دورة الفساد في العراق

علي فاهم

 

كما للماء دورته في الطبيعة التي نعرفها فكذلك للفساد دورته في العراق وان كنت أتعبت نفسي في البحث عن نقطة البداية والمنشأ للفساد العراقي المحسن لكن لم يحالفني الحظ الى التوصل اليها لأنها دائرة مستديرة مغلقة تماما لا بداية لها ولا نهاية، ولكن يبقى هنالك تفاوت في مستوى الفساد فلا يمكن ان نساوي بين فساد موظف صغير وفساد مسؤول كبير او فساد مسؤول كبير جدا.

 فعلى قدر اهل الفساد تأتي العزائم والولائم والصفقات والكومنشات. ولكن يبقى جميع المفسدين صغيرهم وكبيرهم ضعيفهم وسمينهم طويلهم وقصيرهم يشتركون بالفساد والسرقة وأكل الحرام فلا يغرنكم تلك الشتائم وتداول الفضائح ولعن الفساد والمفسدين على السنة البعض فكل هذا ينبع من منطلق... حسد عيشة... فلو استبدلت الادوار لأجاد الناقدين للمفسدين أدوار أفضل ولكانت سرقاتهم أكبر لانهم سيبدئون بناء أمبراطورياتهم من الصفر ولهذا كان اغلب الناس لا يرغبون بجلب سراق جدد فلعل القديم يصل حد التخمة والشبع و(ينكسر خاطره) على الفقراء فيلتفت اليهم أما اذا جائنا (الجوعان) فسيحتاج الى سرقات كبيرة ليلتحق بركب أخوته الذين سبقوه بالفساد..

الغريب والعجيب في الامر أني وجدت في التراث العراقي أنهم أي العراقيين يحترمون ويقدرون (الحرامي) ويعتبرونه شخصية شجاعة وأنه شاطر وذكي فتراهم يتداولون قصص ابرز اللصوص وكيفية سرقتهم للبيوت دون أن يعرف صاحب البيت أنه سُرق الا في الصباح أوعن نخوة ذلك الحرامي الذي دخل البيت ليسرق ولكنه تذوق الملح بالخطأ فرفض أن يسرق من أهله لأن (صار بينهم زاد وملح) فلا يوجد (عيب) عند الحرامي في العقل اللاواعي الجمعي العراقي بل هو أمتياز يقدر به فكيف اذا كان هذا اللص مسؤول بيده سلطة ما أو موظفاً بيده تسيير المعاملات طبعاً يكون مادة دسمة للتملق والمدح الفارغ وسيتسابق البعض من فصيلة الوصوليين لينبطح تحته ويمدحه في العلن وان كان يسبه ويقدحه في السر.

فعلينا أولاً ومسبقاً أن نعترف بمساوئنا التي أنتجت هذا المنتج الفاسد في كل مفاصل البلد وأن نغير بعض مبادئنا التي أستورثناها من الاجيال السابقة فبدل أن نلعن المفسدين فلنسأل أنفسنا لوكنا مكانهم هل سنحافظ على الامانة ونثبت أمام المغريات الدنيوية ونعتبر ما نأخذه بغير حق (حرام) ولا يجوز وهو خطأ وباطل وسيعود اثره علينا في الدنيا (سواءاً من أكل الحرام واثاره السلبية على الفرد وعائلته أوفي المنظومة الاجتماعية التي سيعود اي خلل فيها على كل المجتمع وهو مفردة من هذا المجتمع)، وكذلك العقاب في الاخرة الذي ننساه أو نتناساه ونبرر لسرقاتنا والاعذار متوفرة فالنفس الامارة بالسوء لن تجد صعوبة في التبرير فهذه مهمتها ولكن مهمتنا تصحيح الاخطاء وعلاج الامراض وأول خطوة باتجاه العلاج والتصحيح هو الاعتراف بأننا مرضى، حتى يمكن أن نتقبل العلاج فيما بعد، ودمتم سالمين.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/كانون الأول/2014 - 9/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م