فريد زكريا...مغالطات تحليلية وأخطاء معرفية بحق العراق

مهند حبيب السماوي

 

تضج الصحافة الغربية والعربية ومراكز دراساتها وبحوثها بالكتابة الزاخرة حول كل مايتعلق بتنظيم داعش وسر مكامن قوته العسكرية وتقدمه واحتلاله بعض المناطق في العراق وسوريا، بالاضافة الى الطرق المثلى والاساليب الصائبة لمواجهته والوقوف بوجه اهدافه الخطيرة وتطلعاته التخريبية التي تتجاوز حدود الجغرافيا المتعلقة بالشرق الاوسط الى اماكن بعيدة تصل الى عمق اوروبا وفقا لأوهام وهواجس بسط الخلافة والدولة الاسلامية "المزعومة" التي تعتبر رجالات داعش ممثليها، وزعيم تنظيمهم ابو بكر البغدادي خليفة الله على الارض في هذا العصر!

وسائل الاعلام المختلفة تطالعنا كل يوم، وربما كل ساعة، بتحليل جديد حول أزمة داعش التي تشغل الدنيا هذه الايام، بسبب الادراك المتأخر، برغم تحذيرات العراق، لحجم المخاطر المترتبة على تحركات التنظيم وعدم الاستجابة الفورية لتحدياته والقضاء عليه واستئصال وجوده، وبالنتيجة تخليص العالم من شره ورذائل افعال افراده.

وآخر ما طالعتنا به الصحافة الورقية هذه المرة، هو قراءة المحلل السياسي فريد زكريا الذي يعتبر الآن من الشخصيات الشهيرة المختصة بالعلاقات الدولية والسياسات الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالعراق خصوصا، وهو مقدم برنامج GPS على قناة الـ CNN، وتُقرأ تحليلاته باهتمام بالغ وتحظى بعناية خاصة من قبل وسائل الاعلام العالمية والعربية.

في مقالته المنشورة الاسبوع الماضي في صحيفة واشنطن بوست، يشير فريد زكريا، وفي معرض بحثه عن حل لمواجهة داعش، الى ان " الاستراتيجية الوحيدة التي لها فرصة في النجاح في مواجهة داعش هي استراتيجية الاحتواء والتعزيز"، موضحا ان هذه الاستراتيجية، التي لديها املا في النجاح تتألف من عاملين مهمين هما " المكون العسكري وهو المكون الضعيف حاليا، بالإضافة إلى المكون السياسي وهو المكون غير الموجود أصلا في الوقت الحالي".

كما ترتكز هذه الاستراتيجية، في رؤية زكريا على " دول الجوار المستعدة للقتال عسكريا وسياسيا" والتي يعتقد زكريا انها تتعرض " للتهديد بصورة أكبر من التهديد على الولايات المتحدة الأمريكية، وبالأهم كل من العراق والأردن ولبنان وتركيا ودول الخليج".

ثم يعرج المحلل، الامريكي الجنسية والهندي الاصل، الى شرح مكامن المشكلة مع تنظيم داعش فيفاجأنا قائلا "إن أساس المشكلة في سوريا والعراق هو انتفاضة السنة ضد الحكومة في بغداد ودمشق واللتان تعتبران من وجهة نظر هذه الطائفة عدائية ومرتدة ".

اما التحدي الاكبر من وجهة نظر زكريا فيكمن في" تقديم الحكومة العراقية للمزيد من التنازلات لأبناء الطائفة السنية ليتم إدراجهم في القتال وهو الأمر الذي لم يحصل لغاية الآن."

أدناه بضعة ملاحظات بسيطة اسوقها على بعض مضامين مقالة الاستاذ فريد زكريا...

اولا:

لم يأت زكريا بشيء جديد فيما يتعلق بكيفية التعامل مع تنظيم داعش، فهذه الاستراتيجية التي أطلق عليها "الاحتواء والتعزيز " هي استراتيجية تقليدية وليست جديدة او مبتكرة، فأغلب الكتّاب والباحثين يعتقدون أن حل مشكلة داعش يجب ان تتضمن بعدا سياسيا بالاضافة الى البعد العسكري، ولن ينجح احدهما دون الآخر، فلا السياسة وحدها قادرة على القضاء على داعش واحتوائه، ولا العمليات العسكرية تستطيع ان تستأصل شأفة هذا التنظيم.

ثانيا:

من وجهة نظري ان العاملين المطروحين في النظر لمشكلة داعش غير كافيين، ولن يجديان نفعا في الحد من ظهور دواعش جدد، اذ هنالك عامل آخر ينساه العديد ممن ينظرون لهذه المشكلة، وهي ان تنظيم داعش هو تنظيم اسلامي ايديولوجي متطرف يعتمد على افكار دينية معينة مستقاة من التراث الاسلامي السني، ولابد إذن من التدقيق فيها والتحري عن مصداقيتها ومعالجتها وتصحيح الاخطاء الواردة هناك والتي يتبناها هذا التنظيم على نحو يقيني، ولذا يمكن اضافة البعد الديني الى البعدين العسكري والسياسي في النظر لحل مشكلة داعش، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان البعد الديني يحتاج لوقت ليس بالقصير وعقول منفتحة عقلانية تتقبل التغيير.

