مساعدة رئيس الوزراء العراقي القادم على اغتنام الفرصة

مايكل نايتس

 

في 14 آب/أغسطس، سحب رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ترشيحه رسمياً لإعادة تعيينه لفترة ولاية ثالثة "حفاظاً على وحدة العراق واستقراره". وأفسحت هذه اللفتة الطريق أمام رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي لبدء عملية تشكيل حكومة جديدة يجب أن تحظى بمصادقة الأغلبية المطلقة في البرلمان (165 مقعدا من 328)، وذلك بحلول 10 أيلول/سبتمبر. وعلى الرغم من أن المساومات حول الحقائب الوزارية ستواجه نصيبها من العوائق، إلا أنه تمت تسوية المسألة الرئيسية إلى حد كبير، وهي تعيين العبادي، مما يسمح للولايات المتحدة وغيرها من الأطراف بتكثيف دعمها لرئيس الوزراء المقبل.

ويُشار إلى أن اختيار العبادي يمثل إحدى التطورات الأخيرة التي من شأنها أن تحسن بشكل ملموس من الوضع الاستراتيجي للدولة العراقية وشعبها، ويشمل ذلك:

· الحرب الكردية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [«داعش»]. تركز "حكومة إقليم كردستان" كامل جهودها على مكافحة «داعش» (أو «الدولة الإسلامية» بعد أن غيّر التنظيم إسمه في حزيران/يونيو). فقبل إعلان رئيس "حكومة إقليم كردستان" مسعود بارزاني الحرب "حتى الرمق الأخير" في 4 آب/أغسطس، كان أكراد العراق يقفون على الهامش؛ ولو استمروا بذلك الموقف، لكانت العلاقات مع بغداد قد ازدادت توتراً حيث أن العراق يخوض معركة حياة أو موت مع «داعش». أما الآن، فبات هناك عدوّاً مشتركاً لكافة الأطراف الفاعلة في حكومة الوحدة الوطنية وهي تتعاون بشكل متزايد لمكافحة الإرهابيين.

· التدخل الدولي. أصبحت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أكثر انخراطاً في مكافحة «الدولة الإسلامية» عبر توفير الدعم العسكري والإنساني لـ "حكومة إقليم كردستان" والأقليات في شمال العراق. فقد كانت الضربات الجوية الأمريكية الانتقائية حاسمة في حماية اليزيديين في جبل سنجار، على أمل أن تبقى عاملاً أساسيّاً في حماية الأقليات وتعزيز فرص الهجمات المضادة للعراق و"حكومة إقليم كردستان".

· الانتقال السلمي للسلطة. تلقّى العالم تأكيداً واضحاً بأنه سيتم استبدال المالكي بمرشح جديد يبدو أنه يتمتع بتأييد محلي ودولي قوي. إن هذا الوعد بانتقال السلطة بشكل سلمي وسريع نسبياً يجب أن يفتح الباب على مصراعيه أمام عقد الصفقات في الداخل واستقطاب دعم دولي للبلاد في وقت هي بأمس الحاجة إليه.

وإذا تمكّنت الحكومة المقبلة من الحفاظ على الزخم، يمكن لهذه السلسلة من التطورات الإيجابية أن تشكل نقطة تحول في الأزمة التي يمر بها العراق في عام 2014. إذ ستكون القيادة التي يوفرها رئيس وزراء جديد مسألة حيوية، كما تبرز علامات مشجعة تشير إلى أن الولايات المتحدة ستجد في رئيس الوزراء العبادي شريكاً متمكناً.

الاختلافات الرئيسية عن المالكي

من دون التطرق من جديد إلى سيرة حيدر العبادي، يبدو من الواضح أن هذا المهندس والسياسي المخضرم في "حزب الدعوة" من مواليد بغداد يختلف اختلافاً كبيراً عن نوري المالكي. ومن أبرز هذه الاختلافات:

· إتصال محدود بإيران. على عكس المالكي وغيره من كبار المعارضين في "حزب "الدعوة"، قضى حيدر العبادي عقوداً في المنفى في المملكة المتحدة بشكل حصري تقريباً وليس في إيران أو سوريا أو لبنان. ففي الوقت الذي هرب فيه العديد من المعارضين الشيعة إلى إيران في أوائل الثمانينيات، توجه العبادي مباشرة إلى بريطانيا في عام 1977. ويُقال إن علاقاته مع إيران محدودة جداً، وإنه لم يزر الجمهورية الإسلامية في السنوات التي تلت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

