المنتصرون والخاسرون في الحرب على داعش

علي الأسدي

 

يذكر أستاذ الاقتصاد في جامعة أوتاوا الكندية مايكل جوسودفيسكي بأن الولايات المتحدة قد استخدمت أعمال القتل التي ارتكبت في العراق من قبل داعش كحجة لقيامها بالتدخل في سوريا والعراق لأسباب انسانية كما تم اعلانه. أما القصف الذي أمر به الرئيس أوباما أخيرا فلم يكن الغرض منه القضاء على داعش، بل على العكس تماما حيث تقوم الطائرات الامريكية باستهداف مناطق وأحياء شعبية خارج محيط تواجد داعش فيما أشارت الانباء الى أن أكثر الضحايا كانوا من المدنيين والقوات العراقية المدافعة عن المناطق المنتشرة فيها وكغطاء لعودة الولايات المتحدة للعراق." وبحسب صحيفة الديلي اكسبريس اللندنية ونقلا عما ذكره الدكتور Gunter Meyer مدير أبحاث العالم العربي في جامعة Mainz, Germany, Deutsche Welle ان أكثر الأموال والسلاح الذي في حوزة داعش يأتي من دول الخليج وبالأخص من السعودية وقطر والامارات العربية والكويت.

وفي رأي الكاتب والصحفي الأمريكي مايك وتني ان الادارة الأمريكية مصممة كما لم يحدث من قبل على خلق فوضى تزيل الحدود الحالية بين الدول لفرض زعامات موالية لها. فداعش هي إحدى الوكالات الغربية لتبرير وتمهيد الغزو الدموي للمنطقة ليتبعه سنين من الاحتلال والقهر والصراع. المهم بالنسبة للرئيس أوباما وصناع القرار في الغرب هو النفط والمال والقوة أما الحدود والقانون الدولي وسيادة الدول فغير مهمة. ولايجب أن ننسى ان من مصلحة تجار وصناع السلاح انتشار الحروب والتوترات الاثنية لتنشيط الطلب على السلاح بمختلف أصنافه وخاصة وأن حالة من الركود الاقتصادي قد بدأت تنشر ظلالها على اقتصاديات الدول الصناعية الغربية. ولتنشيط عوامل النمو الاقتصادي تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي سوية لشحذ النمو الاقتصادي في بلدانها عن طريق تنشيط صناعات السلاح كجزء من ستراتيجية فاشية قديمة تعاد لها الحياة مرة ثانية.

وتنطلق الاستراتيجية القديمة\الجديدة من نظرية اقتصادية سادت في الولايات المتحدة خاصة والغرب عامة ابان الركود الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي ومفادها ان الحروب محرك فعال لقوى النمو الكامنة في الاقتصاد عبر فرص العمل الجديدة التي ستتيحها الصناعات العسكرية وما يرتبط بها من تطوير البنية التحتية والخدمات المرتبطة بها التي ستحقق مجتمعة زيادة في الناتج القومي ورفع معدلات نموه.

ولمن تابع قرارات قمة دول حلف الناتو في سبتمبر الماضي الذين اجتمعوا في ويلز ببريطانيا قد اتخذوا قرارا ألزم أعضاءه بزيادة انفاقهم العسكري بما يصل الى 2% دخلها القومي للسنين العشرة القادمة. وبعد ذلك بوقت قصير انعقدت قمة العشرين الأغنى في العالم بأستراليا فكان واحدا من أهم قراراته العمل على زيادة معدل النمو الاقتصادي في بلدانها الى حوالي 2% سنويا خلال الفترة القادمة عن طريق استثمار مبلغ يزيد قليلا عن تريليونين من الدولارات وهي خطوة لم يسبق لقمم العشرين أو قمم الثمانية أن اتخذتها. وليس من المؤكد أن تحقق الدول العشرين نموا اقتصاديا يكفي لتخصيص 2% منه لصالح زيادة الانفاق العسكري، لكن المؤكد أن الدول أعضاء الحلف الاطلسي سيوفون بما التزموا به في قمتهم بمدينة ويلز.