ثالثا:

هل تناسى زكريا ماكتبه الشهر الماضي في صحيفة واشنطن بوست، وهي يرد على تصريحات المضيف التلفزيوني بيل ماهر في البرنامج الأسبوعي الذي يقدمه، والذي قال أن العالم الإسلامي لديه الكثير من القواسم المشتركة مع التنظيم الإرهابي "داعش"، ورد عليه زكريا واشار الى خطأ تصريحات "ماهر" حول الدين الإسلامي على هذا النحو الذي اثاره في البرنامج، إلا أن فريد زكريا عطف على ذلك بالقول، وهو مايهمنا هنا، " اننا ينبغي أن نكون صادقين، فالإسلام لديه مشكلة اليوم!" و هو ما يسمى "بسرطان التطرف داخل الإسلام "، وهي النقطة المهمة التي تتعلق بالجانب الايديولوجي الديني في تنظيمات داعش وامثالها ممن تتبنى العنف وتلجأ للاجرام في تحقيق اجنداتها، وقد نساها زكريا في تحليله الاخير حينما كشف عن استراتيجية محاربة داعش.

رابعا:

ينظر زكريا لقضية داعش، وللسنة ايضا، من خلال الدمج بين حكومة بغداد ودمشق، والنظر لهما بعين واحدة لاتميز بين الحكومتين ولا تضع حدا فاصلا بين التجربة السياسية في العراق ونظيرتها في سوريا، فيعتقد، على نحو بعيد عن الصواب، ان اساس المشكلة هو انتفاضة السنة ضد حكومتي بغداد ودمشق التي هي، برأي السنة، مرتدة وعدائية!. وهنا أجد من الغرابة جدا ان لايمتلك زكريا عينا فاحصة تميز بين حكومة بغداد وحكومة دمشق من جهة، ووضع السنة لديهما من جهة ثانية، والتمييز الحاد بين السنة وداعش من جهة ثالثة.

حكومة بغداد حكومة ديمقراطية منتخبة يشترك فيها كل فئات ومكونات الشعب العراقي، وهي تختلف عن حكومة دمشق التي يعرف الجميع كيف حدث فيها الانتقال السياسي للسلطة للرئيس الحالي بشار الاسد، ولذا من الاجحاف تماما النظر اليها من زاوية واحدة تطابق بينهما تماما.

كما ان وضع السنة مختلف جدا في العراق ودمشق، فالسنة في العراق يمتلكون رئاسة البرلمان ولديهم نائب لرئيس الجمهورية وآخر لرئيس الوزراء وعدد من الوزارات المهمة ومنها سيادية كالدفاع والتخطيط، وهو أمر لانجد له نظير في حكومة دمشق، ونتيجة هذه الحقيقة يصبح وجهة نظر زكريا التي تقول بان السنة ينظرون الى حكومتي بغداد ودمشق على انها معادية ومرتدة ضربا من الاوهام...

ربما هنالك بعض السنة في العراق، وبسبب بعض التعقيدات التي رافقت المرحلة السابقة، ناهيك عن الدعايات والتضليل الاعلامي المقصود، يعتقد ان حكومة بغداد معادية لهم وتستهدفهم، لكن هنالك في المقابل الكثير من السنة ممن ينظر بإيجابية للحكومة ويتمنى تحقق الاستقرار والامن فيها، ويرى ان قادته السياسيين في اعلى المناصب وهم شركاء في الحكومة.

اما ان ينظر السنة للحكومة في بغداد ودمشق على انها مرتدة، بحسب رأي زكريا، فهذا هو الخلط والخطأ الفظيع الذي يرتكبه زكريا في تحليله، اذ انه لايميز بين السنة وداعش! ويتحدث عن داعش تحت تعبير السنة ! ويستخدم عبارات واصطلاحات الاسلام السياسي التاريخي ومنها عبارة "مرتدة"...مع ملاحظة ان السنة في العراق غير مجمعين على هذا الوصف ولايوافقون على اطلاقه اصلا.

خامسا:

لو ان مشكلة داعش ترتبط بتعامل حكومة بغداد ودمشق مع السنة..اذن لماذا داعش يشكل تهديدا كبيرا، وكما يعترف زكريا نفسه، لدول الخليج والأردن ولبنان وتركيا... وهي دول تمتلك، باستثناء لبنان، اغلبية سنية واضحة لاشك فيها !..فلماذا داعش يهدد دول الخليج ؟ ويحاول اجتياح الاردن واحتلاله واسقاط تركيا مستقبلا وهي دول توصف بانها سنية؟

اذن القضية لاتتعلق بظلم السنة في دولة ما، القضية أكبر من ذلك، واعمق، واكثر من مجرد تذمر فئة معينة من الناس من نظام سياسي ما، انها مشكلة بل أزمة تتعلق بفئة تحتكر تفسيرا معينا للدين مستندة الى نصوص لايشك احد في وجودها في التراث تحاول السيطرة على الحكم واستعادة نظام الخلافة الاسلامية الذي يتجاوز حدود القطرية ويتعدى الدول زاحفا نحو العالمية بواسطة منهاج ديني وبرنامج واضح ومحددة المعالم يمتلك افراده ايمانا وعقيدة تدفع بعضهم الى قتل انفسهم في سبيل هذه العقيدة.

