ايران.. التشدد اللامشروع يبث الذعر في المجتمع

 

شبكة النبأ: ايران كغيرها من الدول الاخرى تعاني الكثير من الازمات والمشاكل الداخلية المتفاقمة بسبب الخلافات والصراعات السياسية، التي اثرت بشكل سلبي على الحياة العامة في هذه الدولة، إذ تعد إيران بحسب بعض المراقبين إحدى أكثر الدول تشددا في فرض بعض القيود والقوانين داخل المجتمع، خصوصا وان بعض المسؤولين في قيادة الدولة والمنظمات و الاحزاب السياسية، قد سعت الى تطبيق بعض التشريعات الإسلامية التي اعتبرها الكثير تشريعات متشددة، تهدف الى تضييق الخناق على افراد الشعب وخصوصا تلك التي تتعلق بحقوق و واجبات المرأة حيث لا تزال تعاني من التمييز وتقييد الحريات، وهو ما اعتبره بعض المراقبين من اهم التحديات التي تواجه الرئيس حسن روحاني، الذي يُعرف بأنه شخصية واقعية ومعتدلة تسعى إلى تحقيق طفرة إصلاحية في ايران.

وفي هذا الشأن عارض الرئيس الإيراني حسن روحاني مشروع قانون يمنح المزيد من الصلاحيات لجماعات الرقابة الأهلية التي تشرف على تطبيق الأخلاق الإسلامية ليعيد التأكيد بقوة على جدول اعمال معتدل تراجع التركيز عليه منذ انتخابه العام الماضي. ويمنح مشروع القانون الذي اقترحه المشرعون المحافظون الذين يسيطرون على البرلمان حماية قانونية للمواطنين الذي يفرضون بأنفسهم قواعد الزي الإسلامي وغيرها من السلوكيات التي تحض عليها الشريعة في ايران.

ومن شأن مشروع القانون لو أقر أن يعزز سطوة جماعات المراقبة الاهلية وخصوصا الباسيج وهم ميليشيات مدنية من المتطوعين غالبا ما تجوب دورياتهم الشوارع وتوقف السيارات لاستجواب ركابها من الرجال والنساء عن علاقتهم مع بعضهم ما بات يثير استياء كثير من الإيرانيين. وعبرت حكومة روحاني عن معارضتها لمشروع القانون على اعتبار أنه سيفاقم التوتر في مجتمع مستقطب بالفعل بين متشددين ومعتدلين غير أن تصريحات الرئيس الإيراني كانت الأقوى في هذا الشأن حتى الآن.

وقال روحاني لجمهور حاشد ضاق به ملعب رياضي في اقليم زانجان في شمال البلاد "إن الدعوة المقدسة إلى الفضيلة ليست حقا قاصرا على مجموعة مختارة من الناس.. حفنة تتخذ موقف الناصحين وتتصرف كأوصياء. من واجب جميع المسلمين الحض على المحبة واحترام الآخرين والكرامة الانسانية." وأضاف بصوت غلب عليه التأثر "سنندم على اليوم الذي يقود فيه البعض مجتمعنا إلى عدم الامان ويزرعون الفتنة ويتسببون بالانقسامات وكل هذا تحت راية الإسلام."

وفاز روحاني -وهو رجل دين- بأغلبية ساحقة ومفاجئة في الانتخابات الرئاسية العام الماضي من خلال برنامج يبتعد عن المسار المتشدد الذي سار عليه سلفه محمود أحمدي نجاد ويسعى لتخفيف التوتر مع الغرب. ورغم نجاحه في إعادة طهران إلى المفاوضات لمعالجة المخاوف الدولية حيال برنامجها النووي لكن لا توجد علامة تذكر على إصلاحات اجتماعية داخل إيران. ويأتي خطاب روحاني الذي بث مباشرة على التلفزيون وسط غضب عام جراء سلسلة هجمات بمواد كاوية في اصفهان على نساء لا يرتدين الحجاب بشكل سليم مما أثار استنكارا واسعا حتى من رجال دين متشددين. بحسب رويترز.

