قيم التقدم: الحزم

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الشخصية المهزوزة، لا يمكنها أن تتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ومن علل هذا النوع من الشخصيات، أنها لا تمتلك القدرة على حسم الامور لصالحها، بسبب عدم تقديرها لقيمة الحزم، من هنا فإن المشكلة الاساسية التي تواجهها حالات الضعف لدى الانسان، تعود الى عدم قدرته على التعامل بحزم مع الامور كافة.

إذاً علينا أولا، لكي نتحلى بشخصية مقبولة متوازنة، قادرة على مواصلة النشاط الانساني بصورة طبيعية، أن نفهم قيمة الحزم، وما هي المزايا التي يمكن أن تقدمها هذه القيمة من قيم التقدم للانسان، واذا تمكنا من فهم وتقدير حجم هذه القيمة، ومدى تأثيرها على حياة الانسان، عند ذاك يمكننا قطف ثمارها، وهي ثمار مهمة حقا، كونها تصب في بناء الحياة السليمة المتوازنة للفرد أولا وفي المحصلة النهائية للمجتمع.

ولكن كيف يمكن للانسان ان يكون حازما في معالجة الامور، وكيف نضمن ان الحزم جاء في وقته ومحله، وما هي الضمانات التي تؤكد أن هذا النوع من الحزم او ذاك، حزما صحيحا، يخلو من الغلو والتعصب أو العجالة والتسرع؟، هذه الأسئلة كلها تصب في البحث عن قيمة الحزم، في وقتها المناسب، ولعل الامر – كما يؤكد المعنيون في الامر- يعود الى الحاضنة التربوية الاولى للانسان.

بمعنى اكثر وضوحا، أن العائلة هي المسؤول الاول عن زرع هذه القيمة بصورة صحيحة ومتوازنة في تركيبة الانسان وشخصيته، فعندما ينمو الطفل بشخصية ضعيفة، هذا يعود الى اساليب التربية التي مورست معه في البيت والعائلة والتي ستنعكس على سلوكه في الشارع والمدرسة وما شابه، وعندما ينمو الطفل متوازنا قويا، فإن السبب يعود ايضا الى نوع التربية التي حصل عليها هذا الطفل.

لذلك يعد الاساس التربوي للانسان الفرد من مسؤولية العائلة اولا، ثم المجتمع الاوسع، المدرسة، الشارع، محيط العمل وما شابه، وهذا الاساس هو الذي يمكن له ان يزرع قيم التقدم في شخصية الانسان، ومنها قيمة الحزم التي تسمح للانسان ان يتعامل بتوازن في حسم الامور لصالحه، وليس العكس، لأن الحزم لا يعني التسرع، وبالتالي قد يعود الحزم في غير وقته، على اضرار فادحة للانسان، تجعله يخسر الكثير من المكاسب بدلا من ان يكسبها، لو تعامل وفق قيمة الحزم بطريقة متوازنة، تنم عن شخصية متوازنة ايضا، وهو الامر الذي يتعلق دائما بالفحوى التربوي الذي حصل عليه الانسان من حاضنته الاجتماعية الاولى.

لذلك مطلوب الاهتمام بهذه القيمة، لانها تُسهم بصورة مباشرة في صنع مجتمع ذا شخصية قوية، فالمجتمع كما هو معروف تحصيل حاصل جمع الافراد، واذا كان الفرد ذا شخصية حازمة بعلمية وموضوعية واعتدال وفهم وعدم تسرع، فإن المجتمع سوف يكون أيضا حازما باعتدال ووسطية مقبولة، بمعنى لا تسرع ولا تهاون في اتخاذ القرار وتطبيقه، خاصة فيما يتعلق بالفرد اولا، لان نتائج سلوك الافراد، تنتهي بالنتيجة الى فعل جماعي ونتائج جماعية ايضا، قد تعود بالضرر او النفع لعموم المجتمع.

علما أن الاعتدال في الحزم، وعدم التسرع فيه، لا يعني ان هناك تناقضا بين الامرين، فالحزم بمعناه الواضح، ليس التهوّر في اتخاذ اي قرار، سواء كان مصيريا او في مستوى أقل من ذلك، المهم في الحزم ان يأتي في وقته الصحيح ومكانه الصحيح، في هذه الحالة ينتمي الحزم الى القيم التي تساعد الفرد والمجتمع، على الارتقاء من حالة ادنى الى حالة افضل.

وفي كل الاحوال لا يمكن أن تكون الشخصية الضعيفة المهزوزة المتذبذبة، في صالح الانسان او المجتمع عموما، لانها غير قادرة على العطاء، بسبب الفشل التربوي للحاضنة الاولى العائلة، وقد يشترك المجتمع في هذا الفشل من خلال التأثير المتبادل بين افراد وعوائل المجتمع الواحد، فإذا كان المجتمع يتحلى بالحزم، سوف ينعكس هذا على الجميع بطبيعة الحال، لذلك هناك مسؤولية مزدوجة ازاء نشر هذه القيمة المتقدمة، تقع على عاتق الفرد وما ينبغي ان يقوم به من جهد ومثابرة فردية لتحصيل قيمة الحزم، وما ينبغي على المجتمع ايضا من جهد متواصل لزرع هذه القيمة المتقدمة في نفوس وشخصيات افراده وجماعاته التي يتكون منها، فهي مسؤولية تضامنية فردية مجتمعية، تهدف الى نشر وزرع قيمة الحزم لدى الناس جميعا، حتى ينجحوا في تعاملهم مع الامور التي تستدعي حزما بلا تردد وبلا عجالة في الوقت نفسه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/آيلول/2014 - 18/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م