الحرب ضد داعش.. استراتجية النفس الطويل

 

شبكة النبأ: فيما تتوالى الجهود الغربية بتعزيز خططها وتحالفاتها العسكرية لمقاتلت تنظيم ما يسمى (الدولة الاسلامية/ داعش)، اشارت تقارير اممية واخرى استخبارية، بان مكافحة التنظيم الجهادي الذي وصف الاقوى بين جميع الحركات المتطرفة المعروفة على مستوى العالم، سوف تستغرق المزيد من الوقت والجهد الجماعي الذي يعتزم المجتمع الدولي تقديمة الى التحالف الدولي الذي دعت الولايات المتحدة الامريكية الى تشكيلة عقب الانهيارات الامنية الكبيرة التي اعقبت الهجوم الخاطف لمقاتلي التنظيم في حزيران الماضي، وتمكن من خلالها السيطرة على مناطق واسعة من العراق، اضافة الى سوريا، وجاء هذا التقييم بعد ان توسع نفوذ التنظيم بسبب السياسيات الخاطئة التي اعتمد من قبل بعض الدول القريبة من مناطق الصراع في سوريا والعراق، فقد اكد جو بايدن نائب الرئيس الامريكي في خطاب ألقاه في جامعة هارفرد حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إن "مشكلتنا الكبرى كانت حلفاؤنا في المنطقة، الأتراك أصدقاء كبار لنا وكذلك السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها، لكن همهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد لذلك شنوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين يقبلون بمقاتلة الأسد".وصدر مؤخرا تقييم لاجهزة المخابرات الاسرائيلية اكدت فيه أن عدد مقاتلي داعش يبلغ بعض العشرات من الآلاف، لافتا إلى أن هذه الأرقام تزداد يوما بعد يوم، واضاف نتنياهو (رئيس الوزراء الاسرائيلي) ان "سبب ازدياد أعداد داعش هو حصولهم على نحو مليوني دولار يوميا من عائدات النفط وهم يقومون بتوسيع مناطق نفوذهم"، وأضاف "قوة داعش هي قوة قوة الإرهاب والتخويف، لا يتوجد عليهم أن يكونوا بأعداد كبيرة، حيث كان هناك في التاريخ مجموعات صغيرة تمكنت من احتلال آسيا بشكل عامل من خلال امتطاء الخيول وقطع الرؤوس وزرع الخوف بقلوب الملايين من الناس، هذه قوة داعش، أيدولوجية تخويف واستعداد لقتل أي شخص".

فيما اعتبر لابورد (المدير التنفيذي لمكافحة الارهاب في مجلس الامن الدولي) ان انشاء القوى الجهادية لبنية اشبه بدولة بين سوريا والعراق يشكل "سابقة" تطرح "مشكلة فعلية امام المجتمع الدولي"، واوضح ان المنتمين الى ما يسمى الدولة الاسلامية "انشأوا هيكليات توازي هيكليات الدول، انهم يوفرون الامن ونوعا من الامن الاجتماعي، هذه سابقة وامر لم يسبق ان قامت به منظمات ارهابية على الاطلاق، لديهم موارد، الغاز والنفط، وهم يمارسون التجارة"، واعتبر لابورد ان قيام الدولة الاسلامية "يطرح مشكلة فعلية على المجتمع الدولي والامم المتحدة، لقد نظم مجلس الامن الدولي قمة الاسبوع الفائت ليعبر عن موقف من هذا الخطر، وهو امر نادر الحدوث، انها ظاهرة ترعب العالم اجمع وتهدد بالاتساع، ثمة ارادة لاقامة خلافة في شمال نيجيريا وخلافة اخرى في منطقة الساحل وربما في شرق افريقيا وجنوب شرق اسيا"، وقال ايضا انه في مواجهة هذا التنظيم "فان المجتمع يقوم بما عليه القيام به، ينبغي تسمية الامور باسمائها، انه يشن حربا على (الجهاديين)، ولكن الامر البالغ الاهمية ايضا هو ضرورة تشكيل تحالف من المجتمع المدني للتصدي لهذه الظاهرة".

