الاقليات في العراق

الذاكرة – الهوية - التحديات

اعداد: حيدر الجراح

شبكة النبأ: منذ العام 2003 تصاعد الحديث عن المكونات والاقليات في العراق، وتنضوي تحتها تسميات وتوصيفات عديدة، بين الشيعة والسنة والاكراد والمسيحيين والشبك والايزيديين والصابئة والكاكائية، وهي ايضا تكتنف حديثا اخر عن النسب العددية بين اكثرية واقلية، وهي اخيرا تشير من ضمن ماتشير اليه، هذا البروز الصاخب لها على سطح الاحداث وتحولها الى عناوين بارزة في الازمات المتلاحقة منذ العام 2003 وحتى الان.

واذا كان مسلسل القتل رغم بشاعته والذي راح ضحيته الكثيرون من الشيعة والسنة، لم يستأثر بالاهتمام اللازم، وذلك لاعداد الطرفين الكبيرة، فان ماتعرضت له الاقليات من قتل وتهجير، قد استحوذ على اهتمام الكثيرين كونهم يمثلون اقليات عديدة، قابلة للانقراض والفناء.

الجهل بالآخر تحول الى حالة سائدة، حقيقة يؤكدها الدكتور سعد سلوم الباحث العراقي في احدى محاضراته حول الاقليات في العراق، وهي نفس النتيجة التي يؤكدها في كتابه (الاقليات في العراق.. الذاكرة – الهوية – التحديات) والصادر عن مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والاعلانمية.

هذا الجهل السائد، ومايتأسس عليه من انكار للوجود او شيطنة او محاولة اقصاء مدمر، سيقود بالنتيجة الى (بداية النهاية للعراق) كما يكتب الباحث في نهاية الكتاب، والتي هي نهاية الوطنية العراقية المحلية المستمدة من الاعتزاز المشترك لجميع العراقيين بالتراث الغني لبلاد مابين النهرين.

تتعرض الأقليات الدينية في العراق الى خطر الانقراض والتحول الى جزء من الذاكرة، لا سيما التهديدات الماثلة التي لاتتناول حرية وحقوق هذه الأقليات فقط، بل تطال وجودها واستمرارها على ارض كانت تعيش فيها لآلاف السنوات، وتجذرت فيها الى حد لا يمكن فيه تخيل العراق بدونها.

والامر الخطير ان الاقليات التي تغادر العراق لا تفكر بالعودة حتى لو تحسن الوضع الامني فهي “هجرة اللاعودة” بالنسبة للغالبية منهم، وهو ما يضع  تكرار سيناريو تهجير يهود العراق امام الاذهان، الى حد بات فيه من الواضح ان المسيحيين وبقية الاقليات الدينية سائرون على الطريق الذي سار فيه من قبل “يهود العراق” وادى الى رحيلهم النهائي خارج بلادهم، وفقدان جزء من الذاكرة العراقية لايمكن تعويضه، فضلا عن الآثار الإنسانية الرهيبة التي رافقت مثل هذا التهجير.

منذ العام 2003 غادرت معظم الاقليات العراق ومن المتوقع مغادرة المتبقي منهم خلال السنوات اللاحقة لاسباب منها:

- عدم توفر الامن

- غياب الحماية الدستورية

- غياب التشريعات التي تكفل عدم التمييز

- التمثيل الضعيف لهم على مستوى الحكومة والبرلمان.

- سيادة ثقافة اقصائية في المجتمع تقوم على التمييز والجهل بالآخر.

يعزو الباحث ماوصلت اليه حالة الاقليات في العراق الى فشل المدرسة الجمّالية (التي يمثلها متي عقراوي ومحمد فاضل الجمالي) في مشروعها لاصلاح التعليم ومناهجه على نحو يكفل تعزيز تعددية المجتمع في مقابل نجاح المدرسة الحصّرية (التي يمثلها ساطع الحصري) وهذا الفشل كان مسؤولا عن عدم تقديم مقاربة تعليمية ملائمة لبلد تعددي مثل العراق، ويشكل احدى ابرز العلامات على غياب مشروع هوية وطنية تمثل الجماعات السكانية المختلفة.

فقد غيبت مقاربة المناهج الدراسية المبنية وفق منهج المدرسة الحصريّة (من ساطع الحصري) صورة مجتمع تعددي، والتفكير بالانعتاق من تقليد هذه المقاربة يلهمني مع ابناء من جيلي ممن كانوا يرزحون تحت ثقل ميراث تعليم تلقيني وايديولوجي الى التفكير في اعادة اكتشاف من نكون. لم تكفي جهود عشر سنوات منذ التغيير، ركزت فيها طاقتي العقلية والجسدية لاعادة اكتشاف التعددية الدينية والقومية واللغوية الغنية للمجتمع العراقي في لملمة تصور كاف لفهم المجتمع كما ينبغي وتطوير رؤية عن هوية عراق ما بعد 2003.

