بعد ثلاثة عقود من التغيرات المناخية..

الحياة شبه مستحيلة على الأرض

 

شبكة النبأ: التغيرات المناخية المتواصلة التي يشهدها كوكب الارض، بسبب اتساع الأنشطة البشرية المتزايدة التي اسهمت بتفاقم خطر هذه الظاهرة، لاتزال محط اهتمام عالمي متزايد خصوصا وان هذه التغيرات قد اسهمت وكما تشير بعض التقارير بحدوث الكثير من المخاطر البيئية والصحية، مثل نضوب طبقة الأوزون، فقدان التنوع الحيوي، الضغوط على الأنظمة المنتجة للغذاء وانتشار الأمراض المعدية بشكل عالمي، هذا بالإضافة الى المخاطر والكوارث الطبيعية الاخرى، ومنها الجفاف الشديد والأمطار الغزيرة المسببة للفيضانات والسيول المدمرة وزيادة ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي الذي سيسهم بارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات الأمر الذي ينطوي على احتمال غرق أجزاء من العالم خاصة المناطق الساحلية والمنخفضة.

وأفادت بعض التقارير والدراسات وكما يقول بعض الخبراء، الى أن الفاعل الرئيسي لهذه التغيرات يتمثل في الانبعاثات الكبيرة للغازات الدفيئة، والمتمثلة في غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها والتي تنتج عن الأنشطة البشرية لعمليات التنمية الصناعية والتوسع في الزراعات وإزالة الغابات والتغير في استخدام الأراضي والتي قد تسبب خسائر بشرية واقتصادية فادحة، والتي بدأت إبان الثورة الصناعية في أوروبا والمستمرة حتى الآن، الأمر الذي أدى إلى بروز ظاهرة الاحتباس الحراري وحدوث تلك التغيرات المناخية. التي تحتاج اليوم الى خطط وقرارات عالمية عاجلة من تهدف الى تقليل مخاطر وتأثيرات التغيرات المناخية.

العالم يتراجع

وفيما يخص بعض هذه التـأثيرات والمخاطر فقد قال تقرير إن الاقتصاديات الكبرى في العالم تتراجع بشكل أكبر كل سنة عن الوفاء بتقليل معدل انبعاث الكربون اللازم لوقف ارتفاع درجة الحرارة أكثر من درجتين هذا القرن. ودرس تقرير "مؤشر الاقتصاد منخفض الكربون" السنوي السادس الصادر عن شركة الخدمات المهنية بي.دبليو.سي تقدم الاقتصاديات الكبرى والناشئة نحو تقليل كثافتها الكربونية أو انبعاثاتها لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال جوناثان جرانت من بي.دبليو.سي "الفجوة بين ما نحققة وما نحتاج لفعله تتزايد اتساعا كل عام". وقال إن الحكومات منفصلة عن الواقع في التعامل مع الهدف المحدد عن درجتين. وأضاف "التعهدات الحالية تضعنا على المسار لايقاف درجة الحرارة ثلاث درجات. وهذا طريق بعيد عن ما تتحدث عنه الحكومات." بحسب رويترز.

واتفقت أكثر من 200 دولة في محادثات الأمم المتحدة للمناخ على الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية بنسبة أقل من درجتين مئويتين عن أزمنة ما قبل الصناعة وذلك للحد من الموجات الحارة والفيضانات والعواصف وارتفاع مستوى البحار فيما يتعلق بالتغير المناخي. وارتفعت درجات الحرارة بالفعل حوالي 0.85 درجة مئوية. وتقول بي.دبليو.سي إن ثمة أمل هو أنه للمرة الأولى في ست سنوات تخفض اقتصاديات ناشئة مثل الصين والهند والمكسيك كثافتها الكربونية بمعدل أسرع من الدول الصناعية مثل الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي.

أعلى وتيرة

في السياق ذاته أظهرت إحصاءات جديدة ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى معدلات قياسية بين عامي 2012 و2013. وزادت نسب تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بين عامي 2012 و2013 بأسرع وتيرة لها منذ عام 1984. وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن الإحصاءات الجديدة تبرز الحاجة إلى معاهدة دولية بشأن المناخ.

