الثقافة منهم براء

 

شبكة النبأ: هناك من يدّعي الثقافة، ويُنسب نفسه لها، وهي منه براء، لانه لا يؤمن بها، ولا ينضوي تحت خيمة الفعل الثقافي الحقيقي، حيث يصبح العمل الثقافي ميدانا خصبا للتنافس بين المثقفين أنفسهم، وبين المنظمات الثقافية التي تنشط هنا وهناك لتفعيل المشهد الثقافي، ولا ضير في هذا، فالتنافس حالة جيدة ومطلوبة لتحسين الاداء الثقافي، سواءً على مستوى المثقفين كأفراد، أو على مستوى المنظمات مع بعضها، وكلنا يؤمن لو لا حضور حالة التنافس والتأثير المتبادَل، لا يمكن أن يتواجد عنصر التحفيز لإنتاج الأفضل في الثقافة وفي ميادين الحياة الاخرى، من هنا فإن الثقافة ترفض المثقف الذي ينتمي لها بالادّعاء فقط، لانها فعل قائم على الارض.

وغالبا ما تظهر اثناء الفعل الثقافي الميداني عيوب الشخصيات والمنظمات الثقافية ايضا، فهناك أفراد يدّعون الثقافة، لكنهم لا يعون قضية اختلافهم عن عامة الناس من حيث الوعي، وضرورة تقديم النموذج الأفضل في التعامل والانتاج، لذلك لايمكن ان ينتمي مثل هؤلاء فعى الى الثقافة، وهي منهم براء دائما، لأن المثقف من هذا النوع ينسى دوره المغاير كمثقف فاعل، وينحدر الى السلوك الغريزي كغيره من الناس ويتحول التنافس بينه وبين الآخر الى صراع، وعندما تتكرر مثل هذه الشخصيات الثقافية التي لا تعي تميّزها عن غيرها، فإن صورة التنافس سوف تتحول الى صراع، وسوف يشمل المنظمات مع بعضها كلما ازداد عدد المثقفين الذين يميلون الى الصراع كبديل عن التنافس.

لذلك حتى نضمن مثقفين ينتمون بصدق للثقافة، ولا يهدفون الى المنافع الآنية، علينا ان نسهم بصنع ثقافة حقيقة، فالثقافة والمثقفون ومنظماتهم، جميعا يحتاجون الى معالجة الصورة المتحركة لصالح الصراع بدلا من التنافس الايجابي، وهذا العلاج يكمن في القدرة على انتهاج العمل الجماعي كوسيلة وأداة للانتاج الثقافي، بطبيعة الحال يشترط العمل الجماعي توعية متواصلة ومقدرة على تهذيب الذات، والحصول على درجة عالية من الإيثار، كلنا نحتاج الى التعظيم والاحترام، كلنا نبحث عمّن يذكر اسمنا ويشيد بجهودنا ويحسّن صورتنا، ولكن على أن لا تتحول حاجتنا للتقدير والاحترام، الى حاجة قاهرة مؤذية، قد تدفعنا الى تسقيط الآخر، وإلغاء حالة الايثار كليا في سلوكنا أو من أفكارنا، هنا يتحوّل المثقفون الى مجموعة متصارعين على تضخيم الذات، وتحصيل الاشادة والتقدير من الآخرين حتى لو كانوا لا يستحقونها.

من هنا مطلوب فرز المثقفين المدّعين، وتفعيل الثقافة كعلاج فعّال لكبح جماح النفس الباحثة عن التمجيد الشكلي الفارغ، وعندما نعمل معا بروح الجماعة، فإن النجاح مكفول لنا جميعا، وأن التعظيم والتمجيد والاشادة ثمار تتوزع علينا جميعا، عظيم ذلك المثقف أو الانسان الذي يؤثر غيره على نفسه، ومجيد ذلك المثقف الذي يعتدّ بذاته ويحترم نفسه، ويكتفي بنجاح العمل الثقافي دون أن تُنسب له أسباب النجاح، وكبير ذلك المثقف الذي يقدم للآخر نموذجا انسانيا واثقا متميزا محبّا للجميع، وقادرا على كبح إفرازات النفس المعقدة، التي تدفع نحو تأجيج الصراعات وتحويل التنافس من حالته المفيدة، الى حالة صراع لا يليق بحكمة الانسان وعقله وآفاق أهدافه الكبيرة، فكلنا نعرف ونتفق على أن المثقف نتاج الحاضنة الاجتماعية وسماتها، ولكن لماذا يسمح أن تُطلَق عليه تسمية مثقف؟ اذا كان لا يختلف عن غيره ممن يعملون في ميادين السياسة وغيرها، ويتصارعون على المناصب وسواها، من دون الالتزام بالضوابط الاخلاقية والانسانية التي ينبغي أن لا تغيب قط عن العمل في الميدان الثقافي؟.

إن غير المدّعي من المثقفين، هو المثقف النموذج للاخرين، إذا كان يستحق شرف هذه التسمية، وهو من يتحكم بنفسه وأهوائه وغرائزه وليس العكس، واذا اراد احد المثقفين أن يصل الى هذه الصورة المثلى للمثقف، عليه أن يؤمن قولا وفعلا بالعمل الجماعي في ميدان الثقافة، وعليه أن يتحصّن ضد الافعال أو الافكار التي تحاول أن تستفزه وتلقي به في دوامة الصراع من اجل التعظيم والتمجيد والاشادة، فكثير من العظماء - في الثقافة وغيرها- لم يحصلوا على العظمة والتمجيد إلا بعد رحيلهم عن هذا العالم، ولكن البشرية جمعاء خلّدتهم وليس شعوبهم أو أممهم فقط، ولدينا من النماذج ما يؤكد هذا القول، لذلك فإن الثقافة الحقيقية المتوازنة، لا تقبل المثقف المدعي وترفض انتماءه لها، لانه يبحث عن منافعه الآنية اولا واخيرا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آيلول/2014 - 13/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م