محاربة العلماء.. من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: علماء الامة الاوائل وقادتها هم آل محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، وهم وارثوا رسالة جدهم، ولكل منهم دور سياسي واجتماعي وديني، يقوم به على اكمل وجه، حتى بوجود كل الموانع والعراقيل التي ينصبها الحكام لهم.

في تجاربهم المؤلمة مع حكام عصرهم، لم تنفع مكانتهم من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فكل واحد منهم كان في تصور الحكام يمثل تهديدا فادح الخطورة على ملكه وسلطانه، لشعور عميق في وعي الحكام انهم مغتصبون للسلطة وان مكانتهم تلك غير شرعية، وانهم على استعداد لقطع مايحمل العيون حتى لو كان احد ابنائهم.

بعد الغيبة انتقلت قيادة الامة الى علماء ومراجع الدين، كخلفاء للائمة (عليهم السلام) وهم يقومون بادوار متعددة منها ما يتعلق بالدين وما يتعلق بالسياسة وما يتعلق بالثقافة.

لم تخلو ادوار هؤلاء العلماء ومراجع الدين من محطات كثيرة للصدام والصراع مع حكام دولهم، لا فرق بين ان يكون المذهب الشيعي اغلبية في المجتمع او اقلية، فصورة العالم ورجل الدين بالنسبة للحاكم والمتسلط على الرقاب والارزاق، هي صورة المنافس على الحكم، رغم بعد هؤلاء العلماء والمراجع عن مثل تلك الطموحات والمطامع.

الا ان السبب الرئيسي برأي الكاتب هو فقدانهم لشرعية تمثيل شعوبهم، تلك الشرعية التي لا تكون الا عبر الامة واختيارها.

لم يسلم الكثير من العلماء والمراجع من المطاردة او الحصار او القتل او التغييب في السجون، لا لشيء الا لفضحهم المستمر لتلك الشرعيات الزائفة حتى دون كلام او اشارة او تلميح، يكفي التفاف الناس حولهم ليثير خوف الحكام منهم، ويجعلهم يشعرون بعدم الامن والاطمئنان.

في كتابه (تحطم الحكومات الاسلامية بمحاربة العلماء) يفرد الامام الراحل محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) فصلا كاملا حمل عنوان (اثار محاربة العلماء) يتحدث فيه واستنادا على العديد من الحوادث التاريخية التي قرأ عنها او عاصرها في ايران او العراق، ويسجل عددا من تلك الاثار والنتائج:

ذهاب محبوبيّة الحاكم

فـ (الحكام الذين يحاربون العلماء سيفقدون محبوبيتهم، لأن العلماء محبوبون في الاجتماع)، ويذكر خمسة شروط حازوا على المحبوبية من خلالها هي:

أولاً: حملة علوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) الذين هم في قمة المحبوبية.

وثانياً: إن هذا العلم ينفع آخرة الناس، والكل يرجو ثواب الآخرة، ويخاف عقابها، ورجاء الثواب ومخافة العقاب يوجبان تعلق الإنسان بمن يبيّن لهم طريق الثواب ويحذرهم مغبة العقاب.

وثالثاً: قد وردت روايات كثيرة تؤكد على حب العلم والعلماء، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (اغد عالماً أو متعلماً أو احب العلماء ولا تكن رابعاً فتهلك ببغضهم).

ورابعاً: العلماء في أوساط الناس كالأنبياء (عليه السلام) وبمنزلتهم: يعلمونهم الأحكام، ويسعفونهم بحوائجهم ويشاركونهم أحزانهم وأفراحهم، ولهم تعاطي مع الناس في زواجهم ومعاملاتهم وسائر شؤونهم، والناس يحبون من لا يتكبر عليهم، بل هو منهم وإليهم.

وخامساً: زهد العلماء وإقبالهم على الله سبحانه وإعراضهم عن زخارف الدنيا، والناس يحبون الزاهدين لأنهم لا يزاحمونهم في دنياهم، كما أنهم يعرضون عن العلماء الجبّارين).

النتيجة المتحصلة من محاربة الحكام المستبدجين للعلماء هي: كره الناس لذاته واعماله اولا، ولانه يحارب هؤلاء العلماء.

هذه الكراهية يصفها الامام الراحل بانها (أشد ضربة نفسية يعاني منها الحاكم ما دام حياً).

ثم يذكر اثرا اخر لتلك المحاربة يسميه (دلالة العمالة للأجنبي) ويشرحها بالشكل التالي:

(بمجرد أن انفصل الحاكم عن العالم أو أخذ بمحاربة العلماء، يرى الناس أن الحاكم عميل وغاصب، إذ الناس نشئوا وترعرعوا على حب العالم وحب الأحكام الإسلامية، وهما متلازمان واقعاً، ومتلازمان في نظر الناس أيضاً).

واتهام الحاكم بالعمالة من قبل المحكومين، (نقطة البداية في سقوطه)، وهذا السقوط يكون عن طريقين هما:

(إذا كان الحكم ديمقراطياً استشارياً يسقطه الناس بمجرد الانتخابات أو قبلها، وإذا كان ديكتاتورياً استبدادياً أسقطه الناس بالسلاح والقوة).

ثم يذكر اثرا اخر وهو: (حتمية تبعية الحاكم للأجنبي) ويفسره بقوله:

(الحكام منذ أن انفصلوا عن العلماء ـ وبذلك انفصلوا عن الشعوب أيضاً ـ صاروا آلة بيد الأجانب وعملاء لهم، فلا يملكون الاستقلال).

اثر اخر لتلك المحاربة هو: (فقدان قيمة الحاكم عند الناس وعند نفسه) ويفسره الامام الراحل بقوله:

(إن الحاكم الذي لا يساير الناس ولا يعمل بقوانين الله ويحارب العلماء لا قيمة له).

هذه الدونية هي (من أوحش الأشياء أن يحس الإنسان بأنه لا قيمة له، ووجوده معلّق بخيط رقيق، وفوق رأسه حدّ السيف على طول حياته، ولا يعلم بأيّة قتلة يقتل أو بأية موتة يموت، كما هو مذكور في علم النفس، وهذه الحالة تصيب هؤلاء الحكام الذين يحاربون العلماء).

اثر اخر يذكره الامام الراحل هو: (المحاربة بين الشعب والحكومة) بسبب ابتعاد الحكومة عن العلماء (ينشأ ابتعاد الشعب عن الحكومة)، وكل ابتعاد من هذا النوع يوقع الحرب والكر والفر بين الحاكم والمحكومين، (فالشعب ينسف الحكومة وينتقصها ولا يحترم قوانينها، فيعمل حينئذ على خلاف ما تريده الحكومة ويهرب من الضرائب ولا يعطي حتى رسوم الماء والكهرباء والمواصلات، ويخرق قوانين الدولة في السفر والإقامة والعمارة وألف شيء وشيء).

ويكون رد مثل تلك الحكومات (محاربة الشعب اعتقالاً وسجناً وتعذيباً ونفياً، وأحياناً إعداماً، وربما مصادرة للأموال وألف شيء وشيء).

ما هي الحلول التي يقدمها الامام الراحل لتلك المعضلة السلطوية؟

عدة منها هي:

أن يكون هنالك (شورى المرجعية)

(الأحزاب الحرة)

(الوعي العام)

(تطبيق قوانين الإسلام) ـ كالأمة الواحدة، والأخوة، والحرية ـ من ناحية رابعة، حتى يرفع هذا الخطر وسائر الأخطار عن الحكام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/آيلول/2014 - 7/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م