لكن وزير الدولة البريطاني لشؤون الطاقة وتغير المناخ إيد ديفي قال إن مثل هذه الاتفاقية ربما لن تتضمن إجراءات ملزمة لخفض الانبعاثات الحرارية كما كان يعتقد سابقا. ولا تقيس النشرة السنوية للانبعاثات الحرارية التي تصدرها المنظمة الدولية للأرصاد الجوية الانبعاثات التي تصدر من مداخن محطات توليد الكهرباء، لكنها تسجل كمية غازات الاحتباس الحراري التي تظل عالقة في الغلاف الجوي بعد عمليات التفاعل المعقدة التي تحدث بين الهواء والأرض والمحيطات. وتمتص البحار والأشجار والكائنات الحية نحو نصف الانبعاثات.

ووفقا للنشرة، فإن متوسط كميات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على مستوى العالم وصلت إلى 396 جزءا في المليون في عام 2013 وزيادة بنحو ثلاثة أجزاء في المليون في عام 2013 مقارنة بالعام السابق. وقال ميشيل جارود الأمين العام للمنظمة إن "نشرة غازات الاحتباس الحراري تظهر بأن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، والذي من غير المحتمل أن ينخفض، زاد العام الماضي بأسرع معدل منذ نحو ثلاثين عاما".

ويبلغ معدل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي حاليا 142 في المئة مقارنة بالمستويات التي سجلت عام 1750 الذي يمثل بداية الثورة الصناعية. لكن متوسط درجات الحرارة على مستوى العالم لم يشهد زيادة بالتزامن مع النمو المستمر لثاني أكسيد الكربون، وهو ما دفع العديد من الأصوات إلى الزعم بأن الاحتباس الحراري قد توقف.

وقالت اوكسانا تاراسوفا رئيسة قسم أبحاث الغلاف الجوي في المنظمة إن "النظام المناخي ليس طوليا، إنه غير مستقيم، وليس بالضرورة أن ينعكس في درجة حرارة الغلاف الجوي، لكن إذا نظرت إلى المواصفات الخاصة بدرجات الحرارة في المحيط، (فستجد) أن السخونة مستمرة في مياه المحيطات". وتشير النشرة إلى أنه في عام 2013، لم تكن الزيادة في مستويات ثاني أكسيد الكربون سببها فقط زيادة نسب الانبعاثات، لكن أيضا تراجع مستويات امتصاص الكربون من المحيط الحيوي للأرض.

وأثار هذا التطور حيرة العلماء في المنظمة الدولية للأرصاد الجوية. والمرة الأخيرة التي سجل فيها تراجع في قدرة المحيط الحيوي للأرض على امتصاص الكربون كانت في عام 1998، حينما كان هناك حرق للكتلة الحيوية على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم بالإضافة إلى ظاهرة النينو. وتزيد ظاهرة النينو من ارتفاع درجة حرارة سطح البحر وتحدث ما بين كل أربعة أعوام إلى 12 عاما.

وقالت أوكسانا تاراسوفا إنه "في عام 2013، لم تكن هناك تأثيرات واضحة على المحيط الحيوي للأرض، ولذا فإن الأمر أكثر إثارة للقلق". وأضافت "إننا لا نعلم إذا كان ذلك مؤقتا، أو أنها حالة دائمة، وإننا قلقون بدرجة ما جراء ذلك". وتابعت "قد يكون الأمر هو أن الغلاف الحيوي للأرض قد وصل إلى أقصى طاقته (لامتصاص الغازات)، لكنه لا يمكننا تأكيد ذلك حاليا".

وأشارت البيانات الصادرة عن المنظمة إلى أنه بين عامي 1990 و2013 سجلت زيادة بواقع 34 في المئة في تأثير الاحتباس الحراري على المناخ لأن ثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى مثل الميثان وأكسيد النيتروز تستمر في البقاء في الغلاف الجوي لفترة طويلة. وللمرة الأولى، تتضمن النشرة بيانات عن تحمض مياه البحار بسبب ثاني أكسيد الكربون.

وبحسب المنظمة، فإن المحيطات تمتص يوميا نحو أربعة كيلوغرامات من ثاني أكسيد الكربون لكل شخص، وتعتقد بأن المعدل الحالي للتحمض هو معدل غير مسبوق على مدى ال300 مليون عام الماضية. ويقول مايكل جارود إن هذه الأدلة الخاصة بالغلاف الجوي والمحيطات تبرز الحاجة إلى تحرك سياسي مكثف وعاجل لمعالجة المشكلة. وأضاف "لدينا المعرفة، ولدينا أدوات التحرك ونحاول السيطرة على زيادة الحرارة في ثاني أكسيد الكربون لمنح كوكبنا فرصة ولمنح أولادنا وأحفادنا مستقبلا". وتابع "لا يمكن أن يكون إدعاء الجهل عذرا لعدم التحرك". والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية تعتقد بأن المعدل الحالي للتحمض غير مسبوق خلال الـ300 مليون عام الماضية.

