هل هنالك «أزمة» في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية؟

موسي الشبيب

 

أشار الصحفيّ الأمريكي جيفري غولدبيرغ في صحيفة ذا أتلانتيك أن «أزمة العلاقات الأمريكية الإسرائيليّة قد بدأت رسميًا» مشيرًا لكون إدارة أوباما قد «احمرّت غضبًا» بسبب سياسات الكيان الصهيوني الأخيرة في الاستحواذ على مساحة شاسعة من أراضي الضفّة الغربية. أولًا يجب أن نعرف على ماذا يستند التحليل؟ يستند هذا التحليل على ثلاثة أمور:

أجرى الصحفي مقابلات مع مسؤولين في واشنطن (لم يذكر أسماءهم) عبّروا فيها عن غضبهم تجاه سياسات نتنياهو ووصفوه حتى بـ«الجبان» وبأنه شخص «خسيس» يسعى فقط لمصلحته السياسية لا للسلام في المنطقة.

حين زار وزير الدفاع الصهيوني موشيه يعلون الولايات المتّحدة مؤخرًا، لم يستقبله أيّ مسؤول رفيع مستوى (لا وزير الخارجية ولا وزير الدفاع ولا الرئيس)، وتبع هذا التجاهل لوزير الدفاع تحذير علني من البيت الأبيض بأنّ «إسرائيل تخاطر بتنفير أقرب حلفائها».

في تصريحٍ علني أشار الناطق الرسمي باسم مجلس القوم الأمني الأمريكي بأن الولايات المتحدة ستستمر في انتقاد إسرائيل بشأن سياسات الاستيطان.

أشارت تقارير بأن الولايات المتحدّة هدّدت إسرائيل بعدم استخدام الفيتو في حال حاول مجلس الأمن باتّخاذ قرارات ضدّ إسرائيل.

يُعتبر جيفري غولدبيرغ «Washington insider» أيّ أنه له علاقات مع مسؤولين في داخل الإدارة الأمريكية، وقد أجرى مقابلة سابقًا مع أوباما وأجرى مقابلة أخرى أيضًا مع نتنياهو. قبل يومين أعلن البيت الأبيض أنّه يرفض الشتائم التي وُجِهت لنتنياهو، مؤكدًا «أن هذا بالتأكيد ليس رأي الإدارة الأمريكية.» هل ذلك يعني أن من أطلق هذه العبارات فردٌ يغرّد خارج السرب؟ الجواب – على الأرجح – هو لا! فهنالك بعض الأمور يتم «تسريبها» عمدًا من واشنطن لإيصال رسالة معيّنة، أو تهديد مثلًا بدون أن تكون هنالك انعكاسات مباشرة على أحد. أيّ أنّ من أطلق هذه العبارات – دون أن يذكر اسمه – لم يضحّي بمسيرته السياسية، ولن تكون هنالك حاجة لمحاسبته على ما قاله، وبإمكان البيت الأبيض أن يُبعد ذاته عن هذه العبارات (لا الأشخاص) إن تمّ إصلاح «الشرخ» الحاصل في العلاقة.

نعود للسؤال الرئيسي، هل هنالك «أزمة» في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية؟ الجواب هو «نعم»، و«لا». نعم هنالك مشاكل قائمة حاليًا ولكن هذه الأزمة التي يصفها غولدبيرغ بأنها «في أوجها» ويدّعي أنها ستزداد سوءًا بعد الانتخابات النصفيّة الأمريكية لهذا العام ليست أزمة كما نتصورّها نحن ولكنّها تُعتبر «أزمةً» في داخل سياق تاريخ وطبيعة علاقة أمريكا مع إسرائيل. هذه الأزمة الحاصلة ناتجة عن عدّة أشياء، أحدها عدم قيام إسرائيل بـ«تنازلات» فيما يسمّى بـ«عمليّة السلام»، ولكونها – عوضًا عن أن تقوم بتنازلات – تقوم بالاستحواذ على أراضٍ جديدة من الضفة الغربيّة وتخصصها لبناء مستوطنات، مما يعيق وصول الصهاينة إلى «اتفاقيّة» مع السلطة الفلسطينيّة. إنّ ما يقوم به الكيان الصهيوني ليس بسياسة جديدة، فمنذ بدأ مفاوضات تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية ليصل لنصف مليون مستوطن مقيم بما يخالف القانون الدولي واتفاقيّة جنيف الرابعة. (ويجب ألّا ننسى هنا أنّ احتلال أغلب الأراضي الفلسطينيّة ليس مخالفًا للقانون الدولي – وأننا واقعًا لسنا ملزمين ومحكومين بقانونٍ وضعته القوى الإمبرياليّة لكي تنظّم أمورها. ولكنّ ذكري للقانون الدولي واتفاقيّة جنيف الرابعة هنا له غرض معيّن).

