الجيل الرابع من الحروب وخلق الدول الفاشلة

الحواضن "الجهادية" في الدولة الفاشلة

جاسم محمد

 

الدولة الفاشلة هي تلك الدولة الضعيفة أو التي تفقد السيطرة على أراضيها، وتفقد تامين الحماية الى ثرواتها الطبيعية والبشرية. ان استمرار ومطاولة الفوضى في دول المنطقة من شأنه ان يخلق دول فاشلة بانهيار مؤسساتها، ويحول ابنائها لان تقاتل بالوكالة لصالح أطراف خارجية. الدول الفاشلة، حسب تعريف الباحث "نعوم تشومسكي" هي الدول غير القادرة في حماية مواطنيها من العنف. اما "مايكل مازار" فيقول في احدى دراساته "لقد وجدت الولايات المتحدة ضالتها في خطر "الدولة الفاشلة" الذي بدأت في الترويج له، كونه تراه أبرز مصادر تهديد الأمن القومي الأمريكي، بل وتهديد السلم والأمن الدوليين". وهذا ماجعل وجود ترابط مابين وجود التدخل الاميركي في العالم والمنطقة وفشل الدول، ابرزها الصومال وافغانستان والعراق واليمن. الكاتب الفلسفي زهير الخويلدي يقول في دراسته "لا يشكل الارهاب ظاهرة استثنائية وعارضة بل يدخل في صلب وجودنا الفردي والاجتماعي، تتنوع أشكاله المفرطة والعنيفة وتبلغ حدا يصبح معه من العبث الحلم بإمكانية القضاء عليه".

 التنظيمات القاعدية "الجهادية" توجد دائما في الدول الفاشلة او تلك الدول التي تعيش تحت معدلات الفقر، يعتبر العراق على سبيل المثال من الدول الغنية، لكنه يصنف دولة فاشلة بسبب التراجع الذي شهدته الدولة العراقية، وابرز الاسباب هي الفساد والتسييس وغياب الهوية الوطنية. اما اليمن وافغانستان فربما ظروفهما الاقتصادية تختلف وممكن تصنيفهما بانهما من الدول الفقيرة بالاضافة الى الصومال، ليكون الفقر الى جانب الفشل السياسي ابرز الاسباب التي تعمل على ظهور التنظيمات "الجهادية" والمتطرفة.

فراغ السلطة

هذه التنظيمات تستغل فراغ السلطة، بفرض سيطرتها وتعاليمها الاسلاموية على المجتمعات وتطرح نفسها في البدء مدافعا عن حقوق الضعفاء، وتستقطب المقاتلين الجدد، لتتحول بعد ذلك الى مركز للحوكمة والسيطرة والتسلط عليها وهذا ما كان واضحا بانتشار طالبان في افغانستان والتنظيمات القاعدية الاخرى في الدول المذكورة. وبالتوازي مع هذه التنظيمات" الجهادية" تظهر مجموعات المسلحة الصغيرة او كبيرة على شكل الميليشيات، بعد ان تحصل على التمويل والدعم والتدريب بالاضافة الى تعاظم سطوة العشائر.

فعندما تفقد الدولة سلطتها على المدن والبلدات، تعطي فرصة الى ترعرع تلك الجماعات المسلحة و"الجهادية" بكل درجاتها وانواعها الى النمو، وتدريجيا تستقوي على سلطة الدولة والقانون، لتتحول المناطق التي تقع تحت سيطرتها الى حواضن وملاذات امنة تتكاثر فيها. يشار ان تنظيم القاعدة و"الدولة الاسلامية" تعتمد في عملها على الحواضن، وكثيرا ماتقوم هذه التنظيمات بالمصاهرة والتجانس والتعايش، هذه السياسة تؤمن لها التخفي والحماية ولتكون قياداتها غير ظاهرة على السطح مما يعطيها حماية اكثر. الجماعات "الجهادية" تقفز على مشاكل المجتمعات، لتضع نفسها بديلا، وتستغل سياسات التهميش والاقصاء والسياسات الخاطئة لنشرايدلوجيتها "الجهادية" لذلك هنالك اجماع عند المعنيين في مكافحة الارهاب وسيكولوجية الارهاب واسبابه، بان السياسات الخاطئة تلعب دورا رئيسيا في تحول الفرد الى هذه الجماعات بالاضافة الى العوامل الدافعة الاخرى.