· الانفتاح على السنّة. على الرغم من أن العبادي قد فقد شقيقين له على يد نظام صدام حسين، إلا أنه أظهر انفتاحاً نسبياً تجاه السنّة في العراق. فبعد التفافه حول الجوانب الأشد صعوبة من السياسة المعارضة، يتمتع الآن بنظرة أقل صرامة وقسوة من تلك التي مثّلها نوري المالكي. وبالإضافة إلى ذلك، لدى العبادي أرضية أيديولوجية مشتركة مع العديد من القوميين العرب السنّة كما أنه يفهم أيضاً مستويات التسامح الشيعي والكردي حول إعادة تأهيل البعثيين السابقين.

· تركيز أوسع يتخطى الجانب الأمني. قضى حيدر العبادي أكثر من عشرين عاماً في القطاع الخاص في بريطانيا أدار خلالها مشاريع استشارية وهندسية ناجحة. لذا فهو مهتم عملياً بكل جانب من جوانب التنمية الاقتصادية والبشرية في العراق ولكنه لا يتمتع بسجل طويل في مجال الأمن. وهذا يجعله نقيضاً للمالكي الذي لم يكن مهتماً بمعظم جوانب الحوكمة وركز الكثير من وقته بقصر نظر على الشؤون الأمنية. وفي ظل حكم العبادي سيتحول موضوع الأمن من عمل فردي إلى جهد جماعي، مع كل ما يحمله ذلك من الإيجابيات والسلبيات.

· متحدث طلق بالإنكليزية. مرت ثماني سنوات منذ أن قاد العراق رئيس وزراء قادر على التحدث باللغة الإنكليزية. فقد تمتع رئيس الوزراء السابق المالكي بقدرة خاصة باللغة العربية تجلّت من خلال كلماته، وكان مشهوراً بحبه للمحادثة. وبالتالي فإن حاجز اللغة قد أبعده عن القادة الأمريكيين وجعله غامضاً بشكل شخصي، ولن يكون حيدر العبادي أبداً كذلك. وقد يتزعم العراق الآن رئيس وزراء قادر على تكوين علاقات مع كبار القادة في الولايات المتحدة والعالم.

وعلى الرغم من أن العبادي سيكون محاطاً بقادة فصائل أقوياء، إلا أن كبار المسؤولين التنفيذيين عادة ما يجمعون [ويمارسون] المزيد من النفوذ والسيطرة من تلك التي ينوي شركاؤهم منحهم إياها. ومن هذه الناحية فإن صفات العبادي الشخصية والمهنية مشجعة جدّاً. وإذا صادق البرلمان على اختياره وتم تقديم الدعم القوي له من قبل الشركاء الدوليين، ربما سيتمتع العبادي بأفضل القدرات القيادية بين رؤساء وزراء العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين.

أولويات لانخراط الولايات المتحدة

نظراً لاحتمال المصادقة على تعيين حيدر العبادي، يتعيّن على الولايات المتحدة الشروع معه بأعمال دبلوماسية تحضيرية قدر المستطاع. من هنا، لا بد من إطلاق مبادرات ملموسة للإشارة إلى النية الحسنة للحكومة التي يقودها الشيعة تجاه الأكراد والعرب السنة:

· بناء حكومة جديدة. لم يصبح العبادي بعد رئيساً للوزراء، لذا قد يساعد دعمه في الوقت الراهن على تجنب الزلّات السياسية. على سبيل المثال، يمكن لجهوده التي تسعى إلى جمع 165 صوتاً أن تفشل (مما يحتمل أن يبقى المالكي رئيس حكومة تصريف أعمال إلى أجل غير مسمى)، أو قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً مما سيسمح لـ «الدولة الإسلامية» بتوطيد قبضتها على شمال العراق. وحتى لو تمت المصادقة على تعيينه بسرعة، فإن الحكومة الجديدة ستكون متصدعة وتعاني من عيوب قد تؤدي إلى إضعاف أدائها أو انهيارها في وقت لاحق. لذا، يجب على الولايات المتحدة مساعدة العبادي على اغتنام هذه الفرصة والعمل بسرعة على بناء حكومة في إطار روح من الجهود الوطنية ضد «داعش».

