قضايا فنية .. تكديس المال على حساب آلافاق الثقافية

 

شبكة النبأ: اسواق تجارة وبيع الأعمال الفنية العالمية لاتزال في حالة من الانتعاش والنمو، حيث سجلت مبيعات هذه الاعمال مستويات وأسعار قياسية في العديد من دول العالم كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على اسواق الأعمال الفنية على الرغم من الازمة العالمية التي اثرت سلبا على الكثير من الدول، تشهد ازدهاراً ونمواً كبيراً بسبب ازدياد الطلب على اقتناء الاعمال الفنية المميزة سواء من قبل بعض المؤسسات والشركات المعنية او من قبل الافراد، يضاف الى ذلك كثرة المزادات والمعارض ودخول دول جديدة في ميدان التنافس الفني.

ويرى بعض الخبراء ان الاعمال الفنية القديمة ربما قفدت ارثها وجمالها الثقافي والفني وتحولت الى سلع تجارية، لدى أصحاب المعارض والمزادات الساعين الى التسابق في الحصول على ارباح اضافية من خلال رفع الأسعار لتصبح عملية الاقتناء ترفاً ورفاهية بعيداً عن قيمتها الفكرية، هذا بالإضافة الى ان هذه الاسعار المرتفعة قد تدفع البعض لتشكيك في مصادر وجهات تلك الاموال، حيث يرى البعض ان الاعمال الفنية ربما تستخدم في عمليات تبييض او تهريب الأموال من خلال بورصات مالية جديدة.

نمو قياسي

وفيما يخص اخر اخبار الاسواق الفنية فقد شهدت السوق العالمية للأعمال الفنية نموا بنسبة 17 % في الفصل الأول من العام 2014، متخطية السبعة مليارات دولار ومحققة رقما قياسيا جديدا، بحسب ما كشفت مجموعة "آرتبرايس" . فخلال النصف الأول من العام 2014، بلغت المبيعات الإجمالية للمزادات العامة على الأعمال الفنية في أنحاء العام أجمع 7,15 مليارات دولار، في مقابل 6,11 مليارات دولار في النصف الأول من العام 2013، وفق أرقام المجموعة الفرنسية الأولى عالميا في جمع المعطيات عن سوق الأعمال الفنية.

وقد اعتبر النمو الذي شهدته هذه السوق في العام 2013 (بمعدل 12,17 مليار دولار) قياسيا، بعد الانخفاض المسجل في العام 2012 إثر انكماش السوق الصينية. واحتلت الولايات المتحدة مرتبة الصدارة في هذا المجال خلال الفصل الأول من العام 2014 مع مبيعات بلغت قيمتها 2,38 مليار دولار و33,4 % من الحصص في السوق، بعد نمو تخطت نسبته 28 %. وتلتها الصين في المرتبة الثانية مع مبيعات بلغت قيمتها 1,97 مليار دولار و 27,7 % من الحصص في السوق، بعد نمو أصغر بنسبة 6,9 %.

وكانت المرتبة الثالثة من نصيب بريطانيا التي سجلت مبيعات بقيمة 1,8 مليار دولار ونموا بنسبة تتخطى 25 % لتبلغ حصصها في السوق 3,98 %. وتوقع تييري إهرمان رئيس "آرتبرايس" ومؤسسها أن تظل سوق الأعمال الفنية في وضع جيد جدا في بقية العام، "إلا في حال وقوع حدث جيوسياسي كبير".

الى جانب ذلك قالت دار مزادات كريستيز إنها حققت مبيعات قياسية للفن المعاصر خلال الفترة من يناير كانون الثاني وحتى يونيو حزيران بلغت اجمالا 2.69 مليار استرليني (4.6 مليار دولار) شملت لوحة للفنان بابلو بيكاسو و51 عملا اخر جلبت عشرة ملايين دولار أو اكثر. وزادت المبيعات 12 بالمئة خلال النصف الأول من العام مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. ومن بين المبيعات الكبرى لوحة (الحورية)(Nymphea) للرسام الفرنسي كلود مونيه التي بيعت في نيويورك مقابل 27 مليون دولار في مايو أيار كما بيعت في نفس المزاد لوحة (امرأة) (Dora Maar) لبيكاسو بمبلغ 22.6 مليون دولار.

