إيبولا.. وباء يجتاح العالم افرزته سلبية العصر

 

شبكة النبأ: على الرغم من الاستنفار الدولي الكبير لمواجهة مرض إيبولا القاتل. لايزال هذا الفايروس الخطير والذي وصف بأنه الوباء الأكثر انتشارا وفتكا في دول غرب أفريقيا يحصد المزيد من الاروح خصوصا مع عدم وجود علاج خاص بها المرض، الذي اصبح اليوم مشكلة عالمية تثير مخاوف الكثير من الدول والحكومات التي تخشى من اتساع رقعة الوباء بسب التزايد الهائل في أعداد المصابين بفيروس إيبولا، الذي انتقل بالفعل إلى دول أوروبية والولايات المتحدة ودول اخرى، حيث حصد فيروس إيبولا في أوسع انتشار له وبحسب بعض التقارير أرواح أكثر  من3879 شخصا من بين 8033 حالة اصابة حتى نهاية الخامس من اكتوبر تشرين الاول دون أن تكون هناك أدلة على ان الوباء أصبح تحت السيطرة في غرب أفريقيا، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وقالت المنظمة ان الوضع في ليبيريا يتفاقم وهناك معدل قياسي للوفيات بلغ 2210 حتى الان فضلا عن 200 حالة اصابة جديدة مشتبه بها أو محتملة في منروفيا في كل أسبوع من الاسابيع الثلاثة الماضية. وأشارت تقديرات مراكز السيطرة والوقاية من الأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن عدد المصابين بالمرض، الذي يواصل الانتشار منذ مارس/ آذار الماضي، قد يرتفع إلى نحو 1.4 مليون شخص خلال أربعة شهور.

وفي الولايات المتحدة، أعلنت السلطات الصحية في ولاية تكساس، وفاة أول حالة إصابة يتم تشخيص إصابتها بفيروس إيبولا داخل الأراضي الأمريكية. حيث توفى دونكان أثناء خضوعه للعلاج بمستشفى "بريسبيتريان" في تكساس، والتي نُقل إليها بعد نحو أسبوع على عودته إلى أمريكا قادماً من ليبيريا، إحدى الدول الأفريقية التي ينتشر بها الفيروس. وفي القارة الأوروبية، أثار تسجيل أول إصابة في إسبانيا لممرضة كانت تعمل ضمن الفريق الطبي لعلاج أحد المصابين القادمين من أفريقيا، حالة من القلق، انتقلت إلى أروقة الاتحاد الأوروبي.

وطلبت المفوضية الأوروبية من السلطات الإسبانية تقديم إيضاحات حول كيفية إصابة الممرضة بالفيروس، كما دعت إلى عقد اجتماع طارئ لـ"لجنة السلامة الصحية"، لمناقشة ظهور المرض في إسبانيا. في الوقت نفسه، قالت السلطات الصحية الإسبانية إنه تم إخضاع أربع حالات يُشتبه في إصابتها بالمرض للفحص الطبي، من بينها زوج الممرضة المصابة، وممرضة أخرى تعمل بنفس المستشفى.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من أنه لا يمكن تفادي ظهور حالات إصابة جديدة بفيروس "إيبولا" في عدد من الدول الأوروبية، بعد تسجيل أول إصابة خارج القارة الأفريقية في إسبانيا. وقالت المنظمة العالمية في بيان إنه من المرجح ظهور حالات جديدة في القارة الأوروبية، بسبب استمرار حركة سفر كثير من الأوروبيين إلى مناطق موبوءة بالمرض في غرب أفريقيا.

في الغضون، أعلنت الأمم المتحدة عن إصابة أحد أعضاء بعثتها الطبية في ليبيريا بفيروس إيبولا، وقالت إنه يخضع للعلاج حالياً في الدولة الواقعة في غرب القارة الأفريقية. ويُعد الطبيب، الذي لم تفصح المنظمة عن هويته، هو ثاني مصاب بالبعثة الأممية في ليبيريا بالفيروس القاتل، حيث سبق وأن أصيب أحد أطباء البعثة بالمرض، وتوفى في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي. بحسب بي بي سي.

