الجريمة المنظمة تفتك بالمكسيك وتضعها على حافة الهاوية

 

شبكة النبأ: يعيش الشارع المكسيكي هذه الأيام حالة من التوتر وعدم الاستقرار بسبب مقتل  43 طالب عثر على جثثهم محروقة ومرمية في مكب للنفايات بمدينة "كوكولا" بعد اختطافهم، حيث ما تزال الصدامات تتجدد من حين لآخر بين العديد من المتظاهرين وعناصر الشرطة، خصوصا وان الحكومة المكسيكية قد أعلنت أن بعض المسؤولين المحليين والشرطة الفاسدين إلى جانب مسلحي إحدى العصابات الإجرامية تعاونوا على خطف الضحايا وقلتهم، حيث عمد المحتجون الذين تعاظم غضبهم بسبب فتور السلطات في تعاملها مع هذه الجريمة البشعة الى مهاجمة العديد من المباني والمؤسسات الحكومية والحزبية في بعض المدن، وكان الرئيس المكسيكي تعهد منذ تسلمه مقاليد الحكم قبل عامين بإعادة فرض النظام في المكسيك، حيث قتل حوالي مائة ألف شخص بسبب أعمال عنف مرتبطة بالجريمة المنظمة.

ويرى بعض المراقبين ان توفير الأمن في المكسيك ربما يعد من الأمور المستحيلة، بسبب هيمنة أعضاء عصابات المافيا وتجار المخدرات على العديد من المراكز المهمة في المؤسسات والدوائر الحكومية ومنها دوائر الأمن، التي أصبحت مرتعا للفساد والمفسدين وتحتل المكسيك وكما تثير بعض التقارير المركز الـ(2) بين قوات الشرطة الأكثر فسادا على مستوى العالم، ولديها واحد من أجهزة الشرطة الأكثر اضطرابا، كما أنه يزداد سوءا كل يوم.

وتعد نسبة الجريمة مرتفعة بشكل عام في مكسيكو سيتي والمدن الحدودية، لكن العديد من ضباط الشرطة يزيدون الأمر سوءا، والشرطة المكسيكية أصبحت فاسدة بسبب الأجور المنخفضة، ما جعل الضباط يتلقون رشاوى من المجرمين، ويبتزون السياح. والشرطة المكسيكية مشهورة بأنها تخير الضحايا بين قبول إعطائهم رشاوى أو تركهم يقتلون، كما تعمل الشرطة مع عصابات المخدرات وتحميهم وتساعدهم في تهريب المخدرات، وغالبا ما تتجاهل الشرطة الجرائم المبلغ عنها مع عدم التحقيق فيها، وتحبس المواطنين الأبرياء للتغطية على أعمالها القذرة.

وتعد المكسيك أحد أكبر موردي الهيروين إلى السوق الأميركية، وأكبر مصدر أجنبي للماريغوانا، حيث تهيمن عصابات المخدرات المكسيكية حاليا على سوق الجملة المحظورة باستئثارها بنحو 90% من حجم المخدرات التي تتسرب إلى داخل الولايات المتحدة. وتتراوح الإيرادات الكلية لمبيعات المخدرات المحظورة ما بين 13.6 مليار دولار و49.4 مليارا.

مظاهرات عنيفة

وفي هذا الشأن اندلعت مظاهرات عنيفة في المكسيك بعد الإعلان عن مقتل الـ43 طالبا المفقودين منذ أسابيع، وهاجم المتظاهرون القصر الرئاسي بقضبان معدنية وأضرموا النار فيه، مرددين عبارة "نريدهم أحياء". وذكر صحافيون في مكسيكو أن حوالى عشرين متظاهرا بعضهم ملثمون قاموا بضرب الباب الرئيسي للقصر الرئاسي بقضبان معدنية وأضرموا النار فيه لفترة قصيرة لكنهم لم يتمكنوا من دخول المبنى الذي يستخدمه الرئيس أنريكي بينيا نييتو للاحتفالات الرسمية.

