إغواء

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: اشهر الامثلة لهذه الكلمة، ما يرد في القران الكريم في قصة ادم عليه السلام، وكذلك عبر كلمة المراودة في قصة النبي يوسف عليه السلام.

والاغواء هو التضليل، وحَاوَلَ إغْوَاءهُ: أي إبْعَادَهُ، إمَالَتَهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، اِسْتِمَالَتَهُ إلَى الأهْوَاءِ. وأغواه الشَّيطانُ: غواه؛ أضلّه وأغراه بالفَساد {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ}، وأغواه اللهُ: عاقبه وأهلكه {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} {وَلاَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}

والغَيُّ هو الضَّلالُ والخَيْبَة، قال الشاعر العربي (المرقش): فمَنْ يَلْقَ خَيراً يَحْمَدِ الناسُ أَمْرَه ومَنْ يَغْوَ لا يَعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائمَا، وقال دُرَيْدُ بن الصِّمَّة وهَلْ أَنا إِلاَّ مِنْ غَزِيَّة إِن غَوَتْ غَوَيْتُ وإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّة أَرْشُدِ؟، وفي الحديث سَيكونُ عَلَيْكم أَئِمَّةٌ إِن أَطَعْتُوهُم غَوَيْتُهم أَي إِنْ أَطاعُوهم فيما يأْمُرُونَهم به من الظُّلْم والمعاصي غَوَوْا أَي ضَلّوا.

و(المراودة) لفظ يصف محاولة امرأة العزيز إغواء يوسف وإغرائه وإثارته لكي يقوم بمواقعتها، ولكنه عليه السلام صمد أمام هذه المراودة. والمراودة تجمع معاني الإغواء والإغراء والإثارة فى كلمة واحدة.

والاغواء على مستوى السوسيولوجيا الاجتماعية، هو غواية النفس بما يخالف الاعراف والقيم الاجتماعية، الافراط في تجاوز حدود المعايير السائدة، والجنوح عن السوية الاجتماعية، ان في الماكل والمشرب والمنكح.

والاغواء، سلوك انحرافي، شذوذي بالنسبة الى الدارج او المالوف، من خلال الباس المسلك الانحرافي، الشيء وضده في آن، ومرد ذلك الى عقلية التباسية، انتقائية، تجميعية لاتوليفية، فالتوليف يقوم على النقد، عقلية سائدة في المجتمعات الاقل تعقلنا.

يتعلق مفهوم الاغواء بنسق القيم والواجبات، علم الواجبات، وباعتبار الجماعات ذات غايات او اهداف ماثلة، او منشودة، لا يجوز للفرد او الشرائح الاجتماعية ان تشذ عنها، وهذا ما يعبر عنه في حال حدوثه الكثيف، بتغير روح العصر، اي معناه وقيمه ومعاييره.

والاغواء في حقيقته ومفهومه هو اقناع الغير بأن الصواب خطأ والخطأ صواب او هو قلب الحق باطل والباطل حق، اما الاغراء فهو حث الغير على فعل ما بتطميعه بما يرغبه سواء كان هذا المرغوب مالا او لذة جسدية او كل ما يتصور ان يكون مرغوبا.

والاغواء اشد من الاغراء، لان من وقع تحت الاغراء يقدم على الفعل القبيح او المحرم وهو يعلم انه قبيح او محرم ولكن غلبته شهوته وهذا قد يرجى له التوبة والندم لانه يعرف انه أذنب واجرم. اما من وقع تحت الاغواء فهو يقدم على الفعل القبيح وهو يعتقد انه يحسن صنعا فكيف يمكن ان يندم او يتوب وهو لا يعتقد اصلا انه اذنب او ارتكب جرما.

الرغبة هي العامل المشترك بين الاغواء والاغراء، والرغبة قوة طاغية وقيد محكم الربط على القلوب. وشدة الرغبة فى شئ تزين للنفس الاقدام على اى فعل لاشباع الرغبة. وقد عرف الناس بحكم التجربة مدى طغيان الرغبة وقهرها للعقل والضمير فاستعملوا الاغراء كوسيلة لاخضاع شخص او حثه على فعل يوافق مصالحهم.

