قيم التقدم: اعتماد التخطيط

علي حسين عبيد

شبكة النبأ: لم يعد التخطيط محصورا بجانب معين من جوانب الانشطة البشرية على الصعيدين الجمعي والفردي، فهو مثلا لا يقتصر على العمل السياسي والتخطيط لتحقيق الهدف المرسوم، ومعرفة النتائج المحتملة، ولا يتعلق بالخطط الاقتصادية او التعليمية وحدها، أي ان التخطيط ليس مفهوما اقتصاديا ولا سياسيا ولا تعليميا فحسب، وانما أخذ التخطيط بعدا شاملا للحياة، من هنا بات هذا المفهوم النظري التطبيقي، يشكل قيمة مجتمعية بسبب حاجة الجميع له، الفرد او المجتمع، فقد باتت الحاجة الفردية او الجمعية (مؤسسة، جامعة، دولة ...... الخ) للتخطيط مهمة جدا، لكي يصل المخطِّط الى اهدافه بأسرع السبل وأكثرها يُسرا وسهولة، لذلك أصبح التخطيط قيمة من القيم التي تساعد على تقدم المجتمعات والافراد معاً.

يقول أحد الباحثين المختصين في هذا المجال: (يعد التخطيط مفهوما حديثا نسبيا لجأ إليه الانسان الواعي محاولا تجنب ما لا يرغب وتحقيق مصالحه وتأمين صالحه ودفعه الى اتخاذ اجراءات ووضع مخططات مسبقة تمكنه من الوصول الى غاياته مستقبلا) ويضيف قائلا: (لذا فإن التوجّه للتخطيط العلمي اصبح ميزة من ميزات عصرنا الحاضر مثلما اصبح سمة مميزة للانسان الحديث الى جانب سماته الاخرى). وتتساوى الحاجة الى التخطيط عند الافراد والمؤسسات، فقط هناك تباين بحجم ونوع القيمة، فعندما يريد فرد ما أن يبدأ بمشروع اقتصادي، لابد أن يحسب متطلبات انشاء هذا المشروع ماديا ومن النواحي الاخرى كافة، ولابد من وضع الخطة اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وعلى صاحب المشروع مهما كان حجمه، أن يحسب النتائج المترتبة عليه من حيث الانتاج والربحية والخسائر المتوقعة وما شابه، فضلا عن اهمية تحقيق المشروع بأقل التكاليف على ان لا يؤثر ذلك على الجودة وكمية الانتاج، كل هذه الامور لا يمكن الوصول إليها إلا بطريقة واحدة تسمى (التخطيط).

ولا شك أن المؤسسات الكبيرة تسير وفق المنهج نفسه، فالمؤسسة هي (كائن ضخم)، ولابد أن  تخطط في المجال المادي التطبيقي وتحاول ان تصل الى الهدف بتكلفة اقل مع نتائج وجودة مضمونة، من حيث النوع والكم وما شابه. لذا باتت هذه القيمة من قيم التقدم ونعني بها التخطيط، حاجة جوهرية للدولة والمجتمع بأفراده ومؤسساته من اجل بلوغ الاهداف بطريقة مناسبة، تستخدَم فيها أقل الجهود والاموال، مع ضمان نتائج نموذجية في سرعة الانجاز على ان تحافظ على الجودة والكم والنوع، لذلك نلاحظ انتشار قيمة التخطيط بين المجتمعات المتقدمة.

لذلك يرى احد الدكتور سعد لبيب احد المختصين بأن التخطيط: هو (توظيف الامكانات البشرية والمادية المتاحة او التي يمكن ان تُتاح خلال سنوات الخطة من اجل تحقيق اهداف معينة مع الاستخدام الامثل لهذه الامكانات). وهكذا يستدعي تقدم الشعوب وارتقاءها، الى اعتماد قيمة التخطيط في المشاريع الفردية والجمعية، على أن لا ينحصر الامر في مجال او مشروع دون سواه، بمعنى أن التخطيط ينبغي أن يتحول الى منهج حياة، وكلما كان المجتمع معتمدا اسلوب التخطيط الدقيق، في حياته ومجالاتها المتعددة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والصحة وسواها، كلما كانت أكثر من غيره قدرة على مواكبة العصر ومواصلة مراتب الارتقاء والتقدم، ويتعلق الامر باعتماد هذه القيمة المتقدمة في أدق الامور، إذ يمكن للتخطيط أن يرتقي بحياة الفرد ويجعل منه ذا خبرة ودراية في التنظيم، وذا معرفة بالتدبير أفضل من غيره ممن يعتمدون العشوائية والارتجال في تسيير امور حياتهم، وهذا ينطبق تماما على المؤسسات والدول، لأن المؤسسة الفاشلة في التخطيط سوف تفشل بلا ادنى شك في تحقيق اهدافها.

علما أن التخطيط بالنسبة للافراد يمكن أن يبدأ معهم في الحاضنة التربوية الاولى، ونعني بها العائلة، فعندما يغرس الاب والام حب التخطيط في خيال الطفل وعقله، وينمو شعور الطفل بأهمية التخطيط، في القول والتطبيق، أي عندما تخطط الام ويفعل الاب الشيء نفسه في ادارة حياة العائلة بمرأى من الطفل، سوف تكون هذه الاجراءات بمثابة التطبيق العملي لافراد العائلة، ولا شك سوف يصبح التخطيط اسلوبا لاستمرارية حياة هؤلاء، حتى عندما يصبحون قادة أو رؤساء مؤسسات ووزارات ودول، فإن قيمة التخطيط مغروسة في عقولهم وافكارهم، لذلك سوف يميلون الى التخطيط العلمي العملي في جميع المشاريع التي يشرفون عليها ويديرونها، وبهذا تصبح قيمة التخطيط من القيم التي تساعد الافراد ومن ثم الجماعات، والمجتمعات، بالوصول الى اهدافها بطريقة علمية عملية مدروسة قليلة التكاليف والمفاجآت في الوقت نفسه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/تشرين الثاني/2014 - 7/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م