العنف المضاد

ومن الاخطاء الظاهرة في مكافحة الارهاب في هذه الدول انها تستخدم القوة اي العمل العسكري بمفرده لمواجهة هذه الجماعات وهي ترتكب خطأ كبير في معالجة الارهاب بالعنف. العمليات العسكرية لوحدها لا تستطيع مواجهة الارهاب دون وجود حل او خيار سياسي يتركز على فصل الحواضن عن هذه الجماعات وان لاتؤخذ الحواضن والملاذات بجريرة التنظيمات والجماعات "الجهادية". لذا ينبغي ان تقوم الاستراتيجية العسكرية والامنية على الممارسات العقلانية ولا تقوم على الثأر والانتقام، التي يذهب ضحيتها الكثير من الابرياء خلال عمليات المداهمة والتحقيق. لذا بات ضروريا تجنب استخدام العنف المضاد لانه يزيد كثير من الكراهية والثأر.

هذه الجماعات تستغل سلوك وممارسات القوات النظامية في مناطق الفوضى، هي تبحث عن المواجهة لتضع نفسها بديلا عن المجتمعات وتحصل على متطوعين جدد. التقارير والتحقيقات كشفت إن الجماعات "الجهادية" أبرزها النصرة والقاعدة و"الدولة الاسلامية" رغم حصولها على التمويل، لكنها تراهن على المواجهة مع خصومها. وكلما اشتدت المواجهة كلما يصعد رصيد هذه الجماعات بتدفق المقاتلين والاموال. اليوم الارهاب اصبح كرة ثلج ماعاد ينتهي في منطقة الا ان يظهر في منطقة اخرى، رغم ان هذه التداعيات لم تكن بعيدة ابدا من اطراف دولية وإقليمية لاعبة في تحريك هذه الجماعات واشعال المنطقة. بعض الطروحات والدراسات النظرية تقول "المجتمع الديمقراطي في البلدان المتقدمة يأتي مكملا وامتدادا للدولة التي كانت في اصل نشوئه بالعكس من ذلك يأتي الحديث المتزايد عن المجتمع المدني في البلاد النامية كتعويض عن غياب المجتمع تماما وكرد على الفراغ الذي احدثه في الفضاء العمومي تفسخ الدولة وتحلل السلطة العمومية الى سلطة أصحاب مصالح خاصة وانهيار القاعدة قانونية والمؤسساتية للدولة والمجتمع معاً."

تجارب ناجحة في مكافحة الارهاب

تعتبر المملكة الاردنية من الدول التي نجحت في مكافحة الارهاب اقليميا ومحليا، رغم وجود دول اخرى وربما سبقتها مثل المملكة العربية السعودية بمواجهة تنظيم القاعدة ودولة الامارات العربية في مواجهة ارهاب الاخوان وخلابا القاعدة واخير النموذج المصري في مواجهة ارهاب الاخوان والقاعدة ايضا الذي ضرب بتداعياته المنطقة بالكامل. الحالة الاردنية تستحق الوقوف عندها كون المملكة الاردنية تحتضن بعض أبرز منظري الفكر "الجهادي" أبرزهم ابو محمد المقدسي، وفي الفترة الاخيرة ظهر الطلحاوي الذي لم يتردد ابدا بتأييده الى ممارسات "الدولة الاسلامية". يبرز دور المملكة أكثر لانها تحاط بمناطق ساخنة. الاردن وضعت خطط بالتوازي مع الاعتقالات والمراقبة مع إجراءات دقيقة عند المعابر الحدودية. ووضع الخطط والإجراءات الاحترازية الاستباقية، فهي لاتنتظر ظهور الارهاب، بل تحول دون ظهوره وتدفع به خارج المربع للعاصمة عمان.