مرض فيروس إيبولا (المعروف قبلاً باسم حمى إيبولا النزفية) هو مرض وخيم غالباً ما يكون قاتلاً. ويعتبر هذا المرض من بين أشد الأمراض فوعة في العالم. ويتطلب المصابون بالمرض رعاية داعمة مركزة. والأشخاص الأكثر تعرضاً للعدوى هم العاملون في مجال الرعاية الصحية، وأفراد الأسر، والمخالطون الوثيقون للمرضى والمتوفين. ويمكن لفاشيات مرض فيروس إيبولا أن تلحق الخراب بالأسر والمجتمعات المحلية، إلا أن بالمستطاع مكافحة العدوى عبر تطبيق الإجراءات الوقائية الموصى بها في العيادات والمستشفيات، وأثناء التجمعات المجتمعية، وداخل المنازل.

نقص البيانات

وفيما يخص اخر تطورات هذا المرض الخطير فقد قال خبراء صحة إن صعوبة تتبع وباء الإيبولا والفجوات الضخمة في المعلومات ساهمت في الانتشار السريع للمرض وأثرت على الجهود الرامية إلى إحتوائه. وأظهرت بيانات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ارتفاع عدد المصابين بالمرض في منطقة غرب افريقيا الى اكثر من 8000 حالة ويسود اعتقاد بأن الرقم الحقيقي اكبر من ذلك.

ولا يضم الإحصاء عددا كبيرا من المرضى لأسباب عدة منها عدم حصولهم على أي مساعدة طبية قط فضلا عن احتمال إخفاء عائلاتهم لحقيقة إصابتهم بالوباء أو رفض مراكز طبية مكتظة بالمرضى استقبالهم. وكانت منظمة الصحة العالمية قالت في وقت سابق إن الزيادة في أعداد المرضى الجدد في ليبيريا كلما افتتح مركز طبي جديد "تدل على وجود عدد غير معروف من المصابين." وتقول منظمة الصحة العالمية إن معلوماتها هي الأفضل لكن تقر بأن الأرقام ليست دقيقة تماما وأن "جهدا كبيرا" يجرى لتصحيح بياناتها. ومن شأن مراجعة الارقام إحداث تغييرات كبيرة كما ظهر في مراجعة لعدد موظفي القطاع الصحي الذين توفوا بالفيروس. وقبل اكثر من اسبوعين قالت المنظمة إن 31 عاملا في القطاع الصحي توفوا بسبب الايبولا في سيراليون لكن بعد مراجعة للارقام تبين أن الرقم يتجاوز 81 موظفا.

وتتجاهل سيراليون تقريبا الحالات "المشتبه بها" بخلاف ليبيريا وغينيا التي يشكل هذا النوع من الحالات نسبة كبيرة من الحالات التي تعلن عنها. وخلال الفترة بين 31 اغسطس اب و28 سبتمبر ايلول ارتفع احصاء سيراليون للحالات المشتبه بها والمحتملة بواقع 119 حالة مقارنة بزيادة عددها 1474 حالة في ليبيريا.

وخلال نفس الفترة اعلنت سيراليون عن حالتي وفاة لم يتم التأكد منهما معمليا.  كانت متحدثة باسم منظمة الصحة العالمية قالت في 30 سبتمبر إنه بينما توفي بالمرض نحو ربع الحالات المسجلة في سيراليون إلا انه سيكون من الخطأ افتراض بقاء باقي الحالات المسجلة على قيد الحياة.

الى جانب ذلك تسبب وباء "الإيبولا" الفتاك والذي لا يزال يحصد المئات من الأرواح عبر أكثر من دولة خصوصا الأفريقية منها في مصرع 121 شخصا خلال يوم واحد بسيراليون، وذلك وفقا لإحصاءات حكومية كشفت أيضا أن إجمالي ضحايا الوباء القاتل في هذا البلد بلغ 678 شخصا.

