العنصرية شرقا وغربا

 

شبكة النبأ: الحدث الطاغي في حضوره على وسائل الاعلام العالمية، احداث مدينة فيرغسون الامريكية، والوجه الصارخ للعنصرية بين الاعراق فيها.

الاحداث الاخرى ايضا تتسيد المشهد، تغيير اسماء الافراد الذين يحملون اسم الرئيس الكوري الشمالي الى اخرى، داعش والعنف المفرط الذي تمارسه في المدن والمناطق التي تقع تحت سيطرتها، القوانين التي تصدر في بعض الدول الاوربية لمكافحة لارهاب والتي تستهدف المسلمين تحديدا، وغيرها من احداث تكشف بشكل واخر عن مستويات متعدد من العنصرية والتمييز العنصري، الذي لم تستطع كل القوانين والتشريعات ان تقضي على هذه الظاهرة البغيضة.

ماهي العنصرية؟

هي الاعتقاد بأن هناك فروقًا وعناصر موروثة بطبائع الناس و/أو قدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما - بغض النظر عن كيفية تعريف مفهوم العرق - وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا. كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية.

تتفرع العنصرية الى:

الأشكال العامة مثل: (عنصرية جنسية - عنصرية عمرية - عنصرية صنفية  - عنصرية دينية - زينوفوبيا/ كراهية الاجانب).

أشكال خاصة مثل: (اجتماعية - قدرية - حجمية  - طولية  - رشدية - كره النساء - كره الرجال – شكلية - طبقية – نخبوية).

معاداة شعوب و ثقافات مثل: (الألبان – الأمريكيون – العرب – الأرمن – اليهود – المسلمون) وغيرهم.

ضد الديانات مثل: (المسيحية - الكاثوليكية - الهندوسية - اليهودية - المورمون - الإسلام – البروتستانتية)

ظواهر تمييز مثل: (العبودية - التنميط العرقي - الإعدام بدون محاكمة - خطابات الكراهية - جرائم الكراهية -  العزل العنصري - الإبادة الجماعية - التطهيرالعرقي - الهولوكوست - مذابح الأرمن - التطهير الإثني - التطهير العرقي - حرب الأعراق - الاضطهاد الديني).

حركات تمييزية مثل:  (الآرية - النازيون الجدد - الكو كلوكس كلان - الحزب الوطني (جنوب أفريقيا) - الحزب النازي الأمريكي - الكاهانية – الشوفينية)

سياسات تمييزية مثل: (العزل العنصري/عرقي/اثني /جنسي/ ديني - الأبارتيد - معسكرات الاعتقال).

قوانيين مشجعة على التمييز مثل:

منع اختلاط الأجناس - منع الهجرة - حركات التحريض على الغرباء - قوانيين نورنبيرغ - قوانين جيم كرو).

أشكال أخرى للتمييز العنصري مثل: (المحسوبية - تمييز اللون - تمييز اللغة - التعصب للعرق - التمييز الاقتصادي – الانعزالية - التصحيح السياسي - التمييز العكسي -  التحامل).

اذا كانت احداث فيرغسون صريحة في عنصريتها، فان ماعداها من امثلة ذكرناها هي عنصرية مضمرة وتندرج تحتها، ماهو السبب خلف تلك العنصريات والتمييز الذي تتعدد اشكاله والوانه؟

في دراسة نشرت في مجلة العلوم الامريكية، وجدت أن الكثير من الأميركيين الذين يعتبرون أنفسهم غير عنصريين ومتسامحين تجاه الأعراق الأخرى يكنّون في الواقع تحيزات عنصرية لا واعية، تظهر دلائلها في عدم انزعاجهم من السلوكيات العنصرية للآخرين وعدم استعدادهم لزجرها. ورأى الباحثون أن سبب استمرار الممارسات العنصرية في المجتمعات (والتي تتصاعد أحيانا إلى درجة الإبادة الجماعية) يعود جزئيا إلى تحفظ غير العنصريين على مواجهتها.

فالعنصرية (أو التمييز بين الناس بجميع أشكاله) تخلق نظاما اجتماعيا غير عادل ما يؤدي إلى التوتر وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يتفاقم أحيانا إلى العنف.

وتشير دراسات أخرى أجريت في جامعة جنوب كاليفورنيا إلى أن العنصرية لا تضر فقط بالأشخاص الذين يتم التمييز ضدهم، بل تضر أيضا بصحة العنصريين أنفسهم، إذ تسبب التوتر النفسي الذي يؤدي إلى مشاكل صحية مثل ضغط الدم وأمراض القلب والسكري .

ورغم ان العنصرية ليست صفة يعترف بها أو يفتخر بها معظم الناس، لكنها شائعة جدا في معظم أنحاء العالم، وحسب الدراسة السابقة  يعود سبب ذلك إلى أنها تحصل بطريقة لاواعية دون أن يدركها المرء.

ماهي الاسس التي تقوم عليها العنصرية؟

لون البشرة؛ وفيرغسون المثل الحاضر الان – القوميّة – اللغة – الثّقافات – العادات – المعتقدات - الطبقات الاجتماعيّة؛ إذ يتسلّط الأغنياء على الفقراء، ويحقّرونهم ويسلبون ممتلكاتهم ويتحكّمون بقوت يومهم .