ويبدو ان المجتمع الدولي، ومن خلال تصريحات رسمية لمسؤولين كبار، يعتقد ان الحرب ضد التنظيم، الذي يرفع راية التطرف والجهاد العالمي، ستكون حرب طويلة الامد، لكونها ستكون حرب عالمية ضد الارهاب العالمي، وهو ليس بالأمر السهل، كما لا يقتصر على حدود العراق وسوريا، على حد وصفهم.

استهداف مصافي النفط

في سياق متصل قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن ضربات جوية يعتقد أن قوات تقودها الولايات المتحدة نفذتها أصابت ثلاث مصاف نفطية مؤقتة في شمال سوريا وذلك في إطار حملة لتقويض تنظيم الدولة الإسلامية، وتنفذ الولايات المتحدة غارات في العراق منذ الثامن من أغسطس آب وفي سوريا بمساعدة حلفاء عرب في حملة تقول إنها تهدف "لتقليص وتدمير" المتشددين الإسلاميين الذين سيطروا على مناطق واسعة من البلدين، ويسعى الرئيس الأمريكي باراك اوباما الى تشكيل تحالف واسع لاضعاف الدولة الاسلامية التي قتلت الآلاف وقطعت رؤوس ثلاثة غربيين على الأقل.

وقال موقع سايت الذي يتابع مواقع الإسلاميين المتشددين على الانترنت إنه في دعم لموقف الولايات المتحدة قال حساب خاص بجهادي على موقع تويتر إن زعيم جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة قتل في غارة جوية أمريكية على سوريا، وقال مسؤول أمريكي في 24 سبتمبر ايلول إن الولايات المتحدة تعتقد ان محسن الفضلي زعيم تنظيم خراسان قتل في ضربة في اليوم السابق إلا ان وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) في وقت لاحق إنها تتحقق من هذا التقرير، لكن في تغريدة بعد ذلك بثلاثة ايام قال موقع سايت إن جهاديا قدم العزاء في وفاة الفضلي، وفي واشنطن قال توني بلينكن نائب مستشار الامن القومي الامريكي إن المسؤولين لم يتثبتوا بعد من وفاته. بحسب رويترز.

ووصف مسؤولون امريكيون خراسان بأنها شبكة تضم مقاتلين من تنظيم القاعدة من ذوي الخبرة القتالية معظمها في باكستان وافغانستان وانه يعمل الآن مع جبهة النصرة فرع القاعدة في سوريا، وقال ابي محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة إن الضربات الجوية لن تقضي على الاسلاميين في سوريا محذرا من ان انصار الجماعة سيهاجمون دولا غربية، وحث الجولاني في رسالة صوتية بثتها مواقع جهادية مواطني امريكا واوروبا على ادانة هذه الهجمات التي قال إنها قد تتمخض عن رد انتقامي من المسلمين، وقال المرصد ومقره بريطانيا إن الهجمات نفذت بعد منتصف الليل بفترة وجيزة في محافظة الرقة السورية.

وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد إن تدمير المصافي المؤقتة أدى لارتفاع حاد في أسعار الديزل مضيفا انه بالنسبة لسكان محافظة حلب الشرقية على سبيل المثال فقد ارتفع السعر بمقدار أكثر من المثلين، وقال إن السعر ارتفع من تسعة آلاف ليرة سورية إلى 21 ألف ليرة مشيرا الى ان ضرب هذه المصافي يلحق الضرر بالناس العاديين إذ يتعين عليهم الآن دفع ثمن باهظ، وبإمكان المصفاة المؤقتة المتوسطة الحجم المثبتة على شاحنات أن تصفي زهاء 200 برميل يوميا من النفط الخام لاستخلاص الوقود ومنتجات أخرى.

لكن تأثير الضربات على قدرات التنظيم لم يتضح على الفور، واكتسب تنظيم الدولة الاسلامية تعاطف الكثير من الإسلاميين بعد الهجمات بما في ذلك من جماعات منافسة، وترك عشرات المقاتلين جبهة النصرة الذراع الرسمية لتنظيم القاعدة في سوريا للانضمام إلى الدولة الإسلامية منذ بدء الضربات، وأخفقت الضربات الجوية حتى الآن في وقف تقدم مقاتلي الدولة الإسلامية صوب قرية كوباني الكردية في سوريا بالقرب من الحدود مع تركيا والتي فرض التنظيم حصارا عليها من ثلاث جهات مما أدى لنزوح جماعي لأكثر من 150 ألف لاجئ، وفي واشنطن كثف مشرعون أمريكيون دعواتهم بأن يمنح الكونجرس تفويضا لحرب أوباما ضد مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا وسط مؤشرات على أن الولايات المتحدة وحلفاءها يواجهون حربا طويلة وصعبة.

