِّي فِي خُشُوعٍ : فِي اسْتِكَانَةٍ ، فِي سُكُونٍ ، فِي خُضُوعٍ

وخُشُوعُ القَلْبِ : ضَرَاعَتُهُ ، سُكُونُهُ، وخَشَعَ لِلَّهِ : رَكَنَ لَهُ ، اِسْتَكَانَ، وخَشَعَ بَصَرُهُ : اِنْكَسَرَ

وخَشَعَ الصَّوْتُ : اِنْخَفَضَ ، وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (طه آية 108)

اما الصدق فهو ضدُّ الكذب،  والصدق: (هو الخبر عن الشيء على ما هو به، وهو نقيض الكذب) ، وقال الراغب الأصفهاني: (الصدق مطابقة القول الضمير والمخبَر عنه معًا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقًا تامًّا) .

والوفاء والجد في طاعة الله سبحانه:

فكل وفاء صدق، والوفاء قد يكون بالفعل دون القول، ولا يكون الصدق إلا في القول؛ لأنه نوع من أنواع الخبر، والخبر قول) .

وقد حث الامام الصادق (عليه السلام) المؤمنين على اقتفاء اثر الصالحين والاقتداء بهم والتخلق باخلاقهم.

ويؤكد السيد صادق الشيرازي على انه (لابد من التذكير ان جميع اقوال وافعال المؤمن نابعة من ايمانه وقائمة على اساس التعاليم الالهية، ولذا فان الناس يتذكرون الله تعالى اذا رأوا المؤمن.. تماما كما قال النبي عيسى عليه السلام (تذكركم الله رؤيته)، اذ ان حركات وسكنات المؤمن تختلف عن حركات وسكنات غيره).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/كانون الأول/2014 - 14/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م