 ومن شبه المؤكد أيضا انهم لن يتمكنوا من تحقيق نمو اقتصادي يزيد عن 2% في العام، لأن ركودا اقتصاديا جديدا بدأ ينشر بظلاله الكئيبة على اقتصادياتهم بما يعني موجة جديدة من اجراءات التقشف للايفاء بالتزاماتهم تجاه حلف الناتو. النظرية التي تستثمر في الحروب والتوتر وسفك الدماء هي بلاشك نظرية شريرة عنصرية وفاشية، لأنها ليس فقط ستستنزف ثروات شعوبنا بل تهدر دماء أبناءنا أيضا وتخرب بيئتنا الطبيعية وتراثنا الحضاري بنتيجة ما يطلقونه من قنابل وصواريخ ملوثة للمياه والتربة والهواء.

الشرق الأوسط موطن الحروب المستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كان وما يزال سوقا نشيطا لتصريف أسلحة الموت والمخطط له ان يستمر ما دامت المنطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي الخاضعة لنفوذ شركاتها متعددة الجنسية. فأغلب دول المنطقة الموالية للغرب تعتبر سوقا مفتوحة لاستيراد السلاح وبالشروط التي يضعها موردو السلاح الغربيون وهي لهذا تعتبر مصدرا مثاليا لتعظيم الأرباح رغم كونها لن تساعد أبدا في معالجة الركود الاقتصادي المتصاعد في بلدانها.

أحد أهم أسباب الركود الاقتصادي هو انخفاض الطلب العام الداخلي على مختلف السلع بسبب البطالة الشاملة التي تعيش جماهيرها حياة الكفاف معتمدة في الغالب على معونات اجتماعية محدودة. وما تتيحه صناعة السلاح من فرص عمل يقتصر على عمالة عالية التخصص فصناعات السلاح كثيفة رأس المال في حين يتطلب القضاء على البطالة الشاملة صناعات كثيفة العمل مقتصدة في رأس المال. وبالنسبة للدول الرأسمالية فان أجواء الحرب التي اصطنعتها في الشرق الأوسط هي وسيلتها وفرصتها الذهبية لتجديد ترسانتها من السلاح والتخلص بنفس الوقت من السلاح المتقادم الذي بدلا من اعادة تدويره تتخلص منه ببيعه الى دول منطقتنا. فدول الخليج تشتري ما يعرض عليها من سلاح ليس لها الدراية فيما اذا كان سلاحا حديثا أم سكرابا، فشراء السلاح في رأيهم هو التزام سياسي تجاه الدول الغربية التي تلتزم بحماية نظمها فيما اذا تعرضت لأي تهديد.

فالسعودية على سبيل المثال تعقد سنويا صفقات بمئات المليارات من الدولارات من كافة أصناف الأسلحة حيث تضيق بها مخازنها فهي تشتري فقط لترضي موردي السلاح الغربيين لإثبات انها حليف لا مثيل له في العالم. ففي كل عام تقوم وفود رسمية برفقة ممثلي صناع السلاح بزيارات للبلدان الخليجية للتوقيع على عقود السلاح. وتتكرر هذه الزيارات كل عام دون توقف وتزداد قيمة الصفقات مع كل بادرة توتر سياسي في المنطقة وهي ظاهرة شبه دائمة يلمسها حتى المواطن البسيط. وليس من الصعب تحديد الخاسر والمنتصر في حروب اليوم حاليا مع داعش وقبلها مع القاعدة وأشباهها المستمرة منذ 2003 لحد اليوم.

