قيم التخلف: التكاسل

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: التكاسل مفردة مشتقَّة من الكسل، والأخير يصيب الانسان لأسباب مجتمعية، سلوكية، ونفسية، تبعا لمنظومة السلوك التي يعتادها الانسان، وتبعا للخزين الفكري الذي يستقيه من حاضنته الاولى، ونعني بها العائلة ثم المدرسة، بمعنى اوضح أن قيمة التكاسل المتخلفة، لا تنشأ مع ولادة الانسان، بل هي قيمة مكتسبة من المحيط الذي ينشأ ويترعرع فيه الانسان، ويؤدي في نشاطاته المختلفة كالدراسة والعمل والرياضة وما شابه.

لذا يمكن للانسان أن يمنع هذه القيمة من التسلل الى سلوكه وتفكيره ونفسيته ايضا، من خلال الوعي ونبذ الكسل وفروعه بكل اشكالها، نعم للكسل فروع عديدة منها التكاسل او الخمول او التردد وسواه، وهذه الفروع بمجملها هي حالات تصيب الانسان بالعجز، وتقوده الى عدم اداء الواجبات المطلوبة منه، او التهرب منها على نحو دائم تحت حجج واهية، لذلك قد يبقى الانسان أسير الاحلام التي لا طائل من ورائها، وهذه نتيجة مؤسفة غالبا ما تصيب الافراد المتكاسلين عن مواصلة حياتهم، بطريقة عملية فكرية صحيحة.

يرى العلماء المختصون بالنفس، أن التكاسل كقيمة متخلفة، ربما يرثها الانسان عن أسلافه، بمعنى قد يكون هناك دور للوراثة في زرع هذه القيمة المتخلفة في شخصية الانسان، ولكن على العموم، سيبقى دور الواقع، ومؤثرات الحاضنة التي ينشأ فيها الانسان، هو العنصر الاساس في تركيز هذه القيمة المتخلفة لدى الانسان، ويرى احد المختصين أن الشعور بالكسل يرتبط بعوامل نفسية مبعثها الشعور بالفشل، سواء على المستوى المهني أو الأسري أو الشخصي، غير ان الإصابة بالكسل تجعل الأمر أكثر سوءا على هذه المستويات، لأنه يجعلك تؤجل أو تتغاضى عن الخطط والأفكار التي من شأنها نقلك من حالة الفشل إلى حالة النجاح والفعالية والتحقق الذاتي، وأول أسباب الإصابة بالكسل هو الشعور بالتعب والإجهاد، وهذا الشعور يرجع لأسباب عضوية ونفسية على حد سواء، لا شك أن اسبابها تعود الى الحاضنة التي ينشأ فيها الانسان.

من هنا ينبّه المختصون والمعنيون بزرع القيم المتقدمة في شخصية الانسان، على أهمية توفير الحواضن الاجتماعية السليمة للانسان عند ولادته، أي لابد أن يبدأ الانسان حياته في وسط اجتماعي معافى وسليم، وفي حاضنة معاصرة، تعرف وتعي متطلبات العصر، ولابد أن تكون هذه الحاضنة المجتمعية قادرة على زرع القيم الإيجابية المحفزة والمثيرة لقدرات الانسان وتفجير طاقاته، وليس القيم المضادة والكابحة للتقدم، والتي تعمل على تكريس التردد والعجز في شخصية الانسان، من خلال تعميق قيمة التكاسل المتخلفة لديه.

ولا شك أن هناك سبل للتخلص من الكسل وفروعه، ولكن من الأفضل أن يتم تجنبها منذ بداية حياة الانسان، وهذه مهمة الاسرة ممثلة بالأبوين اولا، فعندما يكون الاب والام حريصين على رفد شخصية الابن والبنت بالقيم الايجابية، ونبذ القيم المتخلفة، فإن النجاح سوف يكون حليفهما، لاسيما أن معترك الحياة يستلزم شخصية لا تميل الى الجمود والتكاسل، لانها لا تتناسب مع طبيعة العصر التي تتطلب الاداء السريع في المجالات كافة، مشفوعا بالتفكير السريع المتسم بالدقة وصحة التوجّه، إذ لا فائدة من السرعة في العمل من دون ضبط معايير أو مقاييس حالة الانتاج المتوقعة.

هكذا ينبغي أن يكون دور الاسرة في التعامل مع التكاسل، صعودا الى الحواضن الاخرى، كالمدرسة او الحي السكني الذي ينشأ في الانسان، أو مجال العمل الذي يعمل ويتحرك فيه وما شابه، فكلما كانت هذه الحواضن المجتمعية جيدة وملائمة وواعية بطبيعة دورها، كلما كان بناء شخصية الفرد سليما ومعاصرا، بمعنى أن سوف يتوافق وطبيعة العصر.

ولا شك أننا نستطيع أن نلاحظ التأثير السلبي لقيمة التكاسل في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، لأننا ينبغي أن نعترف بتأثيرها ووجودها بيننا، فالتكاسل يرافق نسبة واضحة من شبابنا وغيرهم، ويمكن ان نلاحظ ذلك من خلال المتابعة والرصد، والشروع بالدراسات والبحوث والاستبيانات الصحيحة.

وهذه مسؤولية مراكز البحوث المعنية بهذا الامر، لكي نتأكد أننا محيط محكوم فعلا بالكسل وفروعه، لاسباب سبق ذكرها في صدر هذا المقال، وما علينا كمسؤولين (حكوميين تربويين)، أو آباء وامهات، عن الشباب وغيرهم، إلا أن ننهض بمهمة التصدي لهذه القيمة المتخلفة، نظرا للاضرار الكبيرة التي تلحقها بنا كأفراد أو كمجتمع، على أن تكون عملية مكافحة هذه القيمة المتخلفة، مدروسة وفق منهج علمي عملي، قابل للتطبيق الدقيق والسليم في الوقت نفسه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/آيلول/2014 - 11/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م