ماذا يدور في دماغ الانسان؟

 

شبكة النبأ: يعد الدماغ البشري احد اهم واعقد اعضاء جسم الانسان، فالدماغ هو المسؤول عن اغلب الوظائف الحيوية والسلوكية والمعرفية للكائن الحي، لذا فقد اصبح هذا الجزء المهم محط اهتمام الكثير من العلماء والباحثين من اجل الوصول الى اسرار ونتائج جديدة، تخص نشاط وعمل الدماغ، هذا بالإضافة الى معالجة بعض المشاكل والامراض التي يعاني منها العديد من البشر خصوصا وان الأجهزة والتقنيات الحديثة، قد مكنت الأطباء من تشخيص بعض اضطرابات ومشاكل الدماغ بشكل مبكر أكثر دقة مما كان في الماضي.

والدماغ البشري وكما تشير بعض المصادر يوجد ضمن الجمجمة، وهو العضو الذي يتحكم في بالجهاز العصبي المركزي للإنسان، عن طريق الأعصاب القحفية والنخاع الشوكي، وأخيرا الجهاز العصبي المحيطي، وبهذا يكون عمليا المنظم لجميع فعاليات الإنسان تقريبا. الأفعال البشرية اللاإرادية أو ما يدعى الأفعال "الدنيا"، مثل سرعة القلب، التنفس، والهضم، فيتم التحكم بها عن طريق الدماغ لاشعورياً بشكل خاص عن طريق الجهاز العصبي التلقائي.

أما الفعاليات العقلية "العليا" أو المعقدة مثل التفكير أو الاستنتاج والتجريد فيتم التحكم بها بشكل واع إرادي. تشريحيا يتم تقسيم الدماغ إلى ثلاثة أجزاء : الدماغ الأمامي، الدماغ المتوسط والدماغ الخلفي; يتضمن الدماغ الأمامي عدة فصوص من القشرة المخية التي تتحكم في الوظائف العليا، في حين يتدخل الدماغ المتوسط والخلفي في الوظائف التلقائية أو اللاشعورية.

وزن الدماغ حوالي 3 رطل (1.4 كيلوغرام). وهو، مع ذلك، واحدة من أكبر أجهزة الجسم، ويتألف من خلايا عصبية بعض 100000000000 أنه ليس فقط وضع الأفكار معا وتنسيق الإجراءات الفعلية للغاية ولكن تنظيم عملياتنا الجسم اللاواعية مثل الهضم والتنفس. ويتحمل من المعلومات ما يقارب 10^79 من المعلومات، ومن المعروف ان الخلايا العصبية في الدماغ والخلايا العصبية والتي تشكل الجهاز في ما يسمى ب "المادة الرمادية". نقل الخلايا العصبية وجمع إشارات كهربائية يتم الإبلاغ عن طريق شبكة من الألياف العصبية الملايين من دعا محورا وتشعبات عصبية. هذه هي الدماغ "المادة البيضاء".

والمخ هو أكبر جزء من الدماغ، وهو ما يمثل 85 في المئة من وزن الجهاز. والمميزة، والتجاعيد عميقة السطح الخارجي هو القشرة الدماغية، التي تتكون من المادة الرمادية. تحت هذا يكمن في المادة البيضاء. ويستهلك الدماغ حوالى 15% من الدورة الدموية التي يضخها القلب والتي تقدر بـ7200 لتر يومياً، أي أن تدفق الدم الدماغي يصل إلى 1080 لتر يومياً.

المهمة الصعبة

وفي هذا الشأن يعد علم الأعصاب من المجالات الطبية التي تشهد نموا سريعا وتحظى بشعبية لدى الناس. لكن على الرغم مما يشهده هذا المجال من تقدم، فإنه عندما "يتحقق فتح علمي" بخصوص منطقة معينة في الدماغ لا يكشف لنا الكثير مما نريد معرفته حول الآلية الداخلية التي يعمل وفقها العقل.