وحدد وزير الدولة البريطاني لشؤون الطاقة وتغير المناخ ايد ديفي ملامح خريطة الطريق للحكومة البريطانية لاتفاقية يتوقع الاتفاق عليها في باريس في نهاية العام القادم. وبالرغم من التأكيد على ضرورة أن تكون الاتفاقية "ملزمة من الناحية القانونية"، فإن ديفي أوضح أن الأهداف المحددة لخفض الانبعاثات قد لا تخضع لهذا الشرط. بحسب بي بي سي.

وقال "إننا نعتقد بالفعل أن أسس هذه الاتفاقية يجب أن تكون ملزمة قانونا، ولذا ماذا يمكن أن يكون ذلك؟ هذا قد يكون القواعد، وهذا قد يتضمن المقاييس، والمراقبة والتحقق ومثل هذه الأشياء". وأضاف "أعتقد أن هناك الكثير من الدعم لكي يكون هناك شيء ملزم، لكن الأمر الذي ستتطرق إليه المفاوضات هو إلى النطاق الذي سيشمله (هذا الالتزام)". وأكد ديفي أن التوصل لاتفاقية في باريس لن يساعد فقط في الحد من تأثيرات الاحتباس الحراري، لكنه سيطلق عملية انتقالية كبيرة نحو خفض إنتاج طاقة الكربون حول العالم.

ارتفاع حرارة الهواء

الى جانب ذلك ذكر تقرير أوردته دورية (ساينس)Science  العلمية إن ارتفاع درجة حرارة الهواء هو السبب الذي أدى إلى انهيار رصيف جليدي هائل يقع قبالة القطب الجنوبي عام 2002. وقد يسهم التقرير في مساعدة العلماء على التنبؤ بالانهيارات المستقبلية المحتملة في القارة المتجمدة الجنوبية.

وذوبان ثلوج القطب الجنوبي عامل أساسي في ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات الأمر الذي يهدد المناطق الساحلية والشواطيء في جميع أنحاء العالم. وفي حالة ذوبان الجليد في القطب الجنوبي فقد يرتفع منسوب المياه في أنحاء كوكب الأرض 57 مترا وبالتالي فان أي ذوبان للجليد مهما كان محدودا يعد أمرا مثيرا للقلق. ويعزو علماء شاركوا في التقرير انهيار الرصيف الجليدي لارتفاع درجة حرارة الهواء في صيف القطب الجنوبي القصير وتدفق المياه الذائبة والأمطار في الشقوق العميقة فيه. بحسب رويترز.

وأشار التقرير إلى أن تمدد المياه لدى تحولها إلى جليد وتجمد المياه الذائبة من جديد داخل الشقوق في رصيف لارسن بي الذي يبلغ سمكه نحو 200 متر أدى إلى تكون ضغط هائل داخل الشقوق فتت الجليد عام 2002 وأدى إلى انهيار الرصيف الجليدي. وحتى نشر التقرير كان السبب الدقيق وراء انهيار رصيف لارسن بي -وهو كتلة جليدية حجمها أكبر من دولة لوكسمبورج وتقع في نهاية الجبال الجليدية في شبه القارة القطبية الجنوبية- لا يزال غير معروف.

الطحالب يمكنها التطور

من جانب اخر أظهرت دراسة جديدة ان الطحالب البحرية الصغيرة يمكنها ان تتطور بسرعة تمكنها من مواكبة تغير المناخ في مؤشر على ان بعض الكائنات البحرية قد تكون أكثر قدرة على التأقلم مما كان يعتقد من قبل مع ارتفاع درجات الحرارة ونسبة الحموضة في المياه. وعادة لا تتطرق الدراسات العلمية التي تحاول استنتاج كيف سيؤثر ارتفاع درجة الحرارة على كوكب الارض خلال العقود القادمة الى عنصر التطور لان التغيرات الجينية تحدث ببطء بما لن يساعد الكائنات الكبيرة مثل الحيتان وأسماك التونا والقد.

