داء السكري.. بين المخاطر المحدقة والعلاجات المؤملة

 

شبكة النبأ: يعد مرض السكري من أكثر الأمراض شيوعاً في العديد من دول العالم، ويتجاوز عدد المصابين بالسكري وبحسب بعض التقديرات أكثر من382 مليون مصاب والتقدير الأحدث من الاتحاد الدولي لمكافحة السكري يساوي معدل انتشار عالمي نسبته 8.4 % من عدد البالغين في العالم، ويزيد عن العدد المسجل في عام 2012 وهو 371 مليون مصاب. ويتنبأ الاتحاد بأن يقفز العدد بنسبة 55 % ليصل إلى 592 مليون مصاب بحلول عام 2035. وأشار الاتحاد إلى أن الوفيات بسبب المرض تبلغ حاليا 5.1 مليون وفاة سنويا، وخلص الاتحاد ايضا إلى أن مرض السكري يكبد العالم إنفاقا سنويا على الرعاية الصحية قيمته 548 مليار دولار، وأن هذا الرقم سيزيد على الأرجح إلى 637 مليار دلاور بحلول عام 2035.

ومرض السكري وكما تشير بعض المصادر هو متلازمة تتصف باضطراب الاستقلاب وارتفاع شاذ في تركيز سكر الدم الناجم عن عوز هرمون الأنسولين، أو انخفاض حساسية الأنسجة للأنسولين، أو كلا الأمرين. ويؤدي السكري إلى مضاعفات خطيرة أو حتى الوفاة المبكرة، إلا أن مريض السكري يمكنه أن يتخذ خطوات معينة للسيطرة على المرض وخفض خطر حدوث المضاعفات. يعاني المصابون بالسكري من مشاكل تحويل الغذاء إلى طاقة (الاستقلاب)، فبعد تناول وجبة الطعام، يتم تفكيكه إلى سكر يدعى: الغلوكوز ينقله الدم إلى جميع خلايا الجسم. وتحتاج أغلب خلايا الجسم إلى الأنسولين ليسمح بدخول الغلوكوز من الوسط بين الخلايا إلى داخل الخلايا.

أما الأعراض التي توحي بهذا المرض فهي زيادة في عدد مرات التبول بسبب البوال (زيادة كمية البول) بسبب ارتفاع الضغط التناضحي، زيادة الإحساس بالعطش وتنتج عنها زيادة تناول السوائل لمحاولة تعويض زيادة التبول، التعب الشديد والعام، فقدان الوزن رغم تناول الطعام بانتظام، شهية أكبر للطعام، تباطؤ شفاء الجروح، وتغيّم الرؤية، ويزيد السكري من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية. فالأمراض القلبية الوعائية (أمراض القلب والسكتة الدماغية بالدرجة الأولى) تتسبّب في وفاة 50% من المصابين بالسكري. ويزيد الاعتلال العصبي الذي يصيب القدمين، هو وضعف جريان الدم، إلى زيادة فرص الإصابة بقرحات القدم وإلى بتر الأطراف في نهاية المطاف. والسكري من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى الفشل الكلوي. ويتسبّب هذا الفشل في وفاة 10 إلى 20% من المصابين بالسكري. وإنّ المصابين بالسكري معرّضون لخطر الوفاة بنسبة لا تقلّ عن الضعف مقارنة بغير المصابين به.

وهناك عدة أنواع إلا أن أهمها نوعان، النوع الأول من السكري الناتج عادة عن فقدان الأنسولين في الجسم نتيجة موت خلايا البنكرياس. إن وجود اضطرابات في بعض عوامل المناعة مع وجود أجسام مضادة في دم الشخص تجعلة أكثر عرضة للإصابة بهذا النوع. إن النوع الأول يتطلب أخذ مادة الأنسولين مدى الحياة ولا يستطيع الإنسان أن يستمر بالعيش بدونها، نسبة هذا النوع تشكل 5-10% من المصابين بمرض السكري بشكل عام.

النوع الثاني هذا النوع هو الأكثر انتشارا في العالم ويشكل ما نسبتة 90% من المصابين وينتج عادة عن خلل أو أكثر من وظيفة مادة الأنسولين ونقصها في الجسم أو وجود مقاومة لها من قبل الأعضاء المختلفة في الجسم. ويتميز هذا النوع بأنه يكون غير مكتشف لعدة سنوات عادة ولا تظهر الأعراض إلا بعد ارتفاع حاد في السكري أو التعرض لالتهابات أو ضغوطات نفسية تساهم في الارتفاع. لكن بالإمكان اكتشافه مبكرا بإجراء فحص السكري في الدم بعد إجراء فحص الجهد للسكري. وهناك أنواع أخرى أقل انتشارا ومن أهمها السكري الذي يصيب الحوامل والذي يصيب فئات معينة من النساء أكثر من غيرها. كذلك ما يعرف بالسكري الناتج عن خلل ورائي في وظيفة غدة البنكرياس.