· صفقة تقاسم العائدات بين بغداد و "حكومة إقليم كردستان". إذا كانت هناك نقطة ضعف في العبادي كمرشح، فهي أن علاقاته مع الأكراد قد توترت بشأن مسألة تقاسم العائدات. ويشكل ذلك عامل قلق لأن هذه القضية ستمثل أولوية بالنسبة للحكومة الجديدة، أي التوصل إلى اتفاق بشأن قيام بغداد بإعادة المدفوعات الشهرية لـ "حكومة إقليم كردستان"، والتي تم حجبها خلال غالبية أشهر هذا العام بسبب الخلافات حول إدارة العائدات من صادرات نفط "حكومة إقليم كردستان". وكانت الحكومة في بغداد والأكراد قد اقتربا إلى حد كبير من تنفيذ اتفاق تقاسم العائدات بوساطة الولايات المتحدة في آذار/مارس، الأمر الذي كان سيؤدي إلى انخفاض كبير في التوترات. يُشار إلى أن هذه الصفقة لا تزال مطروحة على الطاولة وتمثل حلاً مناسباً لكافة الأطراف، أي بغداد و"حكومة إقليم كردستان" وشركات النفط والمجتمع الدولي. إن تشكيل حكومة وحدة وطنية وبذل جهود مشتركة [لمحاربة تنظيم «داعش»] غير وارد في الوقت الذي تحرم فيه بغداد الأكراد من المال وتقاضي المشترين لنفطهم، وبالتالي فإن التوصل إلى اتفاق أمر لا بد منه. وفي هذا السياق، يتعيّن على واشنطن الضغط بالفعل على العبادي لإعادة العمل بتقاسم العائدات بصفتها أولوية قصوى.

· الإصلاح الأمني. دعمت الولايات المتحدة علناً إعادة تنظيم القطاع الأمني ​​في العراق بغية منح الأطراف المحلية الأولوية في التوظيف والسيطرة العملياتية لقوات الأمن، مع توفير الحكومة الاتحادية للموارد المالية والدعم عند الحاجة. إن هذه المعادلة التي تقوم على إبقاء الجيش العراقي إلى حد كبير خارج المجتمعات العربية السنّية تشكل أفضل فرصة لدحر تنظيم «الدولة الإسلامية». كما تفسح المجال للحصول على دعم عراقي من الحكومة الاتحادية فضلاً عن دعم دولي أوسع لقوات "حكومة إقليم كردستان". وعلاوة على ذلك، ينبغي تشجيع العبادي على الاستفادة من الدروس السابقة حول الإصلاح الأمني من السنوات الأخيرة للوجود العسكري الأمريكي في العراق. على سبيل المثال، يمكنه دعم إعادة هيكلة القيادة العسكرية على المستوى الرفيع والمتوسط بناءً على الجدارة، فضلاً عن دمج السنّة في الهياكل الأمنية المحلية.

· الإصلاح القضائي. ستستغرق مختلف الإصلاحات القضائية والأمنية التي طالب بها السنّة وقتاً لتنفيذها، لذا يجدر بالعبادي أن يبعث برسائل مبكرة تشير إلى أن حكومته ستتبع نهجاً مختلفاً عن ذلك الذي اتبعته بغداد سابقاً من حيث الاستهداف السياسي لهذه الفئة. وربما كان المثال الأفظع عن هذه السياسة هو توجيه تُهم الإرهاب إلى وزير المالية السني رافع العيساوي في كانون الأول/ ديسمبر 2012. وقد اعترضت الولايات المتحدة علناً في ذلك الوقت على تلك الاتهامات وينبغي عليها القيام بذلك مرة أخرى. فإلى جانب كونه أحد السياسيين السنّة الأكثر شعبية في العراق وضحية رمزية لحكومة نوري المالكي، يلقى العيساوي دعماً قوياً من تركيا والأردن ودول الخليج العربي. وبالتالي، من خلال رفع التهم الموجهة إليه وإعادته إلى منصب وزاري بارز، ستبعث بغداد برسالة هامة إلى السنّة في العراق وأماكن أخرى. وبدوره، يمكن أن يساعد ذلك على إعادة بناء ثقة السنّة بالحكومة وتعزيز مشاركتهم في الحرب ضد «داعش».

* مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن

http://www.washingtoninstitute.org/

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/آب/2014 - 23/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م