وأثبتت الدراسة ان هناك نوعا من الطحالب المتناهية الصغر التي تنتج 500 جيل في العام أي اكثر من جيل في اليوم الواحد يمكنها التحمل والنجاة حتى لدى تعرضها لدرجات الحرارة العالية ومستويات الحموضة في المحيطات المتوقعة في منتصف الخمسينات من القرن الحادي والعشرين. بحسب رويترز.

وهذا النوع من الطحالب الذي يطلق عليه اسم (اميليانا) هو مصدر رئيسي للطعام بالنسبة للاسماك وكائنات بحرية اخرى كما انه يمتص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وهو من الغازات الاساسية المسببة لظاهرة ارتفاع درجة حرارة الارض او ما يعرف بالاحتباس الحراري او ظاهرة البيوت الزجاجية. ونشرت الدارسة في دورية نيتشر كلايميت تشينجNature Climate Change.

مكافحة التغير و الاقتصاد

على صعيد متصل قال تقرير دولي إن الاستثمارات المخصصة للإسهام في مكافحة تغير المناخ يمكنها أيضا تحفيز النمو الاقتصادي بدلا من إبطائه كما يخشى كثيرون لكنه حذر من أن الوقت ينفد لتحويل المدن وتبديل مصادر الطاقة وهي عملية تبلغ تكلفتها مليارات الدولارات. وقالت الدراسة التي شارك في وضعها رؤساء حكومات ورجال أعمال واقتصاديون وغيرهم من الخبراء إن الخمسة عشر عاما المقبلة ستكون حاسمة للانتقال بدرجة أكبر إلى الطاقة النظيفة بدلا من الوقود الاحفوري سعيا لمكافحة الاحتباس الحراري وتخفيض تكاليف الرعاية الصحية الناتجة عن أمراض يسببها التلوث.

وقال فيليب كالديرون رئيس المكسيك السابق ورئيس المفوضية العالمية للاقتصاد والمناخ في مؤتمر صحفي "من الممكن معالجة تغير المناخ وتحقيق النمو الاقتصادي في نفس الوقت." وأضاف أن الكثير من الحكومات والشركات مخطئة في خشيتها من أن تقوض الإجراءات التي ستتخذها لمكافحة الاحتباس الحراري النمو الاقتصادي وفرص العمل.

وتعمل نحو 200 دولة على وضع ميثاق في الأمم المتحدة - من المتوقع أن يصادق عليه في فرنسا أواخر عام 2015 - لخفض انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. ومازالت جهود القضاء على الانبعاثات بطيئة رغم انطلاقها منذ 20 عاما. وقال التقرير "الطريقة التي ستتطور بها المدن الأكبر والأسرع نموا في العالم ستكون حاسمة لمسار الاقتصاد والمناخ العالميين" موصيا بتحول سكان المدن إلى استخدام السيارات الصغيرة الأقل استهلاكا للطاقة وزيادة الاستثمار في وسائل النقل العام.

وأشار التقرير إلى أن نحو نصف سكان الأرض البالغ عددهم 7.2 مليار نسمة يعيشون في المدن التي تسهم بنسبة 80 بالمئة من النمو الاقتصادي العالمي وبنحو 70 بالمئة من غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بتوليد الطاقة لكن الكثير من المدن مازالت تتمدد بشكل خارج عن السيطرة.

وأشار التقرير إلى ان السنوات الخمسة عشرة المقبلة ستكون حاسمة لأن "الاقتصاد العالمي سينمو أكثر من النصف وسينتقل نحو مليار شخص للإقامة في المدن" فضلا عن أن التقنيات الجديدة ستغير وجه الأعمال التجارية وأنماط الحياة. وقالت المفوضية إن الحفاظ على نموذج البنى التحتية التي تنفث ثاني أكسيد الكربون بنسب عالية للمدن والنقل والطاقة وشبكات المياه يستلزم استثمارات بقيمة 90 تريليون دولار في السنوات الخمسة عشرة المقبلة أو ستة تريليونات دولار في العام. بحسب رويترز.

وبالمقارنة فإن الانتقال إلى المصادر المنخفضة الكربون مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية سيتكلف 270 مليار دولار في العام فقط. ونصح نيكولاس ستيرن كبير اقتصاديي البنك الدولي السابق وعضو المفوضية الحكومات بالتخلي عن "السباق المفتعل" بين النمو الاقتصادي والعمل من أجل مكافحة الاحتباس الحراري. وقال "يكمن التحدي في الجمع بين المسارين. هذا هو المسار المنطقي الوحيد."