وقال رئيس مجلس النواب جون بينر لقناة تلفزيون إيه.بي.سي الأمريكية انه يعتقد أن أوباما يملك سلطة قانونية لتوجيه ضربات ضد الدولة الاسلامية لكنه سيستدعي المشرعين من دوائرهم إذا سعى أوباما للحصول على قرار يؤيد الحرب، وأضاف بينر "أعتقد أنه يملك السلطة للقيام بذلك، لكن ثمة اقتراحا بأن يبحث الكونجرس هذا الأمر"، وقال أوباما ومسؤولون أمريكيون آخرون إنهم لا يعتقدون بان هناك حاجة لاجراء تصويت جديد للتفويض باستخدام القوة، لكن السناتور كريس ميرفي وهو ديمقراطي من كونيتيكت وعضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ قال ان على الكونجرس بحث القضية بسبب الغموض بشأن إلى متى سيظل الجيش الأمريكي مشاركا في تلك العملية في سوريا.

وقال أوباما إن وكالات المخابرات الأمريكية قللت من شأن نشاط تنظيم الدولة الإسلامية داخل سوريا التي أصبحت "قبلة" الجهاديين في جميع أنحاء العالم، واضاف أن المتشددين اختبأوا عندما سحقت قوات مشاة البحرية الأمريكية تنظيم القاعدة في العراق بمساعدة من العشائر العراقية، وقال وفقا لمقطع من المقابلة بث في وقت سابق "لكن على مدى العامين الماضيين وفي خضم فوضى الحرب الأهلية السورية حيث لديك مناطق واسعة من الأراضي لا تخضع لحكم أحد استطاعوا أن يعيدوا تنظيم صفوفهم واستغلال تلك الفوضى"، وتابع قوله "من ثم أصبحت (تلك الأراضي) قبلة الجهاديين حول العالم".

استعادة شرق سوريا

من جهته قال رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي إن هناك حاجة إلى ما بين 12 و15 ألف مقاتل من قوات المعارضة لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها الدولة الإسلامية في شرق سوريا وذلك في الوقت الذي حددت فيه وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) الخطوات الأولى في برنامج تدريب تقوده الولايات المتحدة يمكن أن يستمر عدة سنوات، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن فرقها للتقييم وصلت بالفعل إلى السعودية للمساعدة في رسم برنامج تقوده الولايات المتحدة هناك من المتوقع أن يدرب أكثر من خمسة آلاف من مقاتلي المعارضة الذي يدعمهم الغرب في السنة الأولى.

والأمل في أن تتمكن قوة منظمة ومجهزة بشكل جيد من المعارضة المعتدلة من الاستفادة من الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذين سيطروا على مساحة واسعة في سوريا، وحذر ديمبسي من أن خمسة آلاف ليست سوى بداية فقط لعملية طويلة نحو هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، وأضاف ديمبسي "خمسة آلاف لا تكفي، المطلوب 12 إلى 15 ألفا هم ما نعتقد أنهم قادرون على استعادة الأراضي في شرق سوريا"، ووافق الكونجرس بشكل مؤقت على خطة الولايات المتحدة لتدريب المعارضة السورية المعتدلة، ومن المتوقع أن تتكلف هذه الخطة 500 مليون دولار في عامها الأول.

وقال المتحدث باسم ديمبسي إن التقدير الذي يتراوح بين 12 ألف فرد و15 ألف فرد وضع على افتراض أن تدريب المقاتلين سيستغرق ما بين عامين وثلاثة أعوام، وقال ديمبسي إنه لكي ينجح هذا الجهد لن يتعين على المعارضة السورية المدعومة من الغرب تطوير قادة فحسب ولكن أيضا تطوير "هيكل سياسي يمكن أن يتجمعوا فيه، ويخشي معارضو الرئيس السوري بشار الأسد المدعومون من الغرب من أن تخدم الحملة الجوية الأمريكية والعربية مصالح الأسد ويطالبون بتزويدهم بمزيد من الأسلحة الثقيلة من واشنطن، وأكد وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل الذي كان يتحدث في نفس المؤتمر الصحفي إلى جانب ديمبسي عدم وجود تنسيق عسكري مع الأسد وأن "شيئا لم يتغير في موقفنا، الأسد فقد كل الشرعية للحكم".

