بعد تضخم داعش .. تركيا على خط المواجهة

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي يهدد فيه مقاتلو تنظيم داعش الارهابي الحدود التركية من سوريا تبذل تركيا جهودا كبيرة لوقف تدفق الجهاديين الأجانب إلى الجماعة المتشددة بعد أن كانت حتى عهد قريب تسمح لمن يرغب في الاشتراك في الحرب السورية بحرية المرور، ويقول دبلوماسيون ومسؤولون أتراك إن من المعتقد أن آلاف المقاتلين الأجانب من دول من بينها تركيا وبريطانيا والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى انضموا إلى صفوف المقاتلين الاسلاميين في التنظيم الذي أعلن قيام الخلافة الاسلامية في مناطق من شرق سوريا وغرب العراق، وقالت مصادر مقربة من تنظيم الدولة الاسلامية إن الجهاديين الذين استولوا على قاعدة جوية في شمال شرق سوريا في تقدمهم شمالا يحاولون تأمين السيطرة على المنطقة المتاخمة لتركيا بعد مدينة الرقة التي تعد معقلهم الرئيسي وذلك في محاولة لتسهيل مرور المقاتلين الأجانب والامدادات.

وقد وصل بعض المقاتلين الأجانب إلى سوريا عن طريق تركيا إذ وصلوا جوا إلى اسطنبول أو المنتجعات التركية على البحر المتوسط مستخدمين جوازات السفر الغربية التي تتيح لهم الاختباء وسط ملايين السياح الواصلين كل شهر. بحسب رويترز.

ومن تركيا فإن عبور الحدود التي تمتد 900 كيلومتر إلى شمال سوريا كان أمرا سهلا نسبيا منذ فترة طويلة إذ أبقت السلطات التركية على سياسة فتح الحدود في المراحل الأولى من الانتفاضة السورية للسماح للاجئين بالخروج ولدعم المعارضة السورية المعتدلة في الداخل.

ويبدو الآن أن هذه السياسة كانت خطأ في الحسابات وجلبت اتهامات نفتها الحكومة التركية بشدة أنها دعمت المتشددين الاسلاميين سواء عن غير قصد أو غير ذلك في سعيها لمساعدة المعارضة السورية على الاطاحة بالرئيس بشار الأسد. بحسب رويترز.

فقد أزعج التقدم السريع لتنظيم الدولة الاسلامية أنقرة وحلفاءها الغربيين وأرغمهم على تعزيز عمليات تبادل معلومات الاستخبارات وتعزيز التعاون الأمني، ووصف دبلوماسي أوروبي في أنقره تركيا بأنها "أولوية أمنية قصوى" للاتحاد الاوروبي وقال "آلاف الاوروبيين دخلوا تركيا في طريقهم إلى سوريا ونحن نعتقد أن عددا كبيرا منهم انضموا إلى الجماعات المتطرفة"، وقال الدبلوماسي الذي طلب عدم الكشف عن هويته حتى يتحدث بحرية أكبر "في الشهور الأخيرة بصفة خاصة شهدنا تشددا حقيقيا في موقف تركيا واعترافا بأن هذا يمثل خطرا محتملا على أمنهم الوطني ورغبة في اتخاذ خطوات أكثر عملية عن طريق قنوات الاستخبارات وقنوات الشرطة"، وقال الدبلوماسي ومسؤولون آخرون إن التعاون يشمل تشديد فحص الركاب على الطائرات القادمة إلى تركيا بالتعاون مع الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي وتعزيز الدوريات الحدودية على الحدود مع سوريا. بحسب رويترز.

وقال مسؤول تركي إن تركيا لديها قائمة للممنوعين من الدخول تتضمن آلاف الأشخاص الذين يشتبه أنهم يسعون للانضمام لصفوف "المتطرفين في سوريا" بناء على معلومات من وكالات المخابرات الأجنبية وإنها منعت أكثر من أربعة آلاف شخص من دخول البلاد في العام الماضي وحده نتيجة لذلك.

وقال المسؤول إن ثلاث بوابات حدودية بين سوريا وتركيا فقط هي التي تعمل بالكامل من بين 13 بوابة وإن السلطات لا تسمح للرعايا الأجانب سوى باستخدام اثنتين فقط من هذه البوابات.

وفي العام الماضي تم اعتقال 70 شخصا في تركيا للاشتباه في وجود صلات تربطهم بجماعات متطرفة في سوريا، وقال مسؤول حكومي ثان كبير لرويترز "تمت زيادة الاجراءات الامنية منذ فترة نتيجة للتطورات الأخيرة... وتعتقد القوات المسلحة التركية أن الاحتياطات الحالية كافية."

 قصور أمني

سلطت الأضواء على وجود المقاتلين الاجانب في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية هذا الشهر من خلال مقطع الفيديو الذي صور عملية ذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي إذ يبدو أن لهجته اللندنية كشفت عن شخصيته كواحد من نحو 500 بريطاني يعتقد أنهم انضموا لصفوف الجهاديين في العراق وسوريا. بحسب رويترز.

وأبرز مصدر سوري قريب الصلة بالدولة الاسلامية أوجه القصور الأمني على الحدود التركية فقال لرويترز إن المتشددين تلقوا معلومات عن عملية أمريكية مزمعة لانقاذ فولي عندما شوهد أمريكيون يسألون عن الرهائن في مدينة انطاكية التركية على مسافة 20 كيلومترا من الحدود السورية، وأضاف المصدر مشترطا عدم الكشف عن هويته أنه تم نقل فولي ورهائن آخرين نتيجة لذلك.

