من وحي أرقام "مؤشر الإرهاب العالمي"

عريب الرنتاوي

 

نردد من دون تفكير، بأن الإرهاب طارئ على مجتمعاتنا والتطرف وافد على ثقافتنا وتقاليدنا، ونجزم بأن الجماعات الإرهابية المتطرفة لا تمت لنا، ثقافة وتاريخاً وحضارة وديناً بأية صلة، ونغرق في البحث عن أسباب خارجية لتفاقم تحدي الأصولية والتطرف والإرهاب، فنردها غالباً إلى الغرب الاستعماري ومن منطلق "صراع الحضارات والأديان، ونعزوها في أحيان أخرى إلى إيران وحلفائها، ومن سياق صراع المذاهب وحروبها... المهم أننا كعرب، وأهل سنة وجماعة بشكل خاص، بريئون براءة الذئب من دم ابن يعقوب، مما يجري حولنا وفي أوساطنا.

ثمانية عشر ألف قتيل، وأضعافهم بالطبع من الجرحى والمصابين، هم ضحايا الإرهاب في العام 2013 وحده، 82 بالمائة منهم سقطوا في خمس دول فقط، صادف أن أربعة منها هي عربية – مسلمة (سنيّة)، هي العراق وسوريا والباكستان وأفغانستان، إلى جانب نيجريا، فيما استأثرت دول عربية وإسلامية بالبقية الباقية من الضحايا كمصر ولبنان وليبيا واليمن... أما المنظمات الأربع التي تصدرت مشاهد القتل وأعمال الذبح، فهي أربعة كذلك، وصادف أيضاً أنها من أهل السنة والجماعة: داعش، القاعدة، بوكو حرام وطالبان.

نريح أنفسنا، بل نخدعها حين نقول إن ليس للإرهاب ملة واحدة، وأن الإرهاب مبثوث في مختلف الحضارات والأقوام والأديان... من حيث المبدأ هذا قول صحيح، بيد أن الصحيح كذلك، أن الصورة تختلف جذرياً، حين نكون مصدر 99 بالمائة من الإرهاب وحين نحصد النسبة ذاتها من ضحاياه، عندها "التعميم" لا يكون دقيقاً، بل نوعاَ من ذر الرماد في العيون، وحجباً للحقيقة التي تفقأ العيون، وتنصلاً من المسؤولية في مجابهة هذا التحدي، وخضوعاً لابتزاز أصحاب الأصوات العالية من فقهاء الظلام وزعماء الحركات الإسلاموية.

تقرير "مؤشر الإرهاب العالمي" الأخير، أوضح أن 90 بالمائة من الأعمال الإرهابية، ارتكبت في دول تنتهك فيها حقوق الإنسان بشكل جسيم، وأحسب أن حال حقوق الإنسان في الدول العربية المنتجة والمصدرة للإرهاب على حد سواء، تعاني من أفدح أشكال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبدل أن نعمل على تغيير الصورة والمشهد، نصرف الوقت والجهد والموارد، في تجميل الصور القبيحة لأنظمة الحكم والاستبدادية والفاسدة، ونبحث عن مصادر وهمية للتطرف والإرهاب خارجنا، ونسعى في تبرئة حتى أكثر القراءات الإسلامية تخلفاً وبدائية وعنفاً مما يجري مقارفته من مجازر ومذابح.

في ظني أن تقرير السنة المقبلة سيسجل ارتفاعاً ملحوظاً في عدد العمليات الإرهابية وأعداد ضحاياها والخسائر المترتبة عليها، والأرجح أن العراق سيأتي أولاً، تليه سوريا في المرتبة الثانية، كما في العام 2013، والمؤكد أن كل من ليبيا واليمن ستتقدمان على نيجريا في لائحة الدول الأكثر تعرضاً للإرهاب، فسنة 2014 كانت حافلة على هذا الصعيد، خصوصاً النصف الثاني منها، والذي بدأ باجتياح الموصول وإعلان "دولة الخلافة" وما رافق ذلك من عمليات تطهير طائفي ومذهبي، فضلاً عن اشتداد حدة المعارك في شمال شرق سوريا وجنوبها وغوطة دمشق والقلمون، دع عنك "الانفجار الحوثي" في اليمن، وما رافقه وترتب عليه، من معارك في طول البلاد وعرضها، وكذا الحال في ليبيا وحرب الجميع ضد الجميع المندلعة فيها من دون توقف.

إن لم تكن كل تلك الأرقام والحقائق، كافية لإقناعنا بالبحث في دواخلنا عن أسباب العنف والتطرف والإرهاب، فما الذي سيقنعنا إذن، وإلى متى سنظل نتعامل مع ظاهرة تفشي الإرهاب بوصفها "حالة أمنية طارئة" تعالج بوسائل أمنية وائتلافات دولية وضربات جوية... منابع الإرهاب الفكرية، تفجرت في صحارينا وبوادينا القاحلة من الثقافة والمدنية، وانتشارها لم يمكن ممكناً من دون تفجر ينابيع النفط والغاز والبترودولارات في تلك القفار... أما نجاح الإرهاب في اجتذب شبابنا، فما كان ممكناً من دون تفشي ظواهر الاستبداد والفساد في دولنا ومجتمعاتنا، وما لم يجر التصدي لكل هذه الأسباب والعوام مجتمعة، سنكون أمام "حرب عبثية"، نعرف متى بدأت، لكننا لن نعرف أبداً متى ستنتهي أو كيف.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/تشرين الثاني/2014 - 7/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م