ومع ذلك وفي إشارة للطريق الطويل مستقبلا اعترف هاجل بأن الولايات المتحدة مازالت غير قادرة على تحديد من سيكون رئيس المعارضة المدعومة من الغرب، وقال "ليس لدينا رئيس لها، لن نوجههم بشأن من سيتولى قيادتهم، سيتخذون قرارهم بنفسهم"، وعند الحديث عن الحملة الأوسع ضد تنظيم الدولة الإسلامية حذر هاجل بعد الغارات الجوية في سوريا والعراق "هذا لن يكون جهدا سهلا أو قصيرا.

التقارب بين الخصوم

فيما تواجه جبهة النصرة جناح تنظيم القاعدة في سوريا ضغوطا متزايدة من أعضائها للتصالح مع تنظيم الدولة الإسلامية المنافس والتصدي للعدو المشترك بعد أن أصابت الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة الجماعتين، لكن مقاتلين في جبهة النصرة يقولون إن تلك الخطوة تستلزم إعلان البيعة لتنظيم الدولة الإسلامية التي أعلنت قيام خلافة في الأراضي التي تسيطر عليها في العراق وسوريا الأمر الذي سينهي فعليا جبهة النصرة، وأنهكت جبهة النصرة التي كانت لفترة طويلة واحدة من أكثر الجماعات التي تحارب الرئيس السوري بشار الأسد فعالية بسبب المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية وهو جماعة منشقة على تنظيم القاعدة وتستخدم عادة أساليب قاسية مثل قطع الرؤوس والإعدام الجماعي.

وتتشارك الجماعتان في الأيديولوجية ذاتها وفي نفس المعتقدات الجامدة لكن الخلافات دبت بينهما أثناء صراع على السلطة بين أبو بكر البغدادي زعيم الدولة الإسلامية من جهة وأيمن الظواهري زعيم القاعدة وأبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة من جهة أخرى، لكن الضربات الجوية والصاروخية التي تقودها الولايات المتحدة والتي أصابت قواعد لجبهة النصرة وللدولة الإسلامية في سوريا أغضبت أعضاء جبهة النصرة الذين يقولون إن الغرب وحلفائه وحدوا قواهم في حملة "صليبية" على الإسلام، وقالت مصادر قريبة من تنظيم الدولة الإسلامية إن بعض مقاتلي جبهة النصرة ينضمون إلى الدولة الإسلامية بعد الضربات لكن هناك احساسا يتزايد بين كثيرين بأن الوقت قد حان لتنحية خلافاتهما جانبا.

وقال مصدر مقرب من قيادة جبهة النصرة "هناك أصوات متشددة داخل النصرة تضغط من أجل المصالحة مع الدولة الإسلامية" لكنه يشك في إمكانية حدوث ذلك، وقال "أنا أعرف الجولاني، لن يتصالح أبدا مع الدولة الإسلامية، وإن فعل فإن لن يكون إلا بأمر مباشر من أيمن الظواهري نفسه"، لكن مقاتلا من تنظيم الدولة الإسلامية قال إنه يعتقد أن هناك فرصة "بنسبة 80 بالمئة بأن ينضم الإخوة في النصرة إلى الدولة الإسلامية"، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا إن أكثر من 200 مقاتل الكثير منهم من جبهة النصرة انضموا إلى الدولة الإسلامية في منطقة شمال حلب منذ أن قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه مستعد لضرب الجماعة في سوريا.