الدماغ والدم

 فيما يخص بعض البحوث والدراسات الخاصة بهذا المرض فقد كشفت دراسة جديدة من كلية طب "ماونت سيناى" في نيويورك، أنه يمكن التنبؤ بمرض السكري في مراحله الأولى عن طريق معرفة مستويات جزيئات معينة في الدماغ. وذكر موقع ميديكال نيوز توداي، أن الباحثين تمكنوا من اكتشاف أن مستويات الأحماض الأمينية متفرعة السلسلة ترتفع في أدمغة مرضى السكر على مدى سنوات قبل ظهور الأعراض عليهم وإصابتهم الفعلية بالمرض، وتعد الأحماض الأمينية وحدة بناء البروتينات.

ويمكن تفسير النتائج بأن المستويات المرتفعة للأحماض الأمينية متفرعة السلسلة في الدماغ تدل على ضعف تأثير هرمون الإنسولين، كما يقول بروفيسور أندرو شين وبروفيسور كريستوف بونتر قائدا الدراسة. ويضيف الباحثون أن مرض السكرى يبدأ في الدماغ أولا عن طريق فشل عمل منظومة الإنسولين التي تؤثر على مستويات الأحماض الأمينية والجلوكوز في الدماغ، وبعدها بسنوات تنتقل المشكلة إلى منظومة الإنسولين في البنكرياس وبالتالي كامل الجسد.

الى جانب ذلك بينت دراسات علمية ان ارتفاع مستوى السكر في الدم، قد يؤدي إلى أمراض سرطانية. وأظهر نتائج 16 دراسة علمية شارك فيها 900 ألف شخص أن ارتفاع مستوى السكر في الدم قد يكون سببا في الإصابة بأمراض سرطانية مستقبلا.

ويقول العلماء إن ارتفاع نسبة السكر في الدم، يزيد احتمال الإصابة بالسرطان بنسبة 15 بالمائة، وترتفع هذه النسبة إلى 22 بالمائة عند أولئك الذين يعانون من زيادة في الوزن. وبينت الدراسة أن الذين يعاونون من ارتفاع في مستوى السكر تزيد نسبة إصابتهم بسرطان الكبد إلى الضعف، وترتفع إلى 60 بالمائة نسبة الإصابة بسرطان بطانة الرحم وإلى 50 بالمائة بسرطان القولون والمعدة وإلى 20 بالمائة بسرطان الثدي.

ويقول العلماء إنه حينما يكون مستوى السكر في الدم أعلى من مستواه الاعتيادي، تزداد المقاومة للأنسولين، مما يسبب إفراز كميات كبيرة من بروتينات شبيهة به، وهذه بدوره يساعد على نمو خلايا سرطانية. كما لا يستبعد العلماء أن يكون للعامل الوراثي دورا في احتمال الإصابة بالسرطان. لذلك يوصي العلماء، كافة من يعاني من ارتفاع مستوى السكر في دمهم، بممارسة الرياضة، والالتزام بحميات غذائية وتناول ما وصفه الطبيب من مستحضرات وأدوية لتخفيض مستوى السكر في الدم.

علاج جديد

في السياق ذاته شهدت أبحاث علاج النوع الأول من مرض السكر "خطوة قوية نحو الأمام" بحسب دراسة حديثة نشرت نتائجها في مجلة "سيل" العلمية. وتحدث الإصابة بهذا النوع عند قيام النظام المناعي في الجسم بتدمير الخلايا التي تتحكم في مستويات السكر في الدم. وعكف فريق من الباحثين من جامعة هارفارد على الاستفادة من الخلايا الجذعية في إنتاج مئات الملايين من الخلايا معمليا.

وأظهرت نتائج دراسات أجريت على فئران التجارب أنه يمكن للخلايا أن تعالج المرض، في تطور يصفه خبراء بأنه "قد يكون كشفا طبيا ضخما". وتعمل خلايا "بيتا" في البنكرياس على ضخ الإنسولين للخفض من معدلات السكر في الدم. إلا أن النظام المناعي في جسم الإنسان يمكن أن يتحول لمواجهة الخلايا الجذعية، ملحقا بها ضررا تدميريا قد يتسبب في الإصابة بمرض قاتل، لكونه لا يستطيع تنظيم مستويات السكر في الدم لديهم.