ولم يتدخل رجال الأمن بينما خط الملثمون على الباب عبارة "نريدهم أحياء"، في إشارة إلى الطلاب الذين فقدوا منذ هجوم مشترك لرجال الشرطة وأفراد عصابة في إيغوالا في ولاية غيهيرو (جنوب). وتجمع آلاف المكسيكيين في ساحة زوكالو حيث يقع القصر الرئاسي والكاتدرائية. وفي شيلبانسينغو عاصمة غيهيرو، حطم أكثر من 300 شاب معظمهم ملثمون زجاج مقر حكومة الولاية وأحرقوا نحو عشر آليات بينها واحدة تابعة للشرطة، دون أي تدخل من قبل قوات الأمن.

وطالب المتظاهرون أيضا بالطلاب أحياء. وكان وزير العدل المكسيكي خيسوس موريو كرم عرض في مؤتمر صحافي سيناريو مروع لمقتل هؤلاء الشبان الذين تبحث عنهم السلطات بعد هجوم تعرضوا له على إثر استيلائهم على حافلة في إيغوالا في ولاية غيهيرو (جنوب). وأسفر الهجوم الذي شنه شرطيون فاسدون وأعضاء في عصابة إجرامية معروفة باسم المقاتلين المتحدين (غيهيروس أونيدوس) عن سقوط ستة قتلى و25 جريحا. وقال وزير العدل إن 74 شخصا من شرطيين وموظفين وأشخاص يشتبه بتورطهم بأنشطة إجرامية أوقفوا منذ هذا الهجوم. واضاف ان ثلاثة من هؤلاء الموقوفين اعترفوا بانهم قتلوا الطلاب بعدما قام افراد من الشرطة البلدية بتسليمهم لهم بين مدينتي ايغوالا وكوكولا.

وتابع وزير العدل المكسيكي انه بعدما تسلم افراد العصابة الطلاب ال43 من الشرطة البلدية، نقلوهم بآليات الى مكب للنفايات قريب من كوكولا. وبوصولهم الى المكان كان حوالى 15 طالبا قد توفوا اختناقا. واوضح ان "الموقوفين اشاروا الى انهم في هذا المكان قتلوا بقية الطلاب الناجين ثم القوهم في الشطر المنخفض من المكب واحرقوا جثثهم"، مشيرا الى ان جثث الطلاب وضعت فوق اكوام من الخشب والبلاستيك وسكب فوقها البنزين وتم احراقها في عملية استمرت 14 ساعة. وقال موضحا ان "المجرمين لم يتمكنوا من تحريك الجثث طيلة ثلاث ساعات بسبب شدة الحرارة".

وتابع وزير العدل رواية الموقوفين قائلا انه بعد ذلك قام المشتبه بهم بتفتيت الجثث المتفحمة ووضعوا البقايا في اكياس بلاستيكية ورموها في نهر. واضاف ان "النيران فتتت الجثث الى مستويات عالية جدا يصعب معها استخراج الحمض النووي الذي يتيح عملية تحديد هويات اصحابها لكننا لن ندخر جهدا في استنفاد كل الامكانيات العلمية".

وقال وزير العدل ان احد الموقوفين في القضية هو سالومون بينيدا الملقب "ال مولون" صهر رئيس بلدية ايغوالا والذي يعتقد انه عضو في جماعة اجرامية محلية، وقد اعترف انه احد منفذي العملية. واتاح توقيف سالومون وثلاثة اخرين للسلطات الوصول الى اماكن المقابر السرية الجديدة في منطقة جبلية قريبة من ايغوالا. ومع اعترافات سالومون، تتجه اصابع الاتهام اكثر فاكثر الى رئيس البلدية خوسيه لويس اباركا الذي انتخب في 2012 ضمن قائمة حزب الثورة الديموقراطية (يسار) وزوجته ماريا دي لوس انجلس بينيدا اللذين لهما علاقات مع الجريمة المنظمة وفرا بعد وقوع الهجوم.

وتنفيذا لتعلميات الرئيس بتسريع التحقيق، قال وزير العدل انه بدا رسميا البحث عن رئيس البلدية وزوجته ومسؤول امن مدينة ايغوالا "للاستماع اليهم في القضية". من جهة اخرى، قررت النيابة الفدرالية البدء في التحقيق في شكوى بتهمة القتل ضد اباركا في قضية تعود الى 2013. ولم يتم استكمال التحقيق فيها حينها بسبب اعتبار النيابة ان القضية من اختصاص السلطات المحلية.

