مفاهيم سلام جديدة!

د. عادل محمد عايش الأسطل

 

بدءاً بإيران وما تشكّله من تهديدات للعرب ولإسرائيل على نحوٍ خاص، بشأن ملف برنامجها النووي، ومروراً بأحداث الربيع العربي التي كان لها أن غيرت الخريطة السياسية العربية بشكلٍ عام، وانتهاءً بإقامة التحالفات الجديدة ضد التنظيمات الإسلامية المتشددة وعلى رأسها الدولة الإسلامية في العراق والشام، وبإضافة أحداث الهجمة الصهيونية ضد الضفة الغربية في والحملة العدوانية ضد حركات المقاومة داخل القطاع، كلها مثّلت وقائع استراتيجية، اضطرّت كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، أن يكملوا بنائهم عليها، كون الاعتقاد لديهم بأنها تصب في مصلحتهم مع بعض العيوب المحلية والدولية التي حرصوا جيّداً من أجل تغطيتها أو إهمالها والتغاضي عنها.

كانت شهدت المنصّة الدولية التابعة للأمم المتحدة خطابين دسمين فلسطيني وإسرائيلي، من حيث التباين والتنافر، أفصحا بجلاء عن عمق الخلاف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأوضحا عن عمد، عن نواياهم ضد الآخر في المستقبل. فالرئيس الفلسطيني "أبومازن" لم ينسَ شيئاً من سيئات الإسرائيليين إلاّ ذكّر به، مثل: الإصرار على مواصلة النشاطات الاستيطانية والممارسات الأمنية الصارمة في مناطق الضفة، والنشاطات الدينية ضد القدس والمسجد الأقصى، وتعمّد إعلان الحرب على القطاع وتشديد الحصار عليه، ومحاولة منع الوحدة الوطنية الفلسطينية بشكل عام، كما لم يدع ما اعتقد به أن يتغلب على إسرائيل بشأن انهائها الاحتلال إلاّ أنبأ به، وذلك بعزمه التقدم إلى مجلس الأمن وإلى محكمة الجنايات الدولية، باعتبارها خطوات عملية وهامة تؤدّي إلى السلام العادل والشامل في المنطقة والعالم أيضاً.

وبالمقابل وقبل أن تنتهي كل من واشنطن وتل أبيب، من إبداء غضبهما الشديد من نوايا "أبومازن"، حول ما وصل فهمه للسلام، فقد سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" إلى الرد بسرعة على تلك المفاهيم كلمة بكلمة وحرفاً بحرف، بدءاً بتكذيبه وانتهاءً باتهامه بأن من يتعمّد إنكار الهولوكوست فإنه لا يروي إلاّ الأضاليل ومجانبة الحقيقة فقط، ومع أنه يؤمن بالسلام التاريخي مع الفلسطينيين والعالم العربي، إلاّ أنه صبأ دفعةً واحدة عن إيمانه به على أنه شريك للسلام، سيما وأن إسرائيل لا يمكنها أن تأمن على مصيرها وتطورها، في ظل مخاطر جمّة، سيضطر اليهودي أن يفكر مرتين قبل الخروج من بيته، ولذلك فإن الخطوات الذي يبذلها "أبومازن" هي غير مواتية، ولا تتطابق مع إسرائيل، علاوة على إظهاره مهارة خاصة تؤهله من جرِّ إسرائيل، لأن تمارس فيه دورًا رئيسياً بشأن قضايا المنطقة جنباً إلى جنب مع الدول الجارة وصاحبة المصالح.

وكما غضبت الولايات المتحدة وإسرائيل من الحقيقة التي وضعها "أبومازن" أمام المجتمع الدولي، كونه يطالب مجلس الأمن بضرورة وضع سقف زمني محدد لإنهاء الاحتلال، فقد غضب الفلسطينيون مرّتين، نتيجة الغضب الأمريكي الذي ليس له داعٍ ولخطاب "نتانياهو" الذي جعل بمحض إرادته، نهاية للسلام. وأن التسوية التاريخية الذي تحدّث عنها، ما هي إلاّ التصفية للقضية الفلسطينية، وليست وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي منح فلسطين صفة دولة غير عضو، منذ أواخر عام 2012.

ضمن الوقائع الاستراتيجية الجديدة وكما يبدو فإن "نتانياهو" يعتقد بأن الأفق السياسي للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين يكمن في التغييرات التي جابت منطقة الشرق الأوسط، وليس في مفاهيم قديمة لم تعُد صالحة الآن، وهو يعتقد بدلاً منها، بأن التسوية التاريخية مع الفلسطينيين تكمن في تليين القبضة العسكرية في الضفة الغربية، ومنح التصاريح غير المحددة للسكان للتسوّق داخل إسرائيل، ومحاولة العمل إلى حدٍ معقول لتغيير الواقع في قطاع غزة، والتي من شأنها المساهمة في رفع المعاناة عن السكان، كالسماح للعجائز بالسفر والصلاة في الأقصى، وتبادل الزيارات، ومنح تسهيلات تجارية بما يسمح وصول البضائع من القطاع والعكس، من خلال فتح المعابر بما يضمن الأمن والهدوء.

كان وزير الجيش الإسرائيلي "موشيه يعالون" قد أكّد على أفكار "نتانياهو" وحكومته بشكلٍ عام، على أن السلام التاريخي يقوم على احتفاظ إسرائيل بتواجدها في - يهودا والسامرة - الضفة الغربية، لكيلا ينشأ كيان (إرهابي)، مثلما هو في القطاع، والذي تسيطر عليه حركة حماس في الظاهر وإيران بشكلٍ خفي.

وإذا كانت هذه المفاهيم قد تكونت لدى الإسرائيليين تبعاً للوقائع السابقة – مع إنها قديمة متجددة- والتي تتنافى مع كل التطلعات الفلسطينية والمقررات الدولية، فإن على الفلسطينيين إظهار صرامةً أكبر باتجاهها، ولا يكون ذلك لوحدهم، بل بتحالف عربي وإسلامي جادّ، وإذا كانوا غير جاهزين لتجيير الوقائع الآتية لصالحهم، فلا بد إذاً من الانتظار.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/تشرين الأول/2014 - 16/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م