وأظهرت إحصاءات صحية حكومية أن سيراليون سجلت 121 حالة وفاة وعدد من حالات الإصابة الجديدة جراء وباء "الإيبولا" في يوم من أكثر الأيام تسجيلا لحالات الوفاة منذ ظهوره في الدولة الواقعة غرب أفريقيا منذ ما يزيد على أربعة أشهر. وبذلك يصل العدد الإجمالي للوفيات إلى اكثر من 678 وفاة بعد أن كان 557 حالة قبل يوم فقط. وأوضحت الإحصاءات اليومية التي يجمعها مركز عمليات الطوارئ في سيراليون 81 حالة إصابة جديدة من الحمى النزفية. بحسب فرانس برس.

وظهر "الإيبولا" لأول مرة في غينيا في آذار/مارس وانتشر منذ ذلك الحين في ليبريا وسيراليون المجاورتين فيما يعد أسوأ تفش للوباء منذ ظهوره الأول في 1976. وأرسلت بريطانيا والصين فرقا إلى سيراليون. كما أرسلت كوبا فريقا طبيا يضم 165 عضوا بينهم متخصصون وأفراد تمريض إلى سيراليون. وقالت نائبة وزير الصحة والصرف الصحي في البلاد مادينا عبد الرحمن إن مهمة الفريق الكوبي قد تمتد لما لا يقل عن ستة أشهر. وأضافت أن الفريق سيتم نشره في مناطق في جميع أنحاء سيراليون.

تزايد الاصابات

من جانب اخر أفاد تقرير صدر عن الهيئة الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها أن ما بين 550 ألفا و1.4 مليون شخص في غرب أفريقيا قد يصابون بفيروس إيبولا بحلول 20 يناير كانون الثاني 2015. ويفترض الحد الأقصى من هذا التقدير وهو 1.4 مليون حالة أن عدد الحالات المسجلة رسميا وهو حتى الآن 5864 حالة بحسب إحصاء منظمة الصحة العالمية أقل بكثير من الواقع وأن من المرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى بمقدار 2.5 مثل أو ما يقارب 20 ألفا. وشددت الهيئة على أن التوقعات التي تستند إلى نموذج خاص بعلم الأمراض يأخذ في الحسبان عدد الناس الذين يمكن أن تنتقل إليهم العدوى من مريض بالإيبولا في نهاية الأمر بالإضافة إلى عناصر أخرى. وتعتمد التوقعات على بيانات توفرت في أغسطس آب الماضي.

في السياق ذاته قال باحثون إن عدد المصابين بفيروس الايبولا الذي تفشى في غرب افريقيا قد يصل إلى 20 ألفا بحلول مطلع نوفمبر تشرين الثاني إذا لم تتخذ اجراءات صارمة للحد من الإصابة بالمرض. وفي مقال نشر في دورية (نيو انجلاند جورنال اوف ميديسن) قال خبراء من منظمة الصحة العالمية وكلية إمبريال إن الاصابات بالفيروس ستستمر في الزيادة بشكل كبير ما لم يتم عزل المرضى وتتبع المخالطين لهم.

وتوقعت منظمة الصحة العالمية في 28 اغسطس آب الماضي أن الفيروس قد يصيب 20 ألف شخص في غضون الأشهر التسعة القادمة. وتقول المنظمة إن عدد الوفيات بسبب الفيروس يبلغ حاليا 2811 على الأقل من بين 5864 حالة اصابة. وتعكس الدراسة الاحدث - التي تجيء بعد ستة اشهر من ابلاغ منظمة الصحة العالمية بظهور فيروس الايبولا في جنوب شرق غينيا - تقديرات استندت الى بيانات موجة ثالثة للفيروس في غينيا وسيراليون وليبيريا وهي الدولة الأكثر تأثرا بالمرض.