لكن الوزير قال ان هذه الشكوى على صلة "بانحراف منظم واضح". واقر الوزير بانه لو كان تم توقيف رئيس البلدية حينها لكان "امكن تفادي" ماساة ايغوالا. لكنه دافع عن نفسه قائلا "لم اتخيل ابدا ان تحصل مثل هذه الفعلة الوحشية". وبحسب تقرير للمخابرات، فان زوجة رئيس البلدية شقيقة مهربي مخدرات، هي من اعطى الامر لمسؤولي امن البلدية بقمع طلاب مدرسة تخريج المعلمين الريفية في ايوتزينابا الذين قدموا الى ايغوالا للتظاهر وجمع مساعدات: كانت تخشى ان يشوشوا على خطاب كانت ستلقيه باعتبارها مسؤولة خدمات الاسرة في المدينة. وكان مدعي ولاية غيريرو اينياكي بلانكو صرح في مؤتمر صحافي في اكابولكو ان رئيس بلدية ايغوالا الذي طرد مؤخرا من حزب الثورة الديموقراطية اليساري الذي انتخب باسمه في 2012، سيلاحق بتهمة التقصير في واجبه حماية الطلاب.

واضاف بلانكو ان اباركا "فضل البقاء في حفلة ثم تناول العشاء والنوم" بينما كان الهجوم جاريا و"ترك بذلك الطلاب تحت رحمة قوات الامن"، مشددا على ان اباركا "ملزم قانونيا بالتحرك". وكان عضو في الحزب الذي طرد منه اباركا اتهم رئيس البلدية العام الماضي بالقتل. وعائلة زوجته التي تنشط في العمل السياسي مع زوجها، على علاقة وثيقة مع احد كارتلات تهريب المخدرات. وكان المدعي العام اعلن ان اثنين من الموقوفين اعترفا بانهما عنصران في عصابة "غيريروس اونيدوس" وانهما "شاركا مباشرة في قتل الطلاب".

وفور انتهاء المؤتمر الصحافي، وعد الرئيس المكسيكي انريكي بينا نييتو ذوي الطلاب بالاقتصاص من القتلة. وقال "الى ذوي الشبان المفقودين والى المجتمع بأسره اؤكد اننا لن نتراجع ابدا الى ان يتم احقاق الحق". واضاف الرئيس الذي تعتبر هذه القضية اسوأ ازمة تواجهه منذ توليه السلطة في كانون الاول/ديسمبر 2012 ان "القاء القبض على المحرضين لا يكفي، سنعتقل كل اولئك الضالعين" في الجريمة.

لكن ذوي الطلاب المفقودين اعلنوا في مؤتمر صحافي في مدرسة ابنائهم انهم لا يصدقون افادات الشهود المزعومين وانهم يرفضون ان يصدقوا ان ابناءهم قتلوا. وقال فيليبي دي لا كروز المتحدث باسم الاهالي انه "طالما انه ليست هناك ادلة فان ابناءنا احياء". لكن تبقى مسألة دوافع هذا العنف ضد الطلاب الذين توجهوا الى ايغوالا التي تبعد حوالى 120 كلم عن مدرستهم. وكان هؤلاء قالوا انهم يريدون جمع تبرعات عبر استيلائهم على عدد من حافلات النقل العام، وهي "عادة" راسخة في المنطقة.

من جانب اخر عثرت السلطات على مقبرة جماعية تحتوي على بقايا بشرية في جوار بلدة ايغوالا بجنوب المكسيك. وقال موظف فدرالي ان المقبرة الجماعية السرية عثر عليها في كوكولا قرب ايغوالا بولاية غيريرو فيما بدأ خبراء العمل فيها ويبدو انها تحتوي على بقايا بشرية. وكانت السلطات عثرت في وقت سابق على 38 جثة في مقابر جماعية سرية في جوار ايغوالا. واثبتت الفحوصات ان هذه الجثث لا تعود الى اي من الطلاب ال43 المفقودين. بحسب فرانس برس.