ماهي أشكال العنصريّة؟

    التمييز الفردي: تكون العنصريّة فيه تجاه فرد، مثل: عدم المساواة في المعاملة وحرمانهم من الحقوق .

    التمييز القانوني: يكون بفرض قوانين جائرة على فئة لصالح فئة أخرى، كحقوق الملكيّة وحقوق العمل.

    التمييز المؤسسي: ويتّضح هذا التمييز في التمييز والتفرقة بين العاملين في المؤسسات الاجتماعية ممّا يؤدّي إلى حرمان فئة من حقوقها لصالح فئة أخرى.

بعد أحداث مدينة فيرغسون في ولاية ميزوري (التي انطلقت من حادث اطلاق رجل أمن أبيض –دارن براون- النار على فتى أسود (مايكل براون)، أعزل من السلاح وقتله في الشارع ومن ثم تبرئة رجل الأمن أمام القضاء)، يعكس السود مشاعر أقرانهم في سائر أرجاء الولايات المتحدة. عبّر عن هذه المشاعر مواطنون سود عاديون. قالوا: «نحن لا ننتمي إلى هذا المجتمع. المجتمع يرفضنا. لقد جرى سبي أجدادنا من أفريقيا وشحنوا كالحيوانات بحراً إلى هنا. واستعبدوا جيلاً بعد جيل. وحتى الآن لا نزال نعامَل كالعبيد رغم صدور قوانين بإلغاء التمييز العنصري.

إننا نشعر أنه لا مكان لنا هنا.. مكاننا الطبيعي في أفريقيا إنه قدرنا، إنه حكم بشرتنا السوداء». تعكس هذه المشاعر وقائع دامية. ففي عام 1992 وقعت حادثة في مدينة لوس أنجلوس ذات بعد عنصري. إذ أقدم أربعة رجال شرطة من البيض على ضرب رجل أسود (رودني كينج) بشكل متوحش. التقط هاوٍ صور المشهد المروع، فكانت ردة فعل أودت بحياة 53 شخصاً ودمرت وأحرقت شوارع رئيسية في المدينة وفي مدن أميركية عديدة أخرى، فالمواطن الأميركي الأسود يشعر أنه متهم حتى تثبت إدانته.

وتشير الاحصاءات الى إن 86 بالمائة من عمليات الاعتقال التي يتعرض لها سائقو السيارات في مدينة فيرغسون تشمل السود وحدهم. والسود في هذه المدينة كما في سائر المدن الأميركية الأخرى، يشكلون طبقة الفقراء، بل المعدمين.

ماذا عن الاشكال الاخرى من العنصرية؟

 حذرت منظمات عديدة من تصاعد العنصرية في الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا من ارتفاع التعصب والتمييز وجرائم الكراهية ضد الأقليات الدينية، لاسيما المسلمين في دول المنظمة.

وتضم المنظمة في عضويتها جميع الدول الأوروبية وتركيا وروسيا ودول وسط آسيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما ترتبط باتفاقيات شراكة مع كل من مصر وتونس والجزائر والمغرب والأردن، وإسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية وتايلاندا واستراليا.

في هولندا يتنامى القلق  من تصاعد التفرقة العنصرية والإسلاموفوبيا بالفترة الأخيرة، وكان تقرير متلفز بثته قناة "تي في واست" الهولندية قد كشف أن شرطة لاهاي -العاصمة السياسية- تستعمل العنف بشكل مفرط مع الأجانب وخاصة الشباب منهم.

لو توجهنا الى البلدان العربية سنكتشف ايضا مستويات متعددة من العنصرية، ففي الجزائر كشفت جريدة "الوطن" الجزائرية أن إدارة جامعة قسنطينة (شرق الجزائر) تعامل الطلاب القادمين من الجنوب بنوع من العنصرية وتطلب منهم القيام بتحاليل طبية تثبت بأنهم ليسوا مرضى ولا يعانون من أي وباء مثل "إيبولا"، قبل استلامهم الغرف الجامعية، وهو ما لا تطلبه من الطلاب الذين يأتون من الشمال.

وفي السعودية كشفت مجلة فرونت بيدج الامريكية في تقرير لها ان المملكة العربية السعودية هي أكثر الدول عنصرية في الوطن العربي. وقد عددت المجلة في تقريرها أوجه هذه العنصرية.

فالمملكة العربية السعودية ترفض منح 10% من إجمالي السكان الحقوق المتساوية؛ وذلك بسبب عرقهم، كما أنها لا تسمح لذوي البشرة السمراء بالوصول إلى عدد كبير من المناصب، كما أن النساء السوداوات في السعودية يدخلن المحاكم بتهمة السحر.

وتقول المجلة إن السعودية استبدلت 450 ألف من العبيد في فترة الخمسينيات بحوالي 8,4 مليون عامل أجنبي، يتم معاملتهم كما العبيد، لكنهم ليسوا ملكية خاصة وبالتالي من السهل استبدالهم بغيرهم.