هذه هي الحقيقة يجهلها الكثير من مواطني بلداننا المشغولون بأوهام الانتصارات ضد بعضهم البعض. فأثناء الحرب على داعش ومنذ ظهورها في الموصل في العاشر من يونيو\حزيران الماضي ارتفعت أسهم شركات صناعة السلاح الاحدى عشرة شركة عالمية أمريكية وبريطانية واسرائيلية وفرنسية وألمانية التي تنتج القنابل والصواريخ من كافة الاصناف والطائرات المقاتلة وطائرات بدون طيار. فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار اسهم شركة Lockheed Martin 9،3% في الأشهر الثلاثة الأولى وحدها. وأسهم شركة Raytheon 3,8% وهي شركة تساهم فيها اسرائيل بحصة كبيرة. وارتفعت كذلك اسهم شركة Northrop Grumman بنسبة 3،8. وارتفعت أسهم شركة General Dynamics بنسبة 4،3% وكذلك شركة Boeing الأمريكية وBAE البريطانية. هذه الارقام تلقي الضوء على الأسباب الحقيقية وراء الظاهرة الداعشية وأخواتها، فداعش وأبناءنا على السواء هم وقودا رخيصا لنيران حروبهم علينا. فلم تعد هناك ضرورة لإرسال جنودهم الى ساحات الحرب، فحروب اليوم تشن عبر التحكم عن بعد، فوسيلة التحكم عن بعد في القنوات الفضائية على الشاشة الصغيرة، أصبح وسيلة الحرب الحالية على داعش وكذلك الاطاحة بالأنظمة السياسية غير المرغوب فيها. ومع ان الكثير من القادة العسكريين السابقين والحاليين يقرون بأنه لا يمكن ربح هذه الحرب من دون قوات مشاة على الأرض تحتل وتحاصر وتعتقل فان الحرب مستمرة ليل نهار على داعش وقد تستمر لعقود ما يعني ان هذه الحرب مستمرة الى أجل غير معلوم.

عقود السلاح ليست وحدها وسيلة زيادة أرباح شركات السلاح فهناك عقود الصيانة التي ستستمر لسنين وتكاليفها باهظة، ودورات التدريب على استخدام الاسلحة وقيادة الطائرات هي الأخرى مصدرا واعدا لزيادة الارباح. وحتى تكون لنا فكرة عن تكاليف الأسلحة التي ستبتاعها دولنا المغفلة جدا فان كلفة صاروخ واحد من صنف توما هوك التي تطلقه السفن الحربية الأمريكية على مدننا المستباحة هو مليونا وأربعمائة ألف دولارا بالتمام. ولو انفقت تكلفة عدة صواريخ منها على اعادة بناء ما خربته حرب غزو بلادنا عام 2003 لأحدثت تغييرا مشهودا، لكن شركات السلاح لا تفكر أبدا هكذا. وبحسب الكاتب البريطاني روبرت فيسك فان أي زيادة في الارباح لشركات السلاح ستضاعف عدد مقاتلي داعش لأنها ستدفع المزيد من المقاتلين للقدوم للعراق للقتال الى جانب داعش.

لقد استغلت وزارة الدفاع الأمريكية أزمة الحرب على داعش لإجراء تخفيض كبير على ميزانيات التعليم والمنافع الاجتماعية التي تمس حياة جزء واسع من الشعب الأمريكي بينما زادت من تخصيصات تحديث الأسلحة التي لا تحتاجها عمليا في الحرب على داعش. فمثلا ستباشر بإنتاج طائرات أف – 35 المقاتلة وب-8 التجسسية وتلك التي تزود الوقود للطائرات المقاتلة أثناء التحليق لمسافات بعيدة. كما ستتعاقد على بناء غواصات وحاملات طائرات وصواريخ جديدة. عندما تكون في ساحة حرب فلا يمكن أن تقول لا لوزارة الدفاع الأمريكية التي ستقدم قوائم بتكاليف الاسلحة الى العراق. ان الوول ستريت متفائلة من مردود الحرب في الشرق الأوسط فهي ستقود الى ازدهار البزنس. فحتى الدول الأوربية والناتو ستتعاقد على شراء اسلحة جديدة أخذة بنظر الاعتبار التوتر مع روسيا حول أوكرانيا.

الحقيقة التي لا نرغب بتصديقها وهي التي يتحدث عنها الاستاذ جوسودوفسكي هي " ان القوات الخاصة الأمريكية المنتشرة في العراق والاستخبارات الغربية تتعاون مع داعش. فالهدف ليس استئصال داعش كما يدعي أوباما فما يقوم به بالفعل هو زعزعة الاستقرار وتدمير سوريا والعراق وتقسيم هذا الأخير، فيما الهدف الأوسع والاستراتيجي هو زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريفيا ووسط وجنوب غربي أسيا بما فيه ايران وباكستان والهند ".

........................................

لمزيد من الاطلاع انظر:

1- Prof.Michel Chossudovsky Going After " the Islamic State. Guess who is behind the Caliphate Project? , Global Research, 12/9/2014

2- Robert Fisk , With US-led air strikes on Isis intensifying, it’s a good time to be an arms giant like Lockheed Martin, The Independent,19/10/2014

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/كانون الأول/2014 - 11/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م