في التغيير الذاتي.. عقبات الحياة اليومية وطريق التقدم

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: معروف لدى سالكي طريق النجاح والتقدم وجود عقبات وعراقيل تعيق الحركة، وعندما تزداد وتتعقد بحيث يصعب التعامل معها، تبعث على اليأس والاحباط في النفس ثم تدفع – احياناً- الى الركون جانباً ثم القبول بالموجود.

هذا المآل لا يعني أن قدرات الانسان الذهنية والعضلية والمالية وغيرها، تنتهي وتتبخر لدى اصطدامه بمشكلة معينة في حياته، إنما الذي يحصل هو انتقال هذه القدرات من طريق التقدم والتطور الى حيث الانشغال بتفكيك تلك المشاكل المعقدة ومحاولة تلبية الاحتياجات اليومية على أمل تقليل المشاكل المتوقعة والمعروفة لدى الجميع، مثل امتلاك المنزل والسيارة والرصيد في البنك وفرصة العمل الجيدة، بل حتى المظهر الجذاب واللائق وغيرها.

واذا نجد اليوم التخبّط في الحلول لأزمات لا تُعد، والبحث المرير عن خيط من النور وسط الظلام، فانه لا يعود بالضرورة الى مشاكل في قضايا كبرى، نصنفها دائماً؛ "اقتصادية وسياسية واجتماعية"، إنما هنالك مشاكل تظهر في الطريق مثل الحشائش والنباتات التي تنبت بشكل طبيعي في الغابات، فهي تظهر مع الحياة اليومية للانسان، من أول لحظة استيقاظه في الصباح الباكر، وحتى اللحظات الاخيرة قبل ان يغمض عينيه ويستسلم للنوم. بمعنى انها لا تندرج ضمن المسائل العلمية والنظرية التي تناقش وتحل، إنما ملاصقة بسلوك الانسان ومزاجه وايضاً طريقة تفكيره في الحياة.

ومن ابرز هذه المشاكل التي تداهم الانسان، "القلق" من كل شيء وعلى كل شيء، الامر الذي يتسبب في انتشار حالة اللااستقرار النفسي واصابة العقل بالاهتزاز الدائم بحيث تعيقه عن التفكير الصحيح ثم التفكّر والابداع والانتاج بما يفيد الآخرين.

هذه النقطة الدقيقية يسلط الضوء عليها سماحة الامام الشيرازي الراحل – قدس سره- وهو بذلك أجدر وأدرى، كونه ذو تجربة فريدة وعظيمة في تذليل هذه العقبات والمشاكل الحياتية البسيطة، وإلا ما الذي منع الآخرين من أن يكونوا كتاباً وباحثين ومفسرين وعلماء مجاهدين ومشيدي مؤسسات اجتماعية وثقافية و... غيرها كثير..؟! ففي كتابه "طريق النجاة" يعد "القلق" من أهم اسباب الجمود والتراجع ثم السقوط. لكن القلق من أي شيء..؟ هل من الناحية الامنية او السياسية التي نلاحظها اليوم تفرض نفسها على حياة الناس؟ ان من مناشئ القلق "الحرص" – يقول سماحته- "فإن حرص كل أحد على أن ينال ما ليس في مقدوره ولا يتمكن عليه حصل له القلق..".

حجم الطموح بحجم الاهتمامات

لو نطالع حياة العظماء من علماء مكتشفين ومفكرين وقادة محررين، وجدنا البساطة في حياتهم اليومية إعطائها الحد الادنى من الاهتمام، مثل المظهر الخارجي والمأكل والمسكن وغير ذلك.. بينما الاهتمام الاكبر للطموح الكبير، مثل التوصل الى استنتاج علمي مهم ومصيري في الطب او الهندسة او الفلك وايضاً في العلوم الدينية والانسانية، وهذا نلاحظه ايضاً في القادة المحررين الذين يتخلون عن كل شيء إلا ارادتهم الصلبة ورؤيتهم الدقيقة للجماهير وساحة المواجهة، وايضاً للهدف الذي يرومون الوصول اليه. والامثال كثيرة، ربما يتبادر الى ذهن القارئ الكريم، العديد من الاسماء اللامعة والمعروفة. علماً ان القصد ليس ان يكون الجميع قادة ومحررون او علماء مكتشفون، إنما المضي قدماً في طريق الخلاص والتقدم وبنفس الاسلوب في التعامل مع مسائل الحياة العامة.