سادسا:

التحدي الاكبر الذي يراه زكريا في الازمة الحالية لايتعلق بالمجال العسكري او الديني المتعلق بالنظر لمشكلة داعش وانما يكمن في تقديم " تنازلات " من قبل الحكومة العراقية لأبناء السنة من اجل ان يقاتلوا الدواعش... وهو امر، من وجهة زكريا لم يحصل لحد الان، وليتني اعلم كيف يفكر زكريا في هذه النقطة المتعلقة بمواجهة داعش...هل يحتاج اهل السنة الى "تنازل" سياسي من قبل الحكومة لكي يقاتلوا من قتل ابناءهم ؟ واستباح ارضهم ؟ وهجّر عوائلهم ؟ ودمر بيوتهم؟

كان الاجدى بزكريا استخدام لفظ " مساعدة " بدلا من تنازل فيما يتعلق بالحكومة العراقية، وحينها ساتفق معه تماما على هذا الموقف، اذ المطلوب من الحكومة ان تقف مع ابناء جميع المناطق، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية، من اجل ان يقفوا بوجه مسلحي داعش ومقاتلتهم ومنعهم من السيطرة على مدنهم، ويشمل هذه المساعدة تقديم كل المقومات الضرورية التي يستطيع من خلاله المواطن ان ينتصر في هذه الحرب التي حصدت من ارواح الشعب العراقي الكثير الكثير.

زكريا لايضع في تفكيره، وهو يقدم هذا التحليل، ان الحكومة العراقية حكومة شاملة لايخلو منها مكون كبير من مكونات الشعب العراقي مع اختلاف المناصب والمواقع التي اقتضتها نتائج الانتخابات، ولذا فهنالك من يمثل السنة ايضا في الحكومة العراقية وعليه ان يوجه لهم العتب ويلقي عليهم اللوم ويحملهم المسؤولية ايضا، فالمحافظات ذات الاغلبية السنية تحكمها حكومات محلية " سنية " وفيها شرطة وقوات امنية من الطائفة "السنية" وعليهم ايضا، بالاضافة الى الحكومة الاتحادية، الدور الكبير فيما وصلت اليه الامور في محافظاتهم. ولا يمكن ايضا ان نغفل دور عشائر المحافظات "السنية" التي لديها سطوة وقوة وسلطة على الارض تستطيع من خلالها الوقوف بشدة بوجه هذا التنظيم.

سابعا:

ان تحليل زكريا حول ستراتيجية محاربة داعش يتناقض مع تصريحات اطلقها الشهر الماضي والتي اشار فيها الى إن تركيا تعتبر المفتاح المركزي في الاستراتيجية الدولية ضد داعش، موضحا، في تصريحات نقلتها وسائل الاعلام، الى انه اذا انضمت تركيا الى التحالف الدولي ضد داعش " ستبدأ من القوة الجوية وتركيا لديها سلاح جو قوي، إلى جانب المطاردات التي يمكن للجيش التركي القيام بها دون البقاء على الأراضي السورية بل تنفيذ هذه العمليات والعودة إلى أراضيهم"، وفي تصريحاته هذه لم نجد اي دور رئيسي للحكومة العراقية او تنازلات تقدمها للسنة لكي تنجح الاستراتيجية الجديدة.

ثامنا:

برغم كل الدعم الدولي غير المسبوق للحرب ضد داعش، والتي أدت الى تحشيد عالمي ضد هذه العصابات الاجرامية، فان الحرب تبقى، فيما يتعلق منها بالاراضي العراقية، حربا عراقية خالصة ولايمكن ابدا ان نعتمد في هذه الحرب على القوات الامريكية البرية التي رفض، وفي اكثر من تصريح صحفي، رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي ان يكون لها موطئ قدم في العراق، ولايمكن ايضا ان نعتمد على دول الخليج العربي التي هي غير مستعدة ان تنزف قطرة دم واحدة من اجل حرب داعش...فالأمر كله بيد العراق وكل العوامل الاخرى هي مساعدة مهما كانت مهمة ومحورية...

هي حرب تعتمد على قدرات العراق الذاتية وارادته العسكرية ويتعلق نجاحها ويرتبط بالجهد العسكري والاستخباري والامني للقوات الحكومية التي تقاتل داعش التكفيري ناهيك عن استئصال بؤر الفساد والارهاب في بعض مفاصل القوات الامنية والعسكرية التي تقف، مع داعش، في الصف المعادي للعراق.

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الثاني/2014 - 16/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م