وقد رأى الكثير منا صورا للدماغ وقرأ القصص عنه، حيث ثمة صورة جميلة للدماغ، تسلط الضوء على منطقة منه جرى التوصل إلى أنها مصدر لبعض العمليات والمشاعر مثل الخوف أو الاشمئزاز، أو حتى الاضطرابات في القدرة على الانخراط في علاقات اجتماعية. وهناك الكثير من القصص التي قد تقودنا إلى الظن بأنه جرى الكشف عن مساحات من الغموض الذي يحيط بالدماغ، وذلك أكثر مما عليه الواقع بالفعل.

ومع أن هذه التكنولوجيا مذهلة، فإن "تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي"، وهي واحدة من أشهر طرق المسح التحليلي بالأشعة، لا تقيس في الواقع سوى التغيرات الموضعية لتدفق الدم إلى مناطق في الدماغ، ولا تصور الأعصاب بشكل مباشر. ويستخدم الباحثون تلك التكنولوجيا إذا ما أرادوا معرفة جزء من الدماغ يقوم بمهمة معينة، ويمكنهم من خلالها وضع شخص تحت جهاز مسح الدماغ، ومشاهدة المنطقة التي تكون نشطة.

واستطاع العلماء تحديد ورسم وجوه من خلال مسح الدماغ والتعرف على الأفكار النشطة فيه وعندما تضيء مناطق بعينها في الدماغ أثناء عملية المسح تلك، فإنها تشير حينذاك إلى أنها هي المسؤولة عن أداء تلك المهمة. إلا صور النتائج وفكرة "إضاءة الدماغ" نفسها يمكن أن تؤدي إلى ما هو أبعد من التفسير. وتوضح مولي كروكيت، المتخصصة في علم الأعصاب بكلية لندن الجامعية، أنه في الوقت الذي يعد فيه استخدام تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي مفيدا جدا، فإن الطريق لايزال طويلا لنكون قادرين على قراءة ما يدور في عقل الإنسان من خلال عملية مسح بالأشعة لدماغه فقط.

وقالت كروكيت: "لدينا مفهوم خاطئ لا يزال منتشرا، وهو أنه يمكنك النظر إلى بيانات تصوير الدماغ لشخص ما، وأنه من ثم ستكون قادرا على قراءة أفكاره ومشاعره، وذلك ليس صحيحا بالتأكيد." وأضافت: "ستكون هناك دراسة قد أنجزت لتخبرنا عما يدور في الدماغ، إلا أن ما يسعى الناس وراءه بالفعل هو حدوث طفرة في فهم العقل." واستشهدت بمقال تحت عنوان :"حرفيا أنت تحب هاتف الآيفون الخاص بك"، حيث إنه في تلك الحالة لاحظ فريق البحث أن منطقة من الدماغ كان يجري ربطها في السابق بمشاعر الحب قد نشطت عندما شاهد المشاركون في تلك الحالة جهاز الآيفون وهو يرن.

إلا أن تلك المنطقة في الدماغ أيضا كانت قد وصفت من قبل بأنها ترتبط بمشاعر "دائرة الكراهية"، والاشمئزاز، وبأنها أيضا هي مركز الإدمان بالدماغ. وقراءة الأفكار والمشاعر المفصلة والمحددة من خلال المسح فقط يبقى دربا من الخيال ويلقي هذا المثال الضوء على ما يعرفه العديد من علماء الأعصاب، وهو أن منطقة واحدة بالدماغ يمكن أن ترتبط بالعديد من العمليات الإدراكية.

ويمكننا أن ننظر في الأمر بهذه الطريقة، إذ يمكن أن نعتبر الدماغ وكأنه جهاز معالجة ضخم يحوي المليارات من الخلايا العصبية، ويعتقد أن كل مليمتر مكعب فيه يحتوي على حوالي مليون خلية عصبية. لذلك فمن المستحيل حتى الآن أن نقوم بتحليل الخلايا العصبية الفردية لدى البشر. إلا أنه وعند "فك شفرة" البيانات التي تخرج من المناطق النشطة في الدماغ، فإنه يمكن للأنماط أن تقدم بعض النتائج المثيرة.