وقال كريستوفر داي مدير الاستراتيجيات بمنظمة الصحة العالمية الذي شارك في اعداد المقال في افادة صحفية "مع هذه الزيادة السريعة سوف يرتفع عدد حالات الاصابة كل اسبوع ولذلك سيصل عدد الاصابات المؤكدة والمشتبه بها إلى 20 ألفا في هذه الدول الثلاث بحلول الثاني من نوفمبر تشرين الثاني وفقا لأفضل تقديراتنا." بحسب رويترز.

وأضاف أن حوالي عشرة آلاف من هذه الاصابات ستكون في ليبيريا وخمسة آلاف في سيراليون ونحو ستة آلاف في غينيا. لكن هذا سيحدث فقط اذا لم يتم تكثيف الجهود للحد من الإصابة بالمرض. وقال "من المؤكد أن الجميع يعملون بجدية شديدة لضمان الا يكون هذا هو الواقع الذي سنراه." وتابع قائلا "سوف اشعر بالدهشة اذا وصل العدد إلى 20 ألف اصابة بحلول هذا التاريخ."

الإيبولا و الأمراض الاخرى

من جانب اخر يرجح الخبراء أن تزيد الوفيات نتيجة الأمراض المعدية مثل الملاريا والإسهال والالتهاب الرئوي في دول غرب أفريقيا حيث تسبب انتشار فيروس الإيبولا السريع في الضغط على الأنظمة الصحية وفتك بممرضين وأطباء. ويقول متخصصون في الأمراض المهلكة إن الوفيات الناجمة عن مرض الملاريا وحده -والذي أودى بحياة نحو 100 ألف شخص سنويا في منطقة غرب أفريقيا- قد تزيد لأربعة أمثالها في البلدان التي اجتاحها الإيبولا لأن المرضى لم يعودوا يتلقون العلاج اللازم.

وقال كريس ويتي الأستاذ بكلية الصحة العامة والطب الاستوائي في جامعة لندن إنه في البلدان الأكثر تضررا من الإيبولا "هناك كثيرون آخرون يموتون من أشياء أخرى غير الإيبولا." ومع استمرار انتشار الوباء ستزيد الوفيات "المصاحبة" الناجمة عن أشياء مثل مضاعفات الإنجاب والأمراض المزمنة كأمراض القلب نظرا لضغط العمل بالمراكز الطبية التي كانت ستعالجهم لولا أزمة الإيبولا.

وقالت كارولين مايلز مديرة مؤسسة (انقذوا الأطفال) الدولية إن الأطفال دون سن الخامسة -والذين يعيش ما يقدر بنحو 2.5 مليون منهم في المناطق المنكوبة- يواجهون خطرا كبيرا نتيجة مرض الإيبولا والآثار المترتبة عليه بما في ذلك الضغط النفسي الناجم عن موت آباء وأقارب. وقال جيريمي فرار مدير جمعية (ولكام تراست) الصحية الخيرية الدولية "لا تقوى الخدمات الصحية في غرب أفريقيا على الصمود... هذا يشمل رعاية النساء في حالات الوضع ومرضى الملاريا ومرضى البول السكري وأصحاب الأمراض العقلية." وأضاف "سيكون لهذا عواقب ثانوية تتجاوز الإيبولا مهما اشتد هذا الوباء."

وقال جيمي ويتورث رئيس وحدة صحة السكان في (ولكام تراست) إن الأزمة قد ترفع حالات الوفيات جراء الملاريا لأربعة أمثالها لتصل إلى نحو 400 ألف حالة وفاة في العام القادم مع امتناع المرضى عن الذهاب للمراكز الطبية خشية الإصابة بالإيبولا ومن ثم لا يحصلون على العلاج والرعاية الطبية اللازمة. بحسب رويترز.