وكانت شخصية كبيرة من القاعدة حذرت في رسالة صوتية وضعت على منتديات للمتشددين على الانترنت المسلمين من الانضمام إلى الدولة الإسلامية ودعا المقاتلين في سوريا إلى إنقاذ سفينة الجهاد والوصول بها إلى البر قبل أن تحيد عن مسارها، وقال موقع سايت الذي يراقب الجماعات الجهادية إن القيادي بالقاعدة محمد ابن محمود ربيع البحطيطي طالب المقاتلين في سوريا في رسالته تجنب الاقتتال والتعصب، وقال البحطيطي "انقذوا سفينة الجهاد وأدركوها قبل ان تحيد عن طريقها وتستقر فى طريق اهل الاهواء اسعوا إلى إعادة اللحمة بين المجاهدين واحذركم تحريش الشيطان بينكم وبين اخوانكم واياكم ودماء المسلمين وقتال المجاهدين فهو الفشل"، وأضاف "ندعو لإعادة الخلافة الراشده على منهاج النبوة لا على نهج الانحراف والكذب ونقض العهود ونكث البيعات، خلافة تقوم على العدل والشورى والالفة والاجتماع لا على الظلم وتكفير المسلمين وقتل الموحدين وتفريق صف المجاهدين ندعو لتوحيد المسلمين جميعا حول كلمة التوحيد". بحسب رويترز.

وكانت جبهة النصرة تواجه حتى قبل بدء الضربات الجوية صعوبات وتخسر مقاتلين ينضمون لتنظيم الدولة الإسلامية التي تعد أفضل تنظيما وأكثر تصميما على فرض الحكم الإسلامي، وقال أبو مصعب المقدسي وهو قيادي بجبهة النصرة في رسالة صوتية وضعت على منتديات جهادية على شبكة الإنترنت ردا على سؤال وجهه أحد الإسلاميين عن موقف الجماعة من الضربات قائلا "بصراحة هذا الأمر ما بده (لا يحتاج إلى) سؤال، يعني حرب صليبية ضمت كل أمم الكفر ضد الدولة الإسلامية"، وأضاف أنه مهما "كانوا ومهما صار بيننا يظلوا هم إخوة لنا، إرادة العقيدة والإخوة أكبر من أي شيء، نحن مستعدون لأن نقاتل في صفهم، نحورنا دون نحورهم، دماؤهم دماؤنا وأعراضهم أعراضنا"، وقال مقاتل سابق في جبهة النصرة داخل سوريا إن الضربات الجوية عززت موقف الدولة الإسلامية.

وقال "النصرة في وضع صعب للغاية، اعتقد أنه يتعين أن يعلنوا أنها انتهت أو أوشكت على الانتهاء، يجب أن يتحلى الظواهري بالشجاعة"، وأضاف "لم تعد الأمور مثل الزمن الماضي كل سمع وطاعة له (الظواهري)، هذا عهد جديد له خليفة وعليه أن يفهم ذلك"، لكن مصادر من الجانبين ومقربة منهما قالت إنه سيكون من الصعب على الجماعتين العمل معا دون إندماج ونظرا لأن النصرة في وضع أضعف فإن ذلك يعني فعليا خضوعها للدولة الإسلامية، وهذا قرار يتخذه الظواهري بنفسه، وقالت المصادر إنه يتعين عليه أن يوجه كلمة قريبا يحدد فيها موقف القاعدة من الهجمات، وقال مصدر قريب من قيادة جبهة النصرة "الجولاني لا يثق في البغدادي ولا تروق له سياساته ولا برنامجه ويرى أنه ضال ومنحرف".

لكن المصدر قال إن هناك شخصيات في جبهة النصرة تعتبر أكثر تطرفا تريد تحقيق السلام مع تنظيم الدولة الإسلامية مشيرا بشكل خاص إلى الشيخ سامي العريدي المقرب من الجولاني كمناصر قوي للمصالحة، وأضاف المصدر أنه في حالة حدوث ذلك فإنه سيكون تحالفا وليس اندماجا مضيفا أن الاندماج سيكون مستحيلا لأن البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة للمسلمين يريد من الظواهري أن يبايعه، لكن حتى إذا أصدر الظواهري أوامر للنصرة بأن تحارب إلى جانب الدولة الإسلامية فإن ذلك سيعجل بنزيف النفوذ منه إلى البغدادي، وفوجئت جبهة النصرة التي كانت تحاول بمساعدة من حلفائها حذف اسمها من قائمة الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية بقصف طائرات حربية تابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لعدد من مواقعها في محافظة إدلب.