وقام فريق بحثي بجامعة كاليفورنيا، بتقديم مقاطع فيديو لمجموعة من المشاركين في الدراسة، ووضعهم تحت جهاز مسح بالأشعة، ثم قام بتحويل الإشارات الكهربية في الدماغ إلى مقاطع فيديو. لقد اتضح أنها تشبه إلى حد كبير ما كانوا يشاهدونه. لكن جاك جالانت، صاحب الدراسة، اعترف بأنه لم يقم بـ "قراءة العقل"، لأنه لا يعلم في الحقيقة ما هو "العقل". وقال: "من ناحية أخرى فإنني أقوم ببعض "القراءات للدماغ"، وهي ببساطة عملية لفك شفرة المعلومات التي يعاد استرجاعها من قياسات نشاط الدماغ." وتابع قائلا: "من الناحية النظرية، فإن هذه عملية واضحة، بيد أن أي نتائج لقراءة الدماغ ستكون محددة بالتأكيد بجودة قياس نشاط الدماغ، وجودة نماذجه الحسابية."

والمناطق التي تضيء في الدماغ تشير إلى مسؤوليتها عن بعض المهام والحركات التي يقوم بها الإنسان وأجرى مارتن دريسلر، من معهد ماكس بلانك للطب النفسي في ألمانيا، دراسة مشابهة يُظهر من خلالها أن مسح الدماغ يمكن أن يساعد في تفسير حركة بسيطة من أحلام المشاركين في الدراسة، كحركة اليد مثلا. وتمكنت دراسة أخرى أجريت مؤخرا من إعادة تحديد وجوه ورسمها بناء على النشاط الدماغي.

وبنظرة أكثر اتساعا، يرى باحثون آخرون أن عمليات المسح بالأشعة للدماغ تعتبر أيضا أدوات تفيد في فهم حالة الوعي. وفي هذا الإطار، توصلت دراسة نشرت في مجلة لانسيت العلمية إلى أن عملية تصوير الدماغ كان من شأنها أن تساعد في التنبؤ باحتمالية استعادة مريض ما لوعيه.

وقال سريفاس تشينو، من جامعة كامبريدج: "إن فهمنا لحالة الوعي قد تطور بشكل بارز خلال العقدين الماضيين،" كظاهرة برزت من شبكات المناطق المتفاعلة في الدماغ. واستخدم صور الدماغ في إظهار كيفية تأثر تلك الشبكات بتغير حالات الوعي، مثلما يحدث عقب إصابة المخ أو التخدير. بحسب بي بي سي.

ومن الواضح أن هذا المجال يتطور بسرعة، لكن الدكتور دريسلر يؤكد على أنه وفي الوقت الذي يمكن لتجارب بعينها أن تبدأ في تفسير أنماط التفكير بصريا، فإن ذلك لا يمكن إلا باستعداد المشاركين في الدراسة لساعات طويلة للقيام بها. وأضاف دريسلر: "تبقى المشكلة الأكبر في أن كل دماغ يختلف عن الآخر، ولا يمكن تطبيق طرق معادلات رياضية حققت نجاحا مع عقل شخص ما على عقل شخص آخر دون أن تكون هناك مشكلات تواجه ذلك." لذلك فإنه وفي الوقت الذي أصبح من الممكن فيه رؤية أنماط تفكير جرى التحكم بها بحذر من خلال عملية مسح الدماغ بالأشعة، إلا أن قراءة الأفكار والمشاعر المفصلة والمحددة من خلال عملية المسح فقط لا يزال ضربا من الخيال.

المخ أثناء النوم

على صعيد متصل لا يتوقف المخ عن العمل أثناء النوم، بل يمكن للنائم أن يقوم بترتيب الكلمات بطريقة صحيحة أثناء سباته. هذا ما توصل اليه باحثون من كامبريدج وباريس قاموا بإجراء اختبار كلمات على عدد من الأشخاص أثناء يقظتهم، وتبين قدرتهم على الاستمرار في الاجابة بشكل صحيح أثناء

وتشير الدراسة إلى أن المخ يمكنه القيام بمهام مركبة أثناء النوم خاصة اذا كانت المهام تتم بشكل آلي.