والاغواء انجذاب دائم نحو رغبة موجودة ومستمرة، تزينها الاوهام اكثر من الحقائق، نجد ذلك واضحا في الرغبة الجنسية، وانسياقها الى الحرام عبر توهم الاختلاف عن ما يتوفر للانسان من حلال، وهذا ما عبّر عنه الإمام علي(ع) عندما كان جالساً بين أصحابه ذات يوم، فمرّت امرأة جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم، فقال لهم: "إن أبصار هذه الفحول طوامح وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله، فإنما هي امرأة كامرأته".

وللامام علي عليه السلام قوله: 

(قصم ظهري إثنان عالم متهتك، وجاهل متنسك، فالجاهل يغش الناس بتنسكه، والعالم يغرهم بتهتكه).

العالم المتهتك هو الذي وان كان لديه مقدار من العلم إلاّ انه بالإضافة إلى ذلك ــ تصدر منه المخالفات فهو لا يمتلك المقدار الكافي من التقوى فيكون بذلك فاسقاً, ولما كان العالم هو محط انظار عامة الناس لأنهم يعتبرونه القدوة لهم في تصرفاته وعلاقته مع الله ومع المجتمع فإذا صدرت منه تلك الأعمال وكانت غير مرضية عند الله مما يؤدي إلى أن يكون ذلك العالم سبباً لإغواء وإغراء الآخرين لعمل القبيح من الأعمال.

وكذلك الجاهل المتنسك فانه لما كان مطيعاً لله بطريق قد يكون خاطئاً لعدم إصابته للطريق الصحيح لكونه جاهلاً فانه يضل غيره بهذا الطريق الخاطئ والإمام يظهر مدى عناءه من هذين كون ضررهما كبيراً. وقد ورد هذا الحديث بشكل آخر وهو: (قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك هذا يضلل الناس عن علمه بتهتكه وذاك يدعوهم إلى جهله بتنسكه)، وعلى هذا الحديث يكون المعنى ان هذا العالم وان كان يحمل علماً ويرشد الناس إليه إلا أنهم لا يأخذون منه لما يرونه من سوء أعماله وقبيح أفعاله فيصد الناس عن العلم الذي يحمله بعمله والآخر يدعوهم للآخذ من جهالاته لما يرون من عباداته ومثابرته عليها.

اشهر الشخصيات التي تناولها الادب في موضوع الاغواء هي شخصية (دون جوان) التي تحترف إغواء النساء, أو استمالتهن إلى الهوى, والهوى رغبة ثائرة مستمرة. وتظهر على الهاوي عوارض الاندفاع أو التهافت القوي على شخص أو فكرة. إن إرادة الهاوي عبدة لهواه, ووجود موضوع واحد ثابت هو موضوع هواه, وأيضاً عمق الهيجان وشدته عند الهاوي الذي يسعد ويشقى، يقلق ويرتاح بدرجة لا تحدث عند سواه. إن الهوى يشمل دوماً على توهم عميق, والإغواء لغوياً يعني إضلال الآخر بالأماني الكاذبة.

إن الدونجوانية انحراف, والمنحرف يتباهى بانتصاراته الجنسية.

يعجز الدونجوانيين عن إثبات شخصيتهم بين الرجال فيلجئون لإثباتها عند النساء.

يلتجئ الدونجوان إلى الغزوات الجنسية نتيجة فشله في خلق كيان شخصي خاص في المجتمع الذي يعيش فيه.

يغيب عن الدونجوان مفهوم الكرامة, فأفضل القيم الأخلاقية منسية لديه, تقع آلية عمله في السعي الغزلي المتواصل المصاغ مسبقاً دون الكثير من الصدق, وخاصة من دون الالتفات إلى الصدود المحتمل إلى ردات الفعل العنيفة والضيقة من طرف موضوعه الأثير: المرأة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/تشرين الثاني/2014 - 6/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م