ويعتبر هذا النوع من مرض السكر مختلفا عن النوع الثاني الأكثر شيوعا، والذي تحدث الإصابة به في الغالب نتيجة لأنماط حياة غير صحية. ويمكن للخلايا المطورة معمليا أن تنتج الإنسولين وتتحكم في مستويات السكر في الدم لعدة شهور ويأتي على رأس فريق البحث في جامعة هارفارد البروفيسور دوغ ميلتون الذي بدأ البحث عن علاج للنوع الأول من مرض السكر بعد أن جرى تشخيص ابنه بالإصابة به قبل 23 عاما وأصيبت ابنته فيما بعد بنفس المرض.

ويعمل ميلتون على استبدال ما يقرب من 150 مليون خلية بيتا مفقودة، باستخدام تكنولوجيا الخلايا الجذعية. وقد توصل إلى أن المزيج المثالي من المواد الكيميائية يقوم بتحويل الخلايا الجذعية الجنينية إلى خلايا بيتا عاملة. وأظهرت الاختبارات التي أجريت على فئران مصابة بالنوع الأول من السكر أن الخلايا المطورة معمليا يمكنها أن تنتج الإنسولين وتتحكم في مستويات السكر في الدم لعدة شهور.

وقال مليتون: "كان أمرا سارا لنا أن نعلم أنه أصبح بمقدورنا القيام بما كنا نعتقد في الماضي أنه لا يمكن حدوثه." وتابع قائلا: "ونحن الآن نقف طبيا على بعد خطوة واحدة من الحد النهائي." وإذا ما جرى حقن خلايا بيتا في جسد شخص ما، فسيظل عليها أن تواجه هجوما مناعيا قد يفضي بها في النهاية لأن تدمر هي الأخرى لذا، فإن هذه الطريقة في العلاج لا تزال بحاجة إلى مزيد من البحث لتكون فعالة.

من جانبها، قالت سارة جونسون، من مؤسسة "جيه دي آر اف" الخيرية التي قامت بتمويل الدراسة: "لا يعتبر هذا علاجا، لكنه يمثل خطوة قوية على الطريق نحو الأمام." وأضافت: "يعتبر استبدال الخلايا التي تنتج الإنسولين وإيقاف الاستجابة المناعية التي تتسبب في الإصابة بالنوع الأول من مرض السكر هي هدفنا على المدى البعيد." بحسب بي بي سي.

وقال كريس ميزون، وهو عالم متخصص في مجال الخلايا الجذعية بكلية لندن الجامعية: "يتمثل الاكتشاف العلمي في تطوير خلايا عملية تعمل على علاج فأر مصاب بالسكر، أما الاكتشاف الطبي الهام فيتمثل في القدرة على تطوير الخلايا الفعالة بنطاق واسع من شأنه أن يشمل علاج جميع أنواع مرض السكر."

وأضاف قائلا: "ومن ثم فإن هذا البحث يمكن أن يكون كشفا طبيا هاما أيضا." وتابع: "إذا ما ثبتت إمكانية نجاح هذه التكنولوجيا في المجالين الطبي والصناعي، فإن التأثير على علاج مرض السكر سيحمل تأثيرا مماثلا في مجال المضادات الحيوية والإصابات البكتيرية." وتتفق غيليان موريسون، الأستاذة بجامعة إدنبره، مع ميزون، وترى أن "التحدي الهام القادم سيكون في التوصل إلى طرق للحفاظ على تلك الخلايا داخل جسم الإنسان لحمايتها من الاستجابة المناعية واستمرار عمل وظائفها على المدى الطويل."

الأحماض الدهنية

من جانب اخر حدد باحثون أميركيون فئة جديدة من الأحماض الدهنية التي ينتجها الجسم البشري تساعد على الحماية من مرض السكري، وهو اكتشاف قد يؤدي إلى تطوير علاجات جديدة ولاحظ معدو هذه الدراسة أنه مع إعطاء هذه الأنواع الدهنية الجديدة لفئران في مختبر تم تعديلها جينيا لتطوير شكل مواز لمرض السكري من النوع الثاني (المسجل لدى البالغين)، شهدت هذه الفئران تراجعا في مستوى السكر المرتفع في الدم لديها.

