فقدان الوعي والبصيرة ومكائد الارهاب الطائفي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: نتحدث عن النهاية والنتيجة في ظاهرة التطرف الديني و الارهاب الطائفي – الدموي الذي تمارسه جماعات وتنظيمات ارهابية منطلقة من افكار متطرفة تحسب نفسها على الاسلام، وتحمل شعارات وأسماء ورايات اسلامية. وكثر الحديث عن هذه الظاهرة في كونها ظاهرة اجتماعية تارةً، وفي انها ظاهرة سياسية تارة اخرى. وانها افراز طبيعي للاوضاع التي تعيشها بلادنا من كبت وقمع وضياع للهوية العامة والشخصية الفردية للانسان، وقد ساعدت المعطيات السياسية على الصعيد  الاعلامي، على تأكيد الاستغلال المخابراتي والسياسي لهذه الجماعات الارهابية في تنفيذ مخططات اقليمية ودولية خلال عملياتهم الارهابية – الدموية. لكن بقيت مسألة لم يسلط عليها الضوء في الاسباب والدوافع وراء هذه الظاهرة.

المتابعون والخبراء في شأن الجماعات الارهابية، يؤكدون وجود مناطق فراغ نفسية الى جانب بعض الندوب والجروح بسبب حالات القمع والاضطهاد في السجون والمعتقلات وغرف التعذيب، كانت السبب في استقطاب جماعات بل واشخاص بافكار متطرفة، لعديد هؤلاء الضحايا والمتضررين الذين لم يجدوا مكاناً لهم في مجتمعاتهم سوى الانضمام الى جماعات مسلحة بمسميات كبيرة تنقلهم الى عالم الشهرة وتنقلهم من حالة النكرة والمجهولية، الى حيث يتوهمون أنهم اكثر الاشخاص أهمية في العالم.

والقضية لا تعود الى ظهور تنظيم باسم "داعش" في سوريا والعراق، ولا حتى تنظيم "القاعدة" في افغانستان، إنما الى الحالة الاجتماعية والسياسية التي تعيشها معظم شعوبنا الاسلامية خلال العقود الماضية، ثم سرت عدوى الضبابية في الرؤية والضياع الفكري والثقافي الى المسلمين المقيمين في مختلف بلاد العالم. فلا رجال الدين صنعوا لهم شيئاً، ولا الحكام الذين لم يلبثوا يمارسوا سياستهم الديكتاتورية والاستئثار حتى النفس الاخير. وقد تحدث مواطن سعودي ذات مرة على "النت" عن حسرته الكبيرة من أن يسمع رجل دين سعودي "مطوّع" وهو يتحدث عن "المواطن" وهمومه ومشاكله...! وهكذا الامثال كثيرة، لا تعد.

وكل يوم تحدثنا الاخبار عن حالة جديدة من عوارض هذه الفتنة الطائفية وهي تعصف بالمسلمين وتجعلهم اضحوكة امام العالم. فبعد الانتحاريين الذين تسربوا من الدول العربية، في مقدمتها السعودية، الذين وجدوا ذواتهم ليس عالم الدنيا، إنما في العالم الآخر. ظهرت علينا تقليعة جديدة تحت عنوان "جهاد النكاح"، وبين النفي والتأكيد وظهور الأدلة وغير ذلك، تبقى المشكلة الاساس ليس في وجود عدد من النسوة والفتيات في سوريا بين الجماعات الارهابية، إنما في المحيط الآسن الذي كنّ يعيشن فيه في بلادهن. وليس أدل على ذلك، تونس؛ حيث تبين بعد الاطاحة بنظام السابق، وجود مواخير وأماكن لممارسة الرذيلة بشكل علني ومنظم، يعترف بها المجتمع ويغضّ القانون الطرف عنها. وكان في الزيارة التي قام بها أحد المتلبسين برداء رجال الدين السعوديين، بزيارة الى احد تلكم الاماكن في تونس في وقت سابق من العام الماضي وأعد لنفسه شريط فيديو يظهر نشاطه "الانساني – الدعوي"! وهو يحادث النسوة من امام النوافذ ويدعوهنّ للتخلّي عن ممارسة الرذيلة. علماً انه قدم هدايا الى حراس المبغى إعراباً منه لحسن نواياه وأنه لا يقصد التشهير والاساءة اليهم – حسب قوله-....! فاذا كانت نوايا هذا "الداعية" حسنة في نظر نزلاء هذا المبغى وغيره، فما الذي يمنعهنّ من الالتحاق بصفوف الجماعات الارهابية في سوريا لتطهير انفسهنّ وممارسة الجهاد على طريقة هذه الجماعة وحسب الفتاوى المتوفرة...؟!

ومن الحالات الجديدة والمؤسفة للسقوط المريع في هذه المكائد، ما نشرته وسائل الاعلام مؤخراً عن مسلم هندي اندفع صوب الجماعات الارهابية للقتال في العراق، على أمل ان يكون "مجاهداً" ويكتب اسمه في مقدمة الاخبار العالمية، فوجد نفسه امام مهمة تنظيف مراحيض "المجاهدين"...! في العراق. وبغض النظر عن تفاصيل قصة هذا الشاب الصغير، وكيف تم تجنيده في الهند، وطريقة  التعامل معه، وكيف تخلّى عنه اصحابه ونجا من الموت بأعجوبة قبل ان يعود الى أهله، فان اصل القضية بحاجة الى كثير من التأمّل والتوقف لمعالجتها، وليس فقط التفكير في الإبادة ورد العنف بالعنف، نعم؛ انها ساحة المعركة ولابد من رد النار بالنار والدفاع عن النفس والمقدسات واستخدام كل وسائل القوة والمنعة، بيد ان بموازاة ذلك لابد من ملاحظة اصل المشكلة واين تكمن نقطة الضعف في المجتمعات الاسلامية بحيث يسهل على الجماعات الارهابية استغلالها وتوظيفها بالشكل الذي تريد.

إن وجود الخليط غير المتجانس من الاشخاص في مكان واحد وتحت راية واسم واحد وهو "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، يفسر الفرح والابتهاج الذي يبديه الشاب الافغاني والآخر السعودي وغيره المغربي او التونسي الى جانب الشباب القادمين من بلاد الغرب. فهؤلاء يعدون انهم حققوا منتهى احلامهم وطموحاتهم بالعيش في "دولة" غير تلك التي كان يعيشون في ظلها، مهما كانت الظروف مناسبة لهم هناك، انها دولة من نوع خاص...!

وهذه المشاعر والبناء النفسي لدى هؤلاء هو الذي يكشف سبب تأكيد المسؤولين الاميركان على أن الحرب ضد "داعش" ربما تستمر لسنوات، لان الذي يحمله عناصر داعش لا يمكن إبادته بالرصاص والطائرات الحربية وغيرها من وسائل القوة، فاذا كانت النبتة السامة ماثلة امامنا، فان جذورها عميقة في الارض، كلما اجتزينا منها، اخضرّت من جديد وقدمت نباتاً ساماً جديداً.

من هنا؛ تبدو المسؤولية كبيرة وخطيرة للغاية، اذا ما أريد فعلاً مواجهة ظاهرة التطرف والارهاب الطائفي بشكل نهائي ويخلص الأمة والشعوب الاسلامية من هذا الوباء والفتنة العمياء التي ضربت طوقاً محكماً على الوعي والبصيرة لدى شريحة واسعة من المسلمين في العالم كله، بحيث اقتنع البعض أن لا مخرج من الضياع والازمات الموجودة إلا باستخدام العنف والتكفير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/كانون الأول/2014 - 10/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م