وفي تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش عام 2004م، قالت المنظمة إن العمال الأجانب يواجهون صنوفًا من التعذيب وأساليب انتزاع الاعترافات منهم قسرًا، بالإضافة للمحاكمات الجائرة وإرغامهم على توقيع اعترافات لا يستطيعون قرائتها. كما أشارت المنظمة لتوثيقها حالات يتم فيها إعدام المدان بقطع رأسه ولا يتم إبلاغ سفارة بلاده أو عائلته إلا بعد إعدامه بالفعل.

واشارت تقارير عديدة للمشاكل التي يتعرض لها أصحاب البشرة السوداء في المملكة العربية السعودية، منها تقرير موقع فرونت بيدج عام 2014م.

يشكل أصحاب البشرة السوداء في السعودية حوالي 30% من إجمالي السكان، يعيش حوالي 26% منهم تحت خط الفقر، (وهو ما يعني حصول العائلة الواحدة على أقل من 15 ألف ريال سعودي سنويًّا، وهو دخل منخفض مقارنة مع أسعار المواد الغذائية والإيجارات والخدمات في المملكة).

ظهرت مشاكل هؤلاء بعد إلغاء الرق في المملكة، فلم تتمكن الدولة من استيعاب ودمج ذوي الأصول الأفريقية الذين جاؤوا للمملكة إبان فترات تجارة الرقيق، وبسبب وجود التفرقة القبلية في السعودية حتى أيامنا هذه، استفحلت قضية التمييز ضد السود.

يظهر التمييز ضد أصحاب البشرة السوداء بدءًا من المدرسة، فمعاملة باقي الطلاب لهم وحتى إدارة المدرسة ومدرسيها مليئة بالنظرة الفوقية. وتسبب ذلك في نقص التحصيل العلمي؛ مما أدى إلى فشلهم دراسيًّا وبالتالي تسكعهم في الشوارع؛ مما وضعهم تحت المراقبة الدورية من قبل الحكومة متمثلة في الشرطة.

وكما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية فإن كل جريمة تحدث في حي ما فإن أصابع الاتهام تتجه سريعًا إلى أصحاب البشرة السوداء.

يظهر التمييز واضحًا في عدد ساعات العمل؛ فيحصل الشخص العادي على حد أقصى 8 ساعات عمل، بينما تزداد ساعات عمل أصحاب البشرة السوداء عن ذلك، هذا بالإضافة إلى طبيعة العمال نفسها، فأصحاب البشرة السمراء مطالبون بالعمل والكدح طوال النهار هم وزوجاتهم من أجل الحصول على ما يسد جوع أطفالهم، في مقابل أعمال مريحة ودخل جيد للأشخاص الآخرين.

وقد وضع أحد النشطاء السعوديين قائمة بأشكال التمييز التي يعاني منها هؤلاء، وقد تمثلت في أن:

1- العاملين لدى الأسرة الحاكمة هم من السود ما بين سائق وخادم وعامل شاي وحارس.

2- الغالبية العظمى من حراس الأمن في القطاعات الخاصة هم من السود.

3- أكثر المعتقلين في السجون هم من السود.

4- معظم الفقراء من السود.

5- لا تجد وزيرًا أو سفيرًا أو صاحب منصب دبلوماسي رفيع من السود.

6- أكثر المترددين على المستشفيات الحكومية هم من السود بسبب تفشي الأمراض نتيجة الفقر.

اما الاردن فقد كشف استطلاع للرأي نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية نتائجه، عن أن الأردن هو ثالث أكثر دولة لا يبدي مواطنوها تسامحاً مع الأعراق الأخرى.

وقالت الصحيفة في تقريرها عن الاستطلاع الذي شمل مستجيبين من 81 دولة حول العالم، إن الأردن جاء بعد كل من هونغ كونغ وبنغلادش، بين الدول الأقل تسامحاً عنصرياً، في حين حلت الهند في المرتبة الرابعة.

وأوضحت أن 51,4% من الأردنيين المستطلعة آراؤهم أفادوا بأنهم لا يقبلون أن يكون جيرانهم "أجانب" أو من أعراق آخرى.

وبحسب ما أوردت الصحيفة الأميركية نقلاً عن الاستطلاع، فإن الاستطلاع جاء على شكل : ما نوع الجار الذي لا تفضل أن يسكن بجوارك؟ مع خيارات شملت "من عرق آخر"، فيما اعتبره القائمون على الاستطلاع مؤشراً على مدى التسامح والتعصب العنصريين.

وكان اللافت في الاستطلاع أنه لم يشمل الاحتلال الإسرائيلي من الأساس، في حين أظهر أن الولايات المتحدة الأميركية، من أقل الدول عنصرية.

عربياً، كانت السعودية ومصر من أكثر الدول العربية، بعد الأردن، تعصباً عنصرياً، وفق الاستطلاع، الذي أشار إلى أن الشرق الأوسط بشكل عام، ليس متسامحاً عنصرياً.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/كانون الأول/2014 - 13/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م