كما توقع زيادة الوفيات من الإسهال والالتهاب الرئوي -وهما من أكثر الأمراض المتسببة في وفاة الأطفال في أفريقيا جنوبي الصحراء- وكذلك ارتفاع الوفيات بين النساء أثناء الإنجاب. وتكهن بتوقف برامج التطعيم الروتينية مما سيعرض الأطفال لخطر الدفتيريا وشلل الأطفال والسل بدرجة أكبر. وقال "الآثار المترتبة على هذه الأزمة تثير قلقا بالغا... فالمستشفيات ممتلئة بمرضى الإيبولا ولا مكان لأي مريض بمرض آخر. وفي العيادات الصحية لم يعد هناك عاملون." وقالت مارجريت تشان مديرة منظمة الصحة العالمية إن المنظمة علمت على نحو لا شك فيه أن الدول الثلاث الأكثر تضررا من الإيبولا تعاني زيادة في أعداد الوفيات الناجمة عن أمراض أخرى غير الإيبولا.

الحرق بعد الموت

الى جانب ذلك على بعد خمسة عشر كيلومترا من مونروفيا، تتوقف شاحنة محملة بجثث ضحايا وباء "الإيبولا" أمام مبنى اسودت جدرانه العالية في وسط الريف. ومنذ بضعة أسابيع وبسبب هذا الوباء الفتاك، يتم نقل المتوفين في العاصمة الليبيرية إلى هذه المحرقة. غير بعيد من مونروفيا، وتحت سقف من الصفيح المسنود على أعمدة اسمنتية، لا يزال الدخان يتصاعد من كومة من الرماد يبلغ ارتفاعها المترين ويظهر من خلالها ما يشبه العظام. يفتح شاب يضع على وجهه قناعا من الورق بابا معدنيا مزدوجا، فتدخل الشاحنة باحة كبيرة وتلتف حول كومة من الحطب.

وسواء ماتوا بهذه الحمى النزفية "الإيبولا" أو بمرض آخر، "نحرقهم جميعا. هذه هي تعليمات وزارة الصحة"، كما يقول "فيكتور لاسكن" المتحدث باسم الصليب الأحمر الذي يأخذ على عاتقه مهمة جمع الجثث في العاصمة. فلدى حصول الوفاة، تصبح الجثة شديدة العدوى، كما تقول "لورانس سايلي" منسقة الطوارئ في منظمة "أطباء بلا حدود" التي تتصدى لهذا الوباء. وأضافت "عندئذ تصبح الجثة بيئة ملائمة لتكاثر وباء الإيبولا بسبب انهيار نظام المناعة".

وأضافت "لا نعرف كم من الوقت تبقى الجثث مصدرا للعدوى. لذلك من الضروري حرقها في أسرع وقت أو دفنها على عمق مترين. وقد اتخذ القرار هنا بحرقها لأن طبقة المياه الجوفية عالية جدا. وفي تموز/يوليو، دفن بعض الجثث في مناطق مستنقعية ثم ما لبثت أن عادت إلى سطح الأرض ...".

لكن لورانس سايلي لاحظت أنه حتى مع تفشي الوباء في ليبيريا التي سجل فيها نصف حالات الوفاة التي زادت على ثلاثة آلاف في غرب أفريقيا، وحتى ولو توقعت المنظمات غير الحكومية مثل "المنظمة العالمية للصحة" وفاة الآلاف لا بل عشرات الآلاف في الأشهر المقبلة، "ما زال الناس غير قادرين على تقبل حرق الجثث".

وأقر وزير الصناعة والتجارة الليبيري "أليكس إدي" أن "من الصعب أن تطلب من الناس ألا يكرموا ذويهم ويقوموا بدفنهم وفق التقاليد" التي وصفها بأنها "طريق سريع" لتفشي الوباء. ويعرقل هذا كثيرا عمل جامعي الجثث. وقال رئيس إحدى الفرق "أليكس ويا" الذي كان يرتدي بزة عازلة قبل أن يذهب لجمع الجثث من حي "مامبا بوينت" في وسط مونروفيا، "ثمة كثير من الاحتجاجات وتبدي العائلات مقاومة شديدة".

