السلام الاجتماعي.. من قاموس الامام الشيرازي

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: السلام قيمة انسانية رفيعة، ومرتكز للحياة لا يقوم اعمار ارض وتحقيق استخلاف فيها الا من خلاله، وهو مثله مثل السلم، اشتقاقات وتنويعات على مفردة الاسلام، الدين الخاتم للاديان التوحيدية الكبرى.

في تعريفه ينقسم السلام الى اتجاهين او معنيين:

الاول هو "غياب الخلاف، العنف، الحرب....". وينضوي تحت هذا التعريف معاني متعددة، مثل غياب كل ما له علاقة بالعنف، مثل الجرائم الكبرى المنظمة كالإرهاب، أو النزاعات العرقية أو الدينية أو الطائفية أو المناطقية.

الثاني هو "الاتفاق، الانسجام، الهدوء..." وهو بدوره تنضوي تحته معاني متعددة كذلك مثل: وجود صفات ايجابية مرغوبة في ذاتها مثل الحاجة إلي التوصل إلي اتفاق، الرغبة في تحقيق        الانسجام في العلاقات بين البشر، سيادة حالة من الهدوء في العلاقات بين الجماعات المختلفة. السلام- إذن- هو حالة إيجابية في ذاتها (الاستقرار والهدوء مثلا)، أكثر من كونه غيابا لحالة سلبية مرفوضة (العنف، الحرب، القتل مثلا). يفتح هذا التعريف المجال أمام التفكير في مستويات مختلفة للتعامل مع مفهوم "السلام". هناك سلام بين دول، وهناك سلام بين جماعات بشرية، وهناك سلام في داخل الأسرة، وهناك سلام بين المرء وذاته.

يتحقق السلام الاجتماعي إذا كان العقد الاجتماعي- المباشر وغير المباشر- يجري على أرض الواقع دون أية مشكلات، ولكن يتوتر، ويضطرب، وينحرف مساره إذا لم يجر احترام العقد الاجتماعي علي أرض الواقع.

للسلام عدد من الاركان يمكن اجمالها بالنقاط التالية:

(الإدارة السلمية للتعددية - الاحتكام إلي القانون - الحكم الرشيد  - حرية التعبير - العدالة الاجتماعية - إعلام المواطنة -  العمل المشترك).

السلم والسلام احدى الاولويات الكبرى للامام الراحل محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، وهو مثل اولويات اخرى كرس له الكثير من الكتابات والعناوين في كتبه ومحاضراته على مدى اعوام طويلة من حياته، وهو يرى حجم العنف والخلافات المنتشرة في بقاع الارض في جميع اتجاهاتها.

يفرد كتابا مستقلا يحمل عنوان (فقه السلم والسلام) وينطلق فيه من المدونة الفقهية الشيعية (احاديث وروايات واحداث) رافقت سيرة النبي المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) والائمة من اهل بيته (عليهم السلام) ويؤسس لمدونة فقهية معاصرة تستجيب للمتغيرات الحديثة في الفكر والسلوك الانسانيين، ويعيد من خلالها رسم ملامح السلم والسلام والتي غابت عن تفكيرنا وممارساتنا الحياتية.

في كتابه وفي الفصل الخامس منه، والذي عنونه بالشكل التالي (السلم والسلام في العلاقات الإنسانية والروحية واختصره بعنوان فرعي هو (السلام الاجتماعي) حيث قسم موضوعات الفصل الى مسائل متعددة، كما في كتب الفقه الاخرى، واول مسالة ينطلق منها هي قوله (من أهم مقومات السلم والسلام في المجتمع هو قانون المساواة).