وركز الباحثون على دراسة سلوك المخ خلال يقظته ونومه. وقاموا باستخدام الجهاز الكهربائي لقياس انشطة المخ، وقاموا بتسجيل نشاط مخ المشاركين في الاختبارات عندما طلب منهم ترتيب كلمات منطوقة لحيونات أو أشياء بواسطة الضغط على ازرار. وطلب من المشاركين في الاختبارات الضغط على زر في اليد اليمنى للتعبير عن الحيوانات وزر آخر في اليد اليسرى للتعبير عن الأشياء.

وسمح ذلك للباحثين بمتابعة استجابات المشاركين ورسم خريطة لحركة المخ مع كل قائمة من الكلمات. ثم طلب من المشاركين الرقاد في غرفة مظلمة وأعينهم مغمضة ومتابعة تصنيف الكلمات بينما بدأوا يغفون. وعند نومهم تم تغيير قوائم الكلمات واستخدام كلمات أخرى على المشاركين في التجربة للتأكد من أن المخ يحتاج إلى معرفة معنى الكلمة قبل تصنيفها باستخدام الازرار.

ويقول الباحثون إنه تبين من نشاط المخ استمرار المشاركين في التجربة في الإجابة بشكل صحيح على الرغم من بطء تلك الاستجابة. وخلال ذلك لم تصدر أي حركة عن المشاركين ولم يكونوا في حالة وعي. وقال "سد كويدر" من معهد ايكول نورمال سوبريير "لقد أظهرنا أن المخ النائم يمكن أن يكون أكثر نشاطا بكثير مما كنا نعتقد". وأضاف القول إن هذا "يفسر بعض التجارب التي نتعرض لها في الحياة اليومية مثل القدرة على الاستجابة لأسمائنا أثناء النوم، أو لصوت الساعات المنبهة بالمقارنة بأصوات أخرى أعلى لكنها أقل ارتباطا بنا." بحسب بي بي سي.

وقال إن المشاركين في الدراسة تمكنوا من القيام بعلميات حسابية بسيطة أثناء فترة الدخول في النوم ثم استمروا في معرفة ما إذا كانت تلك العمليات الحسابية صحيحة أم خاطئة أثناء غفوتهم.

كما أضاف أن أي عملية تتم بشكل آلي يمكن أن تستمر خلال النوم، أما المهام غير الآلية فإنها تتوقف بعد الدخول في النوم. وأشار إلى أن هذه الدراسة يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الأبحاث حول قدرة المخ على معالجة المسائل المختلفة.

تحفيز الدماغ كهربائيا

من جهة اخرى ذكرت دراسة علمية أن إثارة جزء معين في المخ باستخدام نبضات كهرومغناطيسية يمكن أن يزيد قدراتنا على تذكر الكثير من الحقائق. وأظهرت التجارب، التي شارك فيها 16 متطوعا بالولايات المتحدة، تراجع نسبة الأخطاء التي ارتكبها المشاركون أثناء اختبارات الذاكرة حوالي 30 في المئة بعد انتهاء التجارب. ويبحث العلماء الآن في إمكانية الاستفادة من تلك التقنية في مساعدة من يعانون من اضطرابات الذاكرة وتقليل حالات فقدان الذاكرة مع التقدم في العمر.

ووصف باحثون مستقلون تلك الطريقة بأنها "عبقرية." واستهدف باحثون في جامعة نورثويسترن في الولايات المتحدة مركز عصبي معين معروف باسم الحصين الهيبوكامبوس. وتلعب تلك المنطقة بالمخ دورا مركزيا في عمليات الذاكرة الأساسية التى تربط حقائق غير مرتبطة ببعضها معا، مثل تذكر اسم شخص ما أو الأطعمة التي كانت في عشاء الأمس.