تعديل البشر بيولوجيا

الى جانب ذلك يعد التغير المناخي أحد أكبر التهديدات التي تواجه البشرية، ومع تزايد المخاطر المرتبطة به، يقترح كثيرون حلولا طموحة بداية من فكرة ضخ الغبار إلى الغلاف الجوي، وصولا إلى فكرة الهروب إلى الفضاء. لكن ماذا لو قمنا بتعديل أنفسنا من الناحية البيولوجية بدلا من أن ندخل تعديلاتنا على العالم من حولنا؟ هذا هو السؤال الذي طرحه ماثيو لياو، مدير برنامج أخلاقيات علم البيولوجيا في جامعة نيويورك، وفريقه العلمي. ويقول لياو: "حاولنا أن نفكر بشكل غير تقليدي، وطرحنا السؤال: ما الذي لم يُقترح من قبل في ما يتعلق بالتصدي لمشكلة التغير المناخي؟"

والإجابة التي توصل إليها لياو وزملاؤه هي هندسة البشر بيولوجيا، بمعنى تعديل بعض الصفات البيولوجية لدى البشر بهدف الحد من التأثيرات الضارة التي يسببونها للبيئة. ويشير البروفيسور لياو إلى أنه يمكننا إنتاج بشر أكثر حفاظا على البيئة من خلال تغيير بعض المكونات البيولوجية، مثل تغيير أحجامنا، أو نظامنا الغذائي. وفي الوقت الذي لا يطالب فيه لياو وزملاؤه بالشروع بشكل جاد في برنامج عالمي موسع لتعديل البشر بيولوجيا، تظل الفكرة في حد ذاتها تجربة مثيرة تقدم لنا منظورا جديدا للتعامل مع الآثار التي يمكن أن يحدثها البشر على كوكب الأرض. ويقول لياو: "نحن لا نقترح هنا أن تصبح هذه الأفكار إلزامية، لكن يستحسن أن تكون مجرد خيارات أمام البشر."

ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي نلجأ فيها إلى إجراءات تتعلق بالسيطرة البيولوجية في بعض المجتمعات من أجل الحد من الأثر السلبي لها على البيئة. فقد طبقت في الصين سياسة "طفل واحد" لكل عائلة عام 1979 من أجل عدة أسباب، من بينها تخفيف الضغوط التي يسببها السكان على البيئة. وفي عام 1936، اكتسبت جزيرة تيكوبيا في المحيط الهادئ شهرة عندما أعلن عالم الأنثربولوجي (علم الإنسان) الشهير ريموند فيرث أن سكان الجزيرة اتبعوا نظاما صارما لتحديد النسل للحيلولة دون إستنزاف موارد الجزيرة المحدودة.

ويقترح لياو أن نذهب أبعد من ذلك في سعينا إلى أن نصبح أكثر صداقة مع البيئة، وأكثر حفاظاً عليها، رغم أن هذه المساعي ربما تبدو غير محببة لدى البعض. ومن الاستراتيجيات التي يقترحها لياو تقليص استهلاكنا للموارد الطبيعية، ويقول: "الغازات المنبعثة التي تسبب الاحتباس الحراري الناتجة عن تربية الماشية فقط تصل إلى 18 في المئة، فإذا تناولنا كميات أقل من اللحوم، يمكننا تقليص تأثيرنا على البيئة بدرجة كبيرة."

لكن رغم معرفة معظم الناس أن تناول اللحوم ليس جيدا للبيئة، فإن رؤية قطعة من اللحم مثلا وهي تشوى على النار يثير شهيتنا ويجعل من الصعب عدم تناولها. لكن ماذا لو أمكننا هندسة البشر بيولوجيا لكي يكرهوا مذاق اللحوم، أو يكرهوا تناول البرغر بجميع أنواعه؟ ويقول لياو إنه بإمكاننا أن نحفز كراهية اللحوم الحمراء لدى البشر من خلال تعديل جهاز المناعة ليرفض بروتينات لحوم البقر مثلا. ويقترح لياو أن نستخدم ضمادة طبية، مثل ضمادة النيكوتين، تجعلنا نتقيأ إذا حاولنا تناول اللحوم الحمراء.