وأوضح "جونسون شيا" العضو في "الوحدة الخاصة لدرء الإيبولا" في الحي، "يتخذ الناس موقفا عدائيا في بعض الأحيان. فهم خائفون ولا يثقون بالحكومة أحيانا". وأضاف أليكس ويا "نتحدث معهم لطمأنتهم، عندئذ يدرك الناس أن من الضروري جمع الجثث". ويبدو أن هذا الرجل الذي يبلغ الثانية والثلاثين من العمر لم يفاجأ بمهنته الجديدة. "فقبل الوباء كنت أعمل في إعداد الجثث للدفن" في جمعيات دفن الموتى. ويقول زملاؤه إن الراتب يسهل القبول بالرعب اليومي والمخاطر. فالألف دولار أمريكي (788 يورو) شهريا، تعتبر ثروة في ليبيريا.

ويعرقل موسم الأمطار مهمتهم كثيرا. وقال أليكس ويا "تزداد المهمة صعوبة عندما تمطر. فالوباء (الذي ينتقل عبر السوائل) يتفشى بواسطة الماء". لذلك ينتظر الفريق توقف تساقط الأمطار. وبعد ساعة تتبدد الغيوم وتصفو الأجواء، عندئذ يستأنف جامعو الجثث الذين يرتدون بزات بيضاء عملهم.

وفي منزل صغير دهن سقفه باللون الأزرق، ترقد "تيريزا جاكوبس" (24 عاما) التي أسلمت الروح. ويعمد جامعو الجثث إلى رش مبيدات في البيت وعلى الجثة التي يضعونها في كيس للجثث، ثم على حمالة ويخرجون. ويضعون الكيس في مؤخرة شاحنة صغيرة ثم يبدأون عملية تبديل ملابسهم. فتغيير بزات الحماية يتطلب إجراء محددا لتجنب انتشار العدوى بصورة عرضية. وارتداؤها يحتاج إلى ربع ساعة وكذلك خلعها. بحسب فرانس برس.

وتبدو هذه التدابير الوقائية غير مجدية في هذه الحالة. وقال جونسون شيا "لقد توفيت بسرطان الكبد. كانت مريضة منذ سنوات". وقد استغرقت عملية نقل هذه الجثة وحدها حوالى الساعتين، توجه بعدها موكب جامعي الجثث إلى مكان آخر لمتابعة مهمته الكئيبة التي لا تنتهي.

استخدام الايبوبروفين

في السياق ذاته حذر خبراء في مجال الصحة من ان الاشخاص المصابين بالايبولا في غرب أفريقيا يمكنهم الافلات من الاجراءات الاحترازية التي تتخذها المطارات والصعود الى الطائرة فعلا بقليل من التضليل والكثير من دواء الايبوبروفين. وطالب الخبراء بفعل المزيد لرصد المسافرين المرضى وقالوا انه على أقل تقدير يجب فحص المسافرين القادمين من الدول التي تفشى فيها فيروس الايبولا لمعرفة ما اذا كانت لديهم حمى وهو اجراء مطبق حاليا لدى المغادرة من الدول المنكوبة بالمرض وهي سيراليون وغينيا وليبيريا.

لكن ذلك ليس كافيا. ويقول شون كوفمان اخصائي السيطرة على العدوى ورئيس شركة (بيهيفيورال-بيزد إمبروفمنت سولوشنز) وهي شركة للامان الحيوي مقرها اتلانتا "الناس يمكن ان يأخذوا ايبوبروفين لخفض حرارتهم بما يكفي للمرور من التفتيش.. ولماذا لا يفعلون؟ اذا كان ذلك سيمكنهم من ركوب طائرة للمجيء الى الولايات المتحدة والحصول على علاج فعال بعد تعرضهم للايبولا..ألن تفعل ذلك لتنقذ حياتك؟"