ويشير سماحة الامام الشيرازي الى حقيقة اجتماعية هامة، عندما يعد "الزهد والتقشف.." من عوامل التفاف الناس حول الانسان الطموح والساعي نحو التغيير. كما نجد العكس تماماً في بلادنا الاسلامية، فرغم الادعاءات الكبيرة والشعارات المرفوعة مصحوبة بصور الرموز السياسية والاجتماعية وحتى الدينية، فان النتيجة لا تكون سوى مزيداً من التباعد والتباغض بسبب الهوة الكبيرة بين حياة ذلك  الانسان وسائر ابناء المجتمع، والسبب في حرص السياسي والوجيه على تحقيق كل شيء لنفسه، في وقت يعجز الانسان العادي عن توفير لقمة العيش لافراد اسرته او توفير مسكن لائق او غير ذلك.

لنقرأ معاً كيف يحرص سماحته على دفع الجميع نحو كفّ الحرص عن حياتهم العامة.. "من المهم جداً للسالكين طريق النجاة، التقشف والزهد وعدم التجمل وعدم تكثير أسباب الحياة، فإنها تأخذ أوقاتاً مزدوجة، وتهدر أموالاً كثيرة، وتصرف البال في أشياء تافهة.. ثم ان الزاهد المتقشف في الحياة يلتف الناس حوله، وتميل القلوب إليه، بما يسبب نجاح حركته، خصوصاً إذا كان الأمر بحاجة إلى صب المسلمين كلهم في منهاج التحرك المُنجي، وطريق الخلاص الكلي، لا نقول: إن الإنسان يتزهد للناس، بل نقول: للهدف الأسمى الذي هو النجاة بقصد رضا الله سبحانه وتعالى وإنقاذ بلاده وهداية عباده..".

مواجهة العوامل الخارجية

ربما يتفق الجميع – إن نقل لم كلهم- على أن اهم اسباب المشاكل والازمات التي نعيشها، تعود الى العامل الخارجي وما تقوم به دول ومؤسسات مستفيدة من استمرار هذه الازمات على الصعد كافة. هذا الى جانب العوامل الداخلية التي لا تقل تأثيراً عن الاولى. فالقلق الذي نتحدث عنه ناشئ بالدرجة الاولى على فرص العمل والخدمات والامن الغذائي والسياسي والقوانين الخاطئة التي تكبل حياة الناس في البلاد الاسلامية، فهي التي تجعل حياة الانسان اليوم عبارة عن دوامة مفرغة يدور فيها باذلاً كل جهده العضلي والذهني لكنه لا يبرح مكانه ابداً، إن لم نقل يتعرض يومياً للتحجيم والتضعيف. وهذا ايضاً مما يسلط عليه الضوء سماحة الامام الشيرازي – قدس سره- وهو ما عهدناه منه، عندما يروم معالجة ظاهرة او ازمة بشكل جذري ومتكامل. يقول: "ان القوانين الاستعمارية أوجبت عدم الاكتفاء الذاتي والتكافل الاجتماعي وما أشبه، فكل شخص يقلق على مصيره، فالصيّادون –مثلاً- كانوا سابقاً يصيدون الأسماك من غير مشكلة قانونية، فينفقون على أنفسهم وعلى أهليهم، أما الآن فالقانون يقف دون عملهم في البلاد غير المستعمرة، وفي البلاد المستعمرة، فان الاستعمار يقف يحول دون ذلك، فالصياد قلق على قوته وزواج ولده وما إلى ذلك..".

لنلاحظ أهم هاجس أمام الناس لاسيما الشباب منهم..! انه المستقبل.. وكيفية التعامل معه، وبأي فرصة عمل وبأي رصيد مالي، وأية حياة زوجية، بل في أي بلد..؟! هذا الذي تشغله الحروب الاهلية والازمات الاقتصادية، أم ذاك..؟ وهكذا.. وقد وصل الامر لأن يشعر الشاب، وهو في مرحلة الشباب والحيوية والبهجة، لأن يراوده القلق القاتل من مرحلة الشيخوخة وكيف سيكون حاله، ومن يهتم به، لاسيما اذا اصيب بعاهة او داء يطرحه ارضاً..؟!.

هذه التساؤلات والاستفهامات والهواجس وغيرها، كلها نتاج السياسات الخاطئة والنهج المنحرف بعيداً جداً عن النهج الذي جاء به الاسلام وضمن للمسلمين وللبشرية الحياة السعيدة والكريمة، فقد ضمن أمير المؤمنين، عليه السلام، مؤنة يوم لذلك الفقير الذمّي الجالس على قارعة الطريق وخلصه من الاستجداء، فهل يترك المسلمون اليوم مع كل ما لديهم من تراث وعقيدة وايمان..؟!

من الواضح هنالك امور عديدة ذات دخل في حالة القلق التي يعيشها الانسان بينه وبين نفسه، لكن لها سلطة دائمية عليه، وليست هي كل شيء، فهنالك النهج الاسلامي المتكامل الذي تحدث عنه الامام الشيرازي في كتابه وفي عديد مؤلفاته، وبامكان كل طموح نحو التقدم والتطور خوض التجربة وسيجد النتجية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/تشرين الأول/2014 - 8/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م