هذه المقاربة كانت قد غيبت دور الأقليات وطردتها من مسرح الاحداث أو عاملتها بوصفها مجرد "كومبارس على مسرح التاريخ" ضمن سياسة تقوم على آحادية جماعاتية وثقافاتية متمركزة حول حقبة مجتزئة من التاريخ (التاريخ العربي الإسلامي)، بهدف صهر الثقافات الفرعية، والهويات التعددية، والخصوصيات العرقية، والثقافية واللغوية في هوية واحدة بشكل منهجي وقسري.

يكتب الباحث عن الايزيدية تحت عنوان” جماعة عريقة في مواجهة حاضر قلق” فقد جاء في هذا الفصل عن اصل الايزيدية وتسميتها وعن ماهيتها الدينية وكتبها المقدسة.ويتطرق ايضا الى طبقاتها الدينية وتوزيعهم الجغرافي والنهضة التي حصلت لهم بعد 2003 حيث تم فتح العديد من مراكز ثقافية لهم وصدور جرائد متخصصة في مناقشة واقعهم والتعريف بديانتهم وذلك لما عانوه من تشويه وطمس لتاريخهم وعقيدتهم وغيرها من الامور التي تخص هذا المكون.

ويتحدث الكاتب عن المندائيين “المندائيون ثقافة الفية تحت خطر التلاشي” ويتطرق الى لغتهم والتي تعتبر من لهجات اللغة الارامية الشرقية واصل تسميتهم ,التي تعتبر مشتقة من اصل الفعل الارامي (صبا) حيث تعني باللغة الارامية المندائية اصطبغ او تعمد, ولهذا دلالة على ارتباط طقوسهم الدينية بالماء الجاري وتعمدهم به. وكما يتطرق الباحث الى موطنهم الجغرافي بالقرب من الانهار في جنوب العراق ومناطق الاهواز في ايران,ويشيرالى معتقدات الصابئة المندائية, التي تعتبر من الديانات التوحيدية القديمة والتي كانت منتشرة في فلسطين والحجاز وبلاد النهرن, وانها من الديانات التي تؤمن بالله ووحدانيته , وتؤمن بان الجسم فان, وان النفس خالدة تعود بعد الممات الى خالقها.

يتطرق في هذا الكتاب ايضا الى اقلية السود (الزنوج) ” ذاكرة جريحة وهوية مستعادة” ويحكي عن تاريخ وجود السود في العراق حيث يرتبط بتاريخ الحروب والغزوات التي استهدفت القارة السوداء “افريقيا” وينتقل بعدها الى الكرد الفيلية “شقاء الهوية المركبة,وجراح الذاكرة الجماعية” فيتحدث عن الكرد الفيلية الذين يعتبرون شيعة المذهب وكردا من الناحية العرقية والقومية والذين يوجدون في العراق وبغداد وقد تعرضوا الى الملاحقة نتيجة تبعيتهم الايرانية وليست العثمانية كبقية الكرد الذين يتمذهبون بالمذهب الشافعي.

ولياتي الحديث بعدها الى الشبك تحت عنوان ” هوية صغرى تصارع هويات كبرى” والتي توجد في مناطق سهل نينوى وهي اقلية لغوية يعتبرها البعض قومية قائمة بذاتها بينما يعتبرها الاخر من العشائر الكردية من الناحية العرقية, وتنتمي هذه الاقلية الى الدين الاسلامي على المذهبين الشيعي والسني ,بينما لا زال الكثيرين يعتبرها اقلية دينية, وهذا خلاف للواقع الموجود.ويختم الكتاب عن اقلية اخيرة الا وهم الكاكئيون ” سرية المعتقد ورمزية التعبير” وتعتبر الكاكئية من الاقليات الدينية التي تنتشر في شمال العراق وتمتاز بالسرية والغموض في ممارسة شعائرها الدينية, فضلا عن تداخل الاديان والعقائد في عقائدهم,ويشير الى اصل تسميتهم والتي هي مشتقة من (مفردة (كاكا) الكردية,وتعني الاخ الاكبر,وايضا عن طبيعة التقسيم الديني والاجتماعي الذي يمتاز بها المجتمع الكاكئي والذي ينقسم الى طبقات عديدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آيلول/2014 - 13/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م