رعاية المبدعين من أين تبدأ؟

 

شبكة النبأ: من هم المبدعون؟ هل الادباء فقط هم من يستحقون صفة المبدع؟، أم هناك من يستحقها غيرهم، ولنأتِ أول الى معنى الابداع وماذا يعني ومن هو القادر على انتاجه؟، بدءاً صفة المبدع على تنطبق على الاديب حصرا، ولا على الفنان او الرياضي المتميز وما شابه، فكل انسان يستطيع أن يتفوق ويقدم منجزا متطورا وجديد يستحق ان نطلق عليه هذه الصفة، لأن الابداع يعني الإتيان بمنجز جديد ومتميز في اي مجال كان، شرط أن يكون ذا مزايا ونتائج ايجابية تخدم الفرد والمجتمع، وهكذا نتفق على ان المبدعين هم اولئك الافراد الذين يضعون بصمة واضحة في مجال خدمة الانسانية، وقد يكون مصدر الابداع فنيا او رياضيا او ادبيا او هندسيا أو في مجالات اخرى كثيرة.

لذلك فإن الابداع وصفته لا ينحصران بفئة او مجموعة دون سواها، لأن الانسان أي انسان بإمكانه ان يكون مبدعا ويحصل على هذه الصفة، اذا تمكن من توظيف قدراته ومواهبه بطريقة جديدة يقدم من خلالها ابداعا يخدم الناس في مجال ما، وبهذا التوصيف، نستطيع ان نقول بلا تردد ان المبدعين أناس متميزون عن غيرهم، لأنهم موهوبون ويحملون في دواخلهم قدرات متميزة تجعلهم متميزين في التفكير والانتاج، وغالبا أو لابد أن يكون منتجهم غير مسبوق، ولهذا أُطلِقتْ عليه تسمية إبداع، وهذا دليل على ندرة مثل هؤلاء الافراد وحتى الجماعات.

ولعلنا نتفق استنادا الى تجارب التاريخ، أن الامم التي تصدرت قيادة عالما الراهن، ما كان لها ان تحتل هذه المرتبة والمكانة لو لا الاشخاص الذي تميزوا بابداعاتهم، ورفدوا مجتمعاتهم بالقدرات الكبيرة في مجالات الحياة كافة، منها الاجناس الادبية كالرواية والشعر والقصة والنقد، ومنها الفنية كالمسرح والرسم والفنون التشكلية كافة ومنها فن الخط، فضلا عما يمكن ان يقدمه المبدعون في مجالات علمية وانسانية اخرى.

ولا شك ان الامم المتقدمة وعت وفهمت هذه النقطة، فالمبدعون هم حجر الزاوية في تقدم الدولة والمجتمع، واذا خلت الدولة او المجتمع منهم، فلا ابداع ولا مواهب ولا قدرة لهذه الدولة على ان تكون متقدمة، ولا قدرة للمجتمع الفقير ابداعيا لأن يكون مجتمعا متميزا، ولهذا السبب منحت الدول المتطور والمجتمعات الذكية مبدعيها امتيازات كبيرة جدا، حتى تستطيع ان تستثمر مواهبهم وقدراتهم لصالحا وهذا ما حدث بالضبط في الدول التي تتصدر الركب العالمي اليوم.

هل العراق يحتضن اليوم مبدعيه بالطريقة التي تجعلهم اكثر ابداعا ومتميزا، بل حتى الدول الاسلامية والعربية، هل تفكر بالمبدعين وهل تمنحهم الامتيازات الانسانية التي تحثهم على الابداع الافضل؟، الجواب سيأتي بالسلب حتما، إذ ليس هناك اهتمام بالمبدعين في مجتمعاتنا، لهذا نحن نرتع في اسفل قائمة الدول المتأخرة، لأننا لا عبأ بمبدعينا في مجالات الحياة كافة، إننا بصريح الكلام ننظلا الى الموهوبين والمبدعين على انهم أناس عاديين، وانهم لا يستحقون الاهتما او التميز، لهذا يموت المبدعون بيننا، ويتراجع الابداع فينا؟ وليس هناك غلوّا لو قلنا أنني متخلفون بسبب اهمالنا للمبدعين.

ولنأت بمثال عن اهتمام الدولة العراقية بمبدعيها، لقد خصصت الحكومة مبلغا زهيدا قيمته اقل من مئة دينار عراقي لكل مبدع في الاداب والفنون والثقافة وسواها، ووضعت معايير وضوابط محددة وكأن الامر يتعلق براتب ضخم يقترب من راتب البرلماني الذي لا يفعل شيئا سوى حضور الجلسات غافيا في كثير من الاحيان وغافلا عن احتياجات الشعب الماسة، وعارفا ولاهثا وراء امتيازاته وحاجياته الفردية والعائلية وحريصا على تحقيقها بكل السبل، إن حكومة تعطي مبدعيها (أقل من مئة ألف دينار عراقي في الشهر)، وغالبا ما تستكثر عليه هذا، بل قد تقطع عليه هذه المكافأة الضئيلة كما تقول بعض الاخبار التي تسربت من المسؤولين.. إن حكومة من هذا النوع لا يمكن أن تفكر بالكيفية الحقيقية التي تدفع فيها المجتمع والدولة خطوة الى امام كي تلحق بمن تقدم عليها من الدول بوساطة مبدعيها.

لذلك من البديهي بمكان أن تعطي الحكومة والدولة مبدعيها، الاهتمام اللازم والمكانة التي يستحقونها، والرعاية المتميزة التي تجعلهم اكثر ابداعا وتميزا، هذا اذا فكرّ المسؤولون والمعنيون الحكوميون وغيرهم، بما يدفع الدولة والمجتمع خطوات الى امام، فالدولة التي لا ترعى مبدعيها وتفضل المسؤولين عليهم (البرلماني مثلا)، لا يمكن أن ترتقي الى مصاف الدول المدنية المتقدمة، وستبقى في اسفل قائمة الدول المتأخرة الى أن ترعى مبدعيها، وتفهم من اين تبدأ هذه الرعاية وكيف، وتطبق قانون الاهتمام بالمبدعين (حكوميا وشعبيا)، وتعي المعادلة التي تقول، (إن رعاية المبدعين تساوي دولة مستقرة قوية متطورة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/تشرين الثاني/2014 - 2/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م