هذه المقالة مكوّنة من عدّة أجزاء، وفي الجزء الأول منها سأستعرض تاريخ العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية بشكلٍ سريع محاولًا توضيح طبيعة هذه العلاقة، وفي الجزء الثاني أنوي التفصيل في تأثير أحد مسبّبات الأزمة الحاليّة — ألا وهي حملة المقاطعة العالمية — وإمكانيّات هذه الحملة ودورها. أمّا في الجزء الأخير فسأحاول أن أتحدّث عن النموذج الجنوب أفريقي كنموذج تغيير في نظامٍ استعماري استيطانيّ تغيَّر نتيجةً ضغطٍ دوليّ ومحلّي وماذا يعني ذلك لنا كعرب ساعين لمناهضة القوى الإمبرياليّة.

ما هي طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدّة وإسرائيل؟ ومتى وكيف تكوّنت؟

قبل الدخول في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، سأستعرض سريعًا أولًا جذور الصهيونيّة وما أراد لها آباؤها الروحيّون أن تكون. إن نشوء الصهيونيّة ليس ناتجًا عن رغبة قديمة لـ«العودة» لأرض الأجداد، وإنما نشأت في الربع الأخير للقرن التاسع عشر. فقد كانت هي أحد الحلول التي قدّمها مجموعة من اليهود لطفرة جديدة في معاداة اليهود، إذ أنه في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر ومع بدايات القرن العشرين، هاجر أكثر من 5 ملايين يهوديّ أوروبا الشرقيّة بسبب معاداة اليهود، ولكنّ أغلبهم اتّجهوا للولايات المتحدّة وأوروبا الغربيّة، ولم تتّجه إلّا قلّة لا تتجاوز الآلاف المعدودة لفلسطين. تقول آني ليفن أن الأزمة الاقتصاديّة التي مرّت بها أوروبا في سبعينات القرن التاسع عشّر أدّت لصعود النبرات المعادية لليهود، وملجأهم هذا من الاضطّهاد في أوروبا الشرقيّة لم يعد آمنًا. ساعدت هذه الأوضاع التاريخيّة صعود هذا «الحلّ» كحلّ للاضّطهاد. ولكنّ هذا المشروع الذي لم يؤيّده بدايةً إلّا «متطرّفون دينيوّن» قلةٌ – حسب تعبير آني ليفن – بدايةً لم يكن حلًا تحرّريًا وإنما كان حلًا استعماريًا. يؤكّد ذلك أحد الآباء المؤسّسين للحركة الصهيونية، فلاديمير جابوتنسكي:

إن هذا هو القانون الحديدي لأي حركةٍ استعماريّة، إنه قانون لا يعرف أيّ استثناء وقد وُجِد في كلّ الأزمان والأحوال، إن أردّت أن تستعمر أرضًا يعيش عليها شعب، يجب أن توفّر قوّات تحمي هذا المشروع، وإلّا فعليك أن تتخلى عن مشروعك، فمن غير قوّات مسلّحة تجعل أي محاولةٍ فيزيائية لتدمير أو منع هذا الاستعمار أمرًا مستحيلًا، فهذا الاستعمار مستحيل، ليس «صعبًا» أو «خطيرًا»، بل مستحيل! …إنّ الصهيونيّة مغامرةٌ استعماريّة، فلذلك فإن سقوطها أو بقاؤها يتمّ بمسألة القوات المسلّحة، وإن كان من المهم أن نبني ونعلم العبريّة، فإن من الأهم أن نكون قادرين على إطلاق النار – وإلا فأنا سأتوقف عن لعب لعبة الاستعمار.