 ويقول علماء البيئة إن تقليل استهلاك اللحوم الحمراء يساعد على خفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير وقد يبدو ذلك ضربا من الخيال العلمي، لكن هناك أدلة ظهرت مؤخرا تشير إلى أن الأشخاص الذين تعرضوا للدغة حشرة القراضة المنتشرة في جنوب الولايات المتحدة، تطور لديهم لاحقا نوع من الحساسية للحوم الحمراء، ما دفعهم إلى التحول لتناول الأطعمة النباتية فقط.

كما يرى لياو أن بإمكاننا أيضا تقليص أحجام أجسادنا؛ إذ أن خفض طول الإنسان بنسبة 15 سم مثلا يؤدي إلى خفض أحجامنا بنسبة تصل إلى نحو 25 في المئة، وهو ما يعني أنك ستتخلص من ربع جسدك الذي كان سيحتاج إلى مزيد من الطعام، والشراب، والانتقال.

ورغم وجود نظرة اجتماعية مختلفة تجاه قصار القامة، يقول لياو إن هناك فوائد كثيرة لذلك، وإن قصار القامة يعيشون عمرا أطول مقارنة بغيرهم، ويجدون مقاعد تناسبهم بشكل أفضل في وسائل المواصلات وفي الطائرات. وإذا استمر تفكيرك في هذا الاتجاه، فربما يصل بك الخيال إلى ما هو أبعد من ذلك.

فماذا لو عدلت عيون البشر حتى ترى بشكل أفضل في الضوء الخافت؟ ألا يؤدي ذلك إلى خفض فاتورة الطاقة؟ وهل بالإمكان أن نلف أجسادنا بمادة الكلوروفيل لنحصل على جزء من الطاقة الشمسية، على غرار عملية التمثيل الضوئي للنباتات؟ أو أن ندخل في سبات شتوي بدلا من حرق الفحم لتدفئة منازلنا؟ وقد بدأ عدد قليل من الفنانين في الفترة الأخيرة في تخيل بعض الوسائل التي يمكن أن تجعل الهندسة البشرية تصل إلى أقصى مدى ممكن.

ففي عام 2013، قدم الفنان أرني هينريكس تصورا يقول فيه إن الطول المثالي للإنسان سيكون 50 سنتيمترا- أي لا يزيد عن طول الدجاجة، وذلك للحد من تأثيرنا السلبي على البيئة. والمثير للدهشة أن هذه الفكرة فازت بجائزة "مفاهيم المستقبل" وهي إحدى جوائز مسابقة التصميم الهولندية "دتش ديزاين"، خاصة وأن لهولندا شهرة خاصة بأنها تضم أطول البشر على وجه الأرض، وأنها أيضا أكثر عرضة لارتفاع مستويات منسوب البحر بشكل خطير.

واقترحت الفنانة اليابانية آي هاسيجاوا فكرة مختلفة تماما لحماية البيئة، وقالت إن النساء يمكن أن يتخذن قرارا يوما ما بأن يصبحن أمهات بديلات للأنواع النادرة من الكائنات الحية، مثل سمك القرش، أو الدولفين، أو حيوان الباندا. ومن الواضح أننا لن نتبنى أيا من هذه الأفكار الغريبة في المستقل القريب (أو ربما على الإطلاق)، لكن من المؤكد أنها أفكار تثير الخيال والاهتمام أيضا.

ويرى لياو أن الهندسة البشرية تحدث بالفعل في بعض مناحي الحياة، فالكثير من البشر يميلون إلى تغيير أجسادهم مثلا لكي يبدون أكثر جاذبية من خلال عمليات التجميل. بحسب بي بي سي.

ويضيف: "الكثير من الأشياء التي نتحدث عنها موجودة بالفعل في المجتمع، وهي ليست بدرجة التطرف التي نتصورها. ورغم أنها لا تتم في سياق (مواجهة) التغير المناخي، إلا أنه لو قدمت مثل هذه الخيارات للناس، ربما يقبل بها البعض." وربما تصبح الأجيال القادمة التي ستشهد أسوأ تأثيرات التغير المناخي أكثر إستعدادا لقبول فكرة التعديل البيولوجي للبشر، وربما يثبت في المستقبل أن ذلك أسهل من محاولة تعديل المناخ نفسه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/آيلول/2014 - 27/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م