وحدد الباحثون هذه المنطقة لدى 16 متطوعا مستخدمين مسح وأشعة مفصلة، ثم أجروا تقييما لذاكرتهم الأساسية. وشاهد المشاركون في الدراسة صورا لوجوه بينما كانوا يستمعون لكلمات لا ترتبط بما يرونه، ثم طلب منهم تعلم وتذكر الوجه والكلمة التي سمعها أثناء رؤيته. واستخدم بعد ذلك جهاز لارسال نبضات تحفيز كهرومغناطيسية قصيرة إلى منطقة بالدماغ توجد مباشرة فوق مركز الحصين.

واستمرت الجلسات لمدة 20 دقيقة يوميا طوال خمسة أيام متواصلة. وسجل المتطوعون تحسنا لافتا في اختبارات ذاكرة مشابهة بعد هذه الإجراءات، حتى بعد 24 ساعة فقط من اكتمال الجلسات. وكشفت الدراسة أنهم ارتكبوا أخطاءا أقل بحوالي 30 في المئة، مقارنة بما ارتكبوه قبل الخضوع للجلسات. ولم يظهر على المتطوعين أي تحسن في الذاكرة عند تعرضهم لتجربة كاذبة باستخدام دمية أو نسخة غير حقيقية من الجهاز.

وقال البروفيسور جويل فوس، مسؤول الدراسة :"أظهرنا للمرة الأولى أنه يمكنك بصورة خاصة تغيير وظائف الذاكرة في الدماغ للأفراد البالغين بدون تدخل جراحي أو عقاقير، والتي لم تثبت فاعلية." وأضاف :"هذا التحفيز المحدد يحسن القدرة على تعلم أشياء جديدة، كما أن امكانياته هائلة لعلاج اضطرابات الذاكرة." ويعمل الباحثون الآن على معرفة كيفية تغير الذاكرة مع التقدم في العمر، والأمل في بدء إجراء التجارب على من تظهر لديهم علامات مبكرة للإصابة بمرض الخرف. بحسب بي بي سي.

وقال الدكتور نيك دافيس، الذي لم يشارك في الدراسة :"الطريقة التي استخدمت لتحفيز منطقة الحصن بارعة جدا، إنها عمل ذكي جدا." وأضاف :"العمل مثير خاصة أن كل ما نعرفه عن دوائر الذاكرة يأتي من دراسة الحيوانات أو الأشخاص الذين يعانون من ضعف الذاكرة." ويقول علماء إن الجهاز يعمل على إرسال حقل كهرومغناطيسي قوي من خلال نبضات قوية. ويتولد عندها تيار كهربائي في الألياف العصبية، يحاكي الأنشطة الكهربائية المعتادة في الدماغ.

المخ والتوجهات السياسية

الى جانب ذلك تعد السياسة واحدة من أكثر مجالات الفكر الإنساني تعقيدا. لذلك انتابني الشك بطبيعة الحال عندما سمعت مزاعم بأن فحص مخ الإنسان قد يساعد في التنبؤ بمعرفة خياراته السياسية. ولا تزال علوم الدماغ تحقق تقدما وتكشف أفكارا غير عادية، لكن تحديد ما يمكنك قياسه عبر الماسح الضوئي لتفاعلات الإنسان الاجتماعية يعتبر طفرة كبيرة في هذا المجال، مثل محاولة كشف العلاقة بين طبقين من أطباق المرق، أحدهما من الخضروات والمكرونة واللحم والآخر من خلاصة بعض الأفكار عن الاقتصاد والمساواة والتاريخ.

لكن علماء نفس وأعصاب في كلٍ من الولايات المتحدة وبريطانيا يجرون حاليا دراسات في غاية الأهمية للربط بين المواقف السياسية وما يجري داخل جماجمنا. ويقول دارين شرايبر، الأستاذ في جامعة إكستر: "بالنظر في كيفية معالجة المخ للظواهر السياسية يمكننا أن نفهم بشكل أفضل لماذا نقوم بما نقوم به." وبدأ شرايبر في استخدام آشعة الرنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI) أثناء وجوده بالولايات المتحدة الأمريكية، لبحث أنماط النشاط في المخ أثناء اتخاذ الناس قراراتهم، خاصة تلك التي تنطوي على بعض المخاطر.