وقال أمام الجمهور الذي كان يلوح له وحيث كانت نساء يقفن في مكان مخصص لهن "سنندم على اليوم الذي سنرى فيه الرذيلة تتجلى فقط في الحجاب غير السليم بينما نتغاضى عن الكذب والافتراء والفساد والرشوة كرذائل أكبر." وأضاف "أريد أن تؤدي تصرفات برلماننا الى مزيد من الوحدة ومزيد من التماسك ومزيد من الوظائف لشبابنا. لا توجد رذيلة أكبر من البطالة والفقر والافتقار إلى فرصة الحصول على تعليم جيد."

ذعر في اصفهان

في السياق ذاته اثارت هجمات اخيرة بالحمض على نساء في اصفهان في وسط ايران الذعر مع شائعات مفادها ان الضحايا لم يحترمن وضع الحجاب، على ما نقلت وسائل الاعلام المحلية. واعلن مساعد قائد الشرطة الجنرال حسين اشتري "سجلت اربع هجمات بالحمض. اوقف عدد من المشتبه بهم والتحقيق مستمر"، على ما نقلت وكالة الانباء الايرانية الرسمية. غير ان اشتري لم يؤكد ان الهجمات استهدفت نساء لم يحترمن قواعد اللباس الاسلامي وتغطية الراس. واضاف ان "الضحايا لم يكن من طبقة او مجموعة معينة" من السكان.

وتكثفت هذه الهجمات النادرة جدا في ايران في السنوات الاخيرة في باكستان وافغانستان والهند حيث يريد المهاجمون معاقبة الضحايا على "تلطيخ شرفهم" او شرف عائلاتهم بسلوك "فاضح". وتحدثت رسائل تم تناقلها في الايام الاخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي عن 6 الى 13 هجوما بالحمض استهدفت "نساء يقدن السيارة ولم يضعن الحجاب كما ينبغي" وطلبت من السائقات "الاحجام عن ترك نافذتهن مفتوحة".

وادان رجل دين كبير في مدينة اصفهان التاريخية الجاذبة للسياح هذه الهجمات، مؤكدا ان القانون والشريعة "لا يجيزان اعمالا كهذه"، بحسب وكالة الانباء الطلابية. وصرح حجة الاسلام محمد تقي رهبر ان "عملا كهذا مدان تحت اي ذريعة كان. حتى لو خرجت امراة الى الشارع باسوأ طريقة، لا يحق لاحد فعل امر مماثل". وروت سيدة مقيمة في اصفهان للوكالة "اقود والنوافذ مغلقة واصاب بالذعر كلما سمعت صوت دراجة نارية تقترب".

ونقل موقع جام -اي-جم الإخباري الرسمي عن حسين أشتري أحد قادة الشرطة في أصفهان قوله إن أربعة اعتداءات حصلت على الأقل لكن التقارير غير الرسمية تشير إلى أن عدد الحوادث وصل إلى 11. وعبر أشتري عن شكوكه في أن الفاعلين ربما يعانون "اضطرابات عقلية".

وأظهرت الصور التي نشرتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إيرنا) نساء تغطيهن الضمادات ويستلقين على أسرة مستشفى. وأوردت الوكالة في وصف الحوادث أن امرأة تبلغ من العمر 28 عاما فقدت فجأة السيطرة على سيارتها اثر توقفها عند تقاطع للطرق. واضافت الوكالة "أصيب الجميع بالصدمة عندما رأوا الشابة تصرخ لقد احترقت.. لقد احترقت." وقال شاهد إنهم رأوا المرأة تخرج من سيارتها وتخلع غطاء الرأس. وأضافت الوكالة إن "المادة الكاوية المستخدمة كانت ذات كثافة كبيرة إلى حد أن ثياب الشابة كانت تذوب كما تسببت المادة ببقع بيضاء على الأسفلت."

