ما هي خيارات العبادي لإنقاذ الاقتصاد العراقي؟

صادق حسين الركابي

 

يبدو أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به العراق حالياً وخاصة مع تراجع أسعار النفط قد دفع الحكومة لإعادة النظر بموازنة العام 2015. وقد أوضح ذلك رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي كان لحضوره الأخير في مجلس النواب الأثر الكبير في توضيح العديد من الإشكالات الخاصة بالملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

وكان للغة العبادي الوطنية العالية كل الاحترام والتقدير في نفوس البرلمانيين بحيث أنها أضفت جواً من الثقة المتبادلة على الأقل داخل أروقة البرلمان.

ويحاول السيد العبادي جاهداً العمل على إخراج العراق من مأزق الموازنة المترنحة حول أسعار النفط المنخفضة وذلك لتقليص العجز الحقيقي لأدنى مستوياته. من هنا جاءت عملية التدقيق في قوائم العسكريين والتي كشفت وجود 50 ألفاً جندي وهمي في أربع فرق عسكرية فقط، ما يعني أن التدقيق في بقية الفرق العسكرية قد يكشف إهدار أكثر من 130 مليون دولار سنوياً.

وتطرح ظاهرة الجنود الوهميين أو "الفضائيين" كما أسمّاهم السيد العبادي العديد من التساؤلات حول رواتب المتقاعدين والأرامل وعوائل الشهداء والذين بالتأكيد سيكون في التدقيق بملفاتهم العديد من الأسماء الوهمية والتي سيؤدي الكشف عنها إلى توفير ملايين الدولارات على الدولة العراقية.

وفي خضم البحث عن الملايين الضائعة في جيوب الفاسدين وإلى ان يتم محاسبة الإدارة التي تولت صرف الرواتب للفضائيين واستعادة الأموال المنهوبة، يحاول السيد العبادي البحث في جملة خيارات تساهم في الخروج من المأزق المالي.

ومن جملة ما طرحه العبادي استحداث مصرف للاستثمار بمشاركة القطاعين الحكومي والخاص وكذلك مخاطبة البنك المركزي لإيداع جزء من احتياطه النقدي في بعض المصارف العراقية لتسهيل عمليات الإقراض لتنشيط الانتاجين الزراعي والصناعي.

ويستلزم ذلك تطوير البيئة المصرفية في العراق لتكون مستقطبة للأموال وهذا يتطلب تفعيل البنية التحتية المساعدة وتسهيل عمليات التحويل والدفع الالكتروني بالإضافة لتطوير منتجات بنكية مربحة.

أما بخصوص القروض الزراعية والصناعية فهي إن كانت من غير دراسات جدوى فلا داعي لإهدار الأموال فيها وهذا يتطلب مساعدة الصناعي أو الفلاح في التخطيط لكيفية استخدام هذه القروض ومراقبة جدواها الاقتصادية.

وتكشف الأزمة الحالية للاقتصاد العراقي أن الحكومة السابقة عجزت عن إيجاد حلول لتنويع الاقتصاد العراقي أو امتصاص ظاهرة البطالة المقنعة في صفوف أربعة ملايين موظف في دوائر الدولة. لذلك لا بد من تفعيل عدد من الإجراءات أهمها:

تفعيل مبدأ قياس الجودة في مؤسسات الدولة لمكافأة الناجحة منها وإلغاء الحلقات الزائدة فيها والتي تشكل عبئاً على الاقتصاد وتعطله. وبذلك يكون هذا المبدأ جزءاً من آلية ترشيد النفقات الذي لا بد وأن يترافق بتقليص الرواتب العالية بما في ذلك الرئاسات الثلاث وما يتبع عنها من نفقات غير ضرورية تثقل كاهل الموازنة.

أما فيما يتعلق بملف الصناعة فتعتبر فكرة خصخصة المعامل جيدة لكنها يجب ألا تكون على حساب المعامل والمصانع المنتجة. فهناك مصانع عراقية ما تزال تعمل وتنتج لكنها تحتاج لتوفير سبل دعمها وتسويق منتجاتها وعدم استيراد السلع المنافسة لها الا في حال فرض رسوم جمركية عالية تلك السلع المنافسة.

وكذلك الامر بالنسبة للزراعة حيث يجب ان يتم توفير مخازن للمحاصيل الزراعية ودراسة ما يستورده العراق من محاصيل ومحاولة زراعتها محليا وعدم منافستها باستيراد أرخص منها من الخارج.

ويمكن أن يتم تحفيز مشاريع الاستثمار وبخاصة المشتركة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية والقطاع الخاص بحيث تكون الإدارة للقطاع الخاص مقابل نسبة من الأرباح. مثال ذلك مشاريع المصافي النفطية التي تحتاج إلى 20 مليار دولار لإنشاء أربع مصافي جديدة توفر على العراق استيراد 14 مليون لتر يومياً من البنزين وزيت الغاز (الكاز). أما المثال الآخر فهو مشروع ميناء الفاو الذي يمكن أن يعود على الدولة العراقية بعوائد مالية كبيرة إذا ما تم طرح جزء منه للاكتتاب العام وبالتالي يكون القطاع الخاص شريكاً فيه ويعود على الدولة العراقية بإيرادات مالية لا تقل أهمية عن الإيرادات النفطية.

أما بخصوص ما يطرحه البعض من اللجوء للقروض الميسرة كما حدث مع القرض الياباني الذي قاربت قيمته خمسة مليارات دولار، فيجب ان يتم توجيه هذه للقروض لمشاريع إنتاجية يتم دراسة جدواها الاقتصادية قبل إحالة التخصيصات المالية لها وليس لتمويل الانفاق على مشاريع لا تدر على العراق الدخل السريع والمجدي.

إن الخوض في ملف الإصلاح الاقتصادي لا ينتهي ويثير الكثير من الشجون خاصة وأن الفرص التي ضاعت في أوقات ارتفعت فيها أسعار النفط قد لا تعوض إلا بعد سنوات لكن كما يقال في المثل "رب ضارة نافعة". فالوضع الاقتصادي الصعب سيكون درسا ً قاسياً لكل المسؤولين عن رسم السياسة المالية والاقتصادية في العراق ويفتح الباب أما محاسبة من تسبب في إهدار أموال العراق في الموازنات السابقة.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/كانون الأول/2014 - 10/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م