وفي حين لم تكن قراراتهم مختلفة بقدر كبير، رأى الدكتور شرايبر تباينا في أجزاء من المخ والتي كانت الأكثر نشاطا في من يصفون أنفسهم بالمحافظين وأولئك الذين يطلقون على أنفسهم ليبراليين. ولن يعمم الأستاذ في جامعة إكستر كيفية تفكير المحافظين والليبراليين بالضبط، لكنه يعتقد بأن بحثه يقول إن وجهات النظر المختلفة تعكس تباينا عميق الجذور في كيفية فهم العالم.

وبدا ريد مونتيغو، الأستاذ في جامعة كوليدج لندن وجامعة فرجينيا للتكنولوجيا، متشككا عندما تقدم لمساعدة علماء السياسة في أبحاثهم. ويضيف مونتيغو: "سخرت منهم، وخرجت من الغرفة"، لكن عندما أظهر جون تشيشولم وفريقه، في جامعة نبراسكا، له بياناتهم التي توصلوا إليها بدأ في تغيير لهجته.

وتوصلت الأبحاث التي أجريت على توأم إلى أن الولاء السياسي يكون في أجزاء منه وراثيا. وقد لا يكون هذا الولاء السياسي بنفس دقة طول التوأم، على سبيل المثال، ولكن يكفي أن يشير إلى أن بعض الميول تكون محافظة إلى أقصى حد أو موجودة داخل الحمض النووي. لكن كيف يمكن بالضبط للاختلافات الجينية أن تتجسد في الاختلافات السياسية على أرض الواقع؟

ويعرب الأستاذان هيبينغ ومونتغيو عن رغبتهما في معرفة إذا ما كان يمكن ملاحظة هذه الميول الفطرية في عمل المخ. لذلك، قام العلماء باختبار بعض ردود الفعل العفوية تجاه صور صممت خصيصا لإثارة الاشمئزاز والخوف، وقالوا إن هناك علاقة بين قوة ردود الفعل للصور وبين وجهات النظر المحتملة لشخص محافظ اجتماعيا. ويقول هيبينغ: "نحن بحاجة إلى توضيح الفرق بين التوجهات الاقتصادية المحافظة وبين التوجهات الاجتماعية المحافظة." وأضاف: "الناس الذين لديهم وجهات نظر أكثر تحفظا تجاه بعض القضايا، مثل الهجرة، والذين هم أكثر حرصا على معاقبة المجرمين، والذين يعارضون الإجهاض... هؤلاء هم من يبدو أن لديهم رد فعل أقوى بكثير تجاه الصور المثيرة للاشمئزاز."

وتقاس ردود الفعل هذه بيولوجيا، وبالتالي فإن الأبحاث تربط بين وجهات النظر الصريحة الواعية وبين ردود الفعل التي تنبع من اللاشعور. ويشمل البحث الذي أجري حتى الآن ردود الفعل تجاه الخطر والاشمئزاز والخوف والتي توضح أقوى الروابط لوجهات النظر السياسية الصريحة. لكن، ظهرت الصعوبة عن محاولة تطبيق هذه الرؤى في مواقف بعينها. وقد يكون المحافظون الاجتماعيون في الولايات المتحدة مؤيدين بقوة لفكرة إنشاء دولة صغيرة وسوق أكثر تحررا. وفي بلدان الكتلة الشرقية السابقة، قد تجعلك التوجهات الاجتماعية أكثر ؤغبة في العودة إلى أيام الشيوعية القديمة.

ويحذر عالم الاقتصاد السلوكي، ليام ديلاني، الذي يدرس الآن الجانب النفسي لحملات الاستفتاء على الاستقلال في أسكتلندا، من الاعتقاد بأن غرائز عقلنا الباطن يمكن أن تكون دليلا كاملا لهذا النقاش. ويقول ديلاني: "تعد الحتمية البيولوجية صعبة إلى حد ما مع هذه الحالات، لأن هناك تباينا كبيرا للغاية بين الأنظمة السياسية المختلفة."

