كربلاء المطهَّرة مرآة العدل والسلام

 

شبكة النبأ: الإنسانية تبحثُ عن العدلِ، وتسعى إليه، ولا يهدأ أو يهنأ لها بالٌ إلّا عندما تصلُ الى مبتغاها، آلاف متعاقبة من القرون والعقود والسنوات التي تتلاحق خلفَ بعضِها، وأنينُ الانسانية يعلو، وصراخُها مستمر، بحثاً عن سكينةِ الروحِ والخلاص، ها هو ذا خلاصُها، هنا في كربلاء المقدسة، هذه المدينة المجبولة بالدمِ الطهور وصرخةِ الحقّ الخالدة، حيثُ يضطربُ كوكبُ الأرض، يتصارع الانسان هنا وهناك، الظلم يستفحل، المشهد الكوني يتداخل، العالم يعيش الفجيعة، ونعني بها فجيعة الظلم المستأسد من دون رادع أو وازع أو ضمير، النداء البشري يتوجّه الى كربلاء، هي الخلاص من مأساة الاحتراب والضغينة، فها هنا يتخلَّد الدم الطهور، وهنا نبض الانسان الحق، هنا الحسين العظيم، ثائر الانسانية وابنها ومثالها الأزلي، لذا كل العيون، والقلوب، والنفوس، تتجه الى هذا الثراء الباذخ من المجد، ثراء الموقف، والكلمة، والفكر، والفعل، هكذا.. هكذا.. من هنا.. ينطلق ضوء الحقيقة الكاشفة لكل بقعة، يقطنها الظالمون، ويفرضون عليها أفكارهم وأفعالهم الشريرة، من هنا، من كربلاء الحسين، يبدأ الانسان يتلمّس طريقه نحو الحقيقة، والقدرة على التصحيح.

هذه المدينة المطهّرة بدم الحسين الطهور، لم تكتفِ بنفحات الدم الزكية، بل أخذت عمق الموقف وكبرياء الكلمة، لتصبح اليوم منارا، وفنارا عاليا ساطع الضوء، يهتدي به التائهون في بحر الضغينة، والتكالب على الصغائر، وبث الفتن والحرائق الطائفية، والعرقية، والدونية، بكل اشكالها واصنافها وصورها، هؤلاء هم الظالمون منذ بدء الخليقة، كانوا ولا يزالون، يشعلون نيران الانتهاك والتجاوز، فيحرقون الزهور والاشجار، ويمحون بيادر وبوادر الخير، ويقتلون الانهار، ويشيعون الدمار والخراب، وغالبا ما يكون الفقراء وحدهم، وقودا لرغبات الظالمين.

لذا نجد كلّ مظلوم يبعث بأبصاره نحو كربلاء الحق، ليأخذ منها سلامة الموقف، ورباطة الجأش، وكبح بأس الظلم، فيتحد المظلومون، ليطلقوا صرخة الحق، فتهتز عروش القتلة، وتندحر كل وسائل الطغيان التي يملكونها، ويعلو شأن الانسانية، ليرتفع صوت العدل، صوت كربلاء، صوت الحسين، صوت الحقيقة العظيمة، المناصرة للوجود الانساني المسالم، الفاعل، المتسامح، المضحّي، المتعايش، ذلك الصوت والفكر والعقل، والقلب الذي يؤمن بأن ( الانسان أما أخ لي في الدين أو نظير لي في الخلق-1-.).

هكذا ينظر الآخرون الى هذه المدينة العملاقة، بتأريخها، سلاما ومحبة ونورا، وهكذا تتجه البصائر أيضا إليها، فهي مدينة الصبر، والرحمة، والمؤاخاة التي لا تسمح للشر، بالحضور او الاستئثار، أو القدرة على الاساءة للسلام الانساني المطمئن، من هنا يأمل العالم كله، أن تجد كربلاء قلوبا ونفوسا، تأخذ طهارتها من طهارة تربة المدينة، ومن طهارة دم الحسين، إنهم قادة شيبٌ وشباب، يسري في دمهم حب الحسين وحب الانسان، يبنون كربلاء بأفكارهم وقلوبهم وأرواحهم، ويجهدون أنفسهم وقلوبهم، كي يهبوا مدينة الحب والسلام والرحمة، ما تستحقه من مكانة، وبهاء وروعة، لا تمثالها روعة في مدن العالم أجمع، فيظهرونها بالمظهر الذي يليق بجوهرها، وكبريائها، ومكانتها التاريخية المتعاظمة عند العالم.

هكذا ندعو، ونأمل، ونطالب، ونساهم، ونشترك بأفكارنا، وقلوبنا، ونفوسنا، وأجسادنا، وأعمارنا، لكي تغدو هذه المدينة المطهّرة، قامة شاهقة تضاهي عظمة الدم الحسيني الطهور، الذي منحها عطرها الزكي وأصالتها ورونقها.

لهذا ندعو الحكومة المحلية الشابة – ونحن جميعا معها- أن تبذل من الافكار والجهود، ما تستحقه مدينتنا الشمّاء، ونأمل بالحكومة ومجلس المحافظة، وكل الأخيار من المدراء والمسؤولين كافة، أن يدركو مكانة كربلاء عالميا، وأن تتكاتف إرادة الجميع وافعالهم، وان تجتمع الايدي والعقول كلها، كي تبني كربلاء المطهّرة، تصميما، وشكلا خلاقا مائزا، يضاهي جوهرها المتعاظم على مر الزمن.

وندعو الحكومة الاتحادية أيضا، أن تنظر الى هذه المدينة النظرة التي تستحقها، ولا داعي ان نذكّر بما تقدمه مدينتنا، لزوارها الكرام من العراق وأرجاء العالم اجمع، حيث المناسبات الدينية المليونية، تتواصل على مدار السنة، لذا تستحق مدينة الحسين عليه السلام، وقفة جادة ومنصفة من الحكومة المركزية حتى يتمكن ابناؤها من النهوض بها معماريا وهندسيا وجماليا وخدميا، بما يتّسق ويتفق مع مكانتها عالميا.

وكذا نناشد.. بل نطالب النخب كافة.. في المدينة المقدسة، النخب المثقفة، والمؤسسات الدينية، والفكرية، والمنظمات كافة، والشخصيات المتميزة، لكي يتحد الجميع، ولنبذل ما يكفي من الفكر، والتخطيط، والجهد الرسمي والأهلي، كي تصبح كربلاء الحسين، أجمل مدن العالم، تصميما، وشكلا، وخدمات متميزة على المستوى العالمي وليس الاقليمي، لأنها كما نتفق جميعا، تستحق أن تكون – كما هي من حيث الموقف والحضور التاريخي والديني العريق- حاضرة العالم أجمع، ولأنها كربلاء مرآة العدل والسلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/كانون الأول/2014 - 13/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م