المشاريع الثقافية بين التنافس والصراع!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الثقافة من دون مشاريع ثقافية مخطَّط لها بعناية وتركيز، فكرا وتطبيقا، تبقى بلا حول ولا قوة، إسمها موجود نتداوله بألسنتنا، وفعلها غائب، نشعر بغيابها ونراه بأعيننا!، لذلك لا دور للثقافة من دون مشاريع يضعها أهل الثقافة ومن يعنيهم أمرها، وهم الذين يشرفون على تنفيذها، ولكن غالبا ما ترافق ذلك إشكاليات ذاتية، بين مرحلتي التخطيط والتطبيق، هذه الاشكاليات ستكون سببا في تعويق المشاريع الثقافية، إن لم ينتهِ الأمر بتدميرها كليّا.

فما هي أسباب العقبات التي تقف بوجه الثقافة، وما نوع ودرجة تأثير تلك الاشكاليات، ولماذا تنتهي المشاريع الثقافية للفشل أو العدم، ومن ثم انعدام تأثيرها في حياتنا التي هي أحوج ما تكون الى الحضور الثقافي، والتفعيل الفكري الاستثنائي الذي يستنهض طاقات الناس، ويزج بهم في مساحات السمو وانفتاح الوعي، ومن ثم الوصول الى مرتبة من العيش، تتسق مع ما يحدث في العالم من تطورات هائلة ومستجدات على مدار الساعة.

المعوقات قد تتنوع وتتعدد بتنوع وتعدد الاشكاليات الذاتية، والأخيرة غالبا ما يكون مصدرها فريق العمل المشرف والمخطط للمشروع الثقافي بصورة فردية او جماعية، فالنفس البشرية كما هو مثبت مجبولة على التنافس وتمجيد الذات وتضخيمها، وانتهاز الفرض لعرض كينونتها على أنها الأفضل والأكثر ابداعا وانجازا من سواها، قد يصح هذا الوضع وهذا التوصيف النفسي والعملي على جميع مجالات الحياة العملية، او تلك التي تتيح مجالا للتنافس من اجل التفوق في تحقيق الذات، ولكن فيما يتعلق بالثقافة ومجالاتها المتعددة، لابد أن يكون الانسان هنا في مأمن من إشكاليات الذات، ولا نعني هنا التنافس المسموح به، بل نعني الصراعات التي قد تتسبب بها الطموحات الشخصية المبالَغ بها.

من هنا ليس أمام المثقف طريق آخر سوى تجاوز الإشكاليات الذاتية وتروضيها، ومن ثم جعلها سببا يدفع المثقف نحو الانجاز الافضل من خلال المشاركة الفعالة في انجاز المشاريع الثقافية، ليس من اجل تلميع الذات وتضخيمها، بل من اجل الإسهام في تطوير مجتمع واعٍ مثقف، يرفض الصراعات ويحترم التنافس الحر، ويحث نفسه على الانتقال من مرتبة ادني الى اعلى دائما، وهذا يتطلب اجراءات فعلية كثيرة أهمها:

- أن يتحلى المثقف بملَكة الإيثار، ويتمكن من نفسه بدلا من حدوث العكس.

- المشروع الثقافي القائم على العمل الجماعي لا يحتمل الصراع قط.

- أولوية الانجاز الجماعي تفوق بأهميتها الذات الفردية في جميع الاحوال.

- عندما يكون المثقف قادرا على التنافس الحر ستكون النتائج مضمونة لصالح الثقافة والمثقفين معا.

- دحض الصراع، وتقديم التنافس كسلوك ذي أرضية فكرية ثابتة، سينتقل بلا أدنى ريب الى القاعدة المجتمعية الأوسع، وهو ما يحقق تطورا ملموسا في نظرة الناس لما هو اكثر بعدا وفائدة، وهذا ما يقود الى تحقيق قفزة في التفكير والسلوك المجتمعي.

- أن لا تتفوق الذات الفردية على الذات الجمعية، وهذا يقع على عاتق المثقف قبل غيره.

- وعندما يتم تحييد إشكاليات الذات المثقفة، ودفعها نحو التنافس الحر، لن يكون هناك خوف على المشاريع الثقافية، لأن الصراع سينتفي بكل اشكاله.   

وأخيرا، سوف يفهم ويعي المثقفون تلك الفائدة الكبرى من العمل الجماعي القائم على الانجاز الثقافي الأفضل، وهو في جميع الاحوال يشكل بديلا أرقى من الصراع المعَدّ لإثبات الذات الفردية على حساب الذات الجمعية المثقفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/تشرين الأول/2014 - 27/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م