ويعتقد أن عددا من القادة العسكريين للنصرة قتلوا في الضربات بمن فيهم محسن الفضلي الكويتي المعروف أيضا بأبي أسماء الجزراوي والذي اشتهر بأنه من الحلقة المقربة لزعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن ويقول مسؤولون أمريكيون إنه أيضا زعيم "جماعة خراسان"، وخراسان هو الاسم الإسلامي الذي يطلق على منطقة تضم مناطق من باكستان وأفغانستان والتي يعتقد أنها مخبأ المجلس الرئيسي لتنظيم القاعدة، وقال المصدر المقرب من قيادة النصرة إن جماعة خراسان يقودها مقاتلون سابقون من أفغانستان، وأضاف المصدر "إنها مجموعة صغيرة جدا -عشرات فقط من المقاتلين، وإنها أكثر رمزية لأنها تتألف من مقاتلين سابقين جاءوا من أفغانستان وجميعهم مطلوبون في واشنطن، ويتبعون قيادة القاعدة مباشرة".

وقال مصدر آخر في جبهة النصرة إن خلافا نشب في الآونة الأخيرة بين الفضلي والجولاني لكن التعاون بينهما استمر، وأضاف المصدر أن الضربات التي وجهت ضد "جماعة خراسان" أظهرت كذلك أن الولايات المتحدة تعرف أكثر مما يجب، وهذا قد يسبب حرجا لزعماء النصرة في أعين كبار المقاتلين الذي تساورهم شكوك بأنهم مخترقون، ويشار إلى أن زعماء النصرة انتقلوا للعمل سرا وغيروا أماكنهم منذ بدء الضربات، وقال مصدر في النصرة "دقة الهجمات على هذه المواقع تبين أن المخابرات الأمريكية اخترقت النصرة ولديها عملاء بداخلها، ذلك واضح تماما لنا الآن"، وتعهد مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية والمتعاطفون معهم بالرد على الضربات، واتهموا السعودية بشكل خاص بأنها العقل المدبر وراء الهجمات.

لكن الجهاديين يقولون أيضا إن الجماعة ليست في عجلة وإنها ستنتظر لترى ماذا يعتزم التحالف أن يفعله، وانتقل زعماء الجماعة للعمل سرا حتى قبل أن تبدأ الضربات وقاموا بإخلاء معظم المباني في معقلهم في محافظة الرقة ونادرا ما يشاهد مقاتلوها في الشوارع، وقال مقاتل من الدولة الإسلامية في سوريا "الرد سيكون في كل دولة شاركت في قصف المسلمين ودولتهم"، وأضاف "سقطت الأقنعة، وهي سقطت أمام أعيننا منذ وقت طويل لكنهم الآن انكشفوا أمام المسلمين جميعا".

الارتياب في الدوافع

من جانب اخر ترى الولايات المتحدة وروسيا في تنظيم الدولة الاسلامية عدوا مشتركا لكنهما تعجزان عن التغلب على الشكوك العميقة المتبادلة والاتفاق على كيفية معالجة هذا الخطر معا ما يستبعد أي دور لموسكو في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة على التنظيم، ويقول المسؤولون إن الخلافات بين طرفي الحرب الباردة السابقين جلية، فموسكو تشك أن واشنطن عاقدة العزم على عزل حليفها الرئيس السوري بشار الأسد، أما واشنطن فترفض بحث إمكانية العمل المشترك مادامت موسكو تصر على أن الضربات الامريكية تحتاج لموافقة سوريا والامم المتحدة.

ويقول مسؤولون أمريكيون إن المساعي الدبلوماسية من المحادثات بين كبار المسؤولين في الامم المتحدة إلى الاتصالات غير الرسمية في موسكو فشلت في تبديد هذه الهواجس التي تردد صدى مشاكل أوسع نطاقا في العلاقات الامريكية الروسية التي وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة بسبب الأزمة في أوكرانيا، وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الامريكية مشترطا عدم نشر اسمه "العقبة الرئيسية أمام مشاركة روسيا هي موقف موسكو أن هذا لا يمكن أن يتم إلا بإذن من الحكومة السورية أو عن طريق الأمم المتحدة وهو أمر لا نقبله"، وأضاف "إذا كان الروس يعتقدون أنهم سيحققون نوعا من التغيير في السياسة الامريكية فهذا لن يحدث"، ورغم أن روسيا لا تتعاطف مع متشددي الدولة الاسلامية الذين استولوا على مساحات كبيرة من الأراضي العراقية والسورية ويتعرضون لضربات جوية في البلدين بقيادة أمريكية فإن علاقات موسكو مع سوريا تعرقل إجراء محادثات حول أي دور محتمل.