وتستقطب إصفهان التي يسكنها أكثر من 1.5 مليون شخص الكثير من السياح بفضل مواقعها الأثرية. وعلى الرغم من تسبب الهجمات بالخوف لدى عدد من نساء المدينة لكن البعض الآخر أبدى إصرارا على تحدي القوانين الصارمة. وقالت سميرة (30 عاما) وهي مدربة في صالة ألعاب رياضية من إصفهان "أنا لست خائفة ولن أغير اسلوب ارتدائي لملابسي فعلينا أن نقاوم هذا النمط من التفكير." بحسب رويترز.

الى جانب ذلك عدت السلطات السياسية والقضائية الايرانية بانزال "اقسى عقوبة" في المسؤولين عن هجمات بالحمض طالت نساء في اصفهان (وسط) وسببت حالة ذعر في البلاد، كما ذكرت وسائل الاعلام الايرانية. وقال الرئيس الايراني حسن روحاني خلال اجتماع لمجلس الوزراء ان "الناس يجب الا تكون لديهم اي شكوك بان الحكومة تفعل ما بوسعها لتوقيف المسؤولين عن هذه الجرائم وتسليمهم الى القضاء"، مؤكدا ان "اقسى عقوبة تنتظر مرتكبي هذه الجرائم".

وعبر الرجل الثاني في السلطة القضائية غلام حسين محسني ايجائي المكلف هذا الملف عن الرأي نفسه. وقال انه "عمل لا انساني وغير قانوني وغير مشروع ومخالف للاسلام". واضاف محسني ايجائي الذي زار اصفهان للاشراف على عمليات الاجهزة القضائية وقوات الامن "على الجميع تقديم المساعدة لوقف المسؤول او المسؤولين الذين سيواجهون اقسى عقوبة". وقال روحاني ومحسني ايجائي انه عمل "افساد في الارض" وهي تهمة يعاقب عليها القانون بالاعدام في ايران.

ارتفاع معدلات الطلاق

على صعيد متصل دأبت العائلات الايرانية على اغداق الاف الدولارات على حفلات الزفاف التي طالما اعتبرها الأهل أهم المناسبات السعيدة ولكن الان ينفق البعض ببذخ للاحتفال بفسخ هذا الرباط فيما يعرف بحفلات الطلاق. وحفلت وسائل الاعلام الايرانية والمدونات في الاشهر الاخيرة باخبار حفلات تقام بمناسبة انفصام عروة الزواج لا يقصر منظموها في تحضير دعوات ساخرة وكعكة مضحكة. وانتشرت الظاهرة في طهران ومدن كبرى اخرى مما دفع رجل دين ليصب لعناته على من يقيمون مثل هذه الحفلات.

ورغم ذلك تظل حفلات الطلاق مؤشرا على اتجاه لا يمكن انكاره وهو زيادة حالات الطلاق في ايران. ومنذ عام 2006 ارتفع معدل الطلاق أكثر من مرة ونصف المرة إذ تنتهي نحو 20 بالمئة من الزيجات بالانفصال. وتفيد الاحصاءات الرسمية ان أكثر من 21 الف دعوى طلاق اقيمت في أول شهرين من السنة الفارسية (من اواخر مارس آذار إلى اواخر مايو ايار). وفي الشهر الماضي نقلت وكالة انباء الطلبة عن مصطفى بور محمدي وزير العدل الحالي وهو ايضا رجل دين قوله إن نظر 14 مليون دعوى طلاق أمام القضاء "لا يتناسب مع النظام الإسلامي".

وتتعدد أسباب الطلاق في ايران مثل غيرها من الدول وتشمل المشاكل الاقتصادية والخيانة وادمان المخدرات والعنف البدني. ولكن خبراء يقولون ان ارتفاع معدلات الطلاق يشير إلى تغير كبير في المجتمع إلإيراني. وقال حامد رضا جالايبور استاذ الاجتماع بجامعة طهران "نمت النزعة الفردية في ايران كثيرا لا سيما بين النساء. ارتفع المستوى التعليمي للنساء وقدرتهن المالية." وتابع "في الماضي كانت المرأة المتزوجة تتحمل اي منغصات ولكن الآن تقرر الانفصال حين لا تكون سعيدة. لم يعد من المحظورات."

