في التغيير الذاتي .. استثمار الفرص، استمرار الحياة

 

شبكة النبأ: هناك اعتقاد سائد أن اغتنام الفرص في الحياة، له مردود مادي، وأن صاحب المشروع الناجح او الشخصية الناجحة، لابد ان يكون قبل هذا، ناجحاً وموفقاً في اغتنام  الفرص واستثمارها، فمن يعجز عن اغتنام "فرصة عمل" أو "فرصة زواج" أو "فرصة تجارية" وغير ذلك كثير، فانه لن يكون ذلك الانسان الناجح في المجتمع.

وهذا في أحد أوجهه صحيح، وفي وجه آخر فان الفرص في الحياة إنما تاخذ مديات واسعة في الحياة، ربما تكون لها منافع وفوائد اكثر  واكبر بكثير مما تعطيه فرصة  العمل وفرصة الزواج وغيرها، حيث انها تنتهي عند محطة معينة في حياة الانسان، فهو يحصل على الوظيفة – مثلاً- او يتزوج من فتاة يرغب بها وهكذا.. فالفرصة هذه، ينتهي مفعلوها – إن صحّ التعبير- عند حد تحقق الطموح والأمل، فيحصل الانسان على المال والزوجة والوظيفة، وربما يغمره الشعور بنوع من السعادة والارتياح والاطئمنان.

بيد أن هنالك نوع آخر من الفرص ربما تصادف الانسان في حياته ولا ينتبه اليها لسبب أو لآخر، وهي لا تتوقف عند محطة معينة، ولن ينتهي مفعولها إنما تستمر آثارها الايجابية الباهرة لفترات مديدة لا عدّ لها، وهذا يكون عندما يرتبط الامر بحياة الانسان برمتها، وليس فقط بطموحاته وآماله. ولعل من ابرز الشخصيات ممن عرف قيمة هذا النوع من الفرص، هو سماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- الذي بدأ حياته وختمها باغتنام أي فرصة للعمل والعطاء الفكري والثقافي والاجتماعي والخيري، وفي كتابه "اغتنام الفرص" يذكرنا بتأكيدات الآئمة المعصومين، عليهم السلام، على هذه المسألة حيث الاحاديث العديدة في ضرورة اغتنام الفرص وعدم هدر الساعات والايام دون استثمارها، ليس فقط في المصالح المادية المحدودة، وإنما في تحقيق مصلحة المجموع بما ينطوي عليه من العطاء والعون في المجالات كافة.

إن الرؤية بمديات واسعة الى الفرص في الحياة هو ما تشير اليه الاحاديث الشريفة، منها: "الدنيا مزرعة الآخرة". لذا يوضح سماحته: انه نباءً على ذلك "لابدّ للعاقل من استغلالها للآخرة، وعليه: فالساعات التي يضيّعها الإنسان هنا وهناك، بلا استثمار ولا استغلال، فإنه إنما يضيع بها جزءاً من وجوده، ويخسر عبرها مقداراً من أيام عمره".

والفرص في هذا المسار تتمثل في جوانب اجتماعية وثقافية في خطين متوازيين، وكلاهما يصلان بالانسان الى حيث السعادة والاطئمنان النفسي، حيث ما يحققه الانسان، اضافة الى بعده المادي الملموس، يشتمل على البعد المعنوي الذي يؤكد علماء الاخلاق على قدرته في خلق الشعور الاعمق بالسعادة والارتياح في نفس الانسان. وهذا يتجسد في مختلف اعمال الخير والاحسان وإغناء الساحة الثقافية والاجتماعية بالعطاء، من إسهام في مشاريع تربوية او ثقافية او اجتماعية او حتى اقتصادية وخيرية من شأنها ان ترفع جزءاً من أعباء الحياة المعقدة عن كاهل الناس.

لذا نقرأ في كتاب سماحته: "لكي يحافظ الإنسان على فرصة عمره يلزم عليه أن يستثمر ساعات العمر، ولحظات الزمن بالعمل الصالح؛ إذ بواسطته سوف يطول عمر الإنسان؛ لأن "بركة العمر في حسن العمل". أو كما جاءت الأخبار المتظافرة، في أن الصدقة وصلة الرحم تزيدان في العمر. فعن الإمام أمير المؤمنين قال: "صلة الأرحام تثمر الأموال وتنسيء في الآجال". ومن أروع وأجمل ما جاء على لسان الامام الصادق، عليه السلام: "من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار".

من هنا نفهم سر خلود ذكر الكثير ممن بذل وسعى وعمل دون تضييع فرصة واحدة في الاسهام في تحقيق اهداف وطموحات المجموع، وهنالك امثلة وحكايات عن علماء كبار وزعماء ومصلحين، استثمروا فرص عمل الخير للمجموع، قبل ان يفكروا في البحث عن فرص تحقيق السعادة والراحة لانفسهم، من قبيل امتلاك بيت مناسب للسكن او ايجاد مورد مالي معين يكفل تغطية احتياجاته بما لا يشغل باله كثيراً – كما هو اعتقاد  الكثير- او غير ذلك من الاهتمامات الشخصية. بينما نلاحظ الحرص الشديد الى حدّ التضحية بالكثير لتوفير اسباب الراحة والاستقرار لاصحاب الحاجة والعوز، في الجانب الاجتماعي، وفي الجانب الثقافي والتربوي، نلاحظ سهر الليالي الطوال في التأليف والبحث وفي تشييد المؤسسات والمكتبات وغيرها.

من هنا نجد أن سماحة الامام الراحل يعد اغتنام واستثمار هكذا فرص، نوعاً من الذكاء، ".. فالزمن مجموعة ساعات تتخللها فرص ثمينة للإنسان، فالذكي من اغتنمها وعمل فيها فربحها، والشقي من غفل عنها ولم يعمل فيها فخسرها.. فإنها لن تعود أبداً".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/آيلول/2014 - 24/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م