ثم يبحث هذا القانون من خلال اربعة مواضيع هي:

1: المساواة بين الجنس البشري

2: المساواة بين الرجل والمرأة في نظر الشارع الإسلامي

3: نماذج من قانون المساواة في المجتمع الإسلامي

4: موارد الاستثناء في قانون المساواة

يتطرق بعد ذلك الى جملة من مصاديق السلم والسلام الاجتماعيين، ويذكر منها: (التحية في الإسـلام - الأخوة الإسلامية - صلة الأرحام - حسن الصحبة والمعاشرة).

في معنى التحية يقول الامام الراحل: (هي كل قول يسرّ به الإنسان، وأصل التحية من الحياة ثم جعل ذلك دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة، أو سبب حياة إما في الدنيا وإما في الآخرة).

ويقابل التحية التسليم، والأولى عادة تتعلق بالقادم ومستقبله، والثانية تتعلق بالمسافر ومودعه، فلكل منهما مصداق، فالمار حينما يسلّم على المقيم في بلده يصطلح على هذا السلام بالتحية وهي تتم عادة بالمصافحة، وأما السلام على الذي يريد سفرا يصطلح عليه بالتسليم ويتم عادة بالمعانقة والتوديع.

وفي دلالات التحية وغاياتها يكتب الامام الراحل: (والتحية في الإسلام تعني السلم والسلام، وهي عنوان الأمان وهي التي تؤمن الإنسان من روعته في مواطن الخوف).

يصل الامام الراحل الى نتيجة هي: (تحية السلام تعتبر أحد الدلائل الظاهرية والواقعية على السلم والسلام الاجتماعي الذي يدعو إليه الإسلام).

حول الأخوة الإسلامية يكتب الامام الراحل إن الإسلام يستهدف إقامة كيان موحد بين المسلمين، ويؤكد على العلاقة الأخوية بينهم، وقد أمر بالإخاء بين الناس عموما وبين المؤمنين خصوصا، وأن لا يقتصر الإنسان على الاهتمام بنفسه بل عليه رعاية الاهتمام بأفراد مجتمعه وباقي شعوب المجتمعات الأخرى.

ويعتبر الأخوة بمعناها الصحيح من أبرز مصاديق السلم والسلام في المجتمع الإسلامي.

يرى الامام الراحل ان مفهوم الأخوة في القرآن يمكن أن يشمل ثلاثة أصناف:

الأول: الأخوة في العقيدة.

الثاني: الأخوة في النسب.

الثالث: الأخوة في الإنسانية.

وحول  صلة الأرحام يرى الامام الراحل انها تبدأ من الدائرة الصغرى وهي الأسرة، اللبنة الأولى في محيط الأرحام وتعتبر أول وحدة اجتماعية يتدرّب فيها الإنسان على ممارسة علاقاته مع المجتمع، وهي المجال الحيوي الأول الذي تمر فيه الشخصية وتترعرع فيه فضائلها، وتكون أساسا للمجتمع كله، لأنه يتكون منها.

ويرى الامام الراحل ان السلام في الأسرة يبدأ بعد أن يحصل السلام بين الإنسان ونفسه وقد أوجب الإسلام هذه المصاحبة وذلك لأن بدن الإنسان وروحه ونفسه وعقله وسائر حواسه وجوارحه كلها أمانة بيده، فاللازم مداراتها جميعا حسب الموازين الصحيحة الواردة شرعا وعقلا، حتى يعيش الإنسان بسلم وسلام في الدنيا والآخرة، وإلا خسر ذاته وكلّ الخير في الدارين.

وعن حسن الصحبة والمعاشرة يكتب الامام الراحل: (للصحبة والمعاشرة الحسنة أثر كبير في بسط السلام والأمن في المجتمع، وكما لزم على الإنسان أن يصاحب نفسه خيرا كذلك يجب عليه أن يحسن صحبة الآخرين).

هناك الكثير ايضا من المفردات والمفاهيم التي يطرحها الامام الراحل ويفرع فيها ويشققها تتعلق بالسلم والسلام ويراها واجبة التحقق في حياة المسلمين والعالم اجمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/تشرين الأول/2014 - 20/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م