وقال مسؤولون أمريكيون بقطاع الصحة ان ما يصل الى 100 شخص ربما خالطوا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أول شخص تم تشخيص اصابته بفيروس الايبولا في الولايات المتحدة وان أربعة من أقاربه عزلوا في شقة سكنية في دالاس. وقال مسؤولون بمقاطعة دالاس إن ما بين 12 الي 18 شخصا خالطوا بطريقة مباشرة مريض الايبولا الذي وصل بطريق الجو مؤخرا من ليبيريا وهم بدورهم خالطوا عشرات الاشخاص الاخرين. وقالت ليبيريا ان المريض يدعى توماس اريك دنكان وهو من سكان عاصمتها منروفيا. بحسب رويترز.

وقالت السلطات الليبيرية انها قد تحاكم دنكان اذا عاد لانه كذب في استمارة بيانات قبل سفره ذكر فيها انه لم يخالط أي شخص مصاب بالايبولا في حين انه ساعد جارا له مصابا بالمرض قبل أيام من سفره. وذكر مسؤولون امريكيون أن أعراض المرض لم تكن ظهرت على دنكان لدى مغادرته ليبيريا وأن درجة حرارته كانت طبيعية لذلك لم تكشف الفحوصات اصابته بالفيروس. وكشفت حالة دنكان مدى اعتماد السلطات الامريكية على نظرائها في دول غرب افريقيا للكشف على المسافرين ورصد المصابين لاحتواء أسوأ تفش للايبولا حتى الان. والاصابة التي وصلت الى الولايات المتحدة زادت المخاوف من ان المرض قد ينتشر عالميا وقد يثير مزيدا من التساؤلات بشأن القيود على السفر من الدول التي ظهرت فيها حالات الاصابة.

نفايات المرضى

من جانب اخر قال مسؤول كبير في مجال الصحة بالولايات المتحدة إن التعامل مع نفايات طبية خلفها مريض بالايبولا ثبت انها واحدة من حالات الطواريء التي لم تكن المستشفيات الأمريكية مستعدة لها. وأضاف أن علاج المشكلة "استغرق اطول مما كنا نأمل". واعتقدت المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها أن قضية التخلص من النفايات انتهت في 26 من سبتمبر ايلول قبل يومين فقط من دخول أول مريض مشخص بالايبولا في الولايات المتحدة مستشفى في دالاس بعد رفض استقباله في باديء الأمر. وقال الدكتور توماس فريدين مدير المراكز "ولكنها لم تكن قد انتهت (القضية)." بحسب رويترز.

وأجبرت التصنيفات المتضاربة بشأن نفايات الايبولا المستشفى على الانتظار لحين صدور إذن خاص من وزارة النقل الأمريكية قبل نقل المواد. وصدر الإذن في نهاية الأمر مما أتاح لمستشفى في تكساس يعالج المريض توماس دونكان التخلص من نفايات طبية مثل القيء والاسهال التي خلفها خلال اقامته. وقال الدكتور ديفيد ليكي مفوض ادارة الخدمات الصحية العامة بإدارة تكساس انه اثناء الانتظار احتفظ مستشفى دالاس بالنفايات في الوحدة التي يخضع فيها دنكان للحجر الصحي. وأضاف ليكي إن المسؤولين بالمقاطعة تعاقدوا مع شركة للتخلص من النفايات حصلت على الموافقة لنقل النفايات لكنها تنتظر لنقل النفايات من المستشفى.

خسائر كبيرة

على صعيد متصل قال البنك الدولي في تحليل إن أكبر تفش على الاطلاق لمرض ايبولا يمكن ان يستنزف مليارات الدولارات من اقتصادات دول غرب افريقيا بحلول نهاية العام المقبل اذا لم يتم احتواء التفشي. وتوقع البنك أن يؤدي الاحتواء البطيء للمرض في غينيا وليبيريا وسيراليون الى عدوى اوسع في المنطقة وخاصة من خلال السياحة والتجارة.