ويعقد غياب روسيا عن التحالف المناوئ للدولة الاسلامية حسابات واشنطن إذ يقلل من امكانية تدخل الولايات المتحدة للتأثير على مدى تدفق السلاح الروسي على دمشق في الوقت الذي تمضي فيه الحملة الجوية على تنظيم الدولة الاسلامية قدما بضرب مواقعها في سوريا وكذلك تسليح قوات المعارضة السورية، وتحاول موسكو تعزيز نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وهي تعد من موردي السلاح الرئيسيين لسوريا ما منح الأسد دعما حاسما لخلال الحرب الأهلية المستمرة منذ ما يقرب من أربعة أعوام وعرقل محاولات غربية أوسع لمعاقبة الاسد بفرض عقوبات عليه لاستخدام القوة ضد المدنيين.

من ناحية أخرى تؤيد واشنطن مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة الذين يسعون للاطاحة بالأسد ومن المرجح أن يلعبوا دورا محوريا في أي عملية برية مستقبلا داخل سوريا، وتتهم الحكومة الأمريكية الأسد بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الانسان وتقول إنها لن تطلب الإذن من حكومة الأسد لشن ضرباتها الجوية في سوريا، وفي حين أن ذلك يكاد يغلق كل أبواب التعاون العسكري في سوريا ضد الدولة الاسلامية فمازال المسؤولون الأمريكيون يرون امكانية العمل معا في جبهة أخرى هي دعم المعركة التي تخوضها بغداد لدحر التنظيم في العراق، لكن حتى في العراق يبدو العمل المشترك لأمريكا وروسيا مستبعدا، وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية "للولايات المتحدة وروسيا مصلحة في هزيمة هذا النوع من التطرف العنيف الذي تمثله الدولة الاسلامية".

ويقول مسؤولون أمريكيون مطلعون اطلاعا مباشرا على مباحثات خاصة جرت بين موسكو وواشنطن في الاسابيع الأخيرة إن حساسية روسيا بشأن مصير الأسد برزت بشكل ملحوظ في هذه المحادثات، وقال المسؤولون إنه بعد أن أعلن الرئيس باراك أوباما بدء الضربات الجوية على قوات الدولة الاسلامية في العراق بدأ أعضاء في إدارته يلمحون لموسكو أن الدور على سوريا، وقالوا إن وزير الخارجية جون كيري نقل هذه الرسالة إلى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في باريس يوم 15 سبتمبر ايلول الماضي على هامش مؤتمر عن العراق حضره الاعضاء الدائمون بمجلس الامن الدولي ودول أوروبية وعربية وممثلون عن الاتحاد الاوروبي والجامعة العربية والأمم المتحدة، وتعهد الجميع بمساعدة حكومة بغداد.

وقال المسؤولون إن كيري عرض في ذلك الاجتماع تأكيدات بأن الولايات المتحدة لن تستهدف الأسد أو قواته مباشرة، وناقش الاثنان في اجتماع بالأمم المتحدة المسألة من جديد وذلك في أعقاب بدء الضربات الجوية في سوريا، وقال مسؤول أمريكي كبير "لم يغير الاجتماع شيئا"، وفي مؤتمر صحفي بالأمم المتحدة شكك لافروف في شرعية الحملة الجوية وقال "نحن نحارب الارهاب باتساق وعلى الدوام لا عندما يعلن أحد تحالفا فقط"، وتحذر موسكو منذ مدة طويلة من النتائج العكسية المحتملة للدعم الأمريكي لقوات المعارضة المناهضة للاسد في الحرب السورية، وزادت هذه المخاوف بسبب خطط توسيع التدريب الامريكي للمعارضة وتسليحها.