استغلال شبكات التواصل الاجتماعي

احتلت إجراءات مكافحة الإرهاب اهتماما واسعا على مستوى الحكومات والمنظمات الدولية والاعلام. وأهم أنواع الإرهاب كان إرهاب القنابل البشرية الموقوتة والسيارات المفخخة. لقد انتشرت ثقافة التطرف الإسلامي "الجهادي" في اعقاب احداث 11 سبتمبر 2001، لتتحول القاعدة الى شبكة عمل واسعة وايدلوجية يمكن للشباب ركوبها في اي وقت، ليكون الإرهاب كامنا، يتحرك من خلال وسائل التأثير الخارجية. يعتبر الأنترنيت والمواقع "الجهادية" أولى العوامل المؤثرة لتحويل الارهاب من الحالة الكامنة ليتحرك على الارض.

الانترنيت والمواقع " الجهادية " تمنح الفرص الى معرفة التفخيخ وصنع المتفجرات ووسائل الاتصالات السرية. وتقع هذه المسؤولية على المجتمع الدولي والحكومات وكذلك الاسرة والمدرسة وتشترك جميعها بتحمل هذه المسؤولية. المشكل ان الكثير من الدول تنظر الى الارهاب بصورته المتحركة على الارض، اي بعد وقوع الحدث وهذا مايمثل تهديدا أخطر للأمن. ولا تنظر الحكومات له، على انه ارهابا كامنا و معرفة أسبابه ومسبباته وإتخاذ الإجراءات الوقائية، أي إحباط الإرهاب في مكامنه. يبقى التمويل العصب الرئيس في حياة هذه التنظيمات.

القرارات الدولية

تصدر من قبل الامم المتحدة وكذلك الاتحاد الاوربي والجامعة العربية ومؤسسات دولية اخرى الكثير من القرارات والتعريفات الخاصة بإرهاب، هذه السياسة والقرارات تصاعدت بعد احداث 11 سبتمبر 2001. لكن الاهم من القرارات هو ايجاد فعل من قبل القوى المحلية والاقليمية لمواجهة الارهاب. القرارات الدولية والاقليمية الصادرة من الامم المتحدة او الجامعة العربية او منظمة المؤتمر الاسلامي تبقى ضرورية بشرعنة والسياسات وبتنفيذ الخطط في مواجهة الارهاب التي تتضمن ايضا تعقب الاصول المالية والاشخاص المطلوبين، لذا تظهر ضرورة ايجاد التنسيق والتعاون الامني محليا واقليما.

المواجهة الفكرية

إن التنظيمات الجهادية تقوم أساسا على "العقيدة الجهادية" او الأيدلوجية في كسب المقاتلين وتبرير عملياتها التي تقوم في الغالب على استثمار الصور المروعة في أماكن النزاع من خلال اعلاميات جهادية مرئية ومسموعة، لذا يتطلب مواجهتها فكريا ايضا، بالحجة، من خلال التعاون مع مشايخ الوسطية، واعداد وتأهيل معنيين في الشريعة والفقه، تقوم بزيارة بعض المعتقلين المتورطين في عمليات إرهابية، وعرضها على الجمهور، كذلك اتباع الطرق الإستخبارية في إخضاع من تم اطلاق سراحه من المعتقلات للمراقبة مع توفير المساعدة له في إعادة التأهيل مهنيا واجتماعيا، المواجهة الفكرية ربما تأتي بنتائج إيجابية أكثر من المواجهة العسكرية مع تقليل نسبة خلق الخصوم المحتملة في أعقاب اي عملية في المجتمعات الحاضنة للإرهاب.

 المواطن احيانا يعيش مابين ارهاب الدولة وارهاب المجموعات المسلحة و"الجهادية" فالدولة ربما تكون هي المسؤولة عن فراغ السلطة وترك المجال للإرهاب، لذا لا خير في حكومة او دولة لا تستطيع حماية مواطنيها. إن استمرار الفوضى ومثلما تسميها تلك الجماعات "الجهادية" بـ"التوحش" من شأنه ان يخلق دولة مفككة يقاتل ابنائها بعضهم البعض بالوكالة لصالح اطراف اقليمية ودولية لتتحول سلطة الدولة الى مجموعات "جهادية" ومسلحة وامراء حرب مناطقية.

* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/تشرين الأول/2014 - 24/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م