وقام العلماء باختبار بعض ردود الفعل العفوية تجاه صور صممت خصيصا لإثارة الاشمئزاز والخوف ويوافق شرايبر وجهة النظر السابقة بأن "السياسية الإنسانية في غاية التعقيد، ليس فقط فيما يقتصر على العقل. وأريد أن أكون واضحا للغاية في أنني لست من أتباع الحتمية البيولوجية. فنحن ثابتون ولا يجب أن نكون ثابتين." ويتابع: "إذا كان الناس بسطاء للغاية، فلن نحتاج إلى هذه العقول الكبيرة والمعقدة."

ولا يدعي أحد من العلماء القائمين على هذه الدراسة بأن وجهات نظرنا السياسية هي عفوية تماما. فالعقول البشرية تتغير على مدار حياتنا، لذلك يحرص علماء الأعصاب على القول إن تجاربنا، فضلا عن جيناتنا، لطالما تشكل المخ الذي تمر خلاله هذه التجارب. لكن جون هيبينغ يعتقد بأن دوافعنا اللاشعورية، والتي تطورت منذ فترة طويلة كرد على المخاطر الجسدية، توجه تفكيرنا السياسي أكثر مما نحب نحن أن نعتقد.

ويقارن هيبينغ بين ميولنا الأيديلوجية العفوية وبين أي يد نفضل استخدامها. فنحن تعودنا أن نفكر كما لو كانت عادة يمكن تغييرها، لكننا نعرف الآن أنها "متأصلة في علم الأحياء". ولذلك آثار بالغة على الحياة السياسية. فإذا كان الشخص يميل إلى التوجهات اليسارية بقدر العفوية في استخدامه ليده اليسرى، فلماذا كل هذا الإزعاج في الجانب السياسي؟

هل يمكننا وضع الجميع في جهاز الماسح الضوئي للمخ، واستنتاج ما يفكرون فيه، وهل سيستمرون في التفكير، وهل ولدوا ليفكروا، والتوقف عن محاولة تغيير طريقة تفكير أي شخص؟

لقد شعرت بالارتياح عندما وجدت أنه حتى جون هيبينغ نفسه لم يصل لهذا الاستنتاج. "فليس من المبالغة إن اعتقدت بأنه على الناس أن تصمت وأن تقبل باختلاف بعض الأشخاص. بحسب بي بي سي.

لكني أعتقد أن عليهم أن يقبلوا بأن بعض الناس إما أنهم لن يتغيروا أو أنه من الصعب عليهم للغاية أن يتغيروا، وإن استمرار صراخنا في وجوههم لن يغير من الأمر شيئا." لذلك، لن نقوم بقلب الصورة في أي وقت قريب. وهذا أمر جيد، لأنني ما زلت أعتقد بأنه يجب أن تكون مهمة السياسة هي إخراج أفكارنا من جماجمنا إلى العالم الواقعي، العالم الحقيقي المليء بالمعتقدات التي تمثل تحديا والآراء المتضاربة.

معرض الغاز الدماغ

وكشف ستانيسلاس دوهاين الحائز شهادة دكتوراه في علم النفس الادراكي والاستاذ الجامعي في "كوليج دو فرانس" ان الدماغ البشري يمثل "اكثر الامور تعقيدا في الكون" خصوصا بسبب "التركيبة المذهلة للجزيئات والخلايا ومواضع تخزين الذكريات" بداخله. ومنذ اللحظة الاولى لدخوله المعرض، يغوص الزائر في جو خيالي حالم، اذ ان المشهدية في الداخل مستوحاة من العالم السريالي للفنان البلجيكي رينيه ماغريت مع مظلاته وقبعاته المحدبة.

