دور الحوزات في استقرار الامن والسلم الاجتماعي

 

شبكة النبأ: علاقة عامة الناس بالحوزات العلمية، علاقة متداخلة، عميقة الجذور، تقوم على الثقة المطلقة التي تتبلور لدى الناس عامة، استنادا الى الارث التاريخي المتميز لدور الحوزات في تثبيت مصلحة الانسان وحقوقه في السياسة او الدين، بل في معظم مجالات الحياة، وغالبا ما تكون الحوزة، دليلا للناس، وهم يحثون الخطى في مجاهيل الحياة التي لا تعد ولا تحصى، لذلك يحتاج الانسان فردا او جماعة، الى دليل يحدد له المسارات الصحيحة من الخاطئة، في متاهات قد يكون الخلاص منها مستحيلا من دون دليل ومعاون، يحرص بصدق على أن يمد الناس بصورة صادقة عن المسالك التي تقوده نحو الاستقرار والامان.

هكذا يبدو دور الحوزات العلمية محوريا في حياة الناس، تغذي هذا الدور الحياتي الكبير، ثقة مطلقة، واستقرار نفسي مستديم، ينبع من التجربة الطويلة التي خاضتها المجتمعات الاسلامية عبر تاريخها الطويل، مع الانظمة السياسية التي لم تنصفها، لذلك كانت الحوزة حاضرة دائما، وكانت في الغالب ترفض الوقوف الى جانب الحاكم الظالم ونظامه، وكانت ولا تزال الحوزة، ترفض الظلم الذي يلحقه الظالم بالشعب، وهكذا تكونت وشائج وأواصر بالغة القوة، بين الحوزة من جهة، وبين الجماهير الشعبية من جهة ثانية.

وقد أخطأت أنظمة سياسية، عندما تعاملت مع الحوزات وفق ميزان المصالح المادية، فالنظام السياسي في الغالب يحاول أن يكسب الحوزة ورجالها الى جانبه، وعندما يعجز في ذلك يلجأ الى وسائله المعروفة، وهي وسائل عجزت عن إجبار الحوزات العلمية على الاصطفاف مع الحاكم الظالم، ولدينا شواهد كثيرة تثبت ذلك، تعكسها تجربة الشعوب الاسلامية مع انظمتها، ودور الحوزات في ردع الحاكم الظالم، الذي يلجأ نتيجة لغبائه، الى استخدام القوة مع الحوزات ورجال الدين، معتقدا انه بهذا الاسلوب يحد من خطرها عليه، لكن العكس يحدث غالبا، بسبب تمسك الجماهير بالحوزة وفتاواها في هذا الجانب او ذاك.

ولم ينحصر دور الحوزة الدينية في المجال الداخلي وفي علاقة الحاكم مع الشعب، إنما اثبتت الحوزة قدرتها على ردع الاستعمار، والتعبئة لمحاربة المحتلين من الدول الكبرى المتغطرسة، وهذا ما تؤكده بصورة قطعية، تلك الاحداث والمواقف التاريخية المعروفة للجميع، كما نلاحظ في دور المرجعية الشيرازي التي عبّأت الجماهير للثورة ضد الاستعمار الانكليزي في ثورة العشرين، التي اسهمت في كسر شوكة الاستعمار بقوة.

ونتيجة لهذا الدور الداخلي والخارجي للحوزات العلمية، ونتيجة للعلاقة التاريخية التي تمتد على مسافة قرون من السنوات، بين الجماهير والحوزات العلمية، فإن العلاقة بين الجانبين باتت مصيرية، وغير قابلة للضعف او التشويه، من هنا كانت الحوزات ولا تزال سببا أساسيا في استقرار الامن والسلم الاجتماعي في الدول الاسلامية، ولا يمكن لنظام سياسي ذكي، أن يتجاهل هذه الحقيقة التي لا تحتاج الى اثبات، فمن يتجاهل العلاقة الشاخصة بين الحوزات والناس عموما، هو الخاسر في نهاية المطاف.

ذلك أن الحوزات العلمية لها قدرة حاسمة على ضبط الجماهير، وتأمين الشارع، وكبح جماح الفوضى، ونشر حالة السلم الاجتماعي وتعضيدها، وتحقيق الاستقرار والامان، وهذه امور تصب في صالح النظام السياسي الحاكم في اي بلد كان، لذلك من مصلحة الانظمة الحاكم ان تتعامل مع الحوزات العلمية بالطريقة التي تؤكد احترام النظام السياسي لها، واذا حدث العكس، أي اذا تم تجاهل الحوزات العلمية، فإن النظام السياسي الحاكم في اية دولة اسلامية سوف يعرض نفسه لخطر السقوط، الناتج عن فوضى الشارع الشعبي.

كذلك عندما تتعرض الحوزات الى تجاهل النظام ومعاداته لها، فإن هذه الحوزات لا تخسر شيئا بقدر خسارة النظام نفسه، خاصة اذا كان النظام السياسي حريصا على حاضر ومستقبل الشعب، وتأمين الحياة اللائقة له، فالاستقرار عنصر اساسي للتقدم، وتحقيق الاستقرار وعدم انهيار المجتمع مرهون بطبيعة تعامل النظام مع الحوزات العلمية، فإذا كانت قائمة على الاحترام والتوازن، ومنح الحريات اللازمة للحوزات والشعب ايضا، فإن النظام سوف يحصد فضائل وثمار هذا السلوك المتوازن، وإن حدث العكس، وصار النظام فرديا سلطويا دكتاتوريا اقصائيا في تعامله مع الحوزة، فإنه يغامر في هذه الحالة بميزة الاستقرار.

ولا شك أن ما يتبع ذلك من مظاهر الانفلات، ستكون مؤثرة وكثيرة ومتتابعة، ومن بينها فقدان السلم الاجتماعي، وانتشار حالات الاحتراب، بين مكونات المجتمع الواحد، عندها لن تكون الحوزة العلمية مع النظام الذي يكن لها العداوة، ويصبح النظام عرضة للاحتجاجات الجماهيرية المتصاعدة، وليس بعيدا ان يتعرض النظام لخطر السقوط، بسبب موقفه الخاطئ من الحوزات العلمية، علما ان هناك معادلة لا يمكن الفصل بين طرفيها، وهذه المعادلة تؤكد ما يلي، اذا كانت الحوزة راضية عن النظام فإن الشعب سوف يكون راضيا عنه ايضا، والسبب هو العلاقة المتداخلة والوشيجة بين الشعب والحوزة لدرجة الاندماج، لذلك من الغباء أن يتجاهل النظام السياسي – أي نظام- هذه الحقيقة الساطعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/آيلول/2014 - 7/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م