وعلى الرغم من ذلك فمن الممكن ان تستفيد روسيا من أي نجاح تحرزه أمريكا في حربها على الدولة الاسلامية التي انضم إليها مقاتلون من منطقة شمال القوقاز ذات الغالبية المسلمة وهي منطقة يشن فيها متشددون هجمات يومية لإقامة دولة اسلامية، ويرجع العنف في تلك المنطقة إلى حربين خاضتهما موسكو مع انفصاليين في الشيشان بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وربما يشكل هؤلاء المقاتلون خطرا أمنيا على روسيا إذا عادوا إلى شمال القوقاز، ومن بين الأفراد والجماعات التي أعلنت وزارة الخارجية الامريكية في 24 سبتمبر ايلول أنهم ارهابيون أو يسهلون أعمال الارهاب جماعة جيش المهاجرين والأنصار وهو جماعة متشددة شيشانية، واعتبر هذا الوصف مفيدا لموسكو إذ أنه يمكن واشنطن من تجميد أصول ومنع تحويلات مالية. بحسب رويترز.

لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن واشنطن لم تقدم لموسكو طلبا خاصا للانضمام إلى التحالف أو العمل معا لمحاربة الدولة الاسلامية، ولم تعرض روسيا شيئا من هذا القبيل، لكن المسؤولين يسلمون بأهمية أي دور محتمل لموسكو في أي حملة تتم في الشرق الأوسط، وقال المسؤول الكبير بإدارة أوباما "ما من شك أن روسيا لاعب رئيسي في سوريا وفي العراق ومن المحتم أنها ستكون طرفا في أي وضع نتعامل معه" رغم أن نوع الدور الذي يمكن أن تؤديه لم يتضح بعد، وقال مصدر مطلع إن مجموعة من خبراء السياسات الخارجية الامريكيين والروس الذين يقدمون المشورة بانتظام لحكوماتهم عقدوا اجتماعا خاصا في موسكو سعيا لايجاد أرضية مشتركة في الحرب على الدولة الاسلامية.

وقال المصدر إن الوفد الروسي الذي ضم مسؤولين سابقين مازالوا على صلة وثيقة بالكرملين أبدى اهتمامه بالتعاون في مكافحة الارهاب بما في ذلك تبادل معلومات الاستخبارات، لكن المحادثات صادفت ارتيابا كبيرا من الطرفين فلم يتفقا على أي شيء ملموس، وفي موسكو قال فيودور لوكيانوف رئيس تحرير مطبوعة روسيا في الشؤون الدولية إن من المرجح أن يقتصر الدور الروسي في محاربة الدولة الاسلامية على مساعدة الحكومتين العراقية والسورية، وتزود موسكو قوات الأمن في البلدين بالسلاح، وقال لوكيانوف الذي يرأس لجنة استشارية للشؤون الخارجية بالكرملين "روسيا ليس لديها أي رغبة أو أي خطة أو اهتمام بأن تكون جزءا من أي حملة تقودها الولايات المتحدة"، وأضاف قائلا "وجهة النظر الروسية هي أن كل هذه الفوضى نتجت إلى حد كبير عن السياسة المتهورة والطائشة في غزو العراق".

وقال مسؤولون أمريكيون إن واشنطن أسعدها تصويت روسيا بالموافقة على قرار تدعمه الولايات المتحدة يحث الحكومات على المساعدة في وقف تدفق المقاتلين الأجانب على الجماعات الجهادية، لكن ماثيو روجانسكي الخبير في الشؤون الروسية بمركز ويلسون للأبحاث في واشنطن قال إن خطاب أوباما في الامم المتحدة في اليوم نفسه الذي حذر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من مغبة "العدوان" على أوكرانيا ربما يكون قد محا الاثر الطيب، وأضاف "من وجهة النظر الروسية كل شيء مترابط"، وقال جيمس جولدجاير المتخصص في شؤون الكرملين بالجامعة الامريكية في واشنطن إن العقبات التي تحول دون التعاون الأمريكي الروسي ضد الدولة الاسلامية أضخم فيما يبدو من أن يتم التغلب عليها قريبا لكن التغيير قد يحدث إذا شعرت موسكو بخطر على أمنها، وأضاف "في الوقت الحالي يتمثل أكبر مشاغل روسيا في الحفاظ على النفوذ القليل الذي تبقى لها في الشرق الأوسط، وهذا يعني سوريا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/تشرين الأول/2014 - 12/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م