واشار دوهاين الذي يتولى الادارة العلمية للمعرض الى ان "الدماغ سريالي. فهو يسمح بتصور الواقع لكن ايضا بتكوين اوهام". ويزن دماغ شخص بالغ 1,3 كلغ، اي ما يقارب 2 % من وزن الجسم. لكنه يستهلك حوالى 20 % من الاكسجين الذي يسري في الجسم و25 % من السكر في الدم. كذلك يضم الدماغ حوالى 86 مليار خلية عصبية. كما ان النبضات العصبية لها طابع كهربائي. وتشير التقديرات الى حصول عشرات مليارات الشحنات الكهربائية كل ثانية في الدماغ البشري.

وأوضح دوهاين مدير الوحدة المشتركة للتصوير العصبي المعرفي التابعة للمعهد الوطني للصحة والبحث الطبي ومفوضية الطاقة الذرية والطاقات البديلة، ان دماغ الانسان يستمر بالعمل حتى عندما يكون الشخص نائما "لأنه في هذا الوضع يقوم الدماغ بوضع اسس بنيوية للعالم وتكوين النوايا واسقاطها على العالم الخارجي". كذلك يعتبر الدماغ خبيرا احصائيا من الطراز الرفيع: اذ انه يستقرئ النظم التي يسير على اساسها العالم الخارجي لتوقع او استباق ما يمكن ان يحصل.

لكن يمكن للدماغ ان يخطئ عندما يتم نصب فخ له: فعلى سبيل المثال اذا ما وضعت امام الشخص اسطوانتان متلاصقتان الواحدة فوق الاخرى وتم التلاعب بوزن كل منهما -- اذ ان الصغيرة هي الثقيلة والكبيرة فوقها مجوفة وبالتالي خفيفة -- لن تقوم الذراع بالجهد المناسب اذ انها ستعطي قوة مفرطة عندما يتعين على الشخص حمل الغرضين معا.

ومن نقاط القوة في المعرض التجارب المعروضة للزائر والتي تسمح له باختبار دماغه. وهذه التمارين مستقاة من احدث البحوث في مجال العلوم العصبية. وللذين يعتقدون ان بامكانهم القيام بمهام متعددة في آن واحد، ثمة اختبار يثبت لهم عدم صحة ذلك. فللقيام بمهمتين بالشكل الانسب، يستغرق الموضوع وقتا والا ثمة خطر الوقوع في الخطأ. كذلك يظهر اختبار طريف انه عندما يركز المرء على مهمة ما، فإن بعض الامور تفلت منه.

ويشاهد الزائر في هذا الاطار مباراة رياضية بين لاعبين يرتدون الابيض واخرين بالاسود. ويطلب من الشخص ان يركز انتباهه للتوصل الى عدد تمريرات الكرة داخل الفريق الابيض. لكن المشاركين في هذا الاختبار يفوتهم في اكثرية الاحيان رؤية الغوريلا السوداء التي تجتاز الصورة بروية. كما يمكن للعموم اكتشاف الطريقة التي يقرأون فيها نصا والوقت الذي يستغرقه ذلك بفضل جهاز يسجل حركات العينين.

كذلك يفرد المعرض مساحة كبيرة لما يعرف بـ"الدماغ الاجتماعي"، وذلك عن طريق فيلم مسل. وهذا الامر يظهر الطريقة التي يقدم فيها دماغنا افكار الاخرين" بحسب دوهاين. وتشكل القدرة على فهم نوايا الاخرين وتحليلها بشكل صحيح مدماكا اساسيا للحياة الاجتماعية. بحسب فرانس برس.

وفي حالة الاشخاص المصابين بالتوحد، من الممكن حصول خلل في عمل هذا الدماغ الاجتماعي. ومن شأن فهم الاسس العصبية للسلوك الاجتماعي ان يسمح بفتح مسارات علاجية جديدة. ويهتم الباحثون خصوصا بهرمون الأوسيتوسين الذي يتحكم بالنظرة المجتمعية ويعمل على تحريك الرغبة بالتواصل مع الاخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/آيلول/2014 - 28/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م