وفي لندن بيعت لوحة (جورج داير) لفرانسيس بيكون مقابل 42.2 مليون استرليني في فبراير شباط وعمل نحتي على شكل بيضة للفنان جيف كونز بمبلغ 14.1 مليون استرليني. وقالت كريستيز إن 24 بالمئة من المشترين في النصف الأول من العام هم زبائن جدد. وسجلت دار المزادات زيادة نسبتها 70 بالمئة في الانشطة عبر الانترنت. بحسب رويترز.

وقالت "التفاعل الالكتروني والمشترون الجدد الوافدون على السوق قادوا النمو فقد شكل الزبائن الجدد 24 بالمئة من المشترين وحصلوا على 15 بالمئة من المبيعات الاجمالية في النصف الأول من عام 2014." وذكرت كريستيز إنها تعتزم افتتاح مكتب في شنغهاي في اكتوبر تشرين الأول ومعارض جديدة في مركز روكفيلر في نيويورك في نوفمبر تشرين الثاني لتغطية الطلب المتنامي.

مزادات واسعار

من جانب اخر قالت صالة مزاد سوذبي إنها باعت عملا لكل من الفنانين آندي وارهول وجيرهارد ريختر وجيف كونز بمبلغ زاد على 25 مليون دولار لكل عمل وان ذلك ساعد على رفع اجمالي مبيعاتها من الفن المعاصر الى 364 مليون دولار وهو ما يعتبر من بين أعلى الأرقام التي حققتها حتى الآن. وفي ختام أسبوعين من مزادين رئيسيين للربيع في داري سوذبي وكريستي واللذين شهدا نتائج متفاوتة جاءت المبيعات التي حققتها سوذبي أقل كثيرا من حمى الشراء التي حدثت في كريستي وحققت خلالها أعلى رقم قياسي في مزاد للفنون في التاريخ بعد ان وصلت اجمالي مبيعاتها الى 745 مليون دولار.

وقال أليكس روتر رئيس قسم سوذبي للفن المعاصر على مستوى العالم "اليوم استمر السوق بشكل راسخ جدا. ما حققناه جاء تماما في اطار توقعاتنا." وكانت صالة مزادات سوذبي قد توقعت ان تتراوح مبيعاتها بين 337 و474 مليون دولار. وأضاف روتر "السوق العالمية على الاخص كانت قوية للغاية" وأشار الى أن مزايدين من 37 دولة شاركوا في المزاد. وقالت سوذبي ان المشاركة من آسيا وأمريكا اللاتينية جاءت قوية بشكل خاص.

وكانت أعلى الأعمال سعرا مجموعة وارهول "ست لوحات شخصية" للفنان والتي رسمها الفنان قبل وقت قصير من وفاته ولم تطرح من قبل في أي مزاد. وبيعت بمبلغ 30.1 مليون دولار بما في ذلك العمولة. اما لوحة (بلاو) لريختر فقد بيعت بمبلغ 28.7 مليون دولار بينما وصل سعر العمل النحتي لكونز (بوبي) الى 28.2 مليون دولار. وكانت تقديرات ما قبل البيع 25 مليون دولار لكل منهما.

في السياق ذاته اعلنت دار بونهامز للمزادات ان لوحة مكتشفة حديثا للرسام الفرنسي الشهير بول غوغان ستباع في المزاد العلني، متوقعة ان تصل قيمتها الى 1,2 مليون جنيه استرليني (2,01 مليون دولار). وكانت هذه اللوحة التي تحمل عنوان "باقة ورود" مجهولة تماما الى ان اتصل بائع لم تكشف هويته بدار المزادات.

وتظهر في اللوحة الزيتية مزهرية فيها ورود صفراء للدلالة على الصداقة. وانجزت هذه اللوحة سنة 1884 في حين كان بول غوغان البالغ عندها 36 عاما يسعى الى اعالة عائلته عن طريق فنه بعدما خسر وظيفته كسمسار بسبب ازمة مالية. واعطيت اللوحة بداية من الفنان الى رجل سياسي في مدينة روان غرب فرنسا. وقد أتى كل من بابلو بيكاسو وهنري ماتيس على ذكر غوغان كأحد مصادر الالهام لهما لكنه لم يكتسب شهرته العالمية الا بعد وفاته في 1903.

على صعيد متصل بيعت لوحة للرسام الانطباعي الفرنسي كلود مونيه مقابل اكثر من 31 مليون جنيه استرليني (52,8 مليون دولار)، في ثاني رقم قياسي للوحات هذا الرسام، وذلك خلال مزاد في دار سوذبيز في لندن. وقدرت قيمة لوحة "ليه نيمفيا" التي رسمها مونيه في 1906 بين 20 و30 مليون جنيه استرليني (34 الف دولار و52,8 مليون دولار). وقد بيعت مقابل 31,7 مليون جنيه استرليني (54 مليون دولار). وتعود ملكية هذه اللوحة لتاجر اللوحات الفرنسي الكبير بول دوران روييل.

وهذا الرقم القياسي هو الثاني الذي يحقق في المزادات على لوحات مونيه. ففي 2008 بيعت لوحة "لو باسان او نمفيا" مقابل حوالى 59 مليون يورو خلال مزاد لدار سوذبيز ايضا في لندن. وقد نفذ كلود مونيه سلسلة من 250 لوحة زيتية. وهذه اللوحات التي رسمها مونيه خلال العقود الثلاثة الاخيرة من حياته مستوحاة خصوصا من حديقة الزهور وحوض الزنابق في منزله في منطقة "هوت نورماندي".

من جانب اخر يرسم فنان الجرافيتي البريطاني بانكسي عادة لوحاته على جدران الشوارع أثناء الليل ويشكو عندما يزيل البعض أعماله ويعيدون بيعها لذلك فإنه سيشعر بالحنق الشديد دون شك عندما تعرض صالة مزادات سوذبي نحو 70 من أعماله في "معرض خاص" في لندن. ويشرف على المعرض ستيف لازاريدز الوكيل السابق لبانكسي ويضم أعمالا نحتية وزيتية ومطبوعة يقال إن قيمتها زادت كثيرا في السنوات القليلة الماضية.

وقال لازاريدز "أعتقد أن هذا ربما يكون آخر ما يود (بانكسي) رؤيته يحدث في العالم." وأحجم مسؤولو سوذبي عن كشف قائمة بأسعار اللوحات لكن نشرة وزعت على الصحفيين كتب فيها "الأعمال المعروضة متاحة للبيع وتوفر بعدا مثيرا جديدا لتجربة سوذبي." وقال لازاريدز "بعض الأعمال كانت تباع بمبلغ يتراوح بين 50 و100 جنيه استرليني والان تصل قيمة بعضها إلى ما بين نصف مليون ومليون جنيه استرليني لذا فمن المشوق رؤية التغير الذي طرأ على تفاعل الناس معها." بحسب رويترز.

وفي رد على المعرض الذي لم يأذن به بانكسي قال الفنان البريطاني في موقعه على الانترنت "يود بانكسي أن يوضح أنه لا علاقة لي على الاطلاق بهذا المعرض وأعتقد أن السماح للناس بعرض فن الجدران في معارض دون إذن أمر مثير للاشمئزاز."

الفن الإيراني

الى جانب ذلك حقق مزاد طهران للفنون رقما قياسيا هذا العام مع ازدهار الفن الحديث والمعاصر في إيران على الرغم من العقوبات الاقتصادية. وجمع الحدث السنوي الذي أقيم مؤخرا 5.1 مليون دولار من بيع أعمال فنانين إيرانيين وهو مبلغ يربو على مثلي ما حققه المزاد العام الماضي. وفي حين أن العقوبات التي يفرضها الغرب على قطاع النفط والقطاع المالي في إيران منذ عام 2010 استنزفت القدرة الشرائية لجامعي التحف الإيرانيين وأجبرتهم على الانسحاب من المزادات الفنية العالمية مثل كريستيز كانت تمثل في الوقت ذاته الحافز للنهوض بالسوق المحلية للفن.

ويشير الموقع الإلكتروني لمزاد طهران للفنون إلى أنه منذ انطلاقه قبل ثلاث سنوات اكتسب مكانة اجتماعية وأن معظم التسعين قطعة التي بيعت جلبت مثلي قيمتها المتوقعة على الأقل مما دفع إجمالي المبيعات فوق التوقعات. وكان العملان الأعلى سعرا للشاعر والرسام الإيراني المرموق سهراب سبهري (1928-1980) وحققا 680 ألف دولار و604 آلاف دولار.

وقالت زهراء جهان بخش الرئيسة المشاركة للمبيعات الدولية في مزاد طهران للفنون إن الممثل الإيراني الشهير رضا كيانيان كان البائع في المزاد الذي اقيم في فندق باريزيان أحد أفضل فنادق طهران. وأضافت إن الحدث اجتذب جمهورا يزيد على الألف شخص على الرغم من أن "حوالي 100 شخص فقط من الحاضرين شاركوا في المزاد." وقالت مشاركة في المزاد "يرغب الإيرانيون في التباهي وهذه أفضل طريقة للقيام بذلك."

وفي واقع الأمر يمكن ان تجد الكثير من هذه الأعمال لنفس الفنانين في معارض خاصة بنصف الثمن. وقالت المشاركة "استطيع ان اقول من السيارات المتوقفة أن كثيرا من الحضور اغنياء جدا." ومن بين الأعمال الفنية الأخرى في المزاد لوحة (صيد السماء الزرقاء) للفنان رضا درخشاني (1952) التي حققت 227 ألف دولار ولوحة (الحب) للفنان محمد احصايي والتي جلبت 219 ألف دولار. بحسب رويترز.

وزادت المبيعات بعد المزاد الأول في 2012 عندما بيعت 73 قطعة فنية مقابل 1.7 مليون دولار. وباع مزاد العام الماضي 80 قطعة جلبت مليوني دولار. وقال علي رضا سامي عازار المدير السابق لمتحف الفن المعاصر في طهران ومؤسس ومدير مزاد طهران للفنون "الأزمة الاقتصادية كانت سبب انطلاق مزاد طهران للفنون."

بيكاسو و مارك روثكو

من جهة اخرى اكتشفت لوحة لبيكاسو تمثل رجلا ملتحيا مخبأة وراء لوحة اخرى للفنان الاسباني بعنوان "ذي بلو روم" (الغرفة الزرقاء) التي يملكها متحف مجموعة فيليبس في واشنطن بنتيجة تحقيق يستمر لمعرفة هوية الشخص الوارد في اللوحة. وكان خبراء يشتبهون منذ الخمسينات بان لوحة اخرى تختبئ وراء اللوحة العائدة للعام 1901 والتي تمثل امرأة تتبرج وهي عمل يعود الى المرحلة الزرقاء في مسيرة الفنان الاسباني على ما قالت سوزان فرانك امينة المتحف المساعدة. واوضحت "يمكننا التأكيد انها لوحة لبيكاسو" بعد دراسة للاصباغ المستخدمة في الاشهر الاخيرة. وكانت تحاليل اولى بالاشعة دون الحمراء افضت الى تأكيد اول، بوجود لوحة مخفية في العام 2008.

وقد اجرى المتحف الذي يملك اللوحة منذ العام 1927 ، التحاليل بالتعاون مع "ناشونال غاليري اوف آرت" في واشنطن ومتحف "وينرثور" في ديلاوير وجامعة كورنيل (ولاية نيويورك). ويبدو الرجل الملتحي اربعينيا ويرتدي بزة تظهر انه ميسور الحال على ما توضح فرانك.

وتم التداول باسماء مثل تاجر الاعمال الفنية ابرواز فولار والناقد الفني غوستاف كوكيو لكن لا شيء حتى الان يطابق الرجل الوارد في اللوحة على ما اضافت. واوضحت "كان قماش اللوحات يكلف غاليا وكان بيكاسو فقيرا في تلك الفترة" مشيرة الى انها ليست المرة التي يلجأ فيها بيكاسو الى هذا الامر. واللوحة هي راهنا ضمن معرض جوال في كوريا الجنوبية.

على صعيد متصل أعيد عرض لوحة للرسام مارك روثكو بعدما تعرضت للتشويه اثناء معرض اقيم في لندن قبل 18 شهرا. ونجح متخصصون في إزالة عبارة كتبها بالحبر مواطن بولندي في اكتوبر تشرين الأول عام 2012 على لوحة (بلاك اون مارونBlack on Maroon) دون الاضرار بطبقات اللوحة. وتقدر دار مزادات سوذبي قيمة اللوحة بما يتراوح بين خمسة ملايين وتسعة ملايين جنيه استرليني. وتبرع روثكو باللوحة لمتحف (تيت) عام 1970. بحسب رويترز.

وزعم البولندي فلاديمير اومانيتس ان ما كتبه على اللوحة عمل ابداعي للترويج لحركة فنية ينتمي إليها. واعترف اومانيتس في نهاية المطاف بانه ارتكب عملا اجراميا وحكم عليه في ديسمبر كانون الأول 2012 بالسجن لمدة عامين. وقال متخصصون في متحف تيت في لندن إنهم واجهوا صعوبة في إزالة التشويه الذي لحق بلوحة روثكو لان لوحاته تتألف من طبقات معقدة من الالوان الزيتية والصبغات والغراء ومادة الراتنج الصمغية. وامضى فريق المتخصصين تسعة اشهر في ترميم اللوحة. ويخصص متحف قاعة لعرض أعمال روثكو الذي يعد أحد أهم فناني القرن العشرين.

فورة فنية عبر الانترنت

في السياق ذاته تراهن السوق الفنية على الانترنت لجذب شراة جدد وهو ميل جسدته الشراكة التي اعلنت بين موقع "اي باي" للبيع عبر الانترنت ودار سوذبيز المرموقة للمزادات. وقالت الشركتان انهما تنويان تنظيم مزادات في مقر سوذبيز في نيويورك وبثها عبر بوابة خاصة سيضيفها "اي باي" على موقعه "اي باي.كوم"، في "المستقبل القريب" وسيسمح بالمزايدة في الوقت الحقيقي من اي مكان في العالم على ما جاء في بيان مشترك.

وعلى المدى الطويل قد تمتد الشراكة الى مراكز اخرى لسوذبيز في العالم في حين ان "اي باي" يمكنها ان تشغل هذه البوابة على مواقعها بلغات اجنبية. وهذه هي المحاولة الثانية ل"سوذبيز" و"اي باي" اللتين قررتا التعاون لبيع الاعمال الفنية عبر الانترنت في العام 2002 قبل ان تتخليا عن المشروع في السنة التالية اذ لم يكن المردود كافيا على ما قالت دار المزادات يومها. واكد جين كوك المسؤول عن هذا المشروع لدى اي باي الامور مختلفة اليوم".

وتطرق في هذا المجال الى التطور التكنولوجي ولا سيما ان "المستهلكين باتوا اكثر ارتياحا لشراء قطع غالية الثمن عبر الانترنت". واوضح "في كل يوم نبيع اكثر من 3500 قطعة في مزادات بسعر يفوق الخمسة الاف دولار ولدينا نشاط متين جدا على صعيد السيارات ايضا".

وقال كوك ان جزءا من 145 مليون مستخدم عبر موقع "اي باي" يعرفون السوق الفنية اذ ان قطعا في هذا المجال بيعت بقيمة اجمالية قدرها ثمانية مليارات دولار عبر خدماته. لكنه اضاف "بعضهم الاخر مهتم لكنهم لا يعرفون كيفية التصرف وقد يجفلون من سوق الفن" في حين ان لا مشكلة لديهم للتعامل مع "اي باي". وكانت المبيعات عبر الانترنت تشكل العام الماضي 2,5 مليار دولار اي 5 % من السوق العالمية للقطع الفنية على ما تظهر التقديرات الاخيرة لاكبر معرض لتجار العاديات في العالم (تيفاف)الذي يتوقع نموا بنسبة 25 % على الاقل سنويا.

واكدت شركة تأمين القطع الفنية "هيسكوكس" في تقريرها حول سوق الفن عبر الانترنت للعام 2014 "ثمة هامش تعويض كبير لمبيعات الفن عبر الانترنت فيما تساعد الاستثمارات المتزايدة في القطاع، السوق على النضوج سريعا" موضحة ان "قادة القطاع سيظهرون في السنوات الثلاث او الخمس المقبلة". وبدأت منصات جديدة تظهر مثل "اوكشيناتا" و"بادل 8" و"ارتسبايس" و"ارتسي".

وكانت امازون" منافسة "اي باي" اطلقت العام الماضي منصة للتقريب بين مشترين محتملين وصالات فنية وتجار فن. وقال اندرو غولي مسؤول الاتصالات لدى "سوذبيز" ان "وجودا متعاظما على الانترنت يجعل من مزاداتنا متوافرة لعدد اكبر من هواة جمع القطع الفنية. لو ان 1 % من الشراة عبر اي باي يطلعون على مزاداتنا فيكون لدينا 1,45 مليون شخص اضافي".

اما دار كريستيز البريطانية المنافسة الكبرى لسوذبيز فقد سجلت مبيعات قياسية هذه السنة مع 7,13 مليار دولار موضحة ان ذلك عائد جزئيا الى نمو نشاطاتها عبر الانترنت. وهي تملك بوابة مزادات خاصة بها وتجري عليها عمليات بيع حصرية. وتؤكد ان 45 % من الشراة عبر الانترنت هم زبائن جدد. وتفيد "هيسكوكس" ان 10 % من شراة الاعمال الفنية عبر الانترنت لم يسبق لهم ان اشتروا اي عمل فني في صالة عرض فنية او خلال مزاد تقليدي. بحسب فرانس برس.

وشدد التقرير على الجانب "الحاسم" الذي تشكله سمعة الدار الامر الذي يعطي افضلية لدور المزادات المعروفة. وتفيد دار كريستيز ان القطع الفنية العائدة الى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية والقطع المعاصرة خصوصا تشهد رواجا في المبيعات عبر الانترنت. ويتوقع ان تركز الشراكة بين "اي باي" و"سوذبيز" على اسعار مبيع تراوح بين خمسة الاف ومئة الف دولار في مجالات مثل المجوهرات والساعات والنبيذ والصور على سبيل المثال.

انقاذ الاعمال الفنية

على صعيد متصل تعهدت شركات صناعة السيارات الاميركية جنرال موتورز (جي ام) وفورد وكرايسلر التبرع بمبلغ 26 مليون دولار للمساعدة على انقاذ مجموعة الاعمال الفنية القيمة في مدينة ديترويت التي تعاني الافلاس. وفي التفصيل ستتبرع كل من جنرال موتورز وفورد بعشرة ملايين دولار الى المؤسسة التي استحدثها معهد الفنون في ديترويت لجمع مئة مليون دولار ضرورية لانقاذ هذه الاعمال الفنية على ما جاء في بيان لهذا المتحف. وستتبرع كرايسلر بستة ملايين دولار.

واعلنت مدينة ديترويت مهد صناعة السيارات في الولايات المتحدة افلاسها في تموز/يوليو الماضي ولم يستبعد الحارس القضائي عليها كيفين اور بيع المجموعة العائدة للمتحف البلدي لتغذية الخزينة العامة التي تعاني من دين يصل الى 18 مليار دولار. الا ان معهد الفنون في ديترويت وهو من اكبر المتاحف الاميركية يعارض هذه الفرضية. بحسب فرانس برس.

وهو يمتلك اكثر من ستين الف قطعة فنية من بينها اعمال لرامبرانت وفان ايك وبيكاسو. ومن بين هذه الاعمال لوحة "النافذة" لماتيس وبورتريه ذاتي لفان غوخ. ويضم ايضا لوحة جدارية للرسام المكسيكي دييغو ريفيرا يتغنى فيها بصناعة السيارات في هذه المنطقة. وتقدر الصحف قيمة مجموعة المتحف باكثر من 15 مليار دولار .

باريس و الموناليزا

الى جانب ذلك فبيع روائع القطع الفنية لملء خزائن الدول المستدينة، حل كثر اللجوء إليه خلال السنوات الأخيرة. كالبرتغال التي قررت بيع 85 لوحة لأحد رواد الفن السريالي الإسباني وهو خوان ميرو لملء خزائنها الفارغة بنحو 36 مليون يورو. ما الخيار عندما تعجز سياسات التقشف ورفع الضرائب في ملء خزائن الدول التي تراكمت ديونها؟ بيع قطعها الفنية النفيسة ولوحاتها التي لا تقدر بثمن. هذا هو الحل الذي صارت تلجأ إليه الكثير من دول العالم في السنوات الأخيرة.

وفي حالة كهذه، كم يمكن للوحة "الموناليزا" للفنان الإيطالي ليوناردو دافينشي أن تدر من المال لفرنسا؟ سؤال يمكن أن يشكل مجرد طرحه صدمة لدى الكثيرين الذين لا يعتبرون فقط أن اللوحة واحدة من أفضل الأعمال في تاريخ الرسم، بل صارت كذلك جزءا من التراث الثقافي الفرنسي. ويمكن لقيمة اللوحة أن تكون "الأعلى في التاريخ" حسب "غينس وورد روكور" الذي قدر قيمتها بمئة مليون يورو عام 1962، قبل جولتها في الولايات المتحدة.

لتصبح قيمتها اليوم تضاهي المليار يورو. فهل يمكن للموناليزا إنقاذ فرنسا؟ وفرنسا التي لا يزال على ذمتها دين يبلغ حوالي 2000 مليار يورو، والتي تمر بوضع اقتصادي شديد الصعوبة (نمو بطيء، بطالة في ارتفاع متواصل، إفلاس مؤسسات...) يمكنها سد جانبا من ذلك بمخزون متاحفها الـ173 التي تضم واحدا من أغلى التراث الثقافي في العالم.

فاللوحات والقطع الفنية التي يزخر بها متحف "أورسيه" على ضفاف نهر السين يمكن لقيمتها لوحدها أن تسد ديون باريس بكاملها، المتوقع أن تصل إلى 4 مليارات يورو بنهاية 2014. سيناريو ليس على أجندة السلطات المسؤولة عن الثقافة والتراث في باريس كما أكد برونو جوليار النائب الأول المكلف بالمسائل الثقافية في بلدية باريس في حوار مع جريدة "لكسبيريس" حيث قال "لسنا على هذا المستوى الاقتصادي".

وحدهم بعض المعارضين لسياسة الحكومة الاشتراكية طرحوا فكرة بيع لوحة "الموناليزا" للإشارة إلى الوضع المالي "المزري" الذي تعرفه فرنسا. القوانين الفرنسية تمنع بيع القطع الفنية التي تملكها الدولة وتمنع القوانين الفرنسية بيع القطع الفنية التي تملكها المتاحف العامة حسب ما تؤكده المادة 451-5 من قانون التراث. وطبقا لذلك، يجب تغيير قوانين الدولة لتتمكن باريس من بيع سيدة ليوناردو دافينشي الجميلة. بحسب فرانس برس.

لكن تغيير القوانين يمكن أن يدفع المانحين، وهم الممولون الأوائل للمتاحف بفرنسا، من معارضة أي عملية بيع، وربما كذلك استرجاع ممتلكاتهم التي تصنع حتى الآن فرحة ملايين الزوار سنويا. وتكتفي فرنسا حتى الآن ببيع بعض تحفها المعمارية، ومقراتها في الخارج ومبانيها العامة... وحتى أنواع من الخمور الخاصة التي سكنت لأجيال عدة قصر الإليزيه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/آيلول/2014 - 20/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م