وادت الازمة السياسية الناجمة عن هذه القضية الى استقالة حاكم غيريرو انخيل اغيري الذي تعرض لانتقادات كثيرة لعدم تحركه بشكل كاف بعد اختفاء الطلبة. وقد استقبل الرئيس المكسيكي انريكي بينا نيتو في مقر اقامته الرسمي في مكسيكو الحاكم الجديد روخيليو اورتيغا الذي عينه برلمان غيريرو. واعلن الرئيس في هذه المناسبة عن تدابير ل"اعادة النظام" في غيريرو. وقال الرئيس بينا نيتو "اصدرت تعليمات الى المجلس الامني المؤلف من اجهزة القضاء وقوات الامن المكسيكية ليجتمع مع الحاكم وليقرروا معا الخطوات بهدف اعادة النظام والامن" في غيريرو.

كاساروبياس و اتيلانو رومان

الى جانب ذلك أعلنت السلطات المكسيكية اعتقال سيدرونيو كاساروبياس سالغادو زعيم كارتل المقاتلين المتحدين (غيهيروس اونيدوس) لتهريب المخدرات برفقة احد اقرب مساعديه. وقال مدير التحقيقات الجنائية في وزارة العدل توماس زيرون في مؤتمر صحافي ان سالغادو اعتقل لدى مروره على حاجز نصبته الشرطة على طريق بين مكسيكو وتولوكا (وسط)، مشيرا الى انه قدم اوراقا ثبوتية مزورة لعناصر الحاجز الذين كشفوا امره.

وهو شقيق ماريو كاساروبياس مؤسس الكارتل وزعيمه السابق ويلقب ب"النذل الجميل". وقد اعتقل في ايار/مايو الماضي. وهذه المجموعة الاجرامية متهمة بانها اشتركت مع الشرطة البلدية في مدينة ايغوالا (جنوب) في اطلاق النار على الطلاب مما اسفر عن سقوط ستة قتلى و25 جريحا. وفقد الطلاب ال43 الذين يدرسون في مدرسة ايوتسينابا بعد هذا الحادث.

وقال وزير العدل المكسيكي خيسوس موريو كرم ان سيدرونيو كاساروبياس نفى ان يكون اصدر اوامر بمهاجمة الطلاب. لكن وزير العدل اكد ان اعتقاله "هو بداية فرضية جديدة يمكن ان تقربنا بشكل اسرع واسهل من الحقيقة". وتعتقد السلطات ان شرطة ايغوالا اقتادت الطلاب بعد اطلاق النار الى بلدية كوغولا المجاورة وسلمتهم الى افراد من الكارتل الاجرامي. وقال موقوفون يعتقد انهم ينتمون الى هذا الكارتل ان امر قتل الطلاب صدر عن احد زعماء العصابة يعرف باسم "شوكي".

في السياق ذاته اعلن مصدر قضائي ان زعيم حركة النازحين من اجل بناء سد في ولاية سينالوا شمال غرب المكسيك قتل بالرصاص اثناء تقديمه برنامجه الاسبوعي مباشرة عبر الاذاعة. واطلق مسلحان النار ثلاث مرات على الناشط اتيلانو رومان، حسبما ذكر خيسوس انتونيو سانشيز سوليس مساعد مدعي الولاية نفسها.

واضاف ان رومان كان يقدم برنامجه الاسبوعي "هنا ارضي" الذي يبث كل سبت منذ عام. وكان ينتقد باستمرار اداء الحكومة ويتحدث بالتفصيل عن مطالب حركته التي تريد الحصول على تعويضات للاشخاص الذين تم اجلاؤهم من اجل بناء سد بيكاشوس. وقال سيرجيو اونتيفيروس مدير صحيفة ايل سول دي مازاتلان "انه اعتداء موجه ضده وليس ضد هيئة الصحافيين"، موضحا ان المسلحين "دفعا باب الصحيفة وتوجها الى غرفة البث". بحسب فرانس برس.

وتابع ان رومان "لم يكن يوجه انتقادات حادة بل كان يتحدث عن قضايا زراعية". وقالت الصحف المحلية ان المتابعين سمعوا اطلاق الرصاص الذي اصاب وجهه ثم صراخ ثلاثة اشخاص آخرين كانوا موجودين ولم يصابوا باذى، وهم يرددون "لقد قتلوه". ولاذ القاتلان بالفرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/تشرين الثاني/2014 - 23/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م