كما خلص هؤلاء الباحثون إلى أن الأشخاص الذين لديهم مستويات منخفضة جدا من هذه الأحماض الدهنية يواجهون خطرا مرتفعا جدا للإصابة بالسكري. واكتشف هؤلاء أن مستويات هذا النوع من الدهنيات كانت مرتفعة جدا لدى فئران مقاومة للسكري. وتدفع نتائج الدراسة الى الاعتقاد بأن هذه الدهنيات يمكن استخدامها بغاية العلاج ضد السكري، على ما أكد معدو الدراسة وهم من معهد سالك بولاية كاليفورنيا ومركز بي آي دي ام سي في بوسطن بولاية ماساتشوستس.

وقالت باربارا كاهن نائبة رئيس كلية الطب في مركز بي آي دي ام سي والمشرفة الرئيسية على هذه الدراسة إن مستويات مرتفعة من هذه الدهنيات تظهر على ما يبدو ارتباطا بآثار إيجابية مسجلة على الفئران كما لدى البشر. من ناحيته، أشار أستاذ علم الأحياء في معهد سالك الآن ساغاتليان أحد المشرفين الرئيسيين على الدراسة الى أنه بالاستناد الى تركيبتها الحيوية، بالإمكان إضافة هذه الدهنيات الى قائمة الدهنيات الحميدة. وأضاف أن هذه الأحماض الدهنية تثير الاهتمام لأنها قادرة على تخفيف الالتهابات، ما يدفع الى الاعتقاد أنه بالإضافة الى السكري، بإمكاننا اكتشاف إمكانات لاستخدام هذه الجزيئات لمحاربة التهابات مزمنة مثل مرض كرون أو التهاب المفاصل. بحسب فرانس برس.

وترتبط الدهنيات كما الكولسترول السيئ في حال كثرتها في الجسم، بأمراض القلب والأوعية الدموية. لكن في السنوات الأخيرة، خلص الباحثون الى أن بعض هذه الدهنيات مفيدة للصحة، كما الحال بالنسبة إلى اوميغا 3 الموجودة في زيت السمك والزيوت.

نعل ذكي

على صعيد متصل اشتركت مؤسسات ألمانية في اختراع نعل جديد يطلق عليه "النعل الذكي" لحماية أقدام مرضى السكري من التقرحات التي يصعب الشفاء منها ويمكن أن تؤدي إلى بتر أقدامهم، وذلك وفقا لموقع "هايل براكسيس نت" الألماني المعني بالتوعية الصحية. واشترك في اختراع هذا النعل كل من القسم المختص بعلاج أمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم والسكري والغدد الصماء بمستشفى ماجديبورج الجامعي بالتعاون مع شركتي "إي أف أي كي" وشركة "أورتوفيت" المختصتين بتصنيع الأحذية الطبية.

وأوضح مدير قسم علاج أمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم والسكري والغدد الصماء بالمستشفى البروفيسور بيتر ميرتينز، أنه عادة ما يتسبب ارتفاع نسب السكر بالدم في إحداث أضرار عصبية بالأطراف لدى مرضى السكري تقود إلى عدم إدراكهم الشعور بالضغط أو الحرارة في أقدامهم، مما يؤدي إلى إمكانية إصابتهم بجروح تتطور إلى تقرحات شديدة دون أن يشعروا بذلك.

وقالت البروفيسورة زلكه كلوزه -أخصائية مرض السكري بمستشفى ماجديبورج الجامعي- إن هذه الجروح والتقرحات يستغرق علاجها فترات طويلة، وقد تتسبب في أسوأ الأحوال في الاضطرار لبتر القدم.

والنعل الذكي يتيح لمريض السكري إمكانية اكتشاف الجروح في بداية نشأتها، وبالتالي يحول دون تطورها إلى تقرحات يصعب علاجها وأوضح المهندس فريد زاملاند من شركة "إي إف أي كي" أن هذا النعل الذكي مزود بمستشعرات للضغط وكذلك مستشعرات للحرارة في المناطق المهددة دائما بالتعرض للضغط من القدم.

وأضاف زاملاند أن نظام التحذير المدمج بهذا النعل التقني الجديد من نوعه يصدر صوتا أو اهتزازا عند تعرض القدم لضغط شديد أو عند ارتفاع درجة حرارة القدم، ومن ثم يصدر إنذارا للمريض بتعرض قدميه للضغط. وشدد ميرتينز على أنه عند صدور مثل هذه الإشارة ينبغي على المريض التوقف عن التحميل على قدميه على الفور، وفحصهما جيدا لتبين وجود أية جروح بها، على أن يقوم باستشارة الطبيب بعد ذلك. وبذلك يتيح النعل الذكي لمريض السكري إمكانية اكتشاف الجروح في بداية نشأتها، وبالتالي يحول دون تطورها إلى تقرحات يصعب علاجها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/تشرين الأول/2014 - 20/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م