وتقول ايرانية (41 عاما) حاصلة على شهادة في الكيمياء وتعمل في العلاقات العامة في مصنع بطهران انها حصلت على الطلاق من زوجها المدمن بعد أربعة أعوام من التقاضي. وقالت مشترطة الا ينشر اسمها "لا يعجبهم ان تطلب المرأة الطلاق" وذكرت انها تعيش في سعادة غامرة منذ طلاقها قبل عام. وتضيف انها لم تحضر ايا من حفلات الطلاق التي انتشرت في طهران ولكنها استطردت قائلة "دعوت عددا من صديقاتي للاحتفال حين أضحى طلاقي نهائيا."

ويقول محامون ان القانون الايراني هو عادة في صالح الرجل لكن معظم دعاوى الطلاق التي تصل الى ساحة القضاء في الوقت الحالي تنتهي باتفاق ودي بين الزوجين على الانفصال. وفي الحالات التي يرفض فيها الزوج الطلاق ينبغي على الزوجة ان تثبت تعرضها لسوء معاملة او ان الزوج يعاني من مشاكل نفسية اوغير قادر على القيام بواجباته الزوجية كي تحصل على الطلاق.

ويقول محسن محمدي رئيس مجموعة ياسا للمحاماة في طهران "ارتفع عدد قضايا الطلاق لمستويات غير مسبوقة خلال العامين الماضيين." وتابع "لم نكن نهتم بقانون الأسرة والطلاق ولكن نظرا لتزايد دعاوى الطلاق ينبغي دراسة الأمر. أكتسب الجانب القانوني لقضايا الأسرة والطلاق أهمية كبرى في إيران." ويقول خبراء إنه لا يلوح في الافق اي تغير للاتجاه العام الذي يسهم في زيادة معدلات الطلاق وهو زيادة اعداد النساء المتعلمات والعاملات.

وذكرت وكالة انباء الجمهورية الإسلامية من واقع السجلات الرسمية ان الطالبات يمثلن 60 بالمئة من عدد من التحقوا بالجامعات في السنة الدراسية الحالية. ويقول خبراء إن الزواج لم يعد أولية لخريجات الجامعة لانهن قادرات على ايجاد فرص عمل وحتى ان تزوجن فان الانفصال سيكون أيسر اذا واجهن مشاكل في زيجاتهن كما يمكنهن الاعتماد على أنفسهم ماليا بسهولة. ويقول كيفان هاريس المدير المشارك لمركز الدراسات الايرانية ودراسات الخليج الفارسي بجامعة برينستون "لم يعد الأمر قاصرا على الطبقة المتوسطة أو النخبة في شمال طهران. لا ينظر لطلب الطلاق على انه تأثير الغرب على الطبقة العليا." وتابع "السبب تغيرات داخل المجتمع. تقاس قوة المرأة بمؤهلاتها وخبراتها. اذا كان الاتجاه يقتصر على الطبقة العليا لم نكن لنرى مثل هذه الاعداد الكبيرة." بحسب رويترز.

ويقلق ارتفاع معدلات الطلاق مسؤولي الحكومة في ايران في ظل انخفاض معدل المواليد. وفي العام الماضي اقترحت لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان تخصيص مبلغ 1.1 مليار دولار لتيسير الزواج ولكن البرلمان لم يقر الاقتراح. ونقلت وكالة مهر للانباء عن رئيس اللجنة عبد الرضا عزيزي قوله "إذا كان أعضاء البرلمان والمسؤولون يتعاطفون مع الشبان سيقرون مثل هذه المقترحات." وأثار اقتراح آخر بانشاء وزارة للزواج والطلاق جدلا أوسع وانتقده مسؤولون قائلين إن الوزارة الجديدة ستعقد الاجراءات البيروقراطية أكثر ولن تعالج مشكلة ارتفاع معدلات الطلاق. ومهما كانت الاجراءات التي ستتبناها الحكومة فانها لن تغير اتجاها جديدا يتقبل الطلاق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الثاني/2014 - 16/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م