وحسب اسوأ سيناريو متوقع يمكن ان يتقلص النمو الاقتصادي لغينيا بمقدار 2.3 نقطة مئوية العام القادم في حين سينخفض نمو سيراليون بمقدار 8.9 نقطة مئوية. وستكون ليبيريا الاشد تضررا بانخفاض نموها الاقتصادي 11.7 نقطة مئوية العام القادم. وقال رئيس البنك الدولي جيم يونج كيم في بيان "يؤكد تقرير اليوم التكاليف المحتملة الهائلة للوباء اذا لم نحشد جهودنا لوقفه الان."

وقالت منظمة الصحة العالمية إن المرض يحتاج جهدا يتكلف مليار دولار للحد من انتشاره وأعلنت الولايات المتحدة انها سترسل ثلاثة آلاف جندي للمساعدة في التصدي لتفشي ايبولا. وتوقع البنك الدولي ان الدول الثلاث في غرب افريقيا التي كانت أول من تأثر بالفيروس وهي غينيا وليبيريا وسيراليون ستكون الأكثر تضررا هذا العام حيث خصم التفشي 359 مليون دولار من اقتصادياتها في صورة انتاج ضائع. بحسب رويترز.

وقال البنك إن التضخم وأسعار الغذاء بدأت ايضا في الارتفاع بسبب نقص الامدادات الى جانب التكالب على الشراء والمضاربة. ويمكن للفشل في احتواء الفيروس سريعا أن يؤثر ايضا على الاعمال في دول مجاورة منها نيجيريا. وقال البنك في بيان "يجد التحليل أن أكبر الاثار الاقتصادية للازمة ليست نتيجة التكاليف المباشرة... وانما تلك الناتجة عن نفور الناس من بعضهم بسبب الخوف من العدوى."

الإيبولا عبر الهواء

في السياق ذاته ينفي خبراء الفيروسات والأمراض المعدية احتمال انتقال عدوى الإيبولا عبر الهواء، إلا أنهم يؤكدون في الوقت نفسه أن ذلك ليس بمستبعد إلى حد كبير. وكان خبير أمريكي في هذه الأمراض أثار مخاوف من أن يكتسب الفيروس القدرة على الانتقال بهذه الطريقة. ويرى خبراء الفيروسات والأمراض المعدية أن احتمال تحول الإيبولا إلى فيروس ينتقل عبر الهواء ليس مستحيلا، لكنه مستبعد إلى حد كبير.

وقال إيان جونز عالم الفيروسات في جامعة ريدينج في بريطانيا "هذا الاحتمال يأتي في آخر القائمة. وكان خبير بارز في الأمراض المعدية في الولايات المتحدة قد أثار مخاوف من أن يكتسب الفيروس القدرة على الانتقال عبر الهواء ليرسم بهذا سيناريو كارثيا عن انتقال الفيروس بين البشر بيسر وسلاسة مثل موجة الإنفلزونزا مما يمكن أن يودي بحياة الملايين.

وكتب مايكل أوسترهولم، مدير مركز أبحاث الأمراض المعدية والسياسات في ولاية مينيسوتا الأمريكية في مقال، إنه يعتقد أن خطر تحور فيروس الإيبولا على نحو يمكنه من الانتقال عبر الهواء خطر حقيقي. وأضاف "إلى أن نتدبر الأمر .. لن يكون العالم مستعدا لفعل ما هو ضروري للقضاء على الوباء." بحسب فرانس برس.

ويشهد فيروس الإيبولا تحورا سريعا وهو يشق طريقا للموت عبر المدن والبلدات والقرى في غرب أفريقيا غير أن هذه التغيرات الجينية لم تمنحه حتى الآن القدرة على الانتشار عبر الهواء. والإيبولا مرض معد ينتشر عبر التعامل المباشر مع السوائل التي تخرج من جسد المصاب مثل الدم أو البراز أو القيء.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/تشرين الأول/2014 - 16/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م