وقال الكاتب قدري جورسل في مقال على موقع المونيتور الذي يهتم بأخبار الشرق الاوسط "لو لم تفتح تركيا حدودها مع سوريا ... للدولة الاسلامية ولو لم يعبر كل هؤلاء المقاتلين الحدود إلى سوريا بأسلحتهم ومعداتهم ولو لم تستخدم هذه الجماعة تركيا قاعدة لها لما كانت الدولة الاسلامية قد حشدت كل قوتها الحالية في سوريا."

وقال مقاتل اسلامي غير سوري انضم لصفوف المقاتلين في سوريا عام 2012 إنه عبر الحدود عدة مرات في المراحل الأولى من الصراع رغم أنه قال إن العبور ازداد صعوبة منذ ذلك الحين.

وقال لرويترز من خارج سوريا "الحدود كانت مفتوحة على مصراعيها. اعتدنا الدخول إلى تركيا والخروج منها بسهولة شديدة. لم توجه لنا أسئلة. وتم تهريب شحنات الاسلحة بسهولة إلى سوريا."

وكانت قوات المعارضة السورية تتمتع في ذلك الوقت بالدعم الغربي رغم المخاوف من تسلل متشددين إسلاميين إلى صفوفها كما كانت واشنطن تقدم مساعدات غير فتاكة وتضغط دول أوروبية من بينها بريطانيا وفرنسا على الاتحاد الاوروبي للسماح برفع حظر الاسلحة.

ونفت تركيا مرارا إيواء مقاتلين متشددين أو تسليحهم أو حتى غض الطرف عن وجودهم. ويقول مسؤولون إن تركيا اعتبرت التنظيم السابق الذي تحول إلى الدولة الاسلامية جماعة ارهابية منذ عام 2005 وان رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان تعهد في نوفمبر تشرين الثاني الماضي بالالتزام بعدم التساهل بأي شكل من الاشكال مع الجماعات التي تربطها صلات بتنظيم القاعدة.

لكن المسؤولين يرون الان خطرا متناميا على أمن بلادهم خاصة أن مقاتلي الدولة الاسلامية مازالوا يحتجزون 49 رهينة من هجومهم على القنصلية التركية في مدينة الموصل العراقية خلال يونيو حزيران الماضي بمن فيهم القنصل العام وجنود من القوات الخاصة ودبلوماسيون وأطفال.

كما يشير المسؤولون إلى لقطات فيديو صورت في مدينة الرقة ونشرت هذا الشهر قال فيها ناشط من الدولة الاسلامية إن التنظيم سيحرر اسطنبول إذا لم تفتح تركيا سدا على نهر الفرات ما دفع وزيرا بالحكومة للرد بالقول إن تركيا لن تستسلم لمثل هذه التهديدات.

وقال مقاتل بالدولة الاسلامية في سوريا لرويترز "الدولة الاسلامية هنا لتقيم شريعة الله... وتركيا لا تحكم على أساس الشريعة بل كدولة علمانية"، وأضاف "الاولوية الان للبنان وسوريا والعراق وفلسطين والسعودية ثم تركيا."

الحارس الوحيد

وتقول مصادر وثيقة الصلة بداعشفي سوريا إن التنظيم يريد السيطرة على معبر جرابلس الحدودي إلى الشمال الغربي من الرقة. وفي وقت سابق من العام الجاري أخرج التنظيم مقاتلين اسلاميين منافسين من القرية لكي يتسنى له ذلك لكن السلطات التركية أغلقت ممر العبور، كما يسيطر تنظيم الدولة الاسلامية على مقبرة سليمان شاه جد مؤسس الدولة العثمانية في شمال سوريا. وقد دمر التنظيم عددا من الأضرحة والمراقد المقدسة لدى الشيعة وطوائف أخرى ما أثار مخاوف في تركيا من أن يكون ضريح سليمان شاه الهدف التالي.

وتعتبر انقرة الضريح أرضا تخضع للسيادة التركية بمقتضى معاهدة موقعة مع فرنسا عام 1921 عندما كانت سوريا تحت الحكم الفرنسي وقالت تركيا إنها ستدافع عنه، لكن تركيا وحلفاءها الغربيين قد يواجهون أيضا خطر وقوع هجمات من جانب المتشددين على أراضيهم، وقال دبلوماسي أوروبي ثان "أعتقد أنهم بدأوا يفيقون على حدة الوضع خاصة لأن التهديد الداخلي يتزايد." وأضاف أن المنتجعات الساحلية التي يقبل الاوروبيون على قضاء الإجازات فيها قد تصبح هدفا سهلا.

وأضاف "هذا خطر على تركيا لأنه إذا قررت الدولة الإسلامية أن تركيا عدو (وشنت هجوما) فستصبح تركيا مثل مصر... وستكون هذه نهاية السياحة"، وتركيا لها خبرة في مواجهة العديد من التهديدات الأمنية بدءا من المقاتلين الأكراد الذين يقاتلون في تمرد مستمر منذ ثلاثة عقود في جنوب شرق البلاد وانتهاء بجماعات يسارية متطرفة وراء تفجيرات في مناطق حضرية مما أكسب جهاز مخابراتها قوة هائلة. بحسب رويترز.

لكن مسؤولين في أنقرة يقولون إن هناك أجانب من أكثر من 80 دولة يقاتلون في سوريا والعراق وإن من غير المعقول أن تتصرف تركيا "كحارس وحيد" يمنع الأفراد الذين جاءوا من بلادهم بلا عائق بعد تجنيدهم هناك، وقال الدبلوماسي الأوروبي الأول "لا أعتقد أنه ينبغي أن يقلق أحد من القدرات ولكن نطاق الخطر والسرعة التي يتطور بها هما ما سيدفعان أي بلد للتصدي للأمر... وتركيا تجد نفسها على خط المواجهة مباشرة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/آيلول/2014 - 6/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م