كان الأب الروحي لهذا الكيان — ألا وهو ثيودور هيرتزل — رجلًا برغماتيًا، ولإيمانه بأنّ اليهود سيكونون أقليّة أين ما حلّوا كان يعتقد بأنهم سيظلّون بحاجة للدعم المسلّح من القوى الإمبريالية وعمِل وسعى لذلك لتنفيذ هذا المشروع، ولم تكن الأرض مهمّة ما دام سيحصل على دعم هذه القوى، ولذلك فقد وضع في الاعتبار قبرص والأرجنتين وأوغندة – كان هيرتزل علمانيًا ولم تهمّه الروايات الدينيّة في تحقيق هذا الهدف، إلّا فيما يخدم هذا المشروع. كان هيرتزل معجبًا بالسير سيسيل رودز صاحب المشاريع الاستعماريّة في جنوب أفريقيا – وقد سميّت دولة روديزا (زيمبابوي) باسمه – فمشاريعه كانت مصدر إلهام، وفي رسالةٍ أرسلها له قال هيرتزل:

إنني أدعوك لصناعة حدثٍ تاريخي، وإن كان لا علاقة له بأفريقيا، بل جزءٌ من آسيا الصغرى، لا علاقة له بالإنكليز، وإنما اليهود…لِم إذًا أتوجه إليك إن كان هذا الأمر ليس ضمن مجالك؟ لِم حقًا؟! لأنه أمرٌ استعماري. أنت، يا سيد رودز، سياسيٌ حالم أو حالمٌ عمليّ…أريدك أن تضع بصمة سُلطتك على المخطّط الصهيوني وتعلن لأناسٍ قلّة يُقسِمون باسمك: أنا – رودز – قد فحصت هذه الخطة واستنتجت أنها صحيحة وقابلة للتنفيذ…وهي في مصلحة إنكلترا، وفي مصلحة بريطانيا العظمى.

أراد هيرتزل أن يُنشئ شركةً استعماريّة هدفها – حسب تعبير هيرتزل – «استعماريّ بحت»، وأراد لهذا المشروع ألّا يكون فقط في خدمة بريطانيا، بل أن يكون في خدمة القوى الأوروبيّة (الاستعماريّة) في المنطقة. لم تكن الولايات المتحدة أول راعٍ للمشروع الاستعماري، فبعد الحرب العالميّة الأولى، ومع سقوط الإمبراطوريّة العثمانية والقياصرة الروس والألمانيين – كان هيرتزل يريد لإسرائيل أن تكون مملكة ولذا كان يرى في هؤلاء رعاةً محتملين لمشروعه) صعدت بريطانيا كقوّة عظمى وبنى الصهاينة علاقاتٍ جيدّة مع البريطانيّين، وكان للأخيرين مصالح مهمّة في دعم المشروع، فقد رأى البريطانيون في انتشار القوميّة العربية تهديدًا لهيمنتهم على المنطقة – حيث يكون الصهاينة قوّة على الأرض تقمع من يتجرأ على مقاومة الاستعمار – ووجودهم في فلسطين يسهّل السيطرة على قناة السويس، ورأوا في المشروع الصهيوني أيضًا قوّة تساعد في هزيمة «البلشفيّة» – على حدّ قول تشرشل.

إنّ معاداة هيرتزل وغيره من القيادات الصهيونية ومعهم الرعاة البريطانيّون لليسار لا يعني أنّ الأفكار اليساريّة (الماركسيّة منها، بالخصوص) لم تتفّشى في المستوطنين اليهود، بالخصوص أولئك القادمين من أوروبا الشرقية. حيث كانت هنالك حركة سُميِّت بـ«الصهيونيّة البروليتاريّة»، وكانت حركة حاولت الموافقة بين الأفكار الماركسيّة والقوميّة اليهوديّة – وكانت أفكار هذه الحركة تناقض في جوهرها الأفكار الماركسيّة حيث كانت تدعو للتحالف مع الرأسماليّين اليهود وتهميش العرب من سوق العمل وغيرها من الأمور. وكان «الصهاينة الاشتراكيّون» من أكبر القادة الصهاينة، منهم ديفيد بن غوريون – مهندس عملية التطهير العرقي لفلسطين — وإسحاق بن زفي – منشئ أحد العصابات الصهيونيّة في أيام الانتداب البريطاني – وبسبب هذا التفشّي للأفكار الاشتراكيّة كانت أمريكا تنظر للصهاينة ولإسرائيل بعين الشك، ولكنّها خافت وقوعها في يد الاتّحاد السوفييتي فلذلك قدّمت لها دعمًا اقتصاديًا لمنع ذلك. كان الاتّحاد السوفييتي تحت ستالين أوّل من اعترف بإسرائيل رسميًا، ولم تعترف الولايات المتّحدة رسميًا بإسرائيل إلّا بعد أكثر من نصف عام. وفي 1953، بعد إعلان مصدّق في إيران نيّته بتأميم النفط الإيراني وقيام الاستخبارات الأمريكيّة بإسقاطه، قدّمت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عرضًا للغرب:

إن الغرب ليس سعيدًا البتّة بعلاقاته مع دول الشرق الأوسط، فالأنظمة الإقطاعية ستضطر لتقديم مثل هذه التنازلات للحركات القومية…فبذلك أصبحت هذه الأنظمة مترددّةً أكثر فأكثر في إمداد بريطانيا والولايات المتحدة بمواردهم الطبيعية وقاعداتٍ عسكرية…ولذلك فإن تعزيز إسرائيل سيساعد القوى الغربية في الحفاظ على التوازن والاستقرار في الشرق الأوسط. ستصبح إسرائيل كلب حراسة، ولا يجب أن تخاف الدول الغربية من أن إسرائيل ستتخذ أي سياسات عدائية تجاه الدول العربية حين يكون ذلك معارضًا لإرادة الولايات المتحدة وبريطانيا. ولكن إن أرادت القوى الغربيّة لأي سببٍ أن تغضّ بصرها، بإمكانها الاعتماد على إسرائيل لمعاقبةٍ أي وكل دولة مجاورة تتخطّى الحدود التي يسمح بها الغرب.

مع هذا العرض الذي قدّمته إسرائيل، ظلّت الولايات المتحدة لها بعين الشكّ ولم تقتنع أمريكا بقدرة عمل إسرائيل كأداة لبسط نفوذها، وأحد أسباب ذلك هو العلاقة الجيدة بين أمريكا والدول العربية – من ضمنها مصر – في الخمسينات. لم تكتف إسرائيل بمناشدة القوى الغربيّة وملاطفتها، بل خطّط بن غوريون في 1954 لتفجير السفارتين الأمريكية والبريطانيّة – فيما عُرِف لاحقًا بعملية سوزانا – بنيّة اتّهام عبد الناصر بالقيام بذلك. نفّذ عملاء صهاينة ذلك المخطّط ولكنّ النظام المصري اعتقل العملاء الإسرائيليين وحاكمهم وأعدمهم. لم يستقر الكيان الصهيونيّ تحت الرعاية الأمريكية في العقد الأول من عمره، وإنما كان تحت رعاية إنكلترا وفرنسا أيضًا، حيث كانت الأخيرة المصدر الأول للأسلحة وراعي مشروعه النووي، ولكنّ ذلك سرعان ما تغيّر.

كان العدوان الثلاثي على مصر نقطة حرجة لانحسار النفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة، حيث استغلّت الولايات المتحدة ذلك الحدث لتحتلّ – تدريجيًا – مكان تلك القوى. بعد صعود القوميّة العربية في العالم العربي مع إسقاط الأنظمة التابعة للاستعمار وتحالف الأنظمة القومية مع الاتحاد السوفييتي، غيّرت الولايات نظرتها لإسرائيل حيث رأت فيها «ثروة استراتيجية». نصّت وثيقة لمجلس الأمن القومي الأمريكي كُتِبت في 1958 أن «النتيجة المنطقية المباشرة» لمعارضة القومية العربية المتطرفة «يكون في دعم إسرائيل كالقوة الوحيدة القويّة المحالفة للغرب في الشرق الأدنى.» وبعد ذلك بعام واحد بدأت الولايات المتحدّة بتوفير الدعم العسكري لإسرائيل (أي بعد عقدٍ كامل من بداية الاحتلال)، وحتّى سنة 1966 غلب على المساعدات الأمريكي الطابع اقتصادي (لم تشكّل المساعدات العسكرية في فترة 1949 حتى 1966 إلّا 10% من مجموع المساعدات الأمريكي)، انقلب الميزان بعد النكسة حيث أصبحت المساعدات الأمريكية تغلّب الطابع العسكريّ على الاقتصادي ، حيث أثبت الكيان الصهيوني للولايات المتحدة قيمته في المنطقة بهجومه على الدول العربية، وأصبحت المساعدات تتزايد بشكلٍ اطّرادي مع السنوات، حتى أصبحت ذات طابع عسكري خالص بعد 2008، أي أثناء عهد محبّ العرب والمسلمين الرئيس باراك حسين أوباما.

تستخدم الولايات المتحدّة إسرائيل كأداة لإخضاع المنطقة وتقليم مخالب أي قوّة تهدّد نفوذها فيها (حيث تم إخضاع مصر مثلًا في كامب ديفيد وتحاول أمريكا الآن إخضاع إيران) بينما تعتمد إسرائيل في بقائها على الدعم الأمريكي كاعتمادِ طفلٍ في رحم أمه على الحبل السرّي كمصدر للغذاء. ولتبيان ذلك، بعد حرب أكتوبر، قال رئيس لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية للجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي أنّه «لو تردّدت الولايات المتحدة أو تأخرت، أو لم يستلم الشعب الإسرائيلي المعدات في وقتها، كان من الممكن أن نشهد كارثة»، ووصف محلّل عسكري وصول الأسلحة بعد أسبوعٍ من بداية الحرب بأنه «قد يكون مسألة حياة أو موت لإسرائيل»، وقد قدّمت لها أمريكا منذ نشأتها أكثر من 120 مليار دولار على شكل مساعدات.

ما تقدمه إسرائيل للولايات المتحدة من خدمات لا يقتصر على «معاقبة» الدول العربية، بل قامت بتدريب جيوش والأجهزة الشرطة السريّة لحلفاء الولايات المتحدة، منها نظام الشاه في إيران، ونظام موبوتو في زائير ونظام الإمبراطور بوكاسا في جمهورية أفريقيا الوسطى، ودعمت آيان سميث في روديزا. قامت إسرائيل بتزويد دكتاتوريّة سوموزا في نيكاراغوا – في آخر سنة له في الحكم – بـ 98 بالمئة من الأسلحة التي استخدمها في قتل 50 ألف من شعبة، وزّودت نظام غواتيمالا بـ 83 بالمئة من أسلحته التي استخدمها في ارتكاب العديد من المجازر، وقد باعت معشوقة الليبراليّين العرب هذه طائراتٍ أمريكيّة لإندونيسيا في 1978 مساعدةً نظامها في ارتكاب مجازر قتل فيها أكثر من 200 ألف من سكّان تيمور الشرقية. امتدّت خدمات إسرائيل لحلفاء الولايات المتحدة من الأنظمة القمعية في أمريكا الجنوبيةّ مرورًا بالأنظمة الاستعماريّة-الاستيطانيّة في جنوب أفريقيا ووصولًا لشرق آسيا. فقد باعت في السبعينات والثمانينات الأسلحة للأنظمة العسكرية القمعيّة الأرجنتينيّة والبرازيلية والتشيليّة. وفي 1977، بعد إعلان منع بيع الأسلحة على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، انفردت إسرائيل بإعلانها أنّها لن تلتزم بهذا المنع، وقد درّبت القوّات الصهيونية شرطة فيرغسون في ولاية ميزوري، وهو جهاز الشرطة ذاته الذي قام بقمع المظاهرات التي قامت على خلفية مقتل مايكل براون.

هذا العلاقة بين أمريكا وإسرائيل تمكّن كلا الطرفين من الضغط على الآخر، فليس هنالك كيان في المنطقة مرتبط بالاستعمار بقدر ارتباط الكيان الصهيوني. لا تتصرّف إسرائيل بانعزالٍ عن الإرادة الأمريكيّة، فحين سعى نتنياهو للهجوم على إيران في 2012 لتدمير برنامجها النووي، ضغطت أمريكا على الكيان حتّى تراجع عمّا سعى إليه.

إن أيّ أزمة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لا تأتي إلّا في هذا السياق، أي سياق مصلحة المستعمِر وكلبِ حراسته في الشرق الأوسط – أمريكا وإسرائيل – والخلاف لا يكون فيما إذا كان العرب يستحقّون أن يعيشون بكرامة، بل في كيفيّة إخضاع المنطقة بأكملها للهيمنة الأمريكية. أيّ أن الخلاف ليس جوهريًا فكلا الطرفين لديهما نظرة مشتركة تجاه المنطقة ككل – قد تشترك معهم بعض الأنظمة العربيّة فيها – بل هي تكون مجرّد خلافات مؤقّتة عرضيّة مُسّلِمة بأهميّة الوجود الاستعماري في المنطقة.

...............................

تستخدم هذه المقالة عدّة مصادر دون ذكرها، منها مقالات من الـ (International Socialist Review) والـ (Jewish Virtual Library) وغيرهما.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/كانون الأول/2014 - 9/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م