في التغيير الذاتي.. نشر ثقافة الوحدة

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: التشضّي والتشرذم واقع مرير تعيشه الامة، وبسببه تدفع ثمناً باهضاً في أمنها واستقرارها ومكانتها الحضارية بين الأمم، حيث بات من الطبيعي أن يسمع العالم اخبار مريعة عن مجازر وانتهاكات خطيرة يرتكبها مسلمون ضد مسلمون.

وبلد آخر غير مسلم، لاسباب سياسية او خلاف على الحدود او غير ذلك. فبعد ان تفرق المسلمون على شكل "دول" ضمن حدود مصطنعة واسماء مبتدعة، اضحى اليوم  التفرّق والتمزّق في الجماعات والتنظيمات التي تحمل الفكر والثقافة، ويفترض ان تكون الوسيلة لصياغة النظرية الاسلامية المتكاملة للحياة وتساعد على رؤية موحدة لاهداف مشتركة، مع وجود القواسم المشتركة العديدة بين المسلمين، أولها الكتاب السماوي ثم القبلة الواحدة والنبي الواحد.

من طريقة تعامل الكثير منّا مع التطورات المتلاحقة في الساحة، سواء السياسية منها او الاجتماعية، يبدو كأن هذا الواقع مفروغ منه، وأمر طبيعي لا يثير أحد، والاهتمام والمتابعة باتت متوجهة الى هذه التكتلات والكيانات المجزأة التي نلاحظها على الخارطة بذريعة الامر الواقع الذي لابد من معايشته ومواكبته، بل يذهب البعض الى أن الحديث عن "الدولة الاسلامية الواحدة" ضرباً من الخيال، او المثالية، في أحسن الفروض.

هذه الطريقة او النهج يبدو انها تتعارض وتتناقض مع الجهود الرامية للبحث عن حلول وبدائل للواقع المرير، ومنه حالة  التشرذم والتشضّي الموجود،  بمعنى اننا بحاجة الى "خارطة طريق"- إن صحّ التعبير- لصياغة الرؤية الصحيحة الكفيلة بتغيير هذا الواقع، وهذا ما يساعدنا عليه سماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- في كتابه "ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين" عندما يحذرنا من مهاوي التفرقة ويشجعنا في الوقت نفسه على خوض تجارب التقارب والوحدة التي تضعنا على  الطريق الصحيح، حيث تتوافق جهودنا وشعارتنا ومشاريعنا بصياغة الحلول والبدائل، مع السعي لاجتثاث جذور المشكلة، من هنا يكون من اللازم إزالة آثار التفرقة الموجودة في بلاد الإسلام، فاختلاف المقادير واختلاف النقود واختلاف التواريخ، مما يوجب تفرقة الامة الاسلامية..".

انه طريق طويل لتحقيق هذا الهدف والغاية الكبيرة، بيد انه ليس من المستحيلات، لذا نجد ان سماحة الامام الشيرازي يؤشر على قضية مهمة من جملة خطوات في هذا الطريق، ألا وهي التاريخ.

ومعروفٌ ان التاريخ تُعد من مفردات الثقافة والهوية لكل شعب وأمة، فهي كاللغة والتقاليد والاعراف، تشكل منظومة الثقافة الدالة على هذا الشعب او تلك الأمة. كما المعروف أن المسلمين، منذ البداية، كان لديهم تاريخ واحد، يبدأ من حياة النبي الأكرم وسيرته قبل وبعد بعثته للنبوة. ثم يمتد التاريخ ليشمل الاحداث و الوقائع. بينما نلاحظ اليوم أن مدارسنا تعلّم الطلاب اكثر من تاريخ.. ففي مصر يُدرس تاريخ الفراعنة، وفي ايران يُدرس تاريخ الساسانيين، وفي العراق يُدرس تاريخ البابليين وهكذا. نعم؛ نذكر تلكم الاحداث والوقائع المتعلقة بالأمم السابقة، ولكن – يقول سماحة الامام الراحل- "كما ذكرها القرآن الكريم، باعتبارها فاصلاً بين دعوة الانبياء ودعوة الملوك..".بيد ان السائد في التوجهات الفكرية والثقافية لهذا البلد وذاك، هو تبني هذا التاريخ او ذاك، بينما نجد التاريخ الاسلامي مثل الكتاب المهمل وسط جموع الكتب المرمية في مخازن الكتب وقد تجمع عليه الغبار الكثيف.

وبما أن التاريخ، يمثل العمق الثقافي لكل شعب، وهو يحمل الدروس والعبر التي يُستفاد منها لانتاج الفكر وصياغة الرؤية المستقبلية. فان السلوك والثقافة والتقاليد ستكون انعكاساً طبيعياً لتلك الدروس والعبر، عندئذ من الصعب الحديث عن ممارسات خاطئة في هذا المجتمع او ذاك، عندما يكون العمق التاريخي مناقض للهوية الثقافية الموجودة، وليس أدلّ على ما نذهب اليه، في مفهوم السلم واللاعنف، الذي يتّسم به التاريخ الاسلامي في فجر حضارته، بينما نلاحظ العنف والقسوة والدموية في الحضارات الاخرى. هذا اضافة الى نُظم اجتماعية عديدة معتمدة آنذاك، ومحاها الاسلام واستبدلها بنظم جديدة موافقة للفطرة الانسانية، مثل احترام المرأة واعادة مكانتها الحقيقية في المجتمع، وتصحيح سائر العلاقات الاجتماعية الاخرى.

لاشك أن هنالك خطوات وطرق نحو ازالة آثار التفرقة والتمزق في كيان الامة، منها "اللغة" وتكريس ونشر اللغة العربية في الآفاق ، على انها لغة الدين والحضارة والتقدم. ولمن يريد تحقيق التغيير في الامة وانتشالها من واقعها المرير، لابد من الاخذ بعين الاعتبار هذه الخطوات التي تمثل قاعدة انطلاق واساس للتغيير الحقيقي.

وقد سبب كل ذلك تأخر الإسلام والمسلمين فإن التفرقة أساس كل تأخر، ونشوب أغلب النزاعات الدامية، فإن كثيراً من الحروب التي رأيناها إنما كان منطلقها التفرقة التي سببها الحكام الجاهلون أو أذناب الاستعمار، فمثلاً الحرب العراقية الكردية التي دامت أكثر من نصف قرن واشتعلت مجدداً منذ ثلاثين سنة لم يكن سببها إلا التفرقة بين العرب والأكراد، وبهذه المناسبة ننقل ما تلقيناه في زمن قاسم وعبد السلام عارف من الضغوط لإصدار فتوى بوجوب محاربة العراقيين للأكراد، لكنا أبينا عن ذلك، وصبرنا على تهديداتهم، فمثلاً: جاءنا وفد من قبل عبد السلام يقول: بأن هؤلاء إستعماريون ويريدون بلبلة البلاد وشق الصفوف فاللازم عليكم تصدير فتوى بوجوب الحرب ضدهم والنفير العام للعراقيين لمحاربتهم حتى